Hasad Falsafi
الحصاد الفلسفي للقرن العشرين : وبحوث فلسفية أخرى
Nau'ikan
6
وهذا المفهوم للفلسفة الذي يبدو أنه حدسي وواضح كل الوضوح، هو في الحقيقة في رأي رورتي مفهوم معقد ومحرف للفلسفة، وهو المفهوم الذي أحال الفلسفة كلها إلى نظرية للمعرفة. ويعود الفضل في هذا المفهوم إلى مؤسسي الفلسفة الحديثة ديكارت ولوك وكانط: «نحن ندين بفكرة نظرية المعرفة القائمة على فهم العمليات العقلية إلى القرن السابع عشر - وخاصة للوك - وندين بفكرة العقل، بوصفه كيانا
entity
منفصلا تحدث فيه هذه العمليات العقلية، إلى نفس القرن - وخاصة لديكارت - كما ندين بفكرة الفلسفة بوصفها محكمة للعقل الخالص الذي بإمكانه أن يؤيد أو يدين مزاعم الثقافة إلى القرن الثامن عشر - وخاصة لكانط - لكن هذه الفكرة الكانطية تفترض مسبقا تصديقا عاما لأفكار لوك عن العمليات العقلية وأفكار ديكارت عن الجوهر العقلي.»
7
ويرفض رورتي - شأنه شأن سائر البراجماتيين - فكرة أن تكون هناك طبيعة جوهرية للإنسان، أو أن تكون هناك طبيعة باطنة للأشياء غير معروفة لنا، تمثلت في تاريخ الفلسفة على صورة «الروح» عند أفلاطون، و«الشيء في ذاته» عند كانط، بل ويرى أن ديفيدسون
8
ساعدنا على أن: «ننحي جانبا فكرة أن كلا من الذات والواقع ينطويان على طبيعة باطنة، طبيعة بعيدة تنتظر أن نعرفها»،
9
فإذا سلمنا بما يقوله رورتي بأنه لا توجد طبيعة جوهرية ثابتة للإنسان، فإنه يترتب على هذا أن على كل شخص مهمة إبداع ذاته، وكما أننا لا نحتاج أن نقتحم الطبيعة ونفهم لغتها الخاصة لكي نفسر الظاهرة الطبيعية ، فكذلك نحن في غنى عن البحث عن طبيعة بشرية جوهرية نسعى لاكتشافها لكي نعرف أنفسنا ونعرف الآخرين معرفة صادقة، فلسنا كائنات معدة سلفا، وإنما نسعى لاكتشاف أنفسنا، بل نحن نبدع أنفسنا من خلال محاولاتنا للتكيف مع التجربة، كما نطور خاصيتنا الفردية كما تظهر في التجربة. ولذلك فإن هدف المعرفة عند رورتي هو إيجاد أفضل الطرق للتوافق مع أنفسنا ومع العالم والأشياء، وهو بهذا المعنى يلتزم بالدور الوظيفي للمعرفة في الفلسفة البراجماتية، والذي يؤكد لا على الأشياء الموجودة سلفا أو على نسخ صور منها، بل على إعادة تشكيلها بشكل خلاق وبناء، بما يعني أن للمعرفة وظيفة عملية أكثر منها أبستمولوجية، وأنها أداة للتغيير والتعديل وسبيل إلى الإبداع لعالم ما زال في طور التكوين، ولم يتشكل بعد بصورة نهائية، بل إنه عالم مفتوح، وفي عملية صيرورة دائمة، كما يؤكد وليم جيمس أحد أقطاب النزعة البراجماتية، وكما يؤكد أيضا جون ديوي الذي يمثل قطبها الآخر على وظيفة الفلسفة التي لا تتعدى أن تكون خطة للسلوك نحو تغيير العالم الموجود.
Shafi da ba'a sani ba