الصلاة والسلام هي الرسالة، وعبودية الرسول لكونها انصرافا من الخلق إلى الحق أجل وأشرف من رسالته لكونها بالعكس فإنها انصراف من الحق إلى الخلق لتبليغ أحكام المرسل.
وليس المعنى أن عبودية غير الرسول أفضل من الرسالة فإنه لم يقل به أحد وإنما الكلام في النسبة من أوصاف الرسول أيها أفضل فكما أن القرآن المعظم لكونه معجزا باقيا ومبينا لجميع ما يتعلق به من سعادة المكلفين في النشأتين كان أجل الكتب السماوية وأكملها، فكذلك الرسول صلى الله عليه وسلم أشرف أفراد نوع البشر وأكملها فكان معنى الكلام الحمد للسلطان المستجمع لجميع صفات الجلال والإكرام الذي نزل أشرف الكتب السماوية وأفضلها على أشرف أفواه نوع البشر وأفضلهم.
قوله: (ليكون للعالمين نذيرا) الظاهر أن اسم «كان» ضمير العبد بدليل قوله تعالى:
يا أيها المدثر قم فأنذر [المدثر: 1 - 2] يحتمل أن يكون ضمير القرآن بشهادة قوله تعالى:
بشيرا ونذيرا [البقرة: 119] وآيات أخرى والمراد بالعالمين الإنس والجن فإنهم قد اتفقوا على أن الجن أيضا مكلفون بالشرائع وإن الكافر منهم يعذب بجهنم لقوله تعالى: لأملأن جهنم [ص : 85] من الجنة والناس أجمعين وإن اختلف في دخول من آمن منهم الجنة قال به أبو يوسف ومحمد رحمهما الله. ثم قيل: ليس لهم ثمة أكل ولا شرب بل غذاؤهم فيها شم كما في الدنيا. وقيل: يأكلون ويشربون كما في الإنس. وقال بعضهم: لا يدخلونها ولا ثواب لهم إلا النجاة من العذاب ثم يقال لهم: كونوا ترابا كالبهائم. ونسب الإمام الرازي هذا القول إلى أبي حنيفة. وقال الفضل الأموي: إن أبا حنيفة توقف في كيفية ثوابهم قائلا بأن الله تعالى لم يبين في القرآن ثوابهم ونحن نعلم يقينا أن الله تعالى لا يضيع إيمانهم فيعطيهم ما يشاء. والنذير بمعنى المنذر أي المخوف ويجوز أن يكون بمعنى الإنذار به عليه السلام كالنكير بمعنى الإنكار به، واقتصر في تعليل التنزيل على ذكر الإنذار مع أنه عليه السلام كما أنه منذر لأهل العصيان والضلال مبشر لأهل الإيمان والطاعة بناء على أن الإنذار هو المقصود الأصلي الأولى من الإرسال والتنزيل، فإن الطبيب الذي يباشر معالجة مرض القلب لا بد له أن يبدأ أولا بتنقيته عن العقائد الزائغة والأخلاق الرديئة والأعمال القبيحة المكدرة للقلب بأن يسقيه شربة الإنذار بسوء عاقبة تلك الأمور وبعد تنقيته عن المهلكات يعالجه بما يقويه على مواظبة الطاعات بأن يسقيه شربة التبشير بحسن عاقبة الأعمال الصالحة، كما أن طبيب الأمراض البدنية يبدأ أولا بتنقية البدن عن الأخلاط الرديئة ثم يباشر المعالجة بالمقويات. ولهذا اقتصر الله تعالى على ذكر الإنذار في مبدأ أمر النبوة حيث قال: يا أيها المدثر قم فأنذر ولأن الإنذار شامل لجميع المكلفين من العصاة والمطيعين فإنهم جميعا
Shafi 10