في أمر واحد، فلو أن نوحا عليه السلام أتى بهذه الآية لفظا أجابوه، فإنه شبه ونزه في آية واحدة، ونوح عليه السلام دعا قومه ليلا من حيث عقولهم وروحانيتهم فإنها غيب، ونهارا دعاهم أيضا من حيث ظاهر صورهم وجسمهم، وما جمع في الدعوة مثل ليس كمثله شيء، فنفرت بواطنهم لهذا الفرقان فزادهم فرارا، ثم قال عن نفسه : دعاهم ليغفر لهم لا ليكشف لهم، وفهموا ذلك، جعلوا أصابعهم في آذانهم واستغشوا ثيابهم، وهذه كلها صورة الستر الذي دعاهم إليها، فأجابوا دعوته بالفعل لا بلبيك. ففي ليس كمثله شيء إثبات ونفي، وقال عن نفسه صلى الله عليه وسلم إنه أتي جوامع الكلم، فما دعا محمد صلى الله عليه وسلم قومه ليلا ونهارا، بل دعاهم ليلا في نهار، ونهارا في ليل. فقال نوح عليه السلام في حكمته لقومه (يرسل السماء عليكم مدرارا ) [هود : من الآية 52] ، وهي المعارف العقلية في المعاني والنظر الاعتباري ( ويمددكم بأموال) [نوح : من الآية 12] ، أي بما يميل بكم إليه ؛ فإذا مال بكم إليه رأيتم صورتكم فيه، فمن تخيل منكم أنه رآه فما عرف، ومن عرف منكم أنه رأى نفسه، فهو العارف. ثم ساق الكلام إلى أن قال: فقالوا في مكرهم: (لا تذرن إلهتكم ولا تذرن ودا ولا سواعا ولا يغوث ويعوق وشرا) [نوح : من الآية23] ، فإنهم إذا تركوهم جهلوا من الحق على قدر ما تركوا من هؤلاء فإن للحق في كل معبود وجها يعرفه من عرفه ويجهله من جهله. في المحمديين، ( وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه ) [الإسراء : من الآية 23] ، أي
Shafi 43