كلمة شكر
تمهيد
الحملة الفرنسية
محمد علي باشا
عباس باشا
سعيد باشا
الخديو إسماعيل
المراجع
كلمة شكر
تمهيد
الحملة الفرنسية
محمد علي باشا
عباس باشا
سعيد باشا
الخديو إسماعيل
المراجع
حركة الترجمة بمصر خلال القرن التاسع عشر
حركة الترجمة بمصر خلال القرن التاسع عشر
تأليف
جاك تاجر
كلمة شكر
إنه لمن أعز واجباتي وأقدسها أن أعرب عن بالغ شكري إلى حضرة صاحب السعادة أنطون الجميل باشا عضو مجمع فؤاد الأول للغة العربية ومقدم الجائزة.
وإلى حضرات أصحاب العزة أحمد بك أمين، وعباس محمود العقاد، وعلي الجارم بك أعضاء لجنة الآداب بمجمع فؤاد الأول للغة العربية.
وإلى صاحب العزة جورج جندي بك رئيس قلم المحفوظات التاريخية بديوان جلالة الملك على ما بذلوه من جهد، ومدوني به من عون في سبيل إخراج رسالتي.
المؤلف
تمهيد
لم يكن لحركة الترجمة في مصر أيام المماليك من أثر يذكر، وفي مقدمة الأسباب التي جعلتها كذلك يومئذ أمران:
الأول:
تحول شئون التجارة الخارجية بين مصر والخارج عن طريق السويس والبحر الأحمر إلى طريق رأس الرجاء الصالح.
الثاني:
الفوضى التي كانت تسود الديار المصرية يومئذ، حتى لقد هجرها رجال العلم والفن من شرقيين وأوروبيين، فانقطعت بهذا الهجران الأواصر الفكرية بين الشرق والغرب، وفترت حركة الترجمة فتورا واضح الأثر.
حقا أنه كان يعيش في القاهرة والإسكندرية وغيرهما من المدن المصرية جاليات أوروبية، ولكنها كانت قليلة العدد، وكان أفرادها من التجار الذين وفدوا إلى مصر لاستثمار تجارتهم فحسب، فكان أثرهم في الترجمة مقصورا على مصالحهم التجارية الخاصة، وكانت كلما جدت لهم مشكلة في تجارتهم وسطوا فيها قناصلهم بينهم وبين «البكوات» المماليك فتولوا فضها كل بواسطة ترجمانه، وإذن فالترجمة الصحيحة العامة لم تظهر في مصر إلا في عهد الاحتلال الفرنسي، ومن أجل ذلك رأينا ألا نهمل السنتين السابقتين للقرن التاسع عشر بل ضممناهما إلى هذا القرن؛ لنتتبع حركة الترجمة في مصر من مولدها حتى هذا العصر.
ولما كان ملوك الأسرة العلوية الكريمة - وهم الذين قادوا حركة الترجمة في القرن التاسع عشر - قد استغلوا هذه الحركة في أغراض مختلفة استحسنا تقسيم دراستنا لها إلى ست فترات هي:
الحملة الفرنسية
من 1798 إلى 1801
عصر محمد علي وإبراهيم
من 1805 إلى 1848
عصر عباس الأول
من 1848 إلى 1856
عصر سعيد
من 1856 إلى 1863
عصر إسماعيل
من 1863 إلى 1879
عهد الاحتلال
من 1880 إلى 1889
الحملة الفرنسية
لما اعتزمت الحكومة الفرنسية فتح البلاد المصرية؛ لعرقلة طريق الهند أمام الإنجليز حتى يضطروا إلى قبول الصلح، وعهدت إلى الجنرال بونابارت في تنفيذ هذه الخطة الجريئة، رأى هذا القائد البارع والسياسي المحنك أن السيف لا يكفي وحده لسلامة جيوشه والمحافظة على فتوحه فعقد النية على بث روح التعاون بين الحاكم والمحكوم، وتوثيق عرا الصداقة بينهما، وقرر تأليف حكومة أهلية تتفق مبادئها مع مبادئ الثورة الفرنسية، فتقوم بإدارة مصالح الشعب وتوفير طمأنينته، إلا أن اضطراب الأحوال السياسية والحربية، ولا سيما بعد إغراق الأسطول الفرنسي في معركة أبي قير، وجهل الأعيان والشيوخ في مصر يومئذ بأساليب الحكم الجديد، حمل نابليون على وضع هذه الحكومة الناشئة تحت إشرافه ورقابته.
وكان يجب على الرجل الذي نبتت في ذهنه هذه الخطة الجريئة أن يفكر في السعي إلى تحقيقها على الوجه الأكمل حتى إذا ما اعترضته بعض المصاعب تمكن من تذليلها، وكانت مسألة اللغة من أهم المصاعب التي قد تعوق علاقات الحاكم بالمحكوم. فكان لا بد للجنرال بونابارت أن يستدعي معه من لهم إلمام باللغات الشرقية حتى ييسروا عليه مهمته كلما أراد التحدث إلى الأعيان أو استطلاع رأيهم أو مفاوضتهم أو إرشادهم، فأدت هذه الحركة إلى ترويج صناعة الترجمة في مصر.
وكان في فرنسا وقتئذ بعض المستشرقين والمتخرجين في مدرسة اللغات الشرقية التي أنشأها الملك لويس الرابع عشر في القرن السابع عشر؛ لتخريج المترجمين الصالحين لإلحاقهم بالسفارات والقنصليات في الشرق، وكان بعضهم قد اكتسبوا شهرة عظيمة بسبب إقامتهم عهودا طويلة في البلاد الخاضعة للدولة العثمانية أو المجاورة لها، واختلاطهم بأعيانها وحكامها حتى إنهم أتقنوا لغاتها. فانتفع بونابارت بمعلوماتهم وخبرتهم، ولكن بالرغم من الأعباء الثقيلة التي فرضها عليهم، ظل عددهم قليلا إلى انتهاء الحملة، وكان معظمهم يتقنون اللغتين الفارسية والتركية أكثر من اللغة العربية التي لم يجيدوها إلا بعد تمرين طويل ومشقة بالغة.
أما الأعمال التي أنجزوها أثناء الحملة فهي: (1)
القيام بمهمة المترجم
Intérprete : احتاج الجنرال بونابارت وكبار قواده إلى من ييسر لهم الاتصال بالشعب، وكان هؤلاء التراجمة في بادئ الأمر من الفرنسيين، حتى إذا اتسع نطاق العمل استعانوا ببعض الشرقيين، ولا سيما السوريين. (2)
ترجمة الوثائق الرسمية والإدارية: قبل أن ينزل الجنرال بونابارت إلى البر، وزع منشورا على أهالي الإسكندرية يكفل لهم حرية العقيدة، واحترامه الدين الإسلامي، ويحثهم على مناصرة الفرنسيين، ومحاربة المماليك الطغاة، وقد تولى «فانتور» ترجمة هذه الوثيقة، وطبعها المستشرق «حنا يوسف مارسيل» مدير مطبعة الحملة فوق الباخرة «لوريان» ووزع منها أكثر من أربعة آلاف نسخة على رجال الدين والأعيان، وتعتبر هذه الوثيقة أول عمل أخرجته مطبعة عربية في الشرق، واستمر المترجمون بعد ذلك في ترجمة المنشورات الرسمية، والأوامر الإدارية كما أخذوا يترجمون إلى الفرنسية الشكاوى الكثيرة التي كان يرفعها الأهالي إلى الديوان. (3)
ترجمة الكتب العلمية: وبالرغم من الأعمال الإدارية الكثيرة التي أثقلت كاهل المترجمين استغل بعضهم أوقات فراغه القصيرة؛ لتحسين الكتابة العربية، أو مناقشة رجال الدين والعلم، أو ترجمة دواوين الشعراء، أو بعض المؤلفات العربية والعلمية والأدبية والدينية التي سيأتي ذكرها فيما بعد. (1) مترجمو الحملة وأهم أعمالهم (1-1) المستشرق فانتور
Jean Michel Venture De
كان فانتور أكبر علماء الحملة سنا، ولد في مرسيليا سنة 1739، وتعلم اللغات الشرقية في مدرسة اللغات بكلية لويس الأكبر، وطاف بالبلاد الشرقية نحو أربعين سنة قام خلالها بمهمات دبلوماسية دقيقة إلى جهات متعددة منها القاهرة ومراكش وتونس والجزائر؛ ففي سنة 1788 أرسل إلى الجزائر لتسوية الخلاف القائم بين فرنسا وتلك البلاد، وتمكن بعد مفاوضات مكثت ستة عشر شهرا أن يجدد الاتفاقات السابقة، ولما رفض الباب العالي في سنة 1793 الاعتراف بالسفير الفرنسي
De Sémonville
تولى فانتور مهمة السفارة حتى سنة 1795 حتى إذا عين سفير جديد ساعده فانتور على أداء مهمته.
وقد أدى فانتور إلى بلاده خدمات جليلة، وكانت شهرته العظيمة هي السبب في تعيينه قبيل نشوب الثورة الفرنسية بمدة وجيزة «سكرتيرا ومترجما للملك في اللغات الشرقية»
Secrétaire-Interprete du Roi Pour les Langues Orientales
وهي أعلى رتبة تعطى لمن ينتسب إلى سلك المترجمين، وكانت آخر رحلة له في سنة 1797. فلما عاد إلى فرنسا مالت نفسه إلى الراحة، فاعتزل السياسة، وقصر نشاطه على تدريس اللغة التركية في مدرسة اللغات الشرقية، ولكنه لم يتمكن من الراحة إذ وقع اختيار الجنرال بونابارت عليه؛ ليكون كبير مترجمي الحملة الفرنسية، ومستشاره الخاص، ومرجعه الأول في المسائل الخاصة بالشرق والشرقيين. فلما وصل إلى مصر عين عضوا في المجمع العلمي المصري، وقد ذكره الجبرتي في كتابه فقال فيه «إن فانتور هذا ترجمان ساري عسكر الجيوش الفرنسية، وكان لبيبا متبحرا يعرف اللغات التركية والعربية والرومية والطلياني والفرنساوي.» ومما هو جدير بالذكر أنه قام في مصر ثماني سنوات في أواخر القرن الثامن عشر وقبل الحملة. فلما عاد إليها مع الحملة، التقى بكثير من أصدقائه وعارفيه من المشايخ وأعيان القبط. فساعدوه في كثير من الشئون، وقد رافق الجيش في سيره إلى الشام؛ إذ قلما كان قائده يستغني عن خدماته وإرشاداته. ثم أصيب أثناء حصار عكا بالديسنطاريا، وتوفي أمام هذه المدينة في مايو سنة 1799.
1
أعماله
وعلى الرغم من الشهرة التي تمتع بها فانتور، توفي دون أن تنشر مؤلفاته، وإن يكن قد ترك عدة مخطوطات؛ منها وثيقتان عثر عليهما في مصر، وهما تحويان تفصيلات وافية مهمة عن تاريخ المماليك، ونشر المسيو دي شارل جالياردو ترجمة لهاتين الوثيقتين في «مجلة مصر»
La Revue d’Egypte
في العددين الصادرين في أول أغسطس وأول سبتمبر سنة 1894، وكان «ڨولني»
Volney
قد ادعى في كتابه «رحلة إلى مصر والشام»
2
أن فانتور قابله في مصر وقال له: إنه على وشك الفراغ من ترجمة هاتين الوثيقتين.
وترجم أيضا كتابا للشيخ مرعي بن يوسف الحنبلي سماه:
récréatif sur le régne des Khalifes, des Rois et des Sultans d’Egypte (نزهة الناظرين في تاريخ من ولي مصر من الخلفاء والسلاطين).
وهو مخطوط عربي مودع مكتبة باريس تحت رقم 220493.
ولم نعرف من سائر تراجمه إلا بعض مقتطفات أدبية نشرها في مجلة «الماجازين بتوريسك»
Magasin Pittoresque
وقاموس لغة البربر الذي نشره «لانجليس»
Langlés
في ذيل كتاب رحلة «هورنمان »
Hornemann .
3 (1-2) المستشرق جوبير
Lours-Amedee Jaubert
اختاره بونابارت للسفر معه إلى مصر بتوصية فانتور، وذلك بعد أن رفض العلامة لانجليس الانضمام إلى رجال الحملة (ويقال: إن هذا العلامة كان يجيد جميع اللغات الشرقية) وكانت معلومات جوبير في اللغة العربية مقصورة على قواعدها التي تعلمها على يد المستشرق الكبير «سيلفستر دي ساسي» ولكنه أتقنها فيما بعد بفضل اجتهاده، وساعده على ذلك مناقشاته المتوالية للعلماء والشيوخ وأعضاء الديوان، ولما توفي فانتور حل محله كبيرا لمترجمي الحملة فازدادت مخصصاته وتبعاته.
وكتب جوبير عن نفسه فقال: «كنت مشغولا من الصباح إلى المساء أتلقى أوامر بونابارت، وأبلغها الجهات المختصة، ثم أستمع إلى آراء الأعيان وشكواهم، وأناقشهم في شتى الموضوعات. فكنت مضطرا إلى السهر ليالي طويلة أمضيها في مطالعة الوثائق الإدارية التي يصعب قراءتها حتى للمترجم الذي يجيد لغته. ثم أتولى مراجعة قوائم الحساب التي يقدمها محصلو الضرائب؛ إذ كان هؤلاء يكتبونها بخط رديء لتضليل المراقب، وتعجيزه عن التثبت من صحتها.
4
ولما غادر جوبير البلاد المصرية مع سائر رجال الحملة عين مدرسا للغة التركية في مدرسة اللغات الشرقية بباريس، ثم مدرسا للغة الفارسية في الكوليج دي فرانس فناظرا لمدرسة اللغات الشرقية، ومما يثير الدهشة أنه لم يعين قط مدرسا للغة العربية، وهذا دليل واضح يثبت ما ذكرناه قبل ذلك وهو أن أهم مترجمي الحملة كانوا يجيدون اللغتين التركية والفارسية أكثر من إجادتهم اللغة العربية.
