ومائة، وتوفي يوم الجمعة سلخ رجب سنة أربع ومائتين.
(وسميته بقرة العين) ببيان (مهمات) أحكام (الدين)
ــ
عشر، وتفقه على مسلم بن خالد - مفتي مكة - المعروف بالزنجي لشدة شقرته، فهو من باب أسماء الأضداد، وأذن له في الإفتاء وهو ابن خمس عشرة سنة، مع أنه نشأ يتيما في حجر أمه في قلة من العيش وضيق حال.
وكان في صباه يجالس العلماء ويكتب ما يستفيده في العظام ونحوها حتى ملأ منها خبايا، ثم رحل إلى مالك بالمدينة ولازمه مدة، ثم قدم بغداد سنة خمس وتسعين ومائة فأقام بها سنتين واجتمع عليه علماؤها ورجع كثير منهم عن مذاهب كانوا عليها إلى مذهبه، وصنف بها كتابه القديم.
ثم عاد إلى مكة فأقام بها مدة، ثم عاد إلى بغداد سنة ثمان وتسعين فأقام بها، ثم خرج إلى مصر، فلم يزل ناشرا للعلم ملازما للاشتغال بجامعها العتيق.
ثم انتقل إلى رحمة الله - وهو قطب الوجود - يوم الجمعة سلخ رجب سنة أربع
ومائتين، ودفن بالقرافة بعد العصر من يومه.
وانتشر علمه في جميع الآفاق وتقدم على الأئمة في الخلاف والوفاق، وعليه حمل الحديث المشهور: عالم قريش يملأ طباق الأرض علما.
لأن الكثرة والانتشار في جميع الأقطار لم يحصلا في عالم قرشي مثله.
قال الأئمة ومنهم الإمام أحمد: هذا العالم هو الشافعي.
وكان ﵁ يقسم الليل على ثلاثة أقسام، ثلث للعلم، وثلث للصلاة، وثلث للنوم.
ويختم القرآن في كل يوم مرة، ويختم في رمضان ستين مرة، كل ذلك في الصلاة.
وكان ﵁ يقول: ما شبعت منذ ست عشرة سنة، لأنه يثقل البدن ويقسي القلب ويزيل الفطنة ويجلب النوم ويضعف صاحبه عن العبادة.
وما حلفت بالله في عمري، لاكاذبا ولا صادقا.
وسئل ﵁ عن مسألة فسكت، فقيل له: لم لا تجيب؟ فقال: حتى أعلم، الفضل في سكوتي أو في جوابي.
وكان ﵁ مجاب الدعوة، لا تعرف له كبيرة ولا صغيرة.
ومن كلامه ﵁: أمت مطامعي فأرحت نفسي فإن النفس ما طمعت تهون وأحييت القنوع وكان ميتا ففي إحيائه عرضي مصون إذا طمع يحل بقلب عبد علته مهانة وعلاه هون ومن أدعيته ﵁: اللهم امنن علينا بصفاء المعرفة، وهب لنا تصحيح المعاملة فيما بيننا وبينك على السنة، وارزقنا صدق التوكل عليك وحسن الظن بك.
وامنن علينا بكل ما يقربنا إليك مقرونا بعوافي الدارين برحمتك يا أرحم الراحمين.
وبالجملة، فما نقل عنه نظما ونثرا لا يحصى، وفضائله وأخباره لا تستقصى، وقد أفردت بالتأليف، وفي هذا القدر كفاية.
وحيث تبركنا بذكر نبذة من فضائل إمامنا الشافعي ﵁ فلنتبرك بذكر بعض أخبار بقية الأئمة الأربعة رضوان الله عليهم أجمعين.
فأقول: الإمام مالك ﵁، ولد سنة ثلاث وتسعين من الجهرة، وقيل: تسعين.
وهو من أتباع التابعين على الصحيح، وقيل: من التابعين.
وأخذ العلم عن سبعمائة شيخ، منهم ثلثمائة من التابعين، وعليه حمل قوله ﷺ: لا تنقضي الساعة حتى تضرب أكباد الإبل من كل ناحية إلى عالم المدينة يطلبون علمه.
وفي رواية: يوشك أن تضرب أكباد الإبل يطلبون العلم فلا يجدون أحدا أعلم من عالم المدينة.
فكانوا يزدحمون على بابه لطلب العلم.
وأفتى الناس وعلمهم نحو سبعين سنة بالمدينة.
وكان ﵁ يرى المصطفى ﷺ كل ليلة في النوم.
وسئل الإمام أبو حنيفة ﵁ عن مالك فقال: ما رأيت أعلم بسنة رسول الله ﷺ منه.
ولم يزل ﵁ على حالة مرضية حتى اختاره رب البرية سنة تسع
وسبعين ومائة، ودفن بالبقيع، وقبره مشهور.
وأما الإمام أبو حنيفة ﵁، فكانت ولادته في عصر الصحابة سنة ثمانية من الهجرة.
وكان ﵁ عابدا زاهدا عارفا بالله تعالى.
قال حفص بن عبد الرحمن: كان أبو حنيفة ﵁ يحيي الليل بقراءة القرآن في ركعة ثلاثين سنة.
وقال السيد بن عمرو: صلى أبو حنيفة الفجر بوضوء العشاء أربعين سنة.
ويروى أنه من شدة خوفه سمع قارئا يقرأ في
1 / 24