وتسمى أم القرآن لأنها مفتتحة ومبدأوه فكأنها أصله ومنشأه ولذلك تسمى أساسا، أو لأنها تشتمل على ما فيه من الثناء على الله سبحانه وتعالى والتعبد بأمره ونهيه وبيان وعده
كون الفاتحة أول الكتاب إنما هو بالقياس إلى الكل لا إلى الكلي فوجد مصداق كون الإضافة لامية وهو عدم كون المضاف إليه ظرفا للمضاف ولا صادقا محمولا عليه كما في قولك: يد زيد. قوله: (وتسمى أم القرآن) عطف على ما يفهم مما سبق بحسب اقتضاء المعنى فإنه يفهم من قوله: «سورة فاتحة الكتاب» أنها تسمى بهذا الاسم. قوله: (لأنها مفتتحه ومبدأه فكأنها أصله ومنشأه) كون الشيء مبدأ لشيء آخر بمعنى كونه جزءا أولا له لا يصلح وجها لتسمية الشيء الأول أما للثاني وإنما يصلح وجها له أن لو كان الشيء الأول منشأ للثاني وموضع صدور له وكونه جزءا أولا للثاني غير كونه منشأ للثاني وغير مستلزم له أيضا فلا يصلح ما ذكروه وجها لتسميتها أم القرآن. قوله: (ولذلك) أي ولكون الفاتحة كأنها أصل القرآن تسمى أساسا لأنها لما كانت كلها أصل القرآن كان ما عداها من القرآن كأنه مبني عليها فكانت هي أساسا لما عداها. قوله: (أو لأنها تشتمل على ما فيه) تعليل ثان لتسميتها أم القرآن وليس المراد بما فيه جميع ما فيه بل المراد معظم ما فيه وهو أصول مقاصده إقامة لها مقام جميعها ضرورة أن في القرآن مقاصد أخرى غير ما ذكر من الأمور الثلاثة التي هي الثناء على الله تعالى والتعبد بأمره ونهيه وبيان وعده ووعيده، والمقاصد الأخر كالقصص والأمثال والمواعظ.
والمراد من الثناء عليه بما هو أجل الصفات الكمالية قوله: الحمد لله [الفاتحة: 2] إلى قوله: مالك يوم الدين [الفاتحة: 4] والتعبد والاستعباد وهو تصيير الشخص كالعبد بتكليفه بالأمر والنهي يقال: عبدني فلان تعبيدا واعتبدني اعتبادا وأعبدني إعبادا وتعبدني تعبدا والكل بمعنى استعبدني، ومعنى التعبد مفهوم من قوله تعالى: إياك نعبد وإياك نستعين [الفاتحة: 5] لأن عبادة المكلفين من لوازم تعبده تعالى إياهم بأمره ونهيه فإن الإمام الرازي فسر العبادة بأنها إتيان الفعل المأمور على سبيل التعظيم للآمر والقيام بحق العبودية ومقتضى التكليف بامتثال أوامر المولى واجتناب نواهيه. فإن قيل: امتثال أوامر المولى ونواهيه ليس داخلا في معنى العبادة ولا لازما له وإلا لوجب أن تختص العبادة بمن له أمر ونهي وليس كذلك لقوله تعالى: ويعبدون من دون الله ما لا ينفعهم ولا يضرهم [الفرقان: 55] فإذن لا يلزم من اشتمال الفاتحة على قوله: إياك نعبد اشتمالها على التعبد بأمره ونهيه وهو المدعي:
قلنا: قوله تعالى: ويعبدون من دون الله من قبيل الاستعارة التصريحية التبعية تشبيها لتذلل المشركين للأصنام بعبادتهم لها بناء على زعمهم الفاسد فلا ينافي ذلك كون العبادة من لوازم التعبد واشتمال سورة الفاتحة على التعبد المذكور، وأما بيان وعده لأهل الطاعة ووعيده للعصاة فهو مفهوم من قوله تعالى: أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم [الفاتحة: 7] أو
Shafi 24