Hashiya Cala Tafsir Baydawi
حاشية محيي الدين زاده على تفسير القاضي البيضاوي
Nau'ikan
يؤمنون فيجتمع الضدان. والحق أن التكليف بالممتنع لذاته وإن جاز عقلا لكنه غير واقع بالإيمان ثم بين استحالة وقوعه منهم فيكون أمرهم بالإيمان أمرا بما استحال وقوعه منهم وما يدل على الوقوع فهو على الجواز أدل.
قوله: (والحق أن التكليف بالممتنع لذاته وإن جاز عقلا لكنه غير واقع) لما ذكر أن تكليف ما لا يطاق مختلف فيه بين العلماء، وأن من جوزه احتج على جوازه بهذه الآية، ومن المعلوم أن ما لا يطاق وهو ما يمتنع وقوعه يطلق على الممتنع لذاته وعلى الممتنع لغيره، وأن المصنف قرر دليل الجواز بحيث ثبت به الوقوع المستلزم للجواز توهم أن المراد بما لا يطاق ما يعم الممتنع لذاته ولغيره وأن المتنازع فيه ههنا جواز التكليف بالممتنع مطلقا بل وقوعه. وقد فهم من تقرير كثير من المحققين أن التكليف بالممتنع لذاته جائز بل واقع.
نقل عن إمام الحرمين أنه قال في الإرشاد: فإن قيل: ما جوزتموه عقلا من تكليف المحال هل اتفق وقوعه شرعا؟ ثم قال: قلنا: قال شيخنا ذلك واقع شرعا فإن الله تعالى أمر أبا جهل بأن يصدقه ويؤمن به في جميع ما يخبر عنه، ومما أخبر عنه أنه لا يؤمن فقد أمره بأن يصدقه في جميع ما يجب أن يصدق فيه حتى في قوله: لا يؤمنون فلزم وقوع الإيمان المكلف به مع تصديقه في هذا القول بأن لا يصدق، وذلك جمع بين النقيضين وأنه ممتنع لذاته وقد وقع التكليف به. وكذا ذكره الإمام الرازي في «المطالب العالية»، وكذا قول المصنف:
«فيجتمع الضدان» يفهم منه أن المستدل بالآية قائل بوقوع التكليف بالممتنع لذاته وكذا يفهم من تقريره احتجاج من استدل بالآية على وجهين: أن الآية المذكورة يصح أن يستدل بها على وقوع التكليف بالممتنع لذاته فإن حاصل الوجه الأول أنه سبحانه وتعالى كلف بالإيمان من أخبر عنهم بأنهم لا يؤمنون فإن إيمانهم وإن كان ممتنعا لاستلزامه كذبه تعالى في الإخبار المذكور، إلا أنه ليس ممتنعا لذاته بالنسبة إليهم، كيف وأنهم مع ذلك الإخبار قادرون على تحصيل الإيمان من حيث سلامة أسبابهم وآلاتهم لاكتسابه وامتناع الإيمان منهم بناء على استلزامه كذب الباري تعالى امتناع بالغير، وذلك لا ينافي إمكانه في نفسه، فتكليفهم بالإيمان تكليف بما هو مطاق في نفسه. وإن كان ممتنعا بالغير فإن علم الله تعالى أو إخباره بعدم الشيء لا يجعل وجوده ممتنعا كما أن علمه أو إخباره بوجوده لا يجعل وجوده واجبا. روي أن رجلا قام إلى عمر رضي الله عنهما فقال: يا أبا عبد الرحمن إن قوما يزنون ويسرقون ويشربون الخمر ويقولون: كان ذلك في علم الله تعالى فلم نجد منه بدا. فغضب ثم قال:
سبحان الله العظيم قد كان في علم الله تعالى أنهم يفعلون ذلك فلم يحملهم علمه على فعلهم. يعني أن علم الله تعالى أو إخباره أو إرادته لوجود شيء أو عدمه لا يوجب وجوده ولا عدمه بحيث يسلب به قدرة الفاعل عليه، لأن الإخبار عن الشيء حكم عليه بمضمون
Shafi 232