أعماله
ليست أعمال جويير كثيرة، وهي لاحقة للحملة الفرنسية. فهو الذي ترجم إلى اللغة الفرنسية بعض النقوش
Inscriptions
المذكورة في كتاب «باشو»
،
5
وأخذ بعد ذلك يترجم «نزهة المشتاق في اختراق الآفاق» للشريف الإدريسي من النص المودع المكتبة الملكية بباريس، وعلق عليه، وطبع ترجمته في جزأين صدر الجزء الأول في سنة 1836 والجزء الآخر سنة 1840 تحت عنوان
Géographie d’Edresi
وكان يعلل هذا البطء في العمل باشتغاله بأداء بعض المهمات الدبلوماسية في الخارج. (1-3) المستشرق مارسيل
Jean Joseph Marcel
ولد في سنة 1776، ودرس بإشراف المستشرق دي ساسي، فأظهر أثناء دراسته مقدرة عظيمة على تعلم اللغة العربية، واشتغل بعد ذلك في الصحافة، واكتسب خبرة في فن الطباعة ، فرشحه بونابارت مديرا لمطبعة الحملة، وكان مارسيل لم يتجاوز الثانية والعشرين من عمره، وأظهر في عمله نشاطا ومهارة فائقين. فتولى طبع جميع منشورات القيادة العليا كما تولى طبع ألف وستمائة نسخة من مجلة «كورييه ديجبت»
Le Courrier d’Egypte
وثلاثة أجزاء من «لاديكاد إيجيبسيان»
La Décade Egyptienne
وتقويم الثورة الفرنسية لسنتي 7 و8، كذلك طبع عدة كتب ألفها أو ترجمها نذكر منها «وصايا لقمان الحكيم» وهو كتاب صغير صدر سنة 1799، وعلق عليه مارسيل نفسه في مجلة «لاديكاد»، وكتاب «القواعد للغات العامية في مصر وسورية» (لم يتم طبعه)، وكتاب «فتح الآستانة» باللغة العربية، وكتاب مطالعة باللغة الفصحى، وطبع أيضا «مجموعة المستندات الخاصة بإجراء محاكمة سليمان الحلبي قاتل القائد العام كليبر» باللغات الفرنسية والعربية والتركية، وقد ذكرها الجبرتي في تاريخه «عجائب الآثار»، وكان يستعين مارسيل في أعمال الطباعة ببعض المختصين الفرنسيين والإيطاليين الذين استدعاهم من مطبعة الفاتيكان بروما.
ويقول مارسيل: إنه جمع أكثر من ألفي مخطوط باللغة العربية والفارسية والتركية والقبطية، وإنه لم يندم على ما بذله من المال، وما عانى من مشقة البحث للحصول على هذه المجموعة، ويروى عنه أنه بينما كانت مدافع الفرنسيين تضرب ساحة الأزهر حيث كان الثوار قد لجئوا إليها، قفز مارسيل وسط اللهيب؛ لينقذ من النار بعض المخطوطات الثمينة التي كانت في المسجد.
وبعد عودته إلى فرنسا اشترك في تأليف كتاب «تخطيط مصر» وأشرف على طباعته بوصفه مديرا للمطبعة الأميرية، وألف القسم الخاص بتاريخ مصر الإسلامية في مجموعة «لونيفر بيتورسك»
L’Univers Pittoresque
الذائعة، وترجم أقاصيص الشيخ المهدي كما ترك لنا «متنوعات من الأدب الشرقي»
Mélanges de littérature Orientale ، وتوفي سنة 1854 وقد كف بصره أو كاد، وفقد سمعه.
ولا شك أن أنفس ما دونه هو «متنوعات
Mélanges » وروايات الشيخ المهدي، والمعجم الفرنسي العربي، وسنتناولها ببعض التفصيل.
متنوعات الأدب الشرقي
Mélanges de Litterature Orientale :
جمع مارسيل مقتطفات من آثار أشهر شعراء العرب وكتابهم، وترجمها إلى اللغة الفرنسية، فنالت استحسان الجمهور.
القاموس الفرنسي العربي للغة العربية العامية:
وهي طبعة منقحة للقاموس الصغير الذي نشره في القاهرة سنة 1898، ويضم هذا القاموس
6
أكثر من أربعين ألف كلمة، ولا شك أن لهذا المجهود فائدة عظيمة، قال مارسيل في مقدمة قاموسه: «شوهت البلاد العربية اللغة الأصلية التي كان ينطق بها عرب الجاهلية. فلما وصلت إلى الإسكندرية منذ أربعين سنة (مع الحملة الفرنسية) لاحظت مع الأسف أن خادمي الخاص لا يفهم كلامي كما أنني لا أفهم كلامه بالرغم من أنني تلقيت دروس اللغة العربية على يد أساتذة مهرة. فتعلمت اللغة العامية، وتمكنت بعد جهد عظيم أن أنشر في مصر قاموسا موجزا للغة العربية العامية.
7
تحفة المستيقظ العانس في نزهة المستنيم والناعس:
وهي ترجمة مخطوط عربي إلى اللغة الفرنسية، طبعها مارسيل سنة 1835 في ثلاثة أجزاء، وذكر في المقدمة كيف أمكنه العثور على هذه الوثيقة. فقال: «تعرفت على كثير من أعيان القاهرة، ولكني عاشرت على الأخص الشيخ المهدي، فكانت علاقاتنا مستمرة ومصطبغة بصبغة الصداقة، وبينما كنا نتحدث في أحد الأيام عن الأدب العربي كلمته عن كتاب ألف ليلة وليلة. فقال لي: هذا كتاب يرجع إلى زمن قديم جدا، وعلى كل حال فقد اقتدى به كثير من الكتاب في تأليف ما يشابهه، وإني شخصيا أملك مخطوطا من هذا النوع. فأظهرت له رغبتي في قراءة هذا المخطوط فأتى به في اليوم التالي وأهداه إلي راجيا مني قبوله، وهذا المخطوط كتبه بيده وإني أعتقد أن الشيخ المهدي هو مؤلفه على رغم عدم اعترافه هو بذلك.»
8
وهؤلاء المستشرقون الثلاثة يعدون أهم مترجمي الحملة، ولا شك أنهم قاموا بأكبر قسط من العمل الملقى على عاتق المترجمين، وتركوا فوق ذلك أبحاثا قيمة في التأليف والترجمة، وكان يساعدهم على أداء هذه المهمة الشاقة بعض المتخرجين في مدرسة اللغات الشرقية بباريس ومن بينهم: (1-4) ديلابورت
Jacques-Dgnis Delaporte
ولد في سنة 1771 وتوفي في سنة 1861، وكان العالم دي ساسي أستاذه في اللغة العربية، واشتهر بعد ذلك بإجادة هذه اللغة، وجاء إلى مصر مع الحملة، وألحق بإدارة مدير الشئون المالية، وكتب تاريخا موجزا لعصر المماليك نشره باللغة الفرنسية في الجزء السادس عشر من كتاب «تخطيط مصر». (1-5) بيلتيت
Belletete ou Belleteste
ولد في أورليانس سنة 1788، وكان يميل منذ طفولته إلى تعلم اللغات الشرقية ، ولكنه لم يدرسها إلا بعد خروجه من المدرسة، ثم انضم إلى الحملة الفرنسية سكرتيرا ومترجما في القيادة العليا، ولكنه لم يقم في مصر فترة طويلة؛ إذ أصيب في معركة هليوبوليس إصابة بالغة ألجأته إلى العودة إلى بلاده حيث عينته الحكومة سكرتيرا ومترجما في وزارة الخارجية، وكلفته الوزارة ترجمة بلاغات الجيش الفرنسي لمعارك سنة 1805 و6 و7 إلى اللغة التركية بالاشتراك مع
Kieffer
واشترك أيضا في تأليف كتاب «تخطيط مصر» وكان يشغل أوقات فراغه بترجمة مخطوط عربي في علم المعادن، وقد جمع قصصا باللغة التركية وجعل عنوانها «الوزراء الأربعون»
Les Quarante Vizirs .
9 (1-6) براسيفيش
Damien Bracevich
كان يشغل قبل الحملة بزمن قليل وظيفة «مترجم أول» بطرابلس الشام، ولما جاء الفرنسيون إلى مصر كان يقيم بالإسكندرية سكرتيرا للقنصلية. فالحق بمعية الجنرال
مدير الشئون المالية، ثم عين كبيرا لمترجمي الجنرال كليبر، وقد ترجم أقوال سليمان الحلبي، كما ترجم أقوال سائر المتآمرين في قضية مصرع هذا القائد. (1-7) بانهوسن
عين في بدء الحملة مترجما خاصا للجنرال كليبر، ثم اختفى عن زملائه يوم نزول القوات الفرنسية، وانقطعت أخباره حتى الآن. (1-8) لوماكا
Jean-Baptiste Santi L’homaga
احترف الترجمة، وشغل منصب الترجمان في بلاد مختلفة منها سلانيك وجزيرة كريت، ثم رقي سكرتيرا في القنصليات الفرنسية في الشرق، وألحق أثناء الحملة بقيادة الجنرال كليبر حيث اشترك مع
Bracevich
في استجواب المتهمين في قضية مقتل الجنرال كليبر، وألحق بعد ذلك بقيادة الجنرال مينو. (1-9) رينو
Jean Renno
مترجم ملحق بالجيش. •••
أما المترجمون الشرقيون: فكان عددهم قليلا أيضا وهم جبران سكروج وإلياس فخر وبترو سافرلو وإبراهيم صباغ ومسابكي وإليوس (إلياس) بقطر والأب روفائيل زخورة، ولم يشتهر منهم إلا اثنان هما إليوس بقطر والأب روفائيل. (1-10) إليوس بقطر
ولد في أسيوط سنة 1784 من أب قبطي، ولما بلغ الخامسة عشر من عمره ألحق بقيادة الجيش الفرنسي مترجما، وسافر إلى فرنسا مع سائر رجال الحملة، وعين سنة 1812 لترجمة الكتب المودعة محفوظات وزارة الحربية. ثم ألحق بالجيش مترجما، وألغيت وظيفته سنة 1814، وفي سنة 1817 أجيز له تدريس اللغة العربية العامية بمدرسة اللغات بباريس، وتوفي سنة 1821.
وألف معجما عربيا فرنسيا طبع سنة 1864 بباريس، وراجعه وأضاف إليه زيادات الأستاذ «دي بيرسيال»
Caussin de Perceval
في سنة 1869 ثم راجعه ثانيا، وأضاف إليه زيادات عبيد جلاب، ونشره في جزأين. (1-11) الأب روفائيل دي موناكيس
Dom Raphael De Monachis
واسمه الأصلي أنطون زخورة، وهو من أصل شرقي، وينتمي إلى طائفة الروم الكاثوليك الملكيين، ولد سنة 1758، وتوفي سنة 1831، وقد خدم رجال الحملة الفرنسية ومحمد علي باشا، وسافر إلى روما في السادس عشر من عمره؛ ليتلقى العلوم الدينية، وبينما كان هناك مر بهذه المدينة العالم «مونج»
Monge
موفدا من قبل الجنرال بونابارت؛ لجمع المترجمين وبعض الفنيين في أعمال الطباعة العربية، وشراء بعض الحروف العربية والإفرنجية. فطلب الأب روفائيل انضمامه إلى رجال الحملة. فاشتهر في مصر، وعين مترجما للجنرال مينو، وفي الوقت نفسه عين عضوا في المجمع العلمي المصري، وكان هو العضو الشرقي الوحيد؛ إذ كان ينص الأمر الصادر في 22 أغسطس سنة 1798 الخاص بإنشاء المجمع العلمي بأنه «سيلحق بالمجمع مترجم عربي يتقاضى مرتبا خاصا، ويمكن تعيينه عضوا فيه»
10
فكان الأب روفائيل يحضر جلسات المجمع، ويشتغل بترجمة المنشورات والقوانين، وفوق ذلك شرع في ترجمة بعض الكتب، وينسب إليه ترجمة الكتيب الذي وضعه الطبيب «ديجينيت»
Desgenettes
في مرض الجدري (ونسب جيمار خطأ هذه الترجمة إلى المستشرق مارسيل)، وبعد ارتداد الفرنسيين أوفده الألفي بك إلى باريس بتعليمات سرية خاصة بالسياسة المصرية. فالتقى الأب روفائيل ثانية برجال الحملة، وظل في فرنسا إلى ما بعد سقوط نابليون، ثم عاد إلى مصر، واستأنف أعمال الترجمة، واشتغل في الطباعة كما سنبينه في الفصل الخاص بعهد محمد علي باشا. •••
وقصارى القول: إنه كان للحملة الفرنسية شأن عظيم في إحياء الترجمة في مصر، ولكن قوادها لم يهتموا بترجمة الكتب والمقالات العلمية؛ لتوزيعها على الشعب كما فعل فيما بعد محمد علي باشا، بل اقتصر اهتمامهم على ترجمة ما يتصل بالأعمال الإدارية والعسكرية وحدها. أما مؤلفات المستشرقين: فإنهم لم ينتهوا منها أثناء الحملة، على أنها كانت فوق مستوى شعب أهمل تعليمه فلا يستطع أن يجني أية ثمرة منها.
هوامش
محمد علي باشا
سادت الفوضى في مصر على أثر ارتداد الفرنسيين، وأصبحت البلاد ميدانا للدسائس والمنازعات السياسية والحروب الأهلية، وقد أهمل العلم وانطفأت مصابيحه، ولما تولى محمد علي باشا الحكم أدرك أن كل حركة إصلاحية توجه إلى تكوين أمة وإنشاء حكومة أهلية لن تقوى وتستمر وتزدهر إلا إذا امتدت أصولها في نفس الشعب، فنشر العلم، وأنشأ المعاهد العلمية التي نهض خريجوها بكثير من الأعمال الفنية والإدارية.
