Hasad Falsafi
الحصاد الفلسفي للقرن العشرين : وبحوث فلسفية أخرى
Nau'ikan
تحول منذ نشره هذا الكتاب إلى مهاجم للنزعة التحليلية التي هي النتاج الشرعي - في رأيه - للفلسفة التأسيسية التي انحدرت إلينا من التراث الديكارتي-الكانطي. وركز رورتي هجومه على الفلسفة التحليلية المعاصرة وأصولها التاريخية والجذور التي استمدت منها أفكارها الأساسية، وخاصة نظريات القرن السابع عشر وما عرف عنها من اهتمام بنظرية المعرفة أو الإبستمولوجيا. ويبين رورتي منذ البداية أن هناك خطأ في فهمنا للفلسفة بوصفها نظاما معرفيا يتعامل مع مشكلات أساسية ثابتة، تدل على هذا أول عبارة استهل بها كتابه السالف الذكر: «يعتقد الفلاسفة عادة أن نظامهم المعرفي يناقش مشكلات دائمة وأبدية، مشكلات تظهر بمجرد تأملها.»
3
يفسر رورتي في مقدمة كتابه لماذا اختار «الفلسفة ومرآة الطبيعة» عنوانا لمؤلفه بأنه يقدم صورا أكثر مما يقدم قضايا، ويطرح استعارات ولا يطرح عبارات تقريرية من النوع الذي يحدد طابع معتقداتنا الفلسفية. وهو يؤكد على أن الصورة التي تأسر الفلسفة التقليدية وتقيدها بأغلالها هي صورة العقل كمرآة كبيرة تحتوي على تمثلات متنوعة بعضها دقيق وبعضها غير دقيق، وهي في مجموعها قابلة لأن تدرس وتفحص عن طريق المناهج غير التجريبية. ولولا فكرة العقل كمرآة لما وجدت فكرة المعرفة - بوصفها تمثلات دقيقة - ولولا هذه الفكرة الأخيرة (أي المعرفة) لما كان هناك ثمة معنى لجهود ديكارت وكانط في الوصول إلى تمثلات دقيقة أو واضحة متميزة - بتعبير ديكارت - عن طريق فحص المرآة والعكوف على صقلها. وبدون فكرة العقل كمرآة أيضا ما كان هناك ثمة معنى للمزاعم الحديثة بأن الفلسفة هي «تحليل تصوري» أو «تحليل فينومينولوجي» أو «تفسير للمعاني» أو «اختبار لمنطق لغتنا» أو «بناء تكويني لنشاط الوعي»، وهي المزاعم التي تهكم عليها فيتجنشتين في بحوثه الفلسفية.
4
لقد قام فيتجنشتين بتفكيك هذه الصور المرآوية، ولكنه كان يفتقر إلى الوعي التاريخي، ومن هنا تأتي عظمة إسهام هيدجر الذي أعاد النظر في تاريخ الفلسفة كله ليبين الجذور التاريخية المرآوية للفلسفة ابتداء من أفلاطون حتى أعلام الفلسفة الحديثة، ولكن كلا الفيلسوفين عجز - في رأي رورتي - عن توضيح مدى سيطرة الصور المرآوية البصرية على العقل الغربي في إطار منظور اجتماعي. لقد اهتم كلاهما بالأفراد أكثر من اهتمامهما بالمجتمع. وفي الجانب الآخر نجد ديوي يستنبط حججه ضد الصور المرآوية من داخل رؤيته لمجتمع جديد، وعلى الرغم من افتقاده لمنطق فيتجنشتين الدقيق وللنظرة التاريخية الشاملة عند هيدجر، فلم تعد الثقافة في المجتمع المثالي الجديد الذي رسمه ديوي معرفة موضوعية، بل أصبحت خبرة جمالية. صحيح أن ديوي قد اتهم بالوقوع في النسبية واللاعقلانية، ولكن هذه الاتهامات لن يكون لها وزن - في رأي رورتي - إذا أخذنا نقد ديوي وفيتجنشتين وهيدجر مجتمعين للنزعة المرآوية في الفلسفة التقليدية.
5
يبدأ رورتي نقده للنماذج المختلفة لنظرية المعرفة التي أقرتها الفلسفة الحديثة بقوله: «يمكن للفلسفة أن تكون تأسيسية بالنسبة لبقية الثقافة
culture ؛ لأن الثقافة هي حشد لمزاعم المعرفة، والفلسفة تحكم على هذه المزاعم. إنها تفعل هذا لأنها تفهم أسس المعرفة، وتجد هذه الأسس في دراسة الإنسان ككائن عارف للعمليات العلمية، أو في فاعلية التمثل
activity of representation
التي تجعل المعرفة ممكنة، فأن تعرف هو أن تتمثل على نحو دقيق ما هو خارج العقل، ومن ثمة فلكي تفهم إمكانية وطبيعة المعرفة معناه أن تفهم الوسيلة التي يكون بها العقل قادرا على تشكيل أو بناء مثل هذه التمثلات . إن ما تهتم به الفلسفة بشكل أساسي هو أن تكون نظرية عامة التمثلات. وهناك نظرية تقسم الثقافة إلى مجالات تتمثل الواقع بشكل جيد، وأخرى تتمثله بشكل أقل جودة، وثالثة لا تتمثله على الإطلاق (على الرغم من تظاهرها بأنها تفعل هذا)»،
Shafi da ba'a sani ba