كلاكله أناخ بآخرينا
فقل للشامتين بنا: أفيقوا
سيلقى الشامتون كما لقينا
كادت لك عائشة بنت غالب فكدنا لها، وهي اليوم في طريقها إلى منفاها بقشتالة بعد أن صادر ابن جهور كل ما تملكه من صامت وناطق، إني أرى تباشير الفرج، فاصبر ولا تبتئس.
وما قرأ الرسالة حتى ابتسم للخبر، ثم أخذ يغمغم:
ليس الركون إلى الدنيا دليل حجا
فإنها دول أيامها متع
الفصل التاسع
مرت شهور على سجن ابن زيدون لم تهدأ نائلة فيها لحظة، ولم تسكن ثورتها للانتقام منذ جال في ظنها أول وهلة أن عائشة بنت غالب هي ناصبة الشرك، ومدبرة المكيدة، وازدادت يقينا حينما أخبرها أبو حفص ابن برد بكل ما يتصل بالحادثة جملة وتفصيلا. كانت تقضي ساعات ذاهلة مفكرة، ترسم الخطط، وتنصب الحبائل، وكلما رسمت خطة وظهر فيها جانب يضيع فيه الحزم، وينكشف السر ألقت بها ضجرة يائسة، وكلما نصبت حبالة وبدا لها فيها فتوق تتسع لفرار الفيل طرحتها آسفة على ذكائها، متهمة نبوغها. وهكذا كانت تقضي أيامها في غزل ونقض، وبناء وهدم، لا تستقر على شيء، كأن دهاءها القديم فارقها، أو كأن علوها في السن أضعف مواهبها. لقد كان شيطانها أيام الشباب حاضر البديهة، لا يعجزه شيء في باب الحيل والمكايد، فما باله الآن أصبح فدما سقيم الرأي بليدا؟ كانت تأكل وهي تفكر، فيما تنكب به عائشة، وتنام وهي تفكر، وتحادث الناس وهي تفكر، ولكنها بعد كل ذلك لم تصل إلى شيء يعجبها، أو يرضى عنه فنها. لقد أكدت العزم على أن تنكب عائشة، وأن تذيقها نكال أمرها، ولكن من أي ناحية تهجم عليها؟ ومن أي ثغرة تثب على هذا الحصن المنيع؟ إن بعض الناس يهمسون بأن لها ضلعا مع نصارى الشمال، ولكنها تكمن في درقة من الحذر كما تكمن السلحفاة فلا يبدو منها إلا حب العرب، والإخلاص للعرب. من أين تصل إلى هذه المرأة المبهمة الخفية؟ إن غريزتها وحاستها السادسة تؤكدان أن لها صلة بالأسبان ولكن أين السبيل إلى إثبات شيء من ذلك؟ أين السبيل إلى فضح المستور، ونبش هذا القبر المزدحم بالأسرار؟ فكرت طويلا، وقدرت كثيرا، ثم أفاقت من تفكيرها وتقديرها، وهي تصيح: أسبيوتو! أسبيوتو! إنه مفتاح السر، ورقية هذا الحرز المدفون، لقد نبأتني غالية في كل مرة تزورني فيها أنه يكثر من التردد على عائشة، فلا بد من معرفته، ولا بد من صداقته، ولا بد من اجتذابه بالحيل الخفية حتى يقع في الشرك فتقع معه عائشة. ولكن كيف أصل إليه من غير أن يحوم بذهنه ظل من شبهة؟ فإن هؤلاء الجواسيس أشد حذرا من الذئب الذي ينام بإحدى مقلتيه ويتقي بأخرى المنايا، فهو يقظان نائم.
لقد علمت من غالية أنه يتلقى الطب على ابن زهر، فلم لا تشكو ولادة وعكة خفيفة فتدعوه إلى قصرها للعشاء وليصف لها دواء؟ وحينئذ أستطيع بما يفتح الله به علي أن أصل معه إلى غاية.
Shafi da ba'a sani ba