وليس هنا مجال الحديث فيما ذكره بعض المؤرخين من أن السبب الحقيقي لاهتمام محمد علي باشا بإنشاء المدارس يرجع إلى رغبته في تزويد جيشه الناشئ بالضباط والأطباء والمهندسين وغيرهم من الفنيين، ولكننا سنبين أن حركة التعليم كانت سببا في نمو حركة الترجمة حتى إن أحد الكتاب العصريين
1
قال: «لا نغلو إذا وصفنا عصر محمد علي من جهة النهضة العلمية بأنه عصر الترجمة والتعريب.» •••
وكان لازدهار حركة الترجمة في هذا العصر سببان أساسيان؛ الأول: حاجة محمد علي الشخصية إلى معرفة الأوروبيين، والاطلاع على مؤلفاتهم العلمية والأدبية، والثاني: رغبته في نشر الحضارة الغربية، والاستعانة في البدء بالأجانب لتثقيف شعبه. (1) الترجمة في خدمة الوالي (1-1) شغل محمد علي باشا بمطالعة مؤلفات الفرنجة
لم يتعلم والي مصر القراءة إلا في الخامسة والأربعين من عمره، ومع ذلك كان يتوق إلى مطالعة مؤلفات الغرب، وما تحوي من فلسفة وحكم، وأساليب خاصة بالإدارة والحرب، وذكر الكونت «ديستورميل»
D’Estourmel
في هذا القبيل قصة طريفة دونها في كتابه
2
فحواها: أن أحد الملوك أهدى إلى والي مصر كتابا في علم الجغرافية مجلدا تجليدا فاخرا فاستدعى الباشا كبير مترجميه، وسأله «كم تحتاج من الوقت لترجمة هذا المؤلف» فأجابه المترجم «ثلاثة أشهر تقريبا». فأحضر محمد علي باشا سيفه، وقسم الكتاب إلى ثلاثة أقسام وزعها على ثلاثة مترجمين، وذلك لإنجاز العمل في شهر واحد، وهذه القصة تبين مزيد عنايته واهتمامه بالاطلاع عاجلا على أحوال الغربيين. (1-2) مترجمو الديوان العالي
ومن العجيب أننا لا نجد أي أثر لإنشاء قلم ترجمة في الديوان العالي برغم كثرة الأعمال، إلا أن المنطق وما استنتجناه من المصادر المطبوعة يبين لنا أن الوالي استعان بعدد غير قليل من المترجمين ، كانوا يكلفون ترجمة التقارير المختلفة الرسمية والشبيهة بها، وقصاصات الجرائد الأوروبية، والكتب الخاصة بأحوال مصر السياسية والاجتماعية، ومن الشواهد ما ورد في مجموعة رسائل المسيو «أنفانتان»
Enfantin ،
3
وكان وقتئذ رئيسا لطائفة السان سيمونيان، إلى صديقه «آرليس»
Arlés
فقد كتب في 13 يناير سنة 1836 - «أن الباشا أمر بترجمة كتاب المسيو «بارو»
Barrault »
4
فطلب مني أحد المترجمين الملحقين بالديوان العالي النسخة التي كانت في حيازتي حتى يستطيع القيام بعمله.» ثم إن بعض المترجمين كأوغوسط سكاكيني وعزيز أفندي وحسن أفندي كانوا يضمون إلى أسمائهم لقب: «مترجم وكاتب بالديوان العالي». (1-3) اهتمام محمد علي باشا بالكتب المترجمة
وكان محمد علي باشا إذا اطلع على كتاب وأعجبه أمر في الحال بطبعه وتوزيعه على الأعيان والمكاتب، وكان على عكس ذلك يحول دون نشر الكتاب إذا لم ينل استحسانه، وقد كتب الجناب العالي مرة إلى مختار بك
5
بتاريخ 10 ذي القعدة سنة 1252 في شأن ترجمة الكتاب الذي وضعه الأفرنسيس أثناء الحملة (وأظن أنه يقصد بذلك كتاب «تخطيط مصر») يطلب منه أن يرسل إليه إحدى النسخ المترجمة قبل طبعها، وبعد فترة وجيزة تسلم مختار بك كتابا آخر بتاريخ 21 ذي القعدة سنة 1252
6
فحواه أن الجناب العالي لا يوافق على طبع الكتاب الخاص بأخلاق المصريين الذي ألفه الفرنسيون.
وكان الوالي يهتم بكل كتاب يقع تحت بصره أو يسمع به يكون محتويا على آراء يعود تنفيذها بفائدة مادية وأدبية. فقد أرسل إلى سلحدار إبراهيم باشا المقيم في لندن كتابا بتاريخ 19 ربيع ثاني سنة 1243
7
جاء فيه: «قد بلغنا أنه يوجد كتاب مطبوع باللغة الإنجليزية يبين مبلغ مصروفات كل سفينة حكومية أنشأتها الدولة الإنجليزية، وكذلك توجد كتب مطبوعة مؤلفة على طراز سهل يشتاق صغار الأطفال إلى قراءتها، فعلى ذلك قد اقتضت إرادتنا جلب هذا الكتاب المطبوع؛ ليحصل الاطلاع على مقدار المبالغ المصروفة لإنشاء السفن ومشترى الكتب أيضا وإرسالها إلى طرفنا فيلزم شراؤها بمعرفتكم، وترجمتها إلى اللغة التركية، ثم إرسالها مع الأصول المطبوعة.» (1-4) التراجمة ومركزهم الأدبي
وإلى جانب هؤلاء المترجمين احتاج الوالي إلى من يقوم بمهمة الترجمان نظرا لاتصاله المستمر بقناصل الدول وكبار الموظفين الأجانب والسياح القادمين إلى مصر، وأول من اختاره الباشا لشغل هذا المنصب هو يوسف بوغوص الأرمني الأصل وكان يتقن عدة لغات، ولما غضب عليه الباشا حل محله الدكتور «جايتاني»
Gaétani
كبير الأطباء فترة وجيزة؛ إذ استدعى الوالي بوغوص مرة ثانية، وأعاده إلى منصبه الأول فظل يشغله طول حياته، وخلفه أرتين بك.
ولما كان هؤلاء التراجمة
Intérpretes
لا يفارقون الوالي، اكتسبوا نفوذا عظيما حتى إن بوغوص بك صار وزيرا للشئون الخارجية وللتجارة، وكان محمد علي يستشيره في أهم مسائل الدولة، ويطلق له الحرية التامة في تصريف كثير من الأمور الداخلية، أما عثمان نور الدين (باشا) الذي أحبه الوالي حبا أبويا وأرسله إلى أوروبا ليتعلم اللغات والعلوم فقد خالط بعد عودته إلى مصر كثيرا من السياح الذين كان يصحبهم في رحلاتهم، فأعجبوا بذكائه النادر وإلمامه باللغات، ولا سيما اللغة الفرنسية، وسما بسرعة إلى أعلى المناصب حتى صار أميرا للبحر وقائدا للأسطول المصري. (2) الترجمة في خدمة البلاد
كان محمد علي باشا حكيما في تصرفاته. استدعى الأجانب في بادئ الأمر؛ فقام فريق منهم بأعمال الإدارة والقيادة على حين قام فريق آخر بتثقيف الشعب، وصرف لهم المرتبات الضخمة، وسهر على سلامتهم ورفاهيتهم، وأمر رعاياه باحترامهم والإذعان لنصائحهم، وكانت فكرته الأساسية استخدامهم «معلمين بالنيابة» يحل محلهم الوطنيون بالتدريج، وقد أدى وجود هؤلاء الأجانب واستخدامهم في الحكومة المصرية إلى تنشيط حركة الترجمة والعناية بالمترجمين؛ إذ شملتهم الحكومة بعطفها بالنظر إلى قلتهم، كما أنها بذلت جهدها لتكوين طائفة منهم، وإنشاء قلم للترجمة كي ينتظم العمل ويزداد الإنتاج.
واجتازت حركة الترجمة في عهد محمد علي ثلاث مراحل: (2-1) المرحلة الأولى: من أول العهد الجديد إلى سنة 1830 تقريبا
بدأت الترجمة تشغل اهتمام محمد علي باشا عندما قرر تزويد جيشه النظامي بالعناصر الأهلية المثقفة. فأنشأ المدارس الفنية، وأدخل على التعليم تعديلات جوهرية تتمشى مع روح المدنية الأوروبية. ثم أتى بجمهرة من الأساتذة الإفرنج وقلدهم وظائف مهمة في الجيش والمدارس والمصالح، وكان من المستحيل بطبيعة الحال على هؤلاء الأجانب أن يقوم التفاهم مباشرة بينهم وبين الموظفين والتلامذة، إذ كانوا يجهلون لغة البلاد كما كان الأهالي يجهلون لغة الإفرنج؛ لذلك اتخذت عدة إجراءات لتيسير العلاقات بين العنصرين والإسراع في العمل والإنتاج، منها:
ترجمة الكتب المدرسية الإيطالية والفرنسية إلى اللغة العربية أو التركية
استخدم محمد علي لهذا الغرض بعض النازلين من السوريين والغربيين.
قلة الأيدي العاملة:
إلا أن الأيدي العاملة كانت نادرة، وكان العمل غير منتظم، فقرر لمواجهة المشكلة الأولى، وهي قلة الأيدي العاملة، عدم نقل المؤلفات في وقت واحد، فكلف المترجمين التدرج في نقلها على حسب الحاجة.
8
إعادة طبع الكتب المترجمة في الآستانة:
ثم قرر أيضا إحضار الكتب الفنية التي ترجمها علماء الآستانة إلى اللغة التركية، وإعادة طبع عدد غير قليل منها بمطبعة بولاق، كما يتضح ذلك من الكشف المفصل الذي أرسله الدكتور «بيرون» والمسيو «بيانكي» إلى المجلة الآسيوية بباريس؛ وقد نشرته المجلة في عدد شهري يوليو وأغسطس سنة 1843، وبه أسماء الكتب العربية والفارسية والتركية المطبوعة ببولاق، ولم يكن هذا الإجراء إلا حلا مؤقتا لا يفي بحاجة المدارس.
تعدد لغات التدريس:
ومما زاد المشكلة عسرا عدم ثبات الحكومة على سياسة مستقرة بشأن التعليم؛ إذ لجأت إلى دول مختلفة لتحصل على الكتب المدرسية والمدرسين. فتعددت بذلك لغات التدريس، وزادت مهمة المترجمين صعوبة ومشقة. «اتجهت أنظار الحكومة أولا إلى إيطاليا فاستدعت منها الأساتذة والضباط، واختارت من المؤلفات ما قام بترجمته أعضاء بعثاتها، ولم يعرف من أعضاء البعثة الأولى إلى إيطاليا في سنة 1813 إلا نقولا مسابكي وقد تخصص في فن السبك والطباعة»،
9
ولما أخذ النفوذ الإيطالي يضعف في مصر واحتل الفرنسيون شيئا فشيئا مركز الإيطاليين الثقافي، ألغي تدريس اللغة الإيطالية في المدارس، وأبعد كثير من الضباط والمدرسين الإيطاليين، وعين الدكتور كلوت بك ناظرا لمدرسة الطب، وصار معظم المدرسين فيها من الفرنسيين يلقون محاضراتهم باللغة الفرنسية، ويوصون بترجمة الكتب الفرنسية، وكانت قد سافرت بعثة أخرى سنة 1818 إلى أوروبا فاتجهت إلى فرنسا بدلا من إيطالية، ولم يعرف من أعضائها سوى عثمان نور الدين الذي كلفته الحكومة عند عودته إلى مصر بأعمال الترجمة؛ لقلة المترجمين، وخصصت له قصر إسماعيل باشا، وألحقت به بعض المترجمين؛ فقدم إلى العلم خدمات جليلة، وإلى الحكومة معونة نفيسة في ترجمة المكاتبات الرسمية.
الحاجة إلى المترجمين:
وعلى الرغم من نشاط عثمان نور الدين وأمثاله كانت الحاجة شديدة إلى المترجمين؛ لاتساع العمل في المصالح والمدارس، وتحوي المحفوظات التاريخية بقصر عابدين جملة وثائق تثبت ذلك. منها الكتاب المرسل من الجناب العالي إلى حضرة الأفندي قبو كتخدا بتاريخ 5 ربيع الأول سنة 1236 نصه «قد مست الحاجة في طرفنا لعدة مترجمين قادرين على ترجمة اللسان الفرنسي إلى اللغة التركية مقتدرين على تركيب الكلام التركي، وإملائه على وجه الفصاحة حاذقين ومطلعين على الفنون. فيلزم أن تقدموا اثنين من المترجمين المتصفين بالأوصاف المذكورة، وأن تعطوهما مصروفاتهما السفرية مع تنظيم لوازمها في الطريق.»
10
وكذلك الأمر الصادر من الجناب العالي إلى محافظ رشيد في 18 رجب سنة 1251 «بأن يكتفي بالكتبة الموجودين بمعيته لترجمة الخلاصات، وأن الجناب العالي كان ينتظر منه تدريب أحد الكتاب الموجودين بمعيته على الترجمة، وعدم إحراج مركز الحكومة في طلب كاتب قدير على الترجمة في الوقت الذي تشكو فيه من قلة وجود الكتاب.»
11
تكاثر العمل ومحاولة تخفيف وطأته على المترجمين:
ولما اشتدت الأزمة حاولت الحكومة تخفيف أعباء المترجمين ولا سيما في العمل الإداري، وعندنا وثيقتان في المحفوظات التاريخية توضحان هذه النية. ففي تاريخ 3 جمادى الثانية سنة 1239 أرسلت المعية إلى البك الكتخدا كتابا جاء فيه «ترد مكاتبات الخواجة بوغوص والخواجة أبرو محررة بالأفرنكية، وتحال للترجمة على عثمان أفندي قبل عرضها علينا، وبما أن أشغال عثمان أفندي كثيرة، وأعمال الترجمة تعطله عنها، فينبغي التحرير للخواجة بوغوص للتنبيه عليه باستعمال اللغة التركية في مكاتباته، وكذلك الحال مع الخوجة إبرو.»
