وحقق في مقصده وحاصل هذه المقالة : أن الحق تعالى على زعمه ليس يحمد إلا لإفاضة الوجود فقط، ليس له فيك من التصرف غير هذا، وما عدا هذا من أحوالك وشؤونك، فهو منك بمقتضى استعدادك، لأن محلك اقتضى أن يأخذ من الوجود ما استعد له، لذلك يسمى بالأسماء المختلفة التي عنده، هي أسماء الحق، فأنت غذاء الحق بالأحكام، فإنه لولاك لم تظهر أسماؤه فيك، فصرت غذاؤه بذلك، وهو غذاؤك بالوجود، إذ لولا وجوده الذاتي الفائض عليك ما ظهرت، فتعين على الرب ما تعين على العبد، فصار لكل منهما على الاخر حق، وافتقر كل منهما إلى الآخر على زعمه، فلذلك: فيحمدني وأحمده
ويعبدني وأعبده يعني : يعبدني لأني محل أسمائه ، وللأسماء فيه تصرف لأنها من فيضه، وأعبده لأنني بوجوده ظهرت، فكل منا يعبد الآخر. معاشر العقلاء [انتبهوا] لما يقول ! ولا تصامموا ولا تاذلوا ولا تقولوا: هذه حقائق ما تفهمها ؟ بلى والله بلى والله يفهمها من كان له أدنى مسكة من عقل صحيح، وانصحوا لله وجاهدوا هؤلاء الكفرة الفجرة الذين قد تفننوا في كفرهم بظرائف لم يسبقهم إليها أحد من كفرة خلق الله وملحديهم، وبينوا عوارهم للخلق وأهينوا كتبهم وأسمائهم، فإنهم أهانوا الربوبية ومزقوها مزقهم الله كل ممزق في الدنيا، اسمعوا ما يقول : فيحمدني وأحمده
ويعبدني وأعبده ففي حال أقر به
وفي الأعيان أجحده
Shafi 58