56

Hawa Sabuwa

حواء الجديدة

Nau'ikan

بل الأعجب يا موريس أن أصدقائي وصديقاتي في الإسكندرية الذين لم يشهدوا شخصي الأول، ولا رأوني في حالة دنسي وهواني، ولم يعرفوني إلا «فلانة الأرملة» الفاضلة القديسة المحسنة نفروا مني وتجافوني لما وقفوا على حقيقة أمري، فكل ما شهدوه عيانا من صلاحي وتثبتوا منه بالبراهين الحسية من حسن سيرتي كذبوه وأنكروه، ولكنهم صدقوا مجرد الخبر عن هفوتي فتأمل ما أشد فاعلية تلك الهفوة.

كل ما أتيته من الحسنات وفعلته من الصالحات، وصنعته من المعروف وبرهنت عليه من العفاف والطهارة بتقشفي، وتعبدي وتصوني بغية أن يكون حجابا كثيفا قويا أحجب به إثمي الوحيد لم يستطع الثبات أمام هجمات الناس على سيرتي، دكوا ذلك الحجاب المتين إلى أساساته وفضحوا عاري.

تأملت كثيرا في العادات والآداب البشرية، فوجدتها عكس المعقول فحرت كل الحيرة في سرها، هل انتبهت يا موريس إلى أمر غريب فيها؟ هو أن الآثام التي لا تؤذي إلا آثمها وحده يصر الناس على معاقبته عليها، ولن يغتفروها له ولو تاب وكفر وصان نفسه عن سائر الآثام، لماذا؟ وأما الآثام المؤذية لغير آثمها، فيغتفرونها له من غير أن يتوب، فالسرقة مثلا يؤذى بها المسروق وينتفع السارق فيغتفرونها، والكذب يضر بالمكذوب عليهم فيغتفرونه للكاذب، والظلم يضنك المظلومين فيغتفرونه للظالم، وأما الزنا فلأنه لا يضر إلا بالتي زنت وحدها إذا كانت بلا بعل فلا يغتفرونه لها، بل يعاقبونها عليه أقسى عقاب، ولكن زنا الرجل الذي يضر بالزانية وزنا الزوجة الذي يضر بزوجها يتسامحون بهما، ويغتفرونهما بلا كفارة حتى بلا توبة.

لو قام المسيح الآن وقال ما قاله يوم قدم له الفريسيون زانية، وسألوه حكمه عليها: «من كان منكم بلا خطية فليرم إيفون مونار بحجر»، لرماني كل الناس حتى ذلك الذي لم يؤذ سواي، بل هم الآن يرمونني بما هو أقتل من الحجارة، يرمونني بسهام الاحتقار والازدراء، أظنك أنت وحدك يا موريس تقول ما قاله المسيح لتلك الزانية: «اذهبي يا امرأة ولا أنا أدينك.»

بعدما تركني خطيبي عرف كل معارفي سبب تركه لي، وعرفوا حقيقة أمري فقللوا من اعتباري جدا، وحطوا من شأني حتى إن الذين لم يشكوا بتوبتي وإخلاصي وصدقي في سلوكي، ومظاهري تغير نظرهم في، وصارت زلتي الماضية أداة تعييري، فإذا استاءت إحدى السيدات مني لأمر بغير حق بالرغم من اجتهادي في إرضاء الكل تنتقم مني بأن تعيرني بهفوتي الماضية، إذا ذهبت إلى الكنيسة قال بعضهم: «إنها لمرائية»، إذا أحسنت إلى فقير قالوا: «تتظاهر بالفضيلة لتستر عارها»، إن زارني أحد من الرجال غير مرة قالوا: «عشيقها»، وإن ترددت على صديقة مرارا قالوا: «متفقتان على البغي؟»

لما ذهبت إلى الكنيسة لأول مرة في تلك الأثناء كانت أكثر العيون ترمقني، وبعض الأصابع تشير إلي خفية وبعض السيدات يتهامسن (بالطبع بحديثي)؛ لأن حكايتي جديدة وغريبة، وإن كانت زلتي مألوفة عندهم.

مرضت على الأثر فاستدعيت الطبيب الذي كان يعودني قبلا، فتخلف عن عيادتي وعلمت بعدئذ أنه اضطر إلى ذلك؛ لئلا يظن الناس فيه سوءا يؤثر تأثيرا سيئا على مصلحته ووظيفته، فترى أنه لولا مصلحته لما استنكف أن يعودني.

والذي يجنني أني كنت وصديقتي مرة في سان استفانو، فصادفت سيدة مع شقيقة ذلك الخئون تنظر إلي تارة وتكلمها أخرى، وأحيانا تقهقهان، فسألت صديقتي: «من هذه السيدة؟» فتوسمتها وقالت: «هي زوجة ذلك الغادر مع أخته»، حيتهما صديقتي فلم تردا التحية، فقلت لها: «إنهما تنكرانك الآن لأجلي»، فقالت: «لا تعجبي لا يراشق بالحجارة إلا من كان بيته من زجاج »، عند ذلك لم أطق البقاء هناك فعدت وصديقتي حالا؟

لم يعد أحد من الشبان يعاشرني ويجالسني إلا على نية دنيئة لم يعد يتقدم طالب ليدي البتة؛ لأني في عرف الناس ساقطة، وإذا تقدم إلي شاب يجهل أمري فلا يلبث أن يطلع عليه فينثني عني.

تقدم إلي بعض الشبان طمعا بالمال اليسير الذي جمعته من وخز الإبرة، ولكن لم يكن بينهم أحد ذا مكانة معتبرة يستطيع أن يرفعني من حطتي، فأي من أرضاه بعلا منهم يزيدني حطة؛ ولذلك رفضتهم جميعا؛ لأني لم أبتغ الزوجية إلا لاسترداد مقامي الذي خسرته.

Shafi da ba'a sani ba