352

Hashiya Cala Tafsir Baydawi

حاشية محيي الدين زاده على تفسير القاضي البيضاوي

Nau'ikan

أمورهم أقبل عليهم بالخطاب على سبيل الالتفات هزا للسامع وتنشيطا له واهتماما بأمر العبادة وتفخيما لشأنها وجبر الكلفة العبادة بلذة المخاطبة. و «يا» حرف وضع لنداء البعيد، وقد ينادى به القريب تنزيلا له منزلة البعيد إما لعظمته كقول الداعي: يا رب ويا بالهدى الآية. قوله: (هزا للسامع وتنشيطا) أي تحريكا له وجعله ذا نشاط لإصغاء ما يلقى إليه من الكلام وقبوله، فإنه لا شك أن العدول إلى خلاف مقتضى الظاهر ونقل الكلام من أسلوب إلى أسلوب آخر يحدث نشاطا جديدا للسامع ويوقظه إيقاظا تاما لإصغاء ذلك الكلام. وهذه النكتة لنكتته المختصة بالالتفات الواقع في هذا المقام، فإنها مختصة بأمر العبادة ووجه دلالة الالتفات على الاهتمام والتفخيم المذكورين أن الأمور المهمة حقها أن يؤمر بها مواجبة من غير واسطة من الرسول وغيره. قوله: (وجبر الكلفة العبادة بلذة المخاطبة) وهذه النكتة أيضا مختصة بهذا المقام فإن العبادة المأمور بها فيها كلفة ومشقة لكونها خلاف مقتضى الطبيعة، ثم إن رب العالمين عز سلطانه لما أمر بها بنفسه خاطبهم من غير واسطة فقد شرفهم بشرف المكالمة معهم ولا شك أن هذا التشريف العظيم القدر يكون جبرا للمشقة المتفرعة على التكليف بالعبادة وتخفيفا. قوله: (ويا حرف وضع لنداء البعيد) كما قال صاحب الكشاف في المفصل: «يا» و «أيا» و «هيا» لنداء البعيد أو من هو بمنزلة البعيد من «نائم» أو «ساه»، وقول الداعي: «يا الله» و «يا رب» مع كونه تعالى أقرب إلى كل شخص من حبل وريده فلاستقصاره لنفسه واستبعاده لها عن مرتبة المدعو تعالى شأنه واستبعاد دعائه عن مضان القبول والاستماع، ولإظهاره مزيد الحرص والرغبة في الاستجابة بالنداء والتضرع.

وقال ابن الحاجب في الكافية: «يا» أعم حروف النداء أي ينادي بها القريب والبعيد على السواء ودعوى المجاز في أحدهما خلاف الأصل فهي لطلب الإقبال مطلقا. والمصنف لما اختار أن كلمة «يا» موضوعة لنداء البعيد وقد شاع استعمالها في نداء القريب كقول الداعي:

«يا رب» وكقوله تعالى: يا أرض ابلعي ماءك ويا سماء أقلعي [هود: 44] بين أنها حقيقة في نداء البعيد وتستعمل مجازا في نداء القريب تشبيها له بالبعيد تنزيلا لعلو شأنه وبعد مرتبته عن مرتبة الداعي منزلة بعد المسافة كما في قول الداعي: «يا رب». وقد تكون للعظمة ورفعة المنزلة في جانب المتكلم كما في نداء الله تعالى الأرض والسماء بقوله: يا أرض ابلعي ماءك ويا سماء أقلعي إظهارا لعظمته وكبريائه وتنزيلا لبعد مرتبة المنادي عن مرتبة المتكلم منزلة بعد المسافة. وقد ينادي بها الغافل السيىء الفهم وإن كان قريبا تنزيلا لدناءة حاله بسبب غفلته وسوء فهمه منزلة بعد المسافة، وقد ينادي بها القريب وإن كان جيد الفهم متفطنا لما يلقى إليه غير مضيع لشيء منه تنزيلا له منزلة البعيد الغافل عنه تنبيها على أن المدعو له أمر مهم بلغ من عظم قدره وعلو شأنه إلى حيث يستبعد من المخاطب أن يقوم

Shafi 358