Rayuwar Almasihu
حياة المسيح: في التاريخ وكشوف العصر الحديث
Nau'ikan
أرض الجليل
ولد السيد المسيح بأرض الجليل، أو جليل الأمم كما كان يسميها الإسرائيليون؛ لأنها كانت إقليما مفتوحا لجميع الأمم الشرقية والغربية، ولم يخلص سكنه للإسرائيليين وحدهم في زمن من الأزمان.
ومعنى الجليل بالعبرية الدائرة: الإحاطة؛ لأنها اتسعت لكثيرين ممن يحال بينهم وبين الإقامة في بلاد أخرى من فلسطين، ولا سيما الجنوب.
وكانت الجليل جزءا من أقاليم الشاطئ الشمالية التي عرفت في التاريخ القديم باسم كنعان، ثم أطلق عليها اليونان اسم «فينيقية» من اللون الأحمر على ما يظهر، وهو لون الصخور والجبال.
وقد امتازت كنعان قديما بالموانئ الصالحة، ووقوعها على طريق التجارة من البحر الأبيض إلى خليج فارس إلى أقصى المشرق، واشتهرت في هذه الموانئ صيدا وصور وحيفا، وكادت تجارة المشرق والمغرب تنحصر في صيدا وصور؛ لأن الشواطئ الجنوبية خلت في الزمن القديم من الموانئ الصالحة، ولم تكن وراءها مسالك مطروقة للتجارة غير مسالك الصحراء، وهي يومئذ قليلة الأمن كثيرة التكاليف.
ولهذا الموقع الفريد حفلت أرض الجليل من قديم الزمن بالسياح والمقيمين من جميع أمم الحضارة في المشرق والمغرب، وتوثقت صلاتها بجميع الحضارات الإنسانية، وراجت فيها الصناعات، والمعارف العلمية والنظرية، ولا سيما المعارف التي لها علاقة بالملاحة كفن بناء السفن، ورصد الكواكب، والكتابة، حتى تواتر أن تجار الفينيقيين وملاحيهم هم الذين نشروا الأبجدية في بلاد البحر الأبيض، ومنها انتقلت إلى سائر الأمم الأوربية.
وقد دخل بعض بلاد الجليل - أو كنعان - في مملكة داود بعد إنشائها، ولكن العلاقة بين الجليل واليهودية ظلت على الدوام علاقة حذر وجفاء، إن لم تكن علاقة حرب وعداء، وكان أثر السيطرة اليهودية على بلاد الكنعانيين أن اليهود أخذوا من الكنعانيين معالم حضارتهم، وعولوا عليهم في الصناعة والتجارة، وجاء في العهد القديم غير مرة ذكر الاستعانة بالصناع والخبراء من أهل كنعان في تشييد الهياكل والقصور اليهودية، ومن ذلك في سفر الملوك أن سليمان أرسل إلى حيرام ملك الكنعانيين يرجوه أن يأمر بقطع الخشب؛ لبناء الهيكل، ويقول له: «إنك تعلم أنه ليس بيننا أحد يعرف قطع الخشب كالصيدونيين.»
1
ومنه وصف المهندس الذي كان أبوه من صور وأمه من سبط نفتالي ، «وكان ممتلئا حكمة وفهما ومعرفة لكل عمل في النحاس.»
وقد جاء في الإصحاح السابع والعشرين من سفر حزقيال أنهم كانوا يتجرون بالحنطة والعسل والزيت والبلسان والحلوى، وغيرها من منقولات الأمم الأخرى.
Shafi da ba'a sani ba