209

Hashiya Cala Tafsir Baydawi

حاشية محيي الدين زاده على تفسير القاضي البيضاوي

Nau'ikan

إن الذين كفروا لما ذكر خاصة عباده وخلاصة أوليائه بصفاتهم التي أهلتهم للهدى والفلاح عقبهم بأضدادهم العتاة المردة الذين لا ينفع فيهم الهدى لا تغنى عنهم الآيات والنذر، ولم يعطف قصتهم على قصة المؤمنين كما عطف في قوله تعالى: إن الأبرار لفي نعيم وإن الفجار لفي جحيم [الانفطار: 13، 14] لتباينهما في الغرض، فإن الأولى سيقت لذكر الكتاب وبيان شأنه والأخرى مسوقة لشرح تمردهم وانهماكهم في الضلال. و «إن» من الحروف التي تشابهت الفعل في عدد الحروف والبناء على الفتح قوله: (أهلتهم) أي جعلتهم أهلا. والعتاة جمع عات من العتو وهو الطغيان ومجاوزة الحد في الشرة والفساد، والمردة جمع ما رد وهو المتمرد. قوله: (لتباينهما في الغرض) متعلق بقوله: «ولم يعطف» ووجه تباينهما في الغرض أن المقصود من الجملة الأولى بيان أن الكتاب متصف بغاية الكمال في الهداية تقريرا لكونه يقينا لا مجال فيه للشك وتحقيقا لكونه ذلك الكتاب الكامل في جنسه المتحدي بإعجازه. والمقصود من الجملة الثانية هو بيان اتصاف الكفار بالإصرار على ما هم عليه من الكفر والضلال بحيث لا يجدي فيهم الإنذار.

فكان بين الجملتين كمال الانقطاع بانتفاء الجامع بينهما لعدم المناسبة بين الاسمين اللذين هما المسند إليه فيهما وبين المسندين بخلاف قوله تعالى: إن الأبرار لفي نعيم وإن الفجار لفي جحيم الأولين [الانفطار: 13، 14] فإن المسند إليه في إحدى الجملتين مقابل وضد للمسند إليه في الأخرى وكذا المسند في إحداهما ضد للمسند في الأخرى وهم يعدون التضاد من قبيل الجامع الوهمي من وجوه المناسبة بين الجملتين المانع لتحقق كمال الانقطاع بينهما. وكون القصة الأولى مسوقة لذكر الكتاب وبيان شأنه ظاهر على تقدير كون الذين يؤمنون بالغيب جاريا على المتقين، وأما على تقدير كونه كلاما مبتدأ مسوقا لوصف المؤمنين بكونهم على الهدى والفلاح فإن سبيله حينئذ سبيل الاستئناف كما عرفت فيكون مبنيا على تقدير سؤال نشأ من قوله: هدى للمتقين فيكون مندرجا في حكمه وتابعا له في المعنى، إذ الجواب مبني على السؤال وهو على منشأه فيكون مسوقا لذكر الكتاب أيضا لأن تابع التابع تابع. وظاهر أن القصة الثانية مسوقة لشرح تمرد الكفار فتباينا في الغرض على التقديرين. قوله: (وإن من الحروف) القياس أن يقول من الأحرف على لفظ جمع القلة لأن ما دون العشرة موضع قلة والحروف جمع كثرة، إلا أنه اتسع القوم في إطلاق لفظ الحروف على الستة فإن أحد الجمعين يستعمل موضع الآخر كثيرا مجازا، وهذه الحروف تشابه الفعل لفظا واستعمالا.

ومعنى إما لفظا فمن وجهين: في عدد الحروف فإنها مركبة من ثلاثة أحرف فصاعدا كالفعل، والثاني في بنائها على الفتح كالماضي، وإما استعمالا فمن حيث إنها لا تستعمل إلا داخلة على الاسم كما أن الأفعال كذلك. وإما معنى فلأنها تعطي معاني الأفعال من التحقيق

Shafi 215