12
وفي تاريخ 5 ربيع الآخر سنة 1239 أرسلت المعية إلى الكتخدا كتابا فحواه «كان بين الأوراق المتبادلة بيننا وبينكم خطاب رومي العبارة للخواجة «طوسيجة» وكان الخطاب المذكور أعيد إلى طرفكم لأجل ترجمته، وقد ظهر بين الأوراق الواردة في هذه المرة خطاب رومي العبارة أيضا فطلبنا من يترجمه لنا، وبعد الترجمة أرسلناه إليكم طي هذه المكاتبة، ولكن حيث لا ينبغي إرسال الخطابات الرومية من غير ترجمتها يستصوب أن تفتحوا المظاريف التي ترد فإذا ظهر بينها خطاب رومي يتعلق بالخواجة طوسيجة فترسلوا كاتبا إلى محل طوسيجة المذكور، وتأمروا له بترجمته، وتحفظوا الأصل عندكم، وترسلوا الترجمة إلينا.» وأضيف في حاشيته هذه المكاتبة (وليس مرادنا بالترجمة ترجمة الخطاب بعبارته بل بيان مفهومه لأجل السهولة.)
13
صعوبة تنظيم العمل:
أما المشكلة الثانية: وهي خاصة بعدم تظيم العمل، فكان من العسير حلها إلى أن عادت البعثة الأولى سنة 1831. فكان عدد المترجمين قليلا، وكفايتهم مشكوكا فيها، ومراقبة أعمالهم غير منتجة. فهناك أمر من الجناب العالي بتاريخ 16 ربيع الثاني سنة 1239 إلى الخواجة جواني الحكيم باشي «بخصوص الكتب الطبية المطلوب ترجمتها من اللغة الإيطالية إلى اللغة العربية، ومطالبته بالشروع في ترجمتها، والانتهاء منها بسرعة، وإخطاره بأنه إذا أهمل في ذلك سيغضب عليه.»
14
ولكن أوضح دليل على البطء والإهمال ما جاء في الخطاب المرسل إلى محمود بك بتاريخ 28 جمادى الأولى سنة 1248 وهو: «إن الكتب التي ترجمها الخواجه سريوس وردت وعرضت على ولي النعم، وعندما عرضها على بعض المترجمين الذين هنا أفادوا بأنه كان يمكن ترجمتها في ظرف ثمانية أشهر ونصف، وقالوا أيضا: إن كتاب عثمان باشا ترجم في ثمانية أشهر مع أن الخواجة المذكور أخذ مرتبات بمقدار مائة ألف قرش وكسور من شعبان سنة 1243 إلى الآن، ولذلك استغرب ولي النعم من حسن شهادة أعضاء المجلس الواقعة في حق المذكور بالرغم من أنه أنتج عمل ستة أشهر في ظرف خمس سنوات، وصدر الأمر لإفادة المجلس للزوم اجتهاد الخواجة المنوه عنه أكثر مما ظهر منه.»
15
حقا إن الوالي لام هذا المترجم المهمل، ولكنه لم يفكر قط في معاقبته أو الاستغناء عنه، بل أبقاه في خدمته، وإذا كان موقف محمد علي هذا يدل على حاجته إلى المترجمين فإنه يبين لنا أيضا سر عجز الحكومة عن تنظيم عمل المترجمين، وقد لجأت أخيرا إلى منح الهبات المالية لكل موظف في خدمتها يقوم بترجمة الكتب. فقد جاء في الأمر الكريم الصادر إلى البك الكتخدا بتاريخ 12 شوال سنة 1236: «حيث إنه من الملحوظ أن أحمد أفندي المهندس سيترجم بعض الكتب؛ لأنه من أهل الفن فخذ الكتاب الذي يطلبه من «صقه زاده» وأعطه له، وأن تبلغه بأنه سيصير إكرامه إكراما آخر في مقابل الترجمة، وأن تعطيه مصاريف سفر أيضا، وإني للآن لم يتصل بعلمي أي خبر أو أثر عن هذا الأمر، وحيث إني أعلم أنك لا تجيز لنفسك التكاسل في هذا الخصوص بمقتضى غيرتك فهل عدم ذهاب أحمد أفندي المذكور لغاية الآن بسبب حصول مانع له أم أنه تحركت فيه عوامل الطمع، ولم تستطع أن تطيب خاطره في مسألة المرتب، فمطلوبنا أن تعرفونا عن سبب ذلك أما إذا كان عدم ذهاب المذكور نشأ عن طمعك الوارد للخاطر بخصوص تنظيم ماهيته فإن النقود التي ستكتسب من ماهيته معناها ضياع وغياب الفوائد اللازمة التي ستكتسب من فنه ومعونته، فبادروا إلى تنظيم ذلك على الوجه اللائق، وأن تسعوا وتعتنوا بإتمام هذا الأمر حسب مقتضى نظامنا، وأن تعرفونا بما يتم.»
16
وبالنظر إلى قلة التراجم التي قام بها المترجمون في هذا العصر ظلت أسماؤهم مجهولة، ولم نتمكن من تعرف أسمائهم جميعا. هذا، ولم يبرز منهم سوى عثمان نور الدين باشا والأب روفائيل ويوسف فرعون ويوسف عنحوري «والثلاثة الآخرون من أصل سوري.»
إلحاق مترجم أو مترجمين بكل مدرس أجنبي
وهذا إجراء فرضته الضرورة؛ إذ كان المدرس الأجنبي يلقي محاضرته بلغة بلاده «الفرنسية أو الإيطالية» فكان في حاجة إلى من يعرب أقواله أو يفسرها. فكان المعلم يأتي إلى الصف ومعه المترجم فيشرح درس اليوم، والمترجم يتلوه بالعربية على التلاميذ، وهم يكتبونه في دفاترهم، وإذا أشكل عليهم فهم شيء استوضحوه فيوضحه لهم المعلم بواسطة المترجم
17
وكان المترجم إذا انتهى من الحصة ذهب إلى غرفته، وشرع في ترجمة الكتب الإفرنجية، وكان يتفق لهؤلاء المترجمين أن يكتسبوا خبرة عظيمة في المادة التي يتولون ترجمتها حتى إن بعضهم قام بتأليف الكتب العلمية أو بتدريس العلم الذي تخصص في ترجمته فأغنوا الحكومة عن بذل الأموال، وحافظوا على أوقات التلاميذ أن تضيع. فمثلا قام يوسف فرعون بترجمة عدة مؤلفات طبية حتى صار يؤلف في هذا الفن؛ إذ أصدر في سنة 1262 كتاب «غاية المرام في الأدوية والأسقام». أما الأب روفائيل فقد دخل مدرسة الطب مترجما، وبعد فترة كان يلقبه الدكتور كلوت بك في تقاريره الرسمية بلقب دكتور.
تدريس اللغات الأجنبية «الإيطالية والفرنسية» في المدارس الأميرية
أدخل تعليم اللغات في المدارس التجهيزية ليهيئ التلامذة للاستفادة من دروس أساتذتهم الإفرنج بدون عناء، ولتعجيل الاستفادة من فن الطب أنشأ الدكتور كلوت بك مدرسة للغة الفرنسية يتعلم فيها التلامذة هذه اللغة وقت فراغهم، والظاهر أن تلك الإجراءات لم تؤت ثمرتها، فاضطر محمد علي باشا إلى إرسال بعض التلاميذ إلى البلاد الأوروبية؛ لأنهم إذا تعلموا في بيئة غير بيئتهم تعودوا الكلام بلغة الإفرنج، وظفروا بتجويد اللغات الأجنبية.
مدرسة لغات:
ورد في الوقائع المصرية رقم 89 بتاريخ 3 جمادى الثانية سنة 1245 «الخواجة أويس السمعاني الروماني من طائفة الإفرنج فتح مكتبا جديدا (مدرسة) في وكالة جواني في حارة الموسكي يعلم به اللغة العربية والفرنساوية والإيطالية، ويذهب إلى بعض البيوت ليلا ونهارا؛ ليعلم تلك اللغات لمن يريد أن يتعلمها»، وعلق المستر «هيورث دن»
18
على ذلك قائلا: «يلوح أن أويس المذكور بالرغم مما ورد في المصادر المطبوعة لم يكن أوروبي الجنسية؛ بل كان سوريا، وعاش حقبة في إيطاليا وفرنسا، ثم جاء إلى مصر بقصد التكسب، وكان التعليم في مدرسته مقصورا على اللغات العربية والإيطالية والفرنسية»، ولم تذكر الوثائق المصرية مقدار اهتمام الحكومة بهذه المدرسة، وإلى أي درجة نجحت في تخريج المترجمين، وما هو عدد المتخرجين فيها وإلى أي سنة ظلت أبوابها مفتوحة.
وبالإجمال يمكننا أن نعد هذه المرحلة مقدمة لمرحلة أخرى ازدهرت فيها الترجمة ازدهارا عظيما من حيث الدقة والسرعة وكثرة الإنتاج. (2-2) المرحلة الثانية: من سنة 1831 إلى سنة 1835
استعان محمد علي باشا بعدد من الأجانب؛ لتنفيذ البرنامج الذي وضعه لإنهاض مصر، ولكنه لم يكن يستطيع أن يستمر على هذه الحالة فأرسل المصريين إلى أوروبا ليتعلموا بغية أن يحلوا محل الأجانب حتى إذا عادوا جعلهم أعوانا ومساعدين للأجانب، ثم قلدهم إدارة المصانع والمدارس والدواوين، وطلب إليهم ترجمة الكتب النافعة. على أنه لم ينتظر عودتهم إلى مصر ليكلفهم أعمال الترجمة؛ بل أمرهم بالشروع فيها وهم يتلقون العلم في العاصمة الفرنسية، وإذا أمر الباشا بشيء، أراد تنفيذه على الوجه الأكمل. ففي رسالة بتاريخ 18 رجب سنة 1245
19
إلى عبدي بك المنتدب لتحصيل العلم في أوروبا «يذكره بما سبق أن أمره به من أن يرسل كتب الجغرافية الجاري ترجمتها بمعرفة أعضاء البعثة جزءا فجزءا، فيلومه على الاكتفاء بذكر أن مختار أفندي لا يزال يشتغل بالترجمة، كما يلومه على أنه لم يقدم المعلومات الدالة على مبلغ تحصيلهم مؤكدا عليه المطالبة بتفصيل ما ترجموه من الكتب، وما أفادوه من العلوم منذ حلولهم بباريس، وموصيا بأن يكون البيان المقدم في هذا الصدد معززا بشهادات الأساتذة المدرسين، وبأن يكتب إليه بعد ذلك آخر كل شهر تقريرا مبينا للقدر الذي ترجموه وحصلوه في أثناء ذلك الشهر، ويسائله في حاشية الرسالة من هو الذي بدأ في ترجمة الجغرافية، وما القدر الذي ترجمه منها حتى اليوم.» ولما دلته التقارير على أن تلامذة البعثة أهملوا أعمال الترجمة بعث إليهم بكتاب شديد اللهجة ورد فيه: «ومع ذلك لا تستحيوا أن تتذرعوا بضيق الوقت فتعللون به قعودكم عن ترجمة الكتب التي أمرت بترجمتها.»
20
وتلاه كتاب آخر - ينبئهم فيه في لهجة شديدة بأنه اطلع على شهادات أساتذتهم الخاصة بدراستهم في شهري أبريل ومايو فألفاها ناقصة من بعض وجوه ذكرها ووجدوها لا رابطة لها ولا انسجام بينها، واطلع أيضا على الترجمة التي حصروا الاشتغال بها في أربعة منهم مع أنهم أربعون فألفاها كتابة لا تستغرق يوما.
21
وأثبت أمين سامي باشا أمرا أصدره والي مصر بتاريخ 22 ربيع الأول سنة 1249 «بالتنبيه على كلوت بك بإلزام الطلبة الذين أرسلوا إلى أوروبا لتلقي فنون الطب بها بترجمة الكتب التي يدرسونها أولا بأول إلى العربية وإرسالها.»
22
ويتضح من ذلك أن الوالي كان يرى أن أول واجب على أعضاء البعثة ترجمة كتب العلوم التي درسوها في أوروبا؛ لذلك كان أول عمل أسند إليهم إمدادهم بالكتب، والتنبيه عليهم بسرعة ترجمتها.
23
وإذا عاد أحدهم بعد إتمام دروسه عهد إليه توا بترجمة الكتب المدرسية، ولنضرب لهذا مثلا وهو «أن المدعو يوسف أفندي الذي كان قد ذهب إلى أوروبا لتعلم صناعة الورق عاد بعد أن تعلم هذه الصناعة، ولكنه لم يستطع أن يحضر معه الآلات والأدوات الخاصة بهذه الصناعة فإلى أن يؤتى بها يعهد إليه ترجمة الكتب، وفي حالة عدم وجود هذه الكتب يلحق بالمترجمين لمعاونتهم حيث إنه يجيد الترجمة.»
24
ونلاحظ أن الحكومة كانت تعلق على أعمال الترجمة خطرا عظيما؛ لكي تفوز بأكبر عدد من الكتب المترجمة في أقل زمن، حتى أصبحت الترجمة تشغل الموظفين عن سائر أعمالهم. ثم اتضح أن بعض المترجمين «لم يكن لهم من حذق اللغات الأجنبية والعربية والقدرة على التحرير والكتابة ما يمكنهم من ترجمة ما عهد إليهم ترجمة صحيحة»،
25
والسبب في ذلك واضح: وهو أن أعضاء البعثة الأولى إلى باريس سنة 1826 لم يتقنوا دراسة اللغة الفرنسية، إلا الشيخ رفاعة رافع الذي مرن على أعمال الترجمة وتمهر فيها. أما الباقون فلم يرسلوا إلى أوروبا للتخصص في دراسة اللغات، بل أرسلوا ليتعلموا الفنون والعلوم. حقا أنهم تلقوا دروسهم باللغة الفرنسية، ولكن ذلك لا يعني أنهم أصبحوا حذاقا في الترجمة وهي فن كسائر الفنون التي يتعلمها الطلبة في المعاهد يحتاج إلى ممارسة ومرانة. ثم بعد سنة 1836 قل النفوذ الأجنبي في التعليم بالاستغناء عن كثير من الأساتذة الأجانب بالمدارس، وقد يرجع هذا إلى شعور الحكومة بأن الأجانب في مصر يثقلون بمرتباتهم الكبيرة الميزانية، وخاصة بعد أن أصبح لديها من أهل البلاد الذين أتموا دروسهم في مصر وأوروبا من يمكنها الاطمئنان إلى عملهم وكتابتهم فأحلتهم محل أساتذتهم من الأجانب.
