Hashiya Cala Tafsir Baydawi
حاشية محيي الدين زاده على تفسير القاضي البيضاوي
Nau'ikan
عقابا منعه وردعه عن المعاودة إليها وردع غيره أيضا اعتبارا بحاله. قوله: (ولذلك) أي ولكون الماء العذب يقمع العطش ويردعه سمي نقاخا بالخاء المعجمة العطش أي يكسره.
ولفظ الفرات فيه قلب المكان حيث جعل العين موضع الفاء والفاء موضع العين، فيكون وزن فرات عفالا لأنه من رفت الشيء يرفته إذا فته وكسره بيده كما يرفت المدر والعظم البالي، والرفات الحطام وهو ما تكسر من اليبس. قوله: (ثم اتسع) عطف على قوله: «والعذاب كالنكال» يعني أنهما متماثلان معنى حتى أن كل عذاب نكال وبالعكس. ثم أنه اتسع في العذاب دون النكال أي أوقع فيه الاتساع بأن استعمل في معنى أعم من أصل معناه وهو كل ألم فادح أي مثقل سواء أريد به ردع الجاني عن أن يعاود إلى ما فعله من الجناية أولا. ألا ترى أن الآلام الآخروية يقال لها عذاب مع أنها لم يرد بها الردع عن المعاودة وإنما هي مجازاة للجناية السابقة فقط؟ والفادح بالفاء من فدحني الشيء أي أثقلني. قوله: (فهو أعم منهما) أي إذا ثبت أن العذاب اتسع فيه بأن أطلق على كل ألم فادح ثبت أنه حينئذ يكون أعم من النكال والعقاب فإنهما عبارتان عن ألم يكون المقصود منه ردع الجاني. والله أعلم.
قوله: (وقيل اشتقاقه من التعذيب الذي هو إزالة العذب كالتقذية والتمريض) لما بين أن العذاب في الأصل اسم للألم الفادح الذي يراد به ردع الجاني ثم اتسع فيه بإطلاقه على مطلق الألم الفادح، أشار إلى ما قيل من أن العذاب من العذب الذي هو القذى وهو ما يسقط في العين والشراب. وفي الصحاح: العذبة القذاة وماء ذو عذب أي كثير القذى.
ويقال: قذيت عينه تقذى قذى فهو رجل قذي العين على فعل إذا سقط في عينه قذاة، وأقذيت عينه أي جعلت فيها القذى، وقذيتها تقذية أخرجت منها القذى، ويقال: مرضته تمريضا أي أقمت عليه في مرضه. ومعنى اشتقاق الثلاثي من المزيد فيه تحقق المناسبة بينهما في الحروف والمعنى فصح جعل العذاب مشتقا من التعذيب والقذى من التقذية ونحوها، فإن المزيد فيه قد يكون أظهر وأشهر في معنى بالنسبة إلى الثلاثي فيقال في بيان معنى الثلاثي إنه مشتق منه كما يقال الوجه مشتق من المواجهة. قوله: (والعظيم نقيض الحقير) أي ضده ومقابله لا أنهما متناقضان حقيقة إذ ليسا قضيتين فضلا عن أن يختلفا بالإيجاب والسلب. فإن الكبر عبارة عن ازدياد مقدار الجثة والصغر عبارة عن انتقاصه. وعظم الشيء عبارة عن ازدياد خطره وشرفه، وحقارته عبارة عن دناءة قدره وخطره وإن كان كبير الجثة والمقدار، فإذا قيل: هذا كبير وعظيم دفع الأول أنه صغير والثاني أنه حقير. فتوصيف الشيء بالحقارة أدخل في ذمه من توصيفه بالصغر لأن الصغير قد يكون عظيما شريفا إذ لا تقابل بين الصغر والعظمة حتى يمتنع اجتماعهما، بخلاف الحقير فإنه يمتنع أن يكون عظيما لأنهما متضادان
Shafi 251