وقدة الحب
منذ أشهر كنت في عصاري يوم أحد في قهوة الجيزة المشرقة على النيل،
1
وإذ كانت تلك القهوة مستحدثة، وقد اتصل بها خط الترمواي من عهد قريب كانت تغص كل مساء بالمتنزهين، ولا سيما مساء الأحد؛ لأن إيثار الجديد غريزة في الإنسان.
جلست مع بعض الأصدقاء إلى إحدى الموائد كسائر الجلوس، وكان إلى الجنوب منا جماعة من الشبان يترشفون الأشربة الروحية، وقد تمادوا في الشرب حتى لعبت الخمرة بألبابهم، فصاروا يهزلون ويقهقهون إلى أن نبهوا جميع الحضور إلى مزاحهم.
وما قعدنا وطلبنا الشراب كغيرنا حتى بدت في القهوة سيدة إفرنجية هيفاء القامة رقيقة الجسم، وضاءة الطلعة نجلاء العينين كحلاؤهما، ولولا لبسها ولغتها لقلت: إنها تركية؛ لأن النجل والكحل نادران في الإفرنجيات كما تعلم، أما جمالها فلا أعرف كيف أصفه لك؛ لأنه قليل الأشباه وإنما تدرك أنه عجيب إذ تعلم أنه كان للقوم كالمغناطيس للحديد، فما بدت في الجلاس حتى طوقتها نواظرهم كلها.
هذا مجمل وصف إيفون الجسماني أذكره لك؛ لأنك لم تعرفها لعهد نضارتها، ولم ترها إلا الآن وهي زهرة ذاوية.
جلست إيفون إلى مائدة إزاء الشبان اللاغطين، وإذ كانت وحدها حسبها أولئك السكارى إحدى البغيات، فجعلوا يعرضون بها في هزلهم ومزاحهم، ويصوبون إليها مغزى تغزلهم وهم يتكلمون بالإفرنسية.
لا ألومهم على ذلك الظن؛ لأنه من أخلاق هذا الزمان أن لا يرى الناس سيدة وحدها في مكان عمومي، إلا حكموا بأنها مبتذلة واستباحوا لأنفسهم امتهانها أو مداعبتها، كأنه أصبح حراما على المبتذلة أن تكون شريفة النفس، بل أمسى عجيبا أن تكون غير المحصنة متعففة.
استفزت نشوة الخمر أولئك المجانين، فتمادوا في رقاعتهم ومزاحهم حتى صاروا يرشقون إيفون بألفاظ التحبب المستنكرة، ويرمونها بالنكات الفظة وهي صامتة رزينة كأن الكلام ليس لها، أو كأنها ليست إزاء أولئك الممازحين، ولكنها كانت تتميز غيظا وتحاول أن تخفي تغيظها.
Shafi da ba'a sani ba