26
وكان لهذا القرار أثر محسوس في نشاط حركة الترجمة في البلاد. فمن جهة رأت الحكومة كفاية أعضاء البعثات في تدريس العلوم لطلبة المدارس الخصوصية حتى إنها استغنت عن عدد غير قليل من المدرسين الأجانب، ولكنها من جهة أخرى لم تفرض عليهم الشروع في تأليف الكتب؛ لتستغني بها عن مؤلفات الإفرنج، بل فرضت على كل عضو من البعثات ترجمة جميع الكتب التي درسها حتى ينتفع بها سائر الطلبة. فاتسعت أعمال الترجمة، واضطرت الحكومة أن تغلق على هؤلاء المدرسين أبواب القلعة لا يبرحونها حتى ينتهوا مما كلفوا أداءه، فإذا فرغوا من مهمتهم سلمت إلى المطبعة الأميرية؛ لتصبح بعد قليل كتبا في أيدي طلبة المدارس.
وكان عمل الترجمة هذا يتطلب وقتا مديدا، وجهدا جهيدا، فلم تمض فترة وجيزة حتى تنبهت الحكومة إلى أن هذا العمل المضني يستغرق من الأساتذة وقتا طويلا فضلا عن أنه يمنعهم من أداء مهمتهم الثقافية على وجه يستوجب الرضا والارتياح، فدعت تلك الأسباب الحكومة إلى تدبير حل يتفق مع مصلحة العمل، ويخفف عن أعضاء البعثات عبئا يثقل عليهم بلا شك احتماله. فقررت الحكومة في سنة 1835 (1251) إنشاء مدرسة الألسن؛ ليتخرج فيها المترجمون، وسنتكلم على هذه المدرسة، مستمدين معلوماتنا من كتاب الأستاذ أحمد عزت عبد الكريم، عن «التعليم في مصر في عصر محمد علي» وهو بحث قيم يوضح لنا جميع النواحي المتعلقة بالتعليم، واكتفينا بإضافة بعض وثائق عثرنا عليها في المحفوظات التاريخية، لم يرد ذكرها في هذا الكتاب. (2-3) المرحلة الثالثة: إنشاء مدرسة الألسن
ورد في الوثيقة المؤرخة 28 ربيع الأول سنة 1251، الصادرة من مجلس الملكية المصرية إلى ديوان الخديو ما يأتي: «جاء في تقرير ناظر المجلس أنه بظل الحضرة الخديوية صار فتح المدارس وتدريس العلوم والفنون فآتت ثمرتها، وإن جناب الخديو رأى أنه يقتضي فتح مدرسة للترجمة من اللسان الفرنساوي للسان العربي نظرا لأهمية ذلك، وأنه قد وقع الاختيار على سلاملك سراي المرحوم الدفتردار بك؛ ليكون مدرسة تستوعب خمسين طالبا، تسمى مدرسة المترجمين، وأن يعهد برياستها للشيخ رفاعة، وأن ينتخب أولئك التلامذة مناصفة من القسمين: البحري، والقبلي ممن يقرأ ويكتب، بشرط أن يكون صحيح البنية، وسنه ما بين أربع عشرة سنة إلى ثماني عشرة، وأن يكون عارفا بلسانه الأصلي، وقد تقرر إرسال رفاعة ومعه حكيم لانتقاء التلامذة المطلوبين، فقرر المجلس أن يكتب لديوان الخديو لكي يكتب للمديرين بمعاونة الشيخ رفاعة على مهمته هذه، وأن يحاط مفتشا الوجهين، القبلي والبحري، سليم باشا وعباس باشا، علما بذلك.»
ويظهر أن الترجمة تحولت إلى مدرسة الألسن في 16 ربيع الآخر سنة 1251 بأمر عال وجدنا ذكره في السجل رقم 66 صفحة 47 رقم 225 وكانت الوقائع المصرية قد نوهت بهذا الأمر في عددها المرقوم 590 الصادر في يوم الأحد 7 من شهر ربيع الثاني سنة 1251، وهذا نص ما جاء في الوقائع «أنه قد رتب لتحصيل جميع العلوم والفنون تحت ظل ولي النعم مدارس متعددة، وشوهدت ثمراتها على ما ينبغي، ولا تزال تشاهد، وحيث خطر ببال حضرة جنابه السعيد أن يرتب مدرسة للمترجمين ليترجم فيها اللسان الفرنسي اللازم أشد اللزوم لتلاميذ المكاتب المصرية باللغة العربية، طلبا لتحصيل الفوائد الكثيرة، صدر أمره العالي خطابا لحضرة مختار بك ناظر مجلس الشورة الملكية بترتيب المدرسة المذكورة على ما يلزم. فسارع الناظر المشار إليه إلى تنفيذ مقتضى الإرادة السنية، واستحسن بالتفكير في ذلك مكانا في مقر المرحوم محمد بك الدفتردار الكائن بالأزبكية حيث وجده يسع نحو خمسين تلميذا، وجعله مدرسة للمترجمين، واستنسب إحالة الرياسة في هذه المدرسة إلى عهدة الشيخ رفاعة رافع الذي ذهب فيما تقدم إلى باريس، وحصل الفنون، وتعلمها على وفق المطلوب، ولما كانت المكاتب التي رتبت قبل الآن مشتملة على تلامذة كثيرة، استصوب أن يؤخذ لهذه المدرسة الجديدة خمسة وعشرون تلميذا من تلامذة المكاتب الكائنة في الوجه البحري، وخمسة وعشرون تلميذا من تلامذة المكاتب التي في الوجه القبلي، وعرض هذا الأمر على أعتاب الخديوي الأكرم، وحيث إن هذا الترتيب المذكور قد وافق مقتضى الإرادة السنية صدر الأمر السامي بإجراء ما يلزم إجراؤه من ذلك، وأدخل السرور على الشيخ رفاعة برياسة هذه المدرسة الجديدة.»
هذا ما ورد في الوقائع المصرية، وكان الغرض من تأسيس مدرسة الألسن تخريج مترجمين لخدمة المصالح والمدارس الحكومية، اتجهت فيه الحكومة منذ إنشائها إلى «أن تكون من خريجها قلما للترجمة يقوم على ترجمة الكتب اللازمة لمدارس الحكومة ومصالحها.»
27
ولما وضعت قوانين التعليم ولوائحه في سنة 1836 أصبح الغرض منها تخريج المترجمين وإمداد المدارس الخصوصية الأخرى بتلاميذ يعرفون اللغة الفرنسية حتى إذا تخرجوا في هذه المدارس كانوا على معرفة باللغة التي يترجمون منها وبالعلم الذي يترجمون كتبه، ولعلنا نعد مدرسة الألسن مدرسة «خصوصية» إذا نظرنا إلى غرضها الأول من حيث إنها تستمد تلاميذها من المدارس التجهيزية، وتعدهم لوظائف الحكومة، وهي كذلك مدرسة «تجهيزية» إذا نظرنا إلى غرضها الثاني من حيث إنها تعد تلاميذها للمدارس الخصوصية. على أن مدرسة الألسن بعد تنظيمها في سنة 1836 لم تعن بالغرض الآخر، وهو إعداد تلاميذ يعرفون اللغة الفرنسية؛ بل تمسكت بوظيفتها لوصفها مدرسة خصوصية، ومضت في تخريج المترجمين والمدرسين، حتى إذا كانت سنة 1841 لاحظت اللجنة المكلفة تعديل نظم التعليم أن لوائح سنة 1836 تجعل منها مدرسة تجهيزية تعد تلاميذ يعرفون اللغة الفرنسية، وتهيئهم للمدارس الخصوصية الأخرى على أن تكون هي نفسها أيضا مدرسة خصوصية؛ إذ إنها تستمد تلاميذها من المدارس التجهيزية، ولاحظت أيضا أن مدرسة الألسن لم تعن بإعداد تلامذة للمدارس الخصوصية ومضت - كمدرسة خصوصية - في تخريج المترجمين. إلا أن هؤلاء المترجمين مهما تكن قدرتهم على ترجمة كتب التاريخ والقانون والجغرافية والعلوم الأخرى التي لا تحوي مصطلحات فنية كثيرة كانوا بلا شك عاجزين عن ترجمة الكتب المتعلقة بالعلوم والرياضيات؛ لهذا رأت اللجنة إعادة المدرسة التجهيزية (وكانت قد نقلت في سنة 1838 إلى أبي زعبل في المكان الذي كانت تشغله مدرسة الطب التي نقلت إلى قصر العيني، وظلت المدرسة هناك خمس سنوات، وفي سنة 1841 صدر أمر عال بإلغائها) وإلحاقها بمدرسة الألسن على أن يدرس تلامذتها اللغة الفرنسية منذ التحاقهم بها حتى إذا التحقوا بإحدى المدارس الخصوصية كانوا متمكنين من ترجمة الفنون التي تخصصوا فيها.
مناهج الدراسة: كانت مدة الدراسة بمدرسة الألسن خمس سنوات قد تزاد إلى ست، وإليك بيانا بالعلوم التي تدرس فيها:
28
الفرقة الأولى:
دروس فرنسية وعربية وتركية وهندسة وجبر.
الفرقة الثانية:
دروس فرنسية وعربية وتركية وهندسة وجبر.
الفرقة الثالثة:
دروس فرنسية وعربية وتركية وحساب.
الفرقة الرابعة:
دروس فرنسية وعربية وتركية وحساب.
الضباط:
إنجليزي وفرنساوي وعربي.
وكان طلبة الفرقة الأولى يترجمون كتبا في التاريخ والأدب علاوة على المواد الدراسية التي تعطى لهم، ويقوم بتصحيحها أساتذتهم ومدير مدرستهم الشيخ رفاعة بك رافع، ثم تقدم إلى المطبعة فتنشر كتبا يقرؤها المدرسون والتلاميذ.
وقد درست اللغة الإنجليزية وقتا ما بمدرسة الألسن، وقام بتدريسها مدرس إنجليزي، ولكن اهتمام الدراسة كان مصروفا إلى حسن القيام على تدريس اللغة الفرنسية، وكانت تعني عناية كبيرة باللغة العربية.
مدير المدرسة ومدرسوها
نصت لوائح المدرسة على أن مدرسي المدرسة هم مديرها ومراقبان للدراسة، وأستاذان للغة العربية من الدرجة الأولى، وأستاذ للغة التركية من الدرجة الأولى، وثلاثة أساتذة لتدريس اللغة الفرنسية والرياضة والتاريخ والجغرافية. أما مديرها فهو العالم الجليل رفاعة بك رافع الطهطاوي، وسنوفي الحديث عنه مع سائر مترجمي هذا العصر، وحسبنا هنا أن نقول: إنه كان يشرف على مراجعة الكتب التي يترجمها تلامذته وإصلاحها، فوق قيامه بإدارة المدرسة من الوجهتين الإدارية والفنية، فكان مرهقا بكثرة الأعمال فعين له الديوان مدرسا فرنسيا؛ ليعاونه في إدارة المدرسة ومراقبة الدروس وأمانة المكتبة.
تلاميذ المدرسة
وكان عدد تلاميذها أول إنشائها خمسين تلميذا انتقاهم رفاعة بك من مكاتب الأقاليم، ثم زادوا إلى مائة وخمسين كما نصت اللوائح، وفي سنة 1841 قررت لجنة تنظيم المدارس أن يكون العدد ستين، وظلت مدرسة الألسن محتفظة بنحو هذا العدد حتى نهاية عصر محمد علي باشا.
خريجو المدرسة
ومما يذكر بالفخر لمدرسة الألسن أن نفرا من تلاميذها شغلوا بعد تخرجهم فيها مناصب التدريس بها. ففي سنة 1839 تخرج أول فريق من تلاميذ المدرسة، فعين بعضهم مدرسين للغة الفرنسية، والبعض الآخر مدرسين للغة العربية. فحلوا محل أساتذتهم، ولما أنشئ «قلم الترجمة» في أوائل سنة 1258 (1841) ألحق به جل خريجي المدرسة أو كلهم، وكانوا لا يمنحون الرتبة حتى يترجم كل منهم كتابا يحوز الرضا السامي، وكانوا يظلون حينا بالمدرسة بعد تخرجهم «تحت الطلب بصفة مستودعين» حتى إذا احتاجت مدرسة أو مصلحة إلى أحدهم استدعته ومنحته الرتبة ومرتبتها.
قلم الترجمة
لما شرعت الحكومة في تنفيذ ما اعتزمته من ترجمة الكتب الأجنبية في العلوم والفنون المختلفة، عولت على أعضاء بعثاتها الأولى فجعلت منهم مترجمين، ودفعت إليهم كتبا في علوم وفنون قد لا تمت بصلة إلى الدراسة التي تلقوها في أوروبا، وكانت تستحثهم دائما على الجد والإسراع في الترجمة حتى بلغ من تعجل الحكومة أن خصصت لهم غرفة، وجعلت مفتاحها بيد من لا يدعهم يبرحونها حتى يتموا ترجمة ما عهد إليهم ترجمته، وإذا أظهر أحدهم قصورا وادعى مرضا ألحق بزميل له قدير على الترجمة ليعاونه ويمرن على يديه أو نزع منه الكتاب إلى آخر.
