فأما الجزء الخفيف من العالم فإن مكانه الخاص به هو فيما بين الجزء الثقيل والجزء الذي ليس بثقيل ولا خفيف. ولذلك صار ما ينحصر منه في تضاعيف الجزء الثقيل يتحرك صاعدا أبدا إذا ارتفعت العوائق إلى أن يلحق بهذا المكان أعني الذي فيما الجزئين الباقين, وما هو ألطف منه مترتب على ما هو أكثف منه. وهذا الجزء أعني الخفيف ينقسم بقسمين هما الهواء والنار. أما الهواء فهو محيط بكرة الماء وشكله شكل كري سطحه الداخل الذي يلي كرة الماء سطح مقعر تقعيرا كريا لان سطح الماء يحده إلا أن المواضع المرتفعة من الأرض تشعثه كتشعث سطح كرة الأرض لكن ذلك غير مؤئر في كريته لصعر قدر ذلك عند جملته. فأما سطحه الأعلى فسطح محدب يلي كرة النار.
فهذا الجسم أعني الهواء مختلف الأجزاء يعرض فيه من عوارض الكون والفساد وبعض أجزائه كثيف وبعضها سخيف. أما الكثافة التي فيه فللبخارات الغليظة التي تعرض من سخونة الأجسام الرطبة وحركته صاعدة كالرياح العاصفة والسحاب المؤتلف من البخار الرطب أو البرودة العارضة في الأهوية الرطبة وتجميدها أياها كالثلوج الحادثة وبالجملة فلأنواع الاستحالات المتعاقبة. والذي يلي الأرض من الهواء أكثر سخونة مما بعد عنها لانعكاس شعاعات الشمس الواقعة على الجسم الكثيف ثم يزال الهواء يتزايد في البرد كلما بعد عن الأرض حتى يقرب من كرة النار ثم يعود ساخنا للطافته وقربه من شبه النار وكلما قرب من النار اشتد تشبهه بها إلى أن يصير الى جرم النار لا تخالطه شيء من الهواء.
فأما النار فإنها محيطة بكرة الهواء وشكلها شكل كري سطحها الداخل سطح مقعر تقعيرا كريا محيطا بكرة الهواء. فأما سطحها الخارج فسطح كري محدب صحيح الاستداوة يحده الجسم المحيط به المتحرك عليه. فهذا جملة القول على الجسمين الخفيفين.
فأما الجزء الذي ليس بثقيل ولا خفيف فإنه محيط بالجزئين الباقيين ومتحرك حولهما حركة دائمة وهذا الجزء هو الذي يسمى الفلك وهو الذي يشتمل على جميع الكواكب. وشكله بكليته شكل كري يحيط به ويحده سطحان كريان مركزهما مركز العالم أحدهما وهو الداخل سطح مقعر صحيح الاستدارة مماس لكرة النار مركزه مركز العالم والآخر وهو الخارج سطح محدب كري صحيح الاستدارة متاشبه الأجزاء مركزه مركز العالم وهو محيط بجميع الموجودات. وهذا الجسم بجملته متحرك حركة سريعة من الجهة التى تسمى المشرق إلى الجهة التى تسمى المغرب ويحرك بحركته جميع ما يشتمل عليه من الأجرام السماوية حركة مستديرة. و هذا الجسم ينقسم أقساما وسنبين كل واحد من ذلك في موضعه, فهذا القول المجمل على جميع العالم وسنأتى على تفهصيله إن شأء الله تعالى.
Shafi 10