مغازي حواء الجديدة
وما أبعد الفرق بين «حواء الجديدة» و«ذات الورود» من حيث المغزى، فإن ديماس الصغير دار في روايته التي هي تحفة للآداب الفرنساوية حول محور واحد، وهو أنه حاول أن يثبت للقارئ أن مرغريت غوتيه الساقطة كانت ذات نبل وشرف نفس، وغرضه من هذا أن يرفع شأن المرأة الساقطة في عيون الناس؛ لكي يكفوا عن احتقارها؛ لأن بين هؤلاء النسوة المخزيات كثيرات أشرف نفسا، وأشد إخلاصا من كثير من أولئك الناس الذين يلعنونهم، وقيل: إنه رمى إلى هذا الغرض؛ لأنه هو ابن غير شرعي لديماس الكبير، ومع ذلك لم يقدر أن يصل إلى ذلك القصد تماما، أي: إثبات إخلاص مرغريت جوتيه بدليل أنها لما جافت أرمان جوفال حبيبها إكراما لخاطر أبيه لم تصن نفسها عن سواه، بل بذلت نفسها لأصدقائها السابقين في حين أنها كانت تدعي أنها لم تزل تحب أرمان، فأي شيء كرسته أو ضحت به لأجل حبه؟ هذا ما ينتقد على مغزى «ذات الورود»، ولكن «ذات الورود» تمثل حقيقة بل هي حقيقة جرت؛ لأنه يقال: إن أرمان لم يكن إلا ديماس نفسه ومرغريت ليست إلا الفونسين أو بليسي عشيقته.
نعم إن «حواء الجديدة» تشتمل على هذا المغزى الذي اشتملت عليه «ذات الورود»، ولكن هذا المغزى واحد من عدة مغاز انتظمت في سلك رواية «حواء الجديدة»، وهاك أهم تلك المغازي:
أولا:
وهو أهم ما رمت إليه الرواية أن المرأة والرجل يشتركان في الإثم، والرجل غالبا هو الذي يغوي المرأة، ويجرها إلى الإثم، ولكن الهيئة الاجتماعية تعاقب المرأة وحدها عقابا أبديا قاسيا، وتسامح الرجل تمام المسامحة فلماذا يسامح؟
ليس الغرض من حواء الجديدة أن تسامح الفتاة، كما يسامح الشاب بل أن يعاقب هو كما تعاقب هي، وهو واضح في الرواية جيدا.
ثانيا:
أن الرجل وهو فاسد يطلب أن تكون المرأة عفيفة، والفتى وهو يسعى وراء الفساد، ويغوي الفتيات يبتغي عروسا لم تمسها يد بشر، فإذا كان الرجال يريدون أن تكون النساء عفيفات، فلماذا يطاردون عفافهن، وإذا لم يرجعوا هم أنفسهم عن الفساد، فكيف تبقى النساء عفيفات، أليس بين ما يبتغونه ويفعلونه تناقض هو الاستبداد الذي يستبده القوي بالضعيف، وما أجمل القول هنا: «عفوا تعف نساؤكم».
ثالثا:
إن التربية القويمة الدقيقة غير كافية لصيانة عفاف الفتاة، ولا سيما إذا كانت في أوائل شبيبتها ضعيفة الإرادة رخصة الفؤاد تميل مع نسمة الهوى كيفما هبت؛ ذلك لأن الطبيعة البشرية أقوى من الشريعة الأدبية، فلا يؤمن سقوط الفتاة إذا لم تقرن تربيتها الصالحة بالمراقبة الفعلية عليها؛ ولهذا يخطئ الوالدون كل الخطأ في أن يدعوا سبيلا لخلوة الفتيات مع الفتيان.
Shafi da ba'a sani ba