71

Rayuwar Almasihu

حياة المسيح: في التاريخ وكشوف العصر الحديث

Nau'ikan

لقد كانت الدنيا تدور على محور الشره، والشر، والبغضاء، والنفاق، فحسن - ولا شك - أن تدور على غير ذلك المحور، وإذا انتقلت منه إلى محور القناعة والخير والحب والصدق، فلا مشاحة في قياس المسافات، ولا تقدير المقادير.

بل نقول إن الرسالة كاملة وافية، ولو لم يكن هذا الانتقال إلى حين وفي حيز محدود، فإنما العبرة بإضافة هذه القيم الجديدة إلى حساب الإنسانية، وشأن الإنسانية بعد ذلك وما تستطيع، وشأن الرسل بعد ذلك وما يستطيعون من تجديد الرسالة كلما انحرفت الجادة، أو احتاج ضمير الإنسان إلى محور جديد.

ملكوت السماوات

إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء وهو أعلم بالمهتدين (القصص: 56)

هذه آية كريمة لها مرجع من تاريخ كل دعوة، ولا سيما الدعوات الدينية الكبرى، وما من شيء هو أدعى إلى التدبر الطويل من المقابلة بين مقاصد أصحاب الدعوات، وبين الغايات التي تنتهي إليها دعواتهم على غير قصد منهم، بل على خلاف ما قصدوا إليه، ثم يمضي الزمن، وتنطوي المقاصد والغايات، فيبدو أن طريق الدعوات كان أهدى من طريق أصحابها، كأنما الدعوات والدعاة معا وسيلة مسخرة تسير في عنان الحكمة الأبدية، دون أن يعلم الدعاة أو يعلم المستجيبون لها إلى أين تسير، وإلى أين يسيرون.

ماذا لو أن أهل مكة عقلوا فاستجابوا إلى الدعوة المحمدية، ولم يدخل المسلمون مكة دخول الغالبين المنتصرين؟

إن الهجرة من مكة إلى المدينة كانت فاتحة الفتوح الإسلامية، فلو أنها ارتفعت من تاريخ الإسلام لتغير ذلك التاريخ، ولكنه لا يستفيد - فيما نعتقد - بزوال ذلك الحادث الذي كان محسوبا من العقبات، بل أكبر العقبات في صدر الإسلام.

وماذا لو أن بني إسرائيل في عصر السيد المسيح قبلوه وصدقوه، وفتحوا له أبواب الهيكل مرحبين مؤمنين؟

كان غاية الأمر أن نبيا من الأنبياء يضاف اسمه إلى أسماء الأنبياء في كتاب العهد القديم، وتبقى إسرائيل في عزلتها كما كانت، ويبقى العالم كله كما كان من هذه الناحية، وتبقى الناصرة كما كانت في التاريخ: منسية لا تذكر، أو تذكر كما تذكر أصغر القرى التي تحكمها رومة الخالدة؛ رومة القياصرة والجبارين المتألهين.

فمما لا ريب فيه أن السيد المسيح قد أراد إسرائيل بدعوته الأولى، ومن البديه أن يريدهم قبل أن يريد أحدا غيرهم؛ لأنهم عشيرته الأقربون، ولأنهم أصحاب الكتب التي تبشر بالخلاص، وتترقب الرسول المخلص من وراء الغيب.

Shafi da ba'a sani ba