وكانت المرأة - وخصوصا الحرة - تجيد الغزل والحياكة؛ لكثرة قرارها، ومع هذا فقد ظلت المرأة سافرة، وإنما دخل الحجاب على النساء تقليدا للفرس بالتدريج، فبدا في عهد الوليد الثاني الأموي؛ لأن أخلاقه، وطباعه، واستهتاره جعل الناس يحتاطون من الاعتداء عليهن، فأنشئت الأسوار في القصور، والحراس لضمان حماية الحرائر. •••
ولكن المرأة على الرغم من ذلك كانت تتمتع بقسط كبير من الحرية والسفور، وكان الرجال ينتسبون إلى النساء كأبي سلمى وأبي ليلى، وكانوا في الحروب يذكرون نساءهم وحبيباتهم، وكان الفتيات المثقفات يجالسن الرجال، ويناقشنهم، ويستقبلن الأضياف كالذي حكي في كتاب «اعتلال القلوب»: أن رجلا حج، فلما عاد عطش في الطريق فرأى خباء في ناحية منه، فأناخ بفنائه، قال: فقلت: «أأنزل؟» فقالت ربة البيت: «نعم!» فقلت: «وأدخل؟» فقالت: «أجل!» قال: فدخلت، فإذا جارية أحسن من الشمع، فجلست أحدثها، وكأن الدر ينتثر من فيها، فبينما أنا كذلك إذ دخلت عجوز مؤتزرة بعباءة مشتملة بأخرى، فقالت: «يا عبد الله! ما جلوسك ها هنا عند هذا الغزال النجدي الذي لا تأمن جماله، ولا ترجو نواله»، فقالت لها الجارية: «أي جدة! دعيه يتعلل» فكانت الحرة إذن تقابل، وتتحدث، وتضيف، وتتعفف، كالذي يقول الشريف الرضي:
عفافي من دون التقية زاجر
وصوتك من دون الرقيب رقيب
ثم كثرت الجواري، وكثر التهتك، فازداد الحجاب على مر الزمان حتى كثف، وأصبح لا يسمح فيه إلا بعين تنظر الطريق، وكان لبس المرأة غطاء على الرأس، اخترعته علية بنت المهدي أخت هارون الرشيد، له إطار من تحته قابل للترصيع بالأحجار الثمينة، وكان النساء يتحلين بالخلاخيل والأساور والأقراط والخواتيم، والرجل يلبس قلنسوة قد اخترعها المنصور، أما لباس الجسم فسروال وقميص وقفطان تشملها عباءة، والفقهاء كانوا يلبسون عمامة على الرأس وطيلسانا، وقد اخترع هذا الإمام أبو يوسف، واختاره لبسا للقضاة.
الجمال
وكان للجمال في أيامهم مثل أعلى هو: استدارة الوجه مع حمرته، وشاع في أيامهم كلمة «الحسن أحمر»، ويزيد الخد حسنا الخال فيه، وشبهوه بنقطة عنبر في صحن، ويحبون من العين ما كانت واسعة كعيون المها متكسرة الجفون متكحلة بالكحل الطبيعي لا الصناعي، وشبهوا الأسنان باللؤلؤ، أو بالبرد، والنهدين برمانتين، والخصر بالقضيب، والردف بالكثيب، والقد بالخيزران، وهم يعنون في بيوتهم بديوان للجلوس، وشيت جدرانه بالسجاجيد الأعجمية، وصفت حوله الكراسي، وخيرها الكراسي ذات المسندين، ويسمونها الكراسي المجنحة، وقد فرشت أرضية الغرفة بالطنافس، والطراريج يتربع الجالس عليها، والأطباق في بيوت الأغنياء قد صنعت من الفضة، وصففت الموائد من الخشب المطعم بالأبنوس واللؤلؤ وأنواع الصدف كالذي تراه في مصنوعات القاهرة ودمشق، وطعامهم السكباج، وهو مرق يصنع من اللحم والخل والماء أو من الفراخ أو نحوها، والفالوذج وقد بشر أبو حنيفة صاحبه - أبا يوسف: بأنه سيأكل الفالوذج بدهن الفستق. (3) مظاهر الترف
ومن بدعهم أنهم - لترفهم - كانوا يؤكلون الدجاج الجوز واللوز، ويسقونه الحليب، ويتفننون في الأطعمة، وقد وصف ابن الرومي وصفا بديعا مائدة متعددة الألوان فقال:
جاءوا بفرني
1
Shafi da ba'a sani ba