58

Rayuwar Almasihu

حياة المسيح: في التاريخ وكشوف العصر الحديث

Nau'ikan

ويوشك مع الظلم أن يكون كل متهم مظلوما؛ لأن الجريمة كلها في جانب الحاكم لا في جانب المحكوم عليه.

وحيث يكون الظلم هو الآفة، فالمتهمون هم أولى الناس بالرحمة والعطف والإنقاذ.

وقد كان المتهمون هم أولى الناس بالرحمة والعطف والإنقاذ في أحضان الدعوة الجديدة؛ أحضان الرسول المبشر بالخلاص والنجاة.

طوبى للحزانى، طوبى للمساكين، طوبى للجياع والظماء، طوبى للمطرودين في سبيل البر، طوبى للودعاء والرحماء، «تعالوا إلي يا جميع المتعبين والمثقلين، احملوا نيري عليكم وتعلموا مني، فتجدوا راحة لنفوسكم؛ لأن نيري هين، وحملي خفيف.

أما الويل فهو ويل الشباعى الذين لا يعلمون أنهم جائعون، والأغنياء الذين لا يعلمون أنهم معوزون، والمتجبرين الذين لا يعلمون أنهم مساكين، والمتكبرين الذين لا يعلمون أنهم منكسرون.» •••

واستجاب ضحايا الرياء لصيحة الرسول الكريم على قدر شوقهم إلى العزاء، وعلى قدر ما يحملونه من أوقار الشريعة العمياء، والتقوى المزيفة، وربما كان الأصح أن الرسول الكريم بذل عطفه لضحايا الرياء على قدر حاجتهم إليه، وشعورهم براحته ورحمته، وعلم أن الشكران على قدر الغفران، وأن الأمل في التوبة على قدر الكرم في المحبة، «مدينان، على أحدهما خمسمائة دينار، وعلى الآخر خمسون ، ليس لهما ما يوفيان، فأجزلهما شكرا من سومح في الدين الكبير.»

وكانت ضحية الضحايا في ذلك العصر المرأة؛ لأنها لم تزل ضحية الضحايا في كل عصر يطغى عليه البذخ من جانب، ويطغى عليه الحرمان من جانب، ويعم الرياء في كلا الجانبين، ولم تزل في كل عصر كذلك العصر تبوء بشقاء الفتنة على ألوانها: فتنة الغواية، وفتنة الأسرة المنحلة، وفتنة الحيرة التي تعصف بالثقة. والطمأنينة ألزم ما يلزم المرأة في كل زمان.

ونظرت تلك الفريسة التي لاحقتها اللعنة أحقابا بعد أحقاب، وأطبقت عليها الفتنة في ذلك العصر خاصة أكاما فوق آكام، فإذا حنان طهور يغمر ضعفها، ويجبر كسرها، ويمسح اليأس من قرارة وجدانها، ويشيع الأمل في رحمة الله بين جوانحها، فعلمها درس من دروس الحب القدسي ما لم تتعلمه من دروس العقاب في شريعة المنافقين، وموازين المقسطين، وبرزت على صفحة الزمن في ساعة من ساعات ذلك العصر المريج صورة مشرفة زالت شرائع الهيكل، وزالت شرائع رومة، وهي باقية عالية، صورة الغفران ماثلة في شخص الرسول الكريم، وصورة التوبة ماثلة في شخص فتاة منبوذة جاثية على قدميه، تسكب عليهما الدمع والطيب، وتمسحهما بغدائر رأسها.

والتفت السيد إلى تلميذه، وإلى المتعجبين من حوله، يتساءلون: كيف يزعم أنه نبي، ويجهل أنها امرأة خاطئة؟ فقال: «أتنظر إلى هذه المرأة! إني دخلت بيتك، فلم يكن لقدمي فيه مسحة من ماء، ولكنها غسلتهما بالدموع، ومسحتهما بشعر رأسها، ولم تمنحني قبلة، وهي منذ دخلت لا تكف عن تقبيل رجلي، ولم تدهن رأسي بزيت، وهي قد دهنت رجلي بالطيب، ومن أحب كثيرا غفر له الكثير من خطاياه.»

توبة صادقة، ورحمة مستجيبة لا غرو على الشريعة الكاذبة فرائسها، وتخشى التقوى الزائفة على فخرها وكبريائها، وويل لمن يفتح بابا للتوبة والرحمة، ولا يبالي الأبواب التي فتحت للنقمة والعقاب. •••

Shafi da ba'a sani ba