29
على أن محمد علي باشا لم يقع منه موقع الارتياح أن يشغل هؤلاء المبعوثون عن وظائفهم، وعن الأعمال التي اغتربوا عن بلادهم للتخصص فيها، ولذلك رفض اقتراحا قدم إليه بجمع أعضاء البعثات المشتغلين بالترجمة في قلم واحد، وفضل إنشاء مدرسة للإدارة الملكية، وأخرى للترجمة (وهي التي دعيت بعد ذلك بمدرسة الألسن)، واتجهت النية بعد إنشائها إلى إنشاء قلم للترجمة من خريجيها، ولكن إنشاء هذا القلم تأخر إلى سنة 1840، وألحق بمدرسة الألسن بإدارة مديرها رفاعة بك. •••
وظلت أسماء المدرسين الأتراك والأوروبيين في مدرسة الألسن مجهولة، أما الطلبة المتخرجون فيها، فقد ذكر المستر هيورث دن في كتابه عن التعليم في مصر، نقلا عن السيد صالح مجدي بك (وهو أحد تلاميذ الشيخ رفاعة بك) أسماء الذين اشتهروا فيما بعد، فكانوا أسطع دليل على كفاية الشيخ رفاعة، وحسن قيامه على التعليم.
كشف ببعض أسماء الطلبة الذين انضموا إلى مدرسة الألسن 1836-1837.
الاسم
الوظيفة
محمد مصطفى البياع
محرر الرسائل الأوروبية
خليفة محمود
مترجم (وسيأتي ذكره في عصر إسماعيل)
أبو السعود أفندي
كاتب ومترجم ومؤسس جريدة وادي النيل (1769) ومعلم تاريخ (وسيأتي ذكره في عصر إسماعيل)
محمد عبد الرازق
مترجم
عبد الجليل
مترجم، وصار سكرتيرا خاصا لإسماعيل باشا
إبراهيم مرزوق
شاعر ومستخدم بالسودان
شحاتة عيسى
أرسل إلى فرنسا في بعثة سنة 1844
حنفي هنو
أرسل إلى فرنسا في بعثة سنة 1844
محمد الحلواني
مترجم
عبد الرحمن أحمد
مترجم
حسن فهمي
مترجم بالسكة الحديدية
أحمد عبيد
أرسل إلى فرنسا للالتحاق بالمدرسة الحربية (سيأتي ذكره في عصر إسماعيل)
رمضان عبد القادر
مترجم
حسن الجبيلي
مترجم
سعد مجدي
معلم ومترجم
محمد السمسار
مترجم بالسويس
محمد القوصي
مترجم بمصلحة جوازات السفر
حسنين علي الديك
معلم ومترجم
عثمان الدويني
كاتب وقاض
حسن الشاذلي
التحق بالمدرسة المصرية بباريس
أحمد عياد
مترجم
عطية رضوان
معلم ومترجم
محمد زهران
معلم
ومن الطلبة المنضمين إلى المدرسة في سنة 1837.
الاسم
الوظيفة
عبد الله السيد
التحق بالمدرسة المصرية بباريس
مصطفى السراج
مترجم ومحرر الرسائل الأوروبية
صالح مجدي
شاعر ومترجم ومحرر (وسيأتي ذكره في عصر إسماعيل)
محمد رشيدي
مترجم ومحرر أفرنجي
محمد الطيب
مترجم ومدرس
محمد البحيري
معلم
محمد سليمان
مترجم ومدرس، وهو أول من تخصص في اللغة الإنجليزية، واشتهر في عصر إسماعيل
خرشيد فهمي
التحق بالمدرسة المصرية بباريس
علي سلامة
معلم
حسين خاكي
سافر إلى الآستانة
عبد السلام شلبي
مترجم تخصص في الرسائل الأوروبية
قاسم محمد
مترجم إنجليزي وفرنسي في السكك الحديدية
علي شكري
مترجم
محمد لاز
مترجم ومدرس
محمد صفوت
مترجم
مصطفى الكريدلي
كان يجيد اللغات اليونانية والعربية والفرنسية والتركية، مترجم في المعية
محمد زيور اللبيب
مترجم في المعية
أحمد صافي الدين
مترجم في السكك الحديدية، وقد اشتهر في عصر إسماعيل
عثمان فوزي
اشتغل في الإدارة
السيد عمارة
مترجم بوزارة الأشغال العمومية، وسيأتي ذكره في عصر إسماعيل
منصور عزمي
يجيد اللغتين الإيطالية والفرنسية. اشتغل بديوان المدارس
بحر أحمد
مترجم في مصلحة الصحة العمومية
حسن قاسم
مترجم بالإسكندرية
قاسم أسعد
مترجم ومدرس
إسماعيل يسري
مترجم، واشتهر في فن الخط
حسن عيساوي
محاسب
مصطفى أبو زيد
مدرس ومترجم
مراد مختار
ناظر مدرسة، وكان يجيد اليونانية والفرنسية والتركية والعربية، واشتهر بفن الخط
حسن وفائي
خطاط في نظارة الأوقاف
ومن الذين انضموا إلى المدرسة بعد سنة 1837 بقليل.
الاسم
الوظيفة
محمد شيمي
محاسب ومترجم بالسكك الحديدية
محمد قدري
مترجم، وسيأتي ذكره في عصر إسماعيل
محمد عثمان جلال
اشتغل بنظارة الجهادية ، وسيأتي ذكره في عصر إسماعيل
عباس سامي عبد الرحيم
كاتب ومترجم قوانين
أحمد خير الله
مترجم بمحافظة الإسكندرية
أحمد محمود
مترجم
بحر عبد الله
باشكاتب بنظارة الخارجية
عبيد الله محفوظ
محرر الرسائل العربية بمديرية الجيزة
حسن يوسف
أمين مخزن
عمر صبري
موظف بالسكة الحديدية
علي رشاد
موظف بالسكة الحديدية
أحمد حلمي
مترجم بنظارة الخارجية
عبد الله يوسف
مترجم ومحاسب بنظارة الخارجية
إمام أفندي
مترجم بنظارة الخارجية
متولي محمود
مترجم بالجمارك
وتحدث ما شئت عن مبلغ اهتمام محمد علي باشا بكل ما يتصل بالترجمة من حيث السرعة والدقة والعمل، وحسن طبع المؤلفات المترجمة، وحسن تجليدها إذا أهديت إلى المكتبات الكبرى في أوروبا، وقد وجدنا في المحفوظات التاريخية جملة وثائق تؤيد هذا الاهتمام أوضح تأييد.
السرعة في العمل:
صدر أمر كريم في 15 ربيع الثاني 1250 بإحالة ترجمة قانون السفرية الجديد إلى المدعو أسطفان أفندي، والتشديد عليه في الشروع في ترجمته بعد فراغه من ترجمة الكتاب السابق إحالته إليه، وفي 28 ذي الحجة سنة 1250 صدر أمر آخر في شأن ترجمة الكتاب الفرنسي الخاص بأنظمة وترقيات العساكر «وبناء عليه يشير بأنه لكون ترجمة هذا الكتاب من الأمور المهمة المستعجلة يلزم جمع التراجمة، وإعطاء كل مترجم كراسا؛ لتسهيل ترجمته في أقرب وقت»، وكذلك طلب الجناب العالي إلى كاني بك «أخذ ثلاث نسخ من تعليمات الطوبجية التي وجدت على أن تؤخذ من أدهم بك، وتترجم بسرعة على أنها لازمة جدا.»
30
الدقة:
ورد في الوقائع المصرية رقم 348 بتاريخ 3 رمضان سنة 1247 «بناء على التماس سريوس أفندي المترجم طبع الكتاب المشتمل على اصطلاحات اللغات الخمس السابق صدور أمر سعادة أفندينا ولي النعم بطبعه بعد ترجمته، ولصلاحه يشترط أن يقوم المترجم بمباشرة طبعه، وأن يذهب بذاته لمراجعة تصحيحه بالمطبعة، ويكون بمعيته رجل خبير باللغات.»
وفي المحفوظات التاريخية أمثلة كثيرة تؤيد رغبة الوالي في توخي الدقة في أعمال الترجمة. منها أمر عال إلى بوغوس أفندي بتاريخ 11 جمادى الآخرة سنة 1245 فحواه: «أن الجناب العالي اطلع على ترجمة الكتاب الخاص بارتفاع قيمة العملة بعد رفع الحصار عن مضيق البحر الأسود، وتوصية مقادير من الذهب لإحضارها إلى تركيا، ولاحظ في الكتاب المذكور بعض الإبهام بخصوص قيمة العملة، وأصدر أمره الكريم بتوضيح هذه الإبهامات، وعرضها على أعتابه الكريمة.»
31
وكذلك الأمر إلى الخزينة دار السر عسكر بتاريخ 7 ذي القعدة سنة 1248 «فيطلب إليه أن يرسل حسن أفندي مترجم كتاب تاريخ إيطاليا، ومعه النسخة الأصلية في أقرب فرصة إلى الإسكندرية حيث إن عزيز أفندي القائم بتصحيح الترجمة لا يمكنه أن يصحح بعض أوراقه إلا بوجود المترجم والنسخة الأصلية.»
32
كذلك الرسالة المبعوثة من ديوان المدارس إلى مدرسة الألسن بتاريخ 4 صفر سنة 1259؛ وهذا نصها: «إن قلم الترجمة بديوان المدارس ومترجمي مدرسة الألسن قاموا بترجمة سبعة وستين كتابا في مختلف المواد من اللغة الفرنسية إلى العربية والتركية خلال سنة واحدة، فصدر أمر عال بعقد اجتماع للنظر في أمر هذه الكتب المترجمة، فعقد اجتماع حضره سليمان باشا رئيس أركان الحرب ومحمود بك وكاني بك وحكاكيان بك وغيرهم، ولما أمعنوا النظر في الكتب المذكورة قرروا طبع أربعة عشر كتابا منها على حسب لزوم ونفع المواد التي تتضمنها على ألا يقدم ناظر قلم الترجمة أي كتاب منها إلى الطبع ما لم يقابل ترجمته بالأصل مقابلة دقيقة، ويصحح اصطلاحاتها وعباراتها كما يجب أن يتأكد جيدا من صحة الترجمة ولياقتها للطبع، فإنه مطلوب منه صحة عبارات الكتب المترجمة وهو مسئول عنها، وإذا لم يعلم في قلم الترجمة بعض الاصطلاحات المستعملة في العلوم والفنون والصنائع فلا يعمد إلى وضع اصطلاحات بالتخمين، وإنما يراجع الجهة المختصة، ويحقق من أهل المعرفة.»
33
ونلفت نظر القارئ إلى أننا - بين الأمثلة الكثيرة التي عثرنا عليها - اكتفينا بذكر ثلاث وثقائق صدرت في تواريخ مختلفة، فالأولى في سنة 1245، والثانية في سنة 1248، والثالثة في سنة 1259، وهذا دليل قاطع على أن اهتمام الوالي بشئون الترجمة لم يفتر بالرغم من مشاغله الكثيرة في الأوقات العصيبة التي مرت به.
حسن الطبع والتجليد:
وإذا نال شيء من هذه الترجمات الرضا السامي أمر بطبعه ولم يتردد - كما أسلفنا - في إهداء نسخ منه إلى المكاتب الشهيرة بأوروبا ؛ ليكون في عرضها على الجمهور، وإطلاع المستشرقين عليها ما يعلي من شأن مصر، ويظهر تقدمها نحو النور والمدنية، وقد أرسل ديوان المدارس كتابا إلى ناظر المطبعة بتاريخ 6 ربيع أول سنة 1255 ذكر فيه: «تلقينا أمرا خديويا بتاريخ 3 ربيع الأول سنة 1255 بانتخاب عشر نسخ جيدة من كل صنف من الكتب العسكرية والطبية المطبوعة في مطبعة بولاق، وإرسالها إلى حضرة بوغوص بك مدير الأمور الأفرنكية بالإسكندرية تمهيدا لإهدائها إلى دور الكتب في أوروبا، وبتجليد الكتب المشار إليها تجليدا فاخرا بقدر الإمكان فإنه يجب أن تكون مذهبة التجليد ومزخرفة.» (3) الترجمة في خدمة الدعاية
ولا يفوتنا في هذا المقام أن نذكر أن الوالي لم يهمل في كثير من الأحيان استغلال أعمال الترجمة والتحرير والطباعة لنشر الدعاية لصالح بلاده، فقد عثرنا على أمر فحواه: «إن الإفادات والتقارير التي أرسلها عطوفة الباشا والي جدة والمورة وسر عسكر الأسطول المصري بخصوص الفتوحات التي حصلت في متون
Medon
قد أرسلت إليكم، فلدى إرسالها أحضروا أحمد أفندي ناظر مدرسة الجهادية، وترجموها إلى اللغة الإيطالية، وكلفوا الخواجة طونقارلي وضعها في صورة جريدة، واطبعوا منها مقدار 300 نسخة في مطبعة بولاق، وأرسلوها لنا لتوزيعها.»
34 (4) الوقائع المصرية وأعمال الترجمة فيها
صدرت الوقائع المصرية سنة 1828 باللغتين العربية والتركية في أربع صفحات، كل صفحة منقسمة إلى نهرين، في أحدهما الموضوعات باللغة التركية، وفي الآخر ترجمتها باللغة العربية.
وكان سامي بك يحرر القسم التركي في الجريدة، ولم يعرف على وجه الضبط من كان يترجم هذا القسم إلى العربية، إلا أنه يبدو أن الخواجة نصر الله (نصري) وكيل التحرير كان على رأس الذين يترجمون للوقائع فصولها. «وليس لهذا الرجل مأثرة أدبية غير ما نشرته الوقائع، وهي ترجمة تركية الأسلوب ملتوية المعاني، وأكبر الظن أن من ساعده على صياغة عربية صحيحة في بعض الأحيان هو السيد شهاب الدين محمد بن إسماعيل الذي عين فيما بعد مصححا أول لمطبوعات مطبعة بولاق.»
35
ولم يكن القسم العربي من الوقائع ترجمة حرفية للقسم التركي، على أن العبارة العربية فيه كانت ركيكة مشحونة بالألفاظ والتراكيب التركية.
وكانت الوقائع تضم عددا غير قليل من المترجمين، وكان الخواجة نصر الله مختصا بترجمة الحوادث والأخبار كما يتضح من الوثيقة رقم 510 بتاريخ 10 محرم سنة 1249.
36
أما أعوانه فكانوا يجيدون اللغة التركية واللغات الأجنبية المختلفة التي كانوا ينقلون عنها أخبار الدول المعروفة إذ ذاك.
