300

Hashiya Cala Tafsir Baydawi

حاشية محيي الدين زاده على تفسير القاضي البيضاوي

Nau'ikan

ثم اتسع فيه فاستعمل للرغبة عن الشيء طمعا في غيره. والمعنى أنهم أخلوا بالهدى الذي جعل الله لهم بالفطرة التي فطر الناس عليها محصلين الضلالة التي ذهبوا إليها أو اختاروا الضلالة واستحبوها على الهدى.

فما ربحت تجارتهم ترشيح للمجاز لما استعمل الاشتراء في معاملتهم اتبعه قوله: (ثم اتسع فيه) أي بعد استعماله في المعنى الثاني على طريق الاستعارة، استعمل في معنى ثالث هو أعم من الثاني وهو الإعراض عن الشيء مطلقا أي سواء كان في يده أولا طمعا في غيره واختيارا لذلك الغير على ذلك الشيء. ولما ذكر المعنيين المجازيين وكان كل واحد منهما محتملا ههنا أراد تطبيق الآية الكريمة عليهما على وجه يندفع به الإشكال الذي يرد عليها وهو أنهم لم يكونوا على هدى فكيف اشتروا الضلالة به؟ أما تطبيقها على الأول فبقوله: «والمعنى أنهم أخلوا بالهدى الذي جعل الله لهم» الخ وحاصله أن المراد بالهدى الهدى الذي جبلوا عليه وهو خلقهم عقلاء مميزين متفكرين متمكنين من تحصيل العقائد الحقة دون الباطلة والأخلاق الرديئة وهو الفطرة السليمة عن كل خلل ونقصان المهيأة لقبول كل فضل وإحسان، ولا شك أن هذا الهدى كان حاصلا لهم وفي يدهم وأنهم كانوا عليه ثم استبدلوا به الضلالة. فإذا المجاز في ثبوت الهدى جاز مرسل من قبيل ذكر المسبب وإرادة السبب لأن تلك الفطر سبب للهدى، فلما كانوا على هدى بالمعنى المذكور وأنهم أخلوا به وحصلوا بدله الضلالة صح أن يقال إنهم اشتروا الضلالة بالهدى. وأما تطبيقها على الثاني فبقوله: «أو اختاروا الضلالة واستحبوها على الهدى» يعني أن الاشتراء ليس بمعنى الاستبدال المقتضي للأخذ والإعطاء وكون المعطي حاصلا في يد المشتري حتى يجب كونهم على هدى، بل هو بمعنى الاختيار والترجيح والإعراض عن الآخر سواء كان في يده أولا. ولا شك أن اختيار الضلالة على الهدى لا يقتضي كونهم على هدى فاندفع به الإشكال أيضا.

قوله: (ترشيح للمجاز) التشريح في اللغة بمعنى التزيين وبمعنى التربية والتقوية.

والترشيح المجازي في الاصطلاح أن يؤتى بصفة أو تنويع كلام يلائم المستعار منه الذي هو المعنى الحقيقي للفظ «الاشتراء» وقد يوجد في المجاز المرسل كما يقال: لفلان يد طولى أي قدرة كاملة. والفرق بينه وبين الاستعارة التخييلية، مع أن في كل واحد منهما إثبات لوازم المستعار منه وملائماته للمستعار له، أن الترشيح إنما يكون بعد تمام الاستعارة بقرينتها ولا شك أن التخييل في المكتبة قرينة لها فلا يكون ترشيحا وإن كان ملائما للمستعار منه، بل ما زاد عليه من ملائماته هو الذي يكون ترشيحا. وبين وجه كون قوله تعالى: فما ربحت تجارتهم استعارة بقوله: «لما استعمل الاشتراء» الخ والمراد بمعاملتهم استبدال الضلالة

Shafi 306