Rayuwar Almasihu
حياة المسيح: في التاريخ وكشوف العصر الحديث
Nau'ikan
واسم هذه الطائفة مختلف عليه، ولكن الراجح من الأقوال المتعددة أن الاسم مأخوذ من كلمة «آسي» بمعنى الطبيب أو النطاسي في اللغة الآرامية، وهي تفيد هذا المعنى في اللغة العربية التي تعد اللغة الآرامية أقرب اللغات السامية إليها، ومن المعقول أن يتسمى أصحاب هذا المذهب بالآسين؛ لأنهم كانوا يتعاطون طب الروح، ويدعون إبراء المرضى بالصلوات والأوراد، كما يدعون العلم بخصائص العقاقير.
وقد نشأت الطائفة على الأغلب بالإسكندرية في القرن الثاني قبل الميلاد، واقتبست من المدارس الإسكندرية كثيرا من أنظمة العبادات السرية، وبعض المذاهب الفلسفية، كمذهب فيثاغوراس الذي يحرم ذبح الحيوان، ويدعو إلى التقشف والقناعة بالقليل.
وكان حراما عند أبناء هذه النحلة أن يملك أحدهم ثوبين، أو زوجين من النعال، أو يدخر الأمتعة والأقوات، وكانت الرهبانية غالبة عليهم إلا من أذن له بالزواج، ويعفى من قيود النسك والبتولة.
وكانوا ينتظمون في النحلة على ثلاث درجات: درجة التلمذة، ويقبلون فيها الصبيان فيما دون الحلم؛ ثم درجة المقسمين، وهم الذين يقسمون اليمين، ويقضون سنة في الرياضة والتدرب على العبادة والاطلاع على الأسرار؛ ثم ينقل المريد إلى درجة الواصلين ويقضي فيها سنتين، ثم يلبس شعار الطائفة وهو ثوب أزرق وزنار، ويحمل الفأس في يده، كناية عن العمل الشاق، ولهم بين المرحلة الأولى والمرحلة الثانية شعائر متواترة يقوم بها الأساتذة، منها الاغتسال، وتلاوة بعض العهود، ويقسم أحدهم مرة واحدة يمين الأمانة والمحافظة على سر الجماعة، ويحرم عليه القسم بالحق أو بالباطل مدى الحياة، ويجوز فصل العضو بعد رسمه إذا حنث في يمينه، واتفق مائة من الإخوان على إدانته، بل يجوز الحكم عليه بالموت؛ إذ بلغ الحنث حد الخيانة والكفر بقواعد الإيمان.
وهم يتطهرون من الحدث، ويصلون عند الفجر، ويحصلون على الراحة في يوم السبت، ومنهم من لا يستبيح في ذلك اليوم إزالة الضرورات.
وليس بينها رئاسة ولا سيادة، والرق عندهم حرام، وعملهم المفضل الزراعة والصناعة اليدوية، أما التجارة، فهي في مذهبهم عمل خبيث أو غير لائق، وأخبث منها حمل السلاح للقتال.
والمادة عندهم مصدر الشر كله، والسرور بها سرور بالدنس والخيانة، وكان يغلب عليهم من أجل هذا وجوم الصمت والندم، وكل ما يباح لهم من السرور فهو سرور الروح أو سرور الاتصال بعالم الأرواح، وهو عالم سماوي في أعلى الأثير يرتفع إليه المؤمن بالعبادة والرياضة والقنوت.
وكانوا يتآخون ويصطحبون اثنين اثنين في رحلاتهم، وقلما كانوا يشاهدون في المدن الآهلة بالسكان أو في الأحياء التي يرتادها القصاد للفرجة وإزجاء الفراغ.
وهم مؤمنون بالقيامة والبعث ورسالة المسيح المخلص، معتقدون أن الخلاص بعث روحاني يهدي الشعب حياة الاستقامة والصلاح، ورائدهم في طلب الرضا من الله هو النبي عاموس، الذي كان يعلم الشعب أن التقرب إلى الله بالعدل والرحمة خير من التقرب إليه بالذبائح والهدايا.
ولا يبعد أن يكون الغلاة أو الجليليون أتباع يهودا الجليلي فرقة متطرفة من فرق الآسين؛ لأنهم يسلكون مسلكهم في التقشف والقناعة، ويزيدون عليهم بالحض على العمل؛ لتحقيق النبوءات، وتقريب يوم الخلاص، وهم الذين ثاروا ونظموا العصابات في السنة السادسة أو السابعة قبل الميلاد، وتمردوا على أمر الإحصاء الذي صدر من «كرينياس» حاكم سورية، وأصبح اليهود بموجبه معدودين في رعايا قيصر، أو عبيده الذيم يدينون له بالسيادة، وحجتهم أن طاعة القيصر من عبادة الأوثان، وأن إحصاء الشعب لاعتباره من عبيد القيصر مروق به من الديانة، ولما رفع الملك هيرود تمثال النسر القيصري فوق هيكل بيت المقدس ذهب اثنان من الغلاة إليه، وانتزعاه عنوة، وأنذر إخوانهما من يعيده إلى مكانه بالموت، وقد ثار هؤلاء في سنة الإحصاء بقيادة يهودا الجليلي، ومات هو وأبناؤه وذووه في إبان الثورة، وكانت الدولة الرومانية تحذر الفتنة في هذه البقعة المتوسطة بين القارات الثلاث، فكانت تؤثر التقية والمداراة في معاملة الثائرين، ولا تأخذهم بالقمع والسطوة إلا إذا ضاقت بها سبل الحلم والأناة. •••
Shafi da ba'a sani ba