Hasad Falsafi
الحصاد الفلسفي للقرن العشرين : وبحوث فلسفية أخرى
Nau'ikan
سيحاول هذا البحث الإجابة عن هذه التساؤلات التي تدور في محورين أساسيين: يدور المحور الأول حول: فلسفة نيتشه التاريخية، ويتناول مفهوم نيتشه عن التاريخ، وكيف يكون في خدمة الطاقة المبدعة للحياة انطلاقا من نقده لمفهوم الحقيقة. وينقسم هذا المحور إلى ثلاث نقاط: (1) أنواع التاريخ، ويعرض للأنواع الثلاثة للتاريخ التي حددها نيتشه، وكيفية ارتباط كل منها بالحياة. (2) المفارقة التاريخية، وهي التي تتضح معالمها في تأكيد نيتشه على الحس التاريخي والحس اللاتاريخي معا، كما تتأكد أيضا في فكرة العود الأبدي عندما يصبح الماضي مستقبلا، ويصبح المستقبل ماضيا. (3) الرؤية النكوصية للتاريخ، وتعرض لرؤية نيتشه لتدهور التاريخ من عصور بطولية نبيلة تعبر عن أخلاق السادة، إلى عصور متدهورة تتحكم فيها أخلاق العبيد.
أما عن المحور الثاني فيدور حول كشف قناع الزمن الحاضر، ويعرض لرؤية نيتشه النقدية التي تدين تدهور الحضارة في العصر الحديث، وتؤكد رؤية نيتشه النكوصية للتاريخ والحضارة، وهي التي سيدور حولها المحور الأول. وينقسم هذا المحور أيضا إلى ثلاث نقاط: (1) الرؤية النقدية للعصر الحديث بين نيتشه وروسو، وقد اقتصرنا في هذه النقطة على تفسير كل منهما لمشكلة التدهور الحضاري، وبحثهما عن العلل التاريخية لفساد زمنهما الحاضر. (2) أصول المجتمع البشري، التي تتناول الرؤيتين المتعارضتين عند كلا المفكرين لتلك الأصول، وهنا ننتهي إلى النقطة الثالثة والأخيرة من هذا البحث وهي (3) مأساوية الوجود التاريخي للإنسان، ويتناول كيف واجه كلاهما تلك المأساة. وينتهي البحث بخاتمة قصيرة عن ضرورة الاهتمام بفلسفة نيتشه التي يمكن أن تساعدنا على تجاوز المحنة الحاضرة للوجود والتاريخ العربي. (1) فلسفة نيتشه التاريخية
قد يتوقع القارئ أن نتحدث تحت هذا العنوان عن نوع المعرفة التي اتبعها نيتشه في دراسة التاريخ، أو عن المنهج الذي سلكه لنفس الغرض، وهي الأمور التقليدية التي تتعرض لها أغلب دراسات فلسفة التاريخ، لكن الأمر يختلف عندما نتحدث عن فيلسوف غير تقليدي مثل نيتشه؛ فالتاريخ بالنسبة له ليس موضوعا للقراءة، ودراسته لا تنحصر في جمع وثائق وحقائق عن أحداث الماضي وشخصياته، ولا أهمية عنده للترتيب الزماني أو المكاني لأحداث التاريخ، بل لا يعنيه منه تلك المسيرة الأخلاقية التي رسمها الله للإنسان على الأرض للوصول في النهاية إلى المملكة النهائية أو مملكة الله. إن التاريخ بالنسبة لنيتشه مشكلة فلسفية وجودية عينية، وقيمته تكمن في توظيفه «للزمن القادم»، وغايته الكبرى هي الوصول لنماذجه الأسمى.
تنطلق فلسفة نيتشه بأكملها - لا فلسفته التاريخية فقط - من مشروع طموح لإعادة تقييم كل القيم الموروثة. وهو يستهل مشروعه بطرح السؤال: «بماذا نؤمن؟ من هنا يجب أن تحدد أهمية كل الأشياء من جديد.»
2
وقد جعل نيتشه من النقد أساس هذا التقييم ونقطة بدايته، وحدد لمشروعه جانبين يمثل الجانب الأول العنصر الإيجابي لإعادة التقييم كما ظهر في «هكذا تكلم زرادشت»، وتمثل مؤلفاته المتأخرة العنصر السلبي منه: «والآن بعد أن تم الجزء الإيجابي من مهمتي، فقد جاء دور الرفض، دور إطلاق صوت: «اللا» في القول والفعل، إعادة تقييم القيم الموجودة نفسها، تلك الحرب الكبرى، الإهابة بيوم القرار الحاسم.»
3
وقد طرح نيتشه بحثه النقدي للقيم في خمسة تساؤلات حول القيم الأساسية التي قام عليها جوهر التراث الغربي: «ما قيمة المعرفة؟ ما قيمة الأخلاق؟ ما قيمة الدين؟ ما قيمة الفن؟ ما قيمة الدولة؟»
4
ولأن كلا من هذه الأسئلة يستلزم بحثا أو بحوثا مستقلة خاصة عندما نعرف أن إعادة تقييم القيم هي المشروع الأساسي لكل أعمال نيتشه منذ كتاباته الأولى الخصبة، وحتى مؤلفاته المتأخرة الأكثر نضجا، وأن مشكلات القيمة هي المهمة التي وهب حياته الفلسفية من أجلها، فلن نتناول في هذا المجال سوى السؤال الأول الذي يندرج هذا البحث في إطاره لما يتضمنه من أسئلة أخرى: «ما قيمة الحقيقة؟ ما قيمة العقل؟ ما قيمة الموضوعية؟ وما قيمة العلم؟ ما قيمة التاريخ؟ وهل الحقيقة شيء يمكن الوصول إليه؟»
Shafi da ba'a sani ba