وتوسعت أعمال الترجمة في الوقائع حين تقرر تعديل النظام فيها سنة 1257 (1841) إذ جاء في القرار «أن الغرض من طبع الوقائع إنما هو لنشر الأخبار الحديثة على الناس حتى يستفيد منها كل إنسان، ولا يجب الاكتفاء بنشر أخبار مصر فحسب، وقد أصبح من اللازم إضافة بند للحوادث الخارجية، وحيث إن نشر مثل هذه الأخبار يتوقف على قراءة الجرائد التي تنشر في الخارج، ويستوجب أن يكون الموظف المشرف على ترتيب الجريدة وتنظيمها ملما باللغتين؛ وعلى ذلك فقد تقرر إحالة أعمال ترجمة المواد المناسبة من الجرائد الأجنبية ... على حضرة الشيخ رفاعة بك ناظر مدرسة الألسن لوجود مترجمين جاهزين في هذه المدرسة ... وحيث إن حضرة الشيخ رفاعة سيضع أصول الجريدة بحسب اللغة العربية فتحال أعمال إفراغ الترجمة في قالب حسن بدون الإخلال بالأصل العربي، وتنظيم المواد حسب النظام التركي على حضرة حسين أفندي ناظر المطبعة.»
37
Le Moniteur Egyptien .
قال المسيو «جبرائيل جيمار» في كتابه «الإصلاحات في مصر»
Les Réformes en Egypte
إن محمد علي باشا أمر سنة 1833 بإصدار نسخة فرنسية من الوقائع المصرية سماها
Le Moniteur Egyptien «المونتيور أجبسيان» وكانت تشابه النشرة الفرنسية الرسمية التي كانت تصدر في الآستانة تحت عنوان
Le Moniteur Ottoman
ولكن المسيو جيمار لم يذكر تفاصيل أخرى، وكذلك الكتاب الذين تحدثوا عن هذه النشرة لم يزيدوا شيئا، ويجب أن نستثني من هؤلاء المستر «جون باورينج» الذي قال في تقريره المشهور المرفوع إلى «بالمرستون» وزير خارجية إنجلترا - «وكانت تطبع أسبوعيا في مدينة الإسكندرية جريدة فرنسية يقال لها
Moniteur Egyptien «مونتيور أجبسيان» من أغسطس سنة 1833 إلى مارس سنة 1834 حيث تعطلت عن الظهور، وكانت تعينها الحكومة، ولم تكن عظيمة الانتشار.»
أما المسيو رينو
Reinaud
فقد نشر في المجلة الآسيوية الفرنسية بحثا مطولا اقتبس منه الأستاذ إبراهيم عبده بعض البيانات، وأضاف إليها ما عثر عليه من الوثائق التاريخية.
والواقع أن محمد علي باشا لم ينشئ هذه الجريدة، إلا أنه كان مؤمنا بفائدتها فأمدها بعون مالي، وقد أخذت الجريدة تقتبس أخبارها المحلية كلها تقريبا من الوقائع المصرية، ولم نقف على من كانوا يترجمون الأخبار من اللغة العربية أو التركية إلى اللغة الفرنسية. (5) أعيان المترجمين: سيرتهم ومؤلفاتهم
الآن وقد فرغنا من الحديث عن حركة الترجمة في هذا العصر، وأثر محمد علي باشا في تنشيطها، وماذا كان الغرض منها ننتقل إلى المترجمين فنوجز القول في سيرتهم ومجهودهم ومؤلفاتهم. (5-1) المستشرقون والمترجمون الأجانب غير الملتحقين بخدمة الحكومة
لم يكن لهؤلاء الأجانب أية صلة مباشرة بالحكومة، ولكنا لا نستطيع أن نهمل سيرتهم؛ لأنهم أقاموا في مصر، واهتموا بشئونها، وكتبوا الكثير عنها.
وأول من جاء ذكره في مؤلفات الرحالين الذين هبطوا إلى مصر في هذا العصر «باسيلي فخر»، وقد ورث عن أبيه ثروة طائلة، وكان يعيش بدمياط بقصره الفخم بين أسرته وخدمه، يتعاطى التجارة، ويشغل منصب قنصل لبعض الدول الأجنبية، وكتب عنه الكونت «دي فوربان»
Forbin
قائلا: «يقال: إن هذا الرجل يتكلم اللغة العربية الفصحى، ويكتبها بسهولة كما أنه يجيد اللغة الإيطالية، وهو يباشر الآن (1819) ترجمة بعض المؤلفات المشهورة، وله مكتبة تحوي أجود الكتب التي طبعت حتى الآن»،
38
وزارت مصر بعد الكونت دي فوربان الكونتيسة دي منيوتولي، وذكرت هي أيضا اسم «فخر» واتصلت به، وعزت إليه أنه ترجم إلى اللغة الإيطالية عدة مؤلفات للعرب.
39
أما البروسياني «برامسن» الذي جاء من بعدها فكان يميل إلى التهوين من شأن فخر هذا إذ أكد «أنه يترجم مؤلفاته إلى اللغة الإيطالية بمعاونة سكرتيره»
40
وقد ادعى بعض الوافدين على مصر «أن هذا السكرتير هو الذي يترجم الكتب، ثم ينسب ترجمتها إلى فخر.»
وقد حاولنا العثور على مؤلف من مؤلفات فخر فلم نهتد، ولعله لم يطبع شيئا. أما نحن فنميل إلى الظن بأنه أراد أن يتظاهر بحبه للعلم في زمن كان والي مصر، يشجع العلم بشتى الوسائل، فآوى بعض المترجمين في قصره، ولم تذكر المؤلفات الحديثة اسم هذا الرجل، ولم ينته إلينا شيء من سيرته إلا في روايات من زاورا مصر وقتئذ.
شيرفيل
Asselin de Cherville
لم يرد اسم هذا المستشرق في كتب تاريخ أدب اللغة، ولم يهتم أدباؤنا بدراسة حياته على ما بذل في خدمة العربية من عظيم المجهود. هذا لأنه لم يكن يطمع في الشهرة فلم يكن يكثر المخالطة لزملائه الفرنسيين، بل كان يعيش بمعزل عنهم، فأهمل معظم السياح في مؤلفاتهم ذكر اسمه.
وقد زاره الكونت
De Marcellus «دي مارسلوس» في معزله، وهو الذي عرفنا بهذا العلامة الناسك وروى لنا لقاءه إياه.
41
فقال «أدخلني المسيو دي شيرفيل في معمله» وهو مستودع المخطوطات الكثيرة التي اشتراها بمال جزيل، وأخذ يترجمها بعد التعلق عليها، ولما كانت دراساته العويصة قد ملكت عليه وقته، فقد اعتاد المعيشة في عزلة وسكون، ورأيته مرتديا الزي العثماني، ومكبا على الأوراق والوثائق التي عثر عليها، وقد زهد في كل رياضة، وفرض على نفسه مهمة شاقة هي البحث عن أصول الأمم بالموازنة بين لغاتها وتحليلاتها، وأنشأ المسيو دي شيرفيل مجمعا للترجمة في الجامع الأزهر، وكانت وظيفته الرسمية وكيلا لقنصل فرنسا، أما مؤلفاته فهي كثيرة نذكر منها - ترجمة التوراة باللغة الأثيوبية، وبحث في المؤرخين العرب الذين أقاموا في مصر، ومعجم مقارن للغات النوبة وسنار ... وتراجم لمؤلفات لقمان وبيدبا وسعدى وغيرهم، وأحسن عمل قام به هو بلا شك دليل المخطوطات المودعة مكاتب القاهرة، وقد تطلب منه هذا العمل مجهودا عظيما بالنظر إلى حالة المكتبات وقتئذ.
لين
Edward William Lane
42
إن أعظم المستشرقين قاطبة أثناء القرن التاسع عشر في إنكلترا، وربما أمكن أن يقال: في أوروبا كلها هو: إدوارد وليم لين (1801-1876)، فقد أحس منذ حداثته بهوى في نفسه للدراسات الشرقية، ولا سيما المصرية، فأبحر في يوليو سنة 1825 قاصدا الإسكندرية، وكانت هذه أول زيارته لمصر، وبقي في مصر حتى خريف سنة 1828، وقضى معظم وقته في القاهرة «وكان يرتدي الزي المصري أثناء إقامته فيها حتى صدق البعض أنه عربي، وقد قال أحد أصدقائه فيما كتب من ترجمة حياته أنه كان يشبه في ملامح وجهه أبناء أسرة عربية بحتة من أهل مكة ، حتى إن أحد المصريين أصر على اعتقاده بأن هذا الإنكليزي المعروف هو أحد أفراد هذه الأسرة، بالرغم من أنه قد نبه إلى هذا الخطأ مرارا وتكرارا،
43
وكانت نيته معقودة على درس قدماء المصريين، ولكنه وجد درس أخلافهم المحدثين أمتع وأطيب، وقام بدراسة العربية دراسة واسعة، فتملك ناصيتها كتابة وكلاما، وحين عودته إلى إنكلترا، كان قد درس شئون مصر دراسة وافية عميقة شملت السكان واللغة، وجمع في مخطوطاته وصفا لما رآه في الشرق، ولكن ميله الشديد إلى الدقة العلمية التي تجلت في كل مؤلفاته جعلته يصر على زيارة مصر ثانية قبل نشر كتابه، فأقام فيها من سنة 1833 إلى سنة 1835 متفرغ لدراسة الحياة في القاهرة دراسة مباشرة، وكان أصدقاؤه المصريون الكثيرون يلقبونه بمنصور أفندي، وعندما عاد إلى إنكلترا بعد هذه الزيارة نشر كتابه في «أخلاق المصريين المحدثين وعاداتهم»، فذاع صيته.
ولم يمض وقت طويل على عودة «لين» الثانية إلى إنكلترا، حتى تفرغ لإعداد ترجمة بالإنكليزية لكتاب «ألف ليلة وليلة»، ولم تكن ترجمته هذه هي الأولى، إذ سبقتها تراجم طبعت ولاقت رواجا واستحسانا بين القراء، ولكن هذه التراجم خلت من الدقة الفنية فأخذ «لين» على عاتقه إخراج ترجمة تحتفظ بمعنى الأصل وفحواه، وفي أثناء ذلك فكر مدة من الزمن في وضع معجم عظيم عربي - إنكليزي؛ إذ إن المعجمات العربية التي ألفها قبلا كلا من «جوليوس» و«فريتاج» وغيرهما - وإن كانت نافعة في نوعها - لم تكن وافية المواد، ولم تكن سليمة من النقص من نواح عدة.
وكانت فكرة «لين» تدور حول البحث بدقة في المعجمات العربية والأدبية كتاج العروس وغيره، حتى يبني معجمه الخاص على أساس مكين فبعثته هذه الفكرة على السفر إلى مصر مرة ثالثة. فقدمها في يوليو سنة 1842، ومكث بها إلى سنة 1844، وكان يعمل في يومه بين اثني عشرة ساعة وأربع عشرة ساعة، وبعد أن جمع كل ما رآه ضروريا من المواد والمعلومات من المعجمات العربية، قفل إلى إنكلترا، وأمضى السنين الخمس والعشرين التي تبقت من حياته لإكمال معجمه، وهذا الكتاب الذي يدين له بالفضل كل من توفر على دراسة العربية وشئون بلاد العرب، ما زال إلى الآن الحجة التي يرجع إليها طلبة العلم المتقدمون المتوفرون على دراسة اللغة العربية.
44
وقد ذكر «لين» كثيرون ممن زاروا مصر في عهد محمد علي باشا، ومن بينهم «باتون» و«جان جاك آمبير» وقد اطلعنا في كتابيهما على تفصيلات وافية عن حياة هذا المستشرق العظيم.
كريمر
Baron De Kremer
جاء هذا المستشرق إلى مصر في عهد محمد علي باشا، ولكنه اشتهر في عصر إسماعيل، وسنتكلم عنه فيما بعد.
مونك
Salomon Munk
مستشرق ألماني، ولد في سنة 1805، وتوفي في باريس سنة 1867، وكان والده خادما في معبد إسرائيلي، وفي سنة 1828 ذهب سليمان إلى باريس، وتعلم ثلاث لغات شرقية، وهي: العربية والهندوسية والفارسية، وكان أساتذته
S. de Sacy «دي ساسي» و
Chezy «سيذي» و
Quatremére «كاتريمير» وعمل بعد ذلك في دار الكتب «1835» في قسم المخطوطات، وأخذ يدرس المخطوطات الشرقية، ويرتبها عشر سنوات، وفي سنة 1840 سافر مع المسيو
Montefiore «مونتيفيور» والمسيو
Crémiéux «كريميو» إلى مصر، وترجم إلى العربية الخطب التي ألقاها
Crémiéux «كريميو» في سبيل إنشاء المدارس الإسرائيلية في مصر، فأسهم بعمله هذا في إنشاء عدة مدارس تابعة لهذه الطائفة، وألف كتابا في جغرافية فلسطين وآثارها وتاريخها، وله مؤلفات جمة في الفارسية والعربية والعبرانية، ومقالات كثيرة نشرت في المجلة الآسيوية، وقد كف بصره في أواخر أيامه.
45
مولر
Muller
يقال عنه: إنه كان يجيد اللغة العربية، وبالرغم من ذلك ظل اسمه مجهولا، ولم يشتهر بالترجمة، وصحب المسيو
«باشو» في رحلته إلى ليبيا، ونشر في ذيل كتابه «رحلة إلى المارماريك»
Voyage en Marmarique
معجم لسان سكان أوجيله
Vocabulaire du Langage des habitants d’Audjelah . (5-2) المستشرقون والمترجمون الأجانب في خدمة الحكومة المصرية
الدكتور بيرون
قال العلامة الشهير
Renan «رينان» في حفلة تأبين الدكتور بيرون: «في يوم 11 يناير سنة 1876 توفي رجل ترك أثرا قيما في تاريخ علومنا الشرقية. هذا الرجل هو الدكتور بيرون، وهو في طليعة الذين تطوعوا للسفر إلى مصر لمساعدة محمد علي باشا على تنفيذ برنامجه، ولم يقتصر الدكتور بيرون على دراسة الشرق بوصفه عالما بحاثة، ولكنه كان يؤمن بالشرق، ويأمل إحياءه، فبذل الجهد العظيم لتحقيق هذا الأمل.»
