عنه القناع فاتضح معناه الذي هو صورة ذهنية دل عليها بالألفاظ المنزلة ثم ذكر أنه تعالى بواسطة كشف القناع عنه وإيضاح معناه وأبرز وأظهر غوامض الأعيان الخارجية التي هي أعيان عالم الشهادة وعالم الغيب وعالم الأرواح وعالم الأشباح فإن العبارات تدل على معانيها التي هي صورة ذهنية وهي تدل على الأعيان الخارجية، وبتبيين المنزل على الوجه المذكور ينجلي لهم خفايا الملك والملكوت وخبايا قدس الجبروت فعلى هذا يكون المراد بالحقائق أعيان عالم الشهادة وبالدقائق أعيان عالم الغيب وبالغوامض واللطائف ما خفي على الإنسان دركه من العالمين. فمعنى «إبراز غوامض الحقائق» إظهار ما خفي من عالم الشهادة، ومعنى «إبراز لطائف الدقائق» إظهار ما خفي من عالم الغيب فتكون الإضافة في الموضعين بمعنى اللام.
ثم علل الكشف والإبراز المذكورين بقوله: «لينجلي لهم» أي لأولي الألباب والعقول.
والخفايا جمع خفية والخبايا جمع خبية وكلاهما بمعنى مخفية يقال: خبأت الشيء إذا سترته وأخفيته، والقدس بسكون الدال وضمها الطهر والتنزه عن شوائب النقصان وإضافته إلى الجبروت بيانية وهو الطاهر والمعنى لينكشف لهم تقدس الذات وتنزهه عن شوائب النقصان الذي هو اتصافه بالصفات السلبية، فإن الجبروت من الجبر بمعنى القهر كالجلال فإنه أيضا بمعنى القهر فإنه يقال صفات الجلال وصفات الجبروت ويراد صفات القهر وهي الصفات السلبية والقهر لما كان منبئا عن سلب القوة مستلزما ما له ذكروا ما يدل على القهر وأرادوا السلب فقالوا: صفات الجلال والجبروت وأرادوا الصفات السلبية. ثم إنهم قد يكتفون بلفظ الجبروت عن ذكر الصفات فيذكرون لفظ الجبروت مفردا ويريدون الصفات السلبية، ومنه قول المصنف: «قدس الجبروت» أي تقدس الذات وتنزهه عن شوائب النقصان الذي هو جبروته واتصافه بالصفات السلبية فزيدت الواو والتاء على لفظ الجبر للمبالغة كما زيدتا على لفظ الملك فقيل: ملكوت فإنه فعلوت من ملك ومعناه الملك إلا أن في الملكوت من المبالغة ما ليس في الملك، وكذا الرهبوت فإنه بمعنى الرهبة وهي الخوف إلا أن الأول أبلغ، ثم إن الملك قد يستعمل بمعنى السلطنة والتصرف والاستيلاء وقد يستعمل بمعنى المملكة وهي موضع الملك ومنه مالك الملك [آل عمران: 26] في أسماء الله تعالى فإن الملك فيه بمعنى المملكة والمالك بمعنى القادر التام القدرة والموجودات كلها مملكة واحدة والله تعالى مالكها وقادرها تنفذ مشيئته فيها كيف يشاء إيجادا وإعداما. والظاهر أن الملك في قوله: «لينجلي لهم خفايا الملك والملكوت» بمعنى المملكة فيكون الملكوت بمعنى المملكة التي هي أعظم وأوسع من الملك، فيحتمل أن يراد بالملك عالم الإنس وأن بدن كل شخص مملكة واحدة للروح الناطقة ومحل دلالتها وبالملكوت عالم الآفاق، وأن يراد بالملك عالم
Shafi 15