Rayuwar Almasihu
حياة المسيح: في التاريخ وكشوف العصر الحديث
Nau'ikan
قال إنجيل لوقا: «وكان أبواه يذهبان كل سنة إلى أورشليم في عيد الفصح، فلما كانت له اثنتا عشرة سنة صعدوا إلى أورشليم كعادة العيد، وبقي الصبي عند رجوعهما في أورشليم، ويوسف وأمه لا يعلمان، وإذ ظناه بين الرفقة، ذهبا مسيرة يوم، وكانا يطلبانه بين الأقرباء والمعارف، ولما لم يجداه رجعا إلى أورشليم يطلبانه، فوجداه بعد ثلاثة أيام في الهيكل جالسا في وسط المعلمين يسمعهم ويسألهم، وكل الذين سمعوه بهتوا من فهمه وأجوبته، فلما أبصراه دهشا، وقالت له أمه: يا بني لماذا فعلت بنا هكذا؟ فقال لها: «لماذا كنتما تطلبانني؟ ألم تعلما حيث ينبغي أن أكون قيما لأبي.» فلم يفهما الكلام الذي قاله لهما، ثم نزل معهما، وجاء إلى الناصرة، وكان خاضعا لهما، وكان يتقدم في الحكمة والقامة والنعمة عند الله والناس.»
ولا يذكر الإنجيل شيئا عن نشأة الصبي بعد ذلك إلى أن بلغ الثلاثين، وظهر يوحنا «بمعمودية التوبة لمغفرة الخطايا»، وحينئذ جاء يسوع من الجليل إلى الأردن؛ ليعتمد منه - كما ورد في إنجيل متى - فمنعه يوحنا قائلا: أنا محتاج أن أعتمد منك، وأنت تأتي إلي؟ فأجابه يسوع: تسمح الآن؛ لأنه هكذا يحمل بنا أن نستوفي كل بر. فسمح له، فلما اعتمد يسوع، صعد للوقت من الماء، وإذا السماوات قد انفتحت له، فرأى روح الله نازلا مثل حمامة، وآتيا عليه، وصوت من السماوات يقول: هذا هو ابني الحبيب.
وفي إنجيل غير الأناجيل الأربعة المعتمدة - وهي إنجيل العبريين - رواية عن هذه الفترة من سيرته - عليه السلام - جاء فيها أن أمه وإخوته قالوا له: إن يوحنا المعمدان يوالي التعميد؛ لغفران الخطايا، فهلم بنا إليه ليعمدنا. فقال لهم: «أي خطيئة جنيت حتى أذهب إليه لتعميدي؟! اللهم إلا أن يكون هذا القول الذي قلت.»
وليس في الأناجيل، ولا في غيرها خبر عن تعليم السيد المسيح في طفولته قبل الثانية عشرة وبعدها، ولكنه بالقياس إلى نظام التربية في ذلك العصر يبدأ في مكتب ملحق بالبيعة في كل قرية كبيرة يشرف على بيعتها «حزان» أو «خزان» بمعنى الخازن والحارس، ويندر في المكتب حصول التلميذ على النسخ المخطوطة من الكتب الدينية غير نسخة البيعة المعدة للتلاوة منها في الصلوات، وللاستعانة بها على تعليم التلاميذ الصغار، ومعولهم جميعا على الحفظ والاستظهار.
لقد كانت كل أسرة يهودية تتمنى في ذلك العصر أن يخرج منها المسيح المنتظر، وقد سمي الطفل يسوع أو «يهوشع» على هذا الأمل؛ لأن الاسم مركب من كلمتين تفيدان معنى سعي «يهوا»، أو نجدة «يهوا»، أو خلاص «يهوا»، فتربى الطفل تربية دينية خالصة، ولا يصعب علينا تعليل سفر الأسرة إلى بيت لحم عند مولده؛ لأنها تنتظر المعجزة هناك، حيث ورد في أسفار من النبوءات أن بيت لحم هي مولد المسيح الموعود؛ لأنها موطن داود.
ولا يبعد أن الصبي المبارك وكان في الثانية عشرة من عمره، قد وعى جميع الدروس التي يتعلمها الصغار في مدارس القرى، واستمع إلى شيء جديد من فقهاء الهيكل وأحباره، فتاقت نفسه إلى استيعابه، ونسي أهله وموعد عودتهم إلى قريتهم، وهو يتنقل بين دروس الفقهاء والأحبار.
ويغلب على الظن أنه كان على صلة وثيقة بيوحنا المعمدان، وأن يوحنا قد رآه وعرفه، وعرف فضله وطهارة سيرته قبل أن يلقاه في الأردن عندما تصدى لرسالة التعميد، وهي بطبيعتها رسالة إعداد وتمهيد.
ومن البديهي أن كلمات يوحنا مع الفتى ابن الثلاثين في ساعة التعميد لم تذهب بغير صداها في نفسه الواعية، فمن أيسر آثارها في مثل تلك النفس أن تعزز فيها الأمل، وتدعم فيها اليقين، وتبعثها على التأمل فيما خلقت له، وفيما ترجوه ويرجى منها بين البشائر والنذر التي ترددت يومئذ في كل مكان، وعلى كل لسان.
وخلوة البرية هي إحدى نتائج التحية النبوية، وهي خلوة التجربة، والامتحان، والتساؤل، والاستيثاق التي عالجها كل نبي قبل أن يصدع بما أمر به، وقبل أن يستيقن أن ما أمر به من عند الله.
ونعتمد في وصف هذه التجربة على رواية إنجيل متى حيث يقول: «إنه - عليه السلام - بعد أن صام في البرية أربعين ليلة، جاع أخيرا، فتقدم به المجرب، وقال له: إن كنت ابن الله فقل لهذه الحجارة تصير خبزا. فأجابه: مكتوب أنه ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان، بل بكلمة تخرج من فم الله. ثم أخذه إبليس إلى المدينة المقدسة، وأوقفه على جناح الهيكل، وقال له: إن كنت ابن الله فاطرح نفسك من عل؛ لأنك موعود أن يوصى ملائكته بك ليحملوك على أيديهم، فلا تصطدم رجلك بحجر. قال يسوع: ومكتوب أيضا ألا تجرب الرب إلهك. ثم أخذه إبليس إلى جبل عال، وأراه جميع ممالك العالم ومجدها، وقال له: أعطيك هذه جميعها، إن سجدت لي. قال يسوع: اغرب عني أيها الشيطان، فإنه مكتوب للرب إلهك تسجد، وإياه وحده تعبد.»
Shafi da ba'a sani ba