46
كان الدكتور بيرون ينتمي إلى طائفة «السان سيمونيان» وجاء معهم، وظل في مصر مع لينان ولامبير بعد انصراف رفقائه، وهو من أبرع أساتذة مدرسة الطب، علم فيها الطبيعيات، وتولى رياستها بعد كلوت بك، وامتاز على سائر الأساتذة الأجانب بإجادة اللغة العربية، وأتقنها على يد محمد عمر التونسي وغيره من المصححين، وكثيرا ما كانوا لذلك يستعينون به في تحرير الترجمات الفرنسية الأصل لمعرفته اللغتين المنقول إليها والمنقول عنها. فأدى خدمات جليلة لمصر وللغة العربية. فهو الذي ترجم الاصطلاحات الطبية معانيا مشقة عظيمة، فساعد بذلك على تعليم العلوم الطبية باللغة العربية،
47
وترجم أيضا «الرحلة إلى الدارفور والوادي» من تأليف الشيخ عمر التونسي، و«المختصر» لسيدي خليل بن إسحق في ثلاثة أجزاء، و«كتاب الصناعتين في الفروسية» للناصري، وكتاب «سيف التيجان» وقد بحث الدكتور بيرون فوق ذلك في آداب الجاهلية وأخلاقها، وله كتاب في نساء العرب قبل الإسلام وبعده، وترجم بعض أشعار الجاهليين.
كونج بك
Koenig Bey
جاء مصر في سنة 1822 ليواصل دروسه في اللغة العربية ويتقنها فظل فيها، ودخل في خدمة الحكومة، واشتغل في بادئ الأمر بالترجمة، ومدحه البرنس «بوكلر موسكاو» النمساوي
48
فوصفه رجلا له خبرة في العمل، وتكلم عنه المسيو
Cadalvéne «كادالفين»
49
قائلا «بينما يسود الارتباك بعض المصالح الحكومية يتعجب المرء إذ يرى فيها عملا ينتج ثمرات طيبة، وهذا العمل هو ترجمة الأوامر واللوائح الفرنسية، ويقوم به المسيو كونج أحد المستشرقين الفرنسيين، وينجزه على وجه يدعو إلى الإعجاب فتطبع بعد ذلك وتوزع على الضباط» وقد لفت مجهوده نظر محمد علي باشا فعينه رائدا لسعيد (باشا)، وله أبحاث خاصة بمصر والنوبة واللغة العربية، نشر بعضها بالمجلة الآسيوية، وكان عضوا في جمعيات علمية عدة منها الجمعية الآسيوية، وهو أحد مؤسسي المجمع العلمي المصري في عهد سعيد.
50
فيدال
Georges Vidal
ترجم من اللغة الفرنسية «المنحة في سياسة حفظ الصحة» للخواجه «برنار» معلم قسم حفظ الصحة بمدرسة الطب، وأصلح عباراته محمد الهواري. طبع سنة 1249.
فيناتي
Giovanni Finati (محمد أفندي)
ولد في إيطاليا وترعرع فيها، واشترك في حروب نابليون، وفر من الجيش ، ثم جاء إلى مصر، وأسلم ليتزوج مصرية، وتطوع في الجيش، واشترك في الحرب ضد الوهابيين، وبعد عودته من الحجاز اعتزل الخدمة واشتغل ترجمانا للسياح، يصحبهم في رحلاتهم، وهو الذي كان مرافقا للمستر
Salt
قنصل بريطانيا العظمى والمسيو لينان أثناء رحلاتهما في مصر والسودان.
لوبير بك
Lubbert Bey
اشتغل في فرنسا مديرا لمعهد الموسيقى بباريس، وبعد سقوط نابليون بقليل رحل إلى مصر حيث اتصل بخدمة الباشا، وصار عضوا بديوان المدارس، ولما زار
Gisquet
جيسكيه
51
مصر سنة 1845 قال عن لوبير إنه مترجم في الديوان العالي، وقال
52
الذي زار مصر في أوائل عهد عباس باشا: إن لوبير صار سكرتيرا لعباس، ولعله كان يشغل منصب المترجم الخاص.
ماشورو
Machereau (محمد أفندي)
قدم مصر مع طائفة «السان سيمونيان» وعين مدرسا للرسم، وتزوج مصرية وأسلم، وتعلم من زوجه اللغة العربية، فاستطاع بعد مدة أن يلقي محاضراته دون الاستعانة بمترجم.
يوسف أجوب
ولد بمصر العتيقة من أب مصري وأم سورية، وقد غادروا مصر مع الجيش الفرنسي في ارتداده، وتلقى هو علومه في مرسيليا، ثم عين مدرسا للغة العربية في ليسيه لويس الأكبر، وفي أثناء عمله أخذ يترجم كتاب بيديا الفيلسوف وفرغ منه، إلا أن بعض الظروف عاقته عن طبعه، ولما توفي عنيت الدولة الفرنسية بنشره، وأنفقت على طبعه في المطبعة الأميرية، وقد اشتغل أجوب سكرتيرا للعالم الفرنسي جومار رئيس البعثة المصرية الأولى، وتوفي ولم يتجاوز السابعة والثلاثين من عمره، وقد ترجم آثارا كثيرة نجتزئ ببيان ما يأتي منها:
Abrégé de Conersation Arabe «موجز اللغة العربية» وتولى إلياس بقطر تصحيحه وتنقيحه، وأضاف إليه فصلا في فوائد اللغة العربية.
حيصر الحكيم
Le Sage Heycar
Les Maouals «الموال» وقد تولى نشرها
Du Pongerville «دي بونجرفيل»
Mélangés de Littérature Orientale et Francaise . (متنوعات من الأدب الشرقي والفرنسي)، وكانت الحكومة الفرنسية قد عرضت على أرملته أن تتحمل نصف ما ينفق على طبع كتب زوجها على أن تتحمل هي النصف الآخر. فلم تستطع أرملته قبول هذا العرض السخي لعجز حالتها المالية.
53
ماري بك
Mari Bey
المعروف باسم بكير أغا. كان جنديا في الجيش الفرنسي، والتحق بعد ذلك بالجيش المصري النظامي، وكلفه محمد علي تدريب جنوده، فقام بهذا العمل على وجه استوجب رضا الوالي وارتياحه، وبالرغم من أنه لم يتلق في شبابه ثقافة عالية كان هذا الجندي ماهرا نشيطا، تعلم بسهولة لغة البلاد، وترجم إلى اللغة التركية «مدرسة الجندي»
L’Ecole du Soldat .
54 (5-3) المترجمون المصريون والشرقيون
وقد ترجم بعض المصريين والشرقيين من تلقاء أنفسهم، أو استجابة لرغبة الوالي، بعض الكتب والتقارير على حين أنهم لم يمارسوا هذه الصناعة، وهم:
محرم بك
وزير البحرية، ولم يشتهر بأي عمل حربي، ولكنه ترك لنا ترجمة أنظمة البحرية المصرية إلى اللغة التركية.
55
عثمان نور الدين باشا
قد أشدنا بذكر هذا الرجل البارع، وعمله في الترجمة، فنضيف إلى ما ذكرناه إنه لما بعث إلى أوروبا مكث فيها سبع سنوات زار في أثنائها إيطاليا وفرنسا وإنجلترا. «ولما عاد إلى مصر أخذ ينشر جريدة أسبوعية عربية وفرنسية
56
ثم عينه محمد علي باشا في وظائف شتى حتى صار من كبار قواد الجيش. فعهد إليه في الإشراف على تدريب الجيوش البرية والبحرية وتنظيمها، كما عهد إليه في مراجعة الترجمات والمشروعات والأنظمة الخاصة بإدخال الإصلاحات في الجيش، ولم نعرف حتى الآن الأسباب الحقيقية التي دعته إلى الاستقالة من خدمة الحكومة المصرية وذهابه إلى الآستانة حيث عينه الباب العالي في منصب رفيع، ولم يشغله مدة طويلة؛ إذ أصيب بالطاعون، وتوفي في الخامسة والأربعين من عمره، ومن الكتب التي ترجمها ووقع عليها:
قانون نامه سفاين بحرية جهادية طبع سنة 1242 (1827).
سياسة نامه جهادية بحرية طبع سنة 1242 (1827).
آرتين بك
من تلاميذ البعثة الأولى، عاد من فرنسا بعد أن أتم دراسة الحقوق والإدارة الملكية، وعين وكيلا لمدرسة المهندسخانة ببولاق، ثم سكرتيرا أول وترجمانا لمحمد علي باشا، وعين بعد ذلك وزيرا للخارجية.
إبراهيم أدهم بك (باشا)
لم يتخذ الترجمة حرفة، وقد قال الجنرال «الدوق دي راجوز» أنه من أصل تركي، ولد في أوروبا، والتحق بخدمة محمد علي باشا، وتولى إدارة المصانع الحكومية، وتعلم اللغة الفرنسية والرياضيات وفن الطوبجية دون أن يستعين بأستاذ، ولما توفي مختار بك خلفه في رياسة ديوان المدارس، وهذا العالم الجليل يعد حقا مفخرة لمصر ، وقد أطنب في مدحه من عرفه من الأوروبيين الذين هبطوا مصر، وكان يترجم إلى اللغة التركية بعض التقريرات الخاصة بالصناعات والفنون الحربية، ومن المؤلفات التي ترجمها:
رسالة في علم جر الأثقال، ترجمت من الفرنسية إلى التركية، طبع سنة 1249.
رسالة في الهندسة، ترجمت من الفرنسية إلى التركية، طبع سنة 1252.
مقالات هندسية، ترجمت من الفرنسية إلى التركية، طبع سنة 1252. •••
أما المترجمون الذين مارسوا الترجمة حرفة، وكانت لهم شغلا شاغلا، فهم:
الشيخ رفاعة بك رافع الطهطاوي
57
رفاعة بن بدوي بن علي بن رافع الطهطاوي، ولد في طهطا سنة 1801 وتوفي في القاهرة سنة 1873، وانتظم في سلك الطلبة بالجامع الأزهر، وقضى فيه ثماني سنوات، وجاهد في المطالعة والدرس جهادا حسنا، فلم يمض عليه بضع سنين حتى صار من طبقة العلماء الأعلام، وفي سنة 1824 عين واعظا وإماما في أحد إلايات الجيش النظامي، ولما جاء عهد البعثات العلمية كان من حسن توفقه أن اختاره محمد علي باشا ضمن أعضاء البعثة الأولى، وعينه إماما لهم للوعظ والصلاة، ويقول علي باشا مبارك: «إن محمد علي طلب إلى الشيخ العطار (شيخ الجامع الأزهر) أن ينتخب من علماء الأزهر إماما للبعثة الأولى يرى فيه الأهلية واللياقة، فاختار الشيخ رفاعة لتلك الوظيفة «فهو إذن لم يكن مرسلا ليكون طالبا، ولم يكن مطلوبا من إمام البعثة أن يتعلم «علوم الفرنسيين» وأنظمتهم، ولقد كان معه ثلاثة أئمة آخرون للبعثة فلم تتحرك نفس واحد منهم للاغتراف من مناهل العلم في فرنسا، ولم يتجاوزوا حدود الوظيفة التي شغلوها.»
أما الشيخ رفاعة فتاقت نفسه إلى علوم الغرب فعكف على درس اللغة الفرنسية من تلقاء نفسه رغبة منه في تحصيل العلم بها أو نقله منها إلى العربية، ويقول علي باشا مبارك إنه اتخذ له بعد وصوله إلى باريس معلما خاصا على نفقته، وكان العالم جومار
Jomard
عليه فضل التعهد بالإرشاد والتعليم والمحبة الخصوصية، وقد ساعده مساعدات جمة في هذه البلاد، وكذلك حاله مع العالم دي ساسي، وفي مدة إقامته بباريس نبغ في العلوم والمعارف الأجنبية ، وعلى الخصوص في فن الترجمة، وقال زيدان: «إن الشيخ رفاعة لم يتقن التلفظ باللغة الفرنسية، ولكن تمكن من فهم معانيها فهما جيدا» وكان الشيخ رفاعة وهو في باريس ميالا إلى الترجمة والتأليف، فكانت ينتهز أوقات فراغه فيترجم ويؤلف.
ولما عاد إلى مصر أراد محمد علي باشا أن يستغل مواهبه واجتهاده، فأرسل بتاريخ 11 ذي الحجة سنة 1246 إلى محمود بك ناظر الجهادية الرسالة الآتية:
حضرة صاحب السعادة أخي محمود بك ناظر الجهادية كنت حادثت كبير أطبائنا جواني في أن يبحث المجلس هل من المناسب إرسال الشيخ رفاعة القادم قبلا من باريس إلى مدرسة الطب الكائنة في أبي زعبل ليعلم تلامذتها اللغة الفرنسية، أو ليس من المناسب ذلك ويتخذ قرارا فيه ... وتخطر الآن على قلبي الفكرة الآتية: إنه وإن كان لا بد من قيام رفاعة هذا بترجمة الكتب، ولكنه إذا عين في مدرسة أبي زعبل، وقام بتعليم اللغة الفرنسية يخرج كل سنة خمسة وعشرين أو ثلاثين مترجما؛ لذلك أطلب إليكم أن ترسلوا الشيخ المشار إليه إلى مدرسة الطب الكائنة بأبي زعبل بمرتب مناسب.
58
وقد تولى رفاعة بك فعلا بعد عودته إلى مصر رياسة الترجمة، وتدريس اللغة الفرنسية في مدرسة الطب، وكان متوليا رياسة الترجمة قبله يوحنا عنحوري، وفي سنة 1833 انتقل من مدرسة الطب إلى مدرسة المدفعية بطره، وعهد إليه في ترجمة العلوم الهندسية والفنون الحربية، ولما أنشئت مدرسة الألسن أسندت إليه نظارتها، وكان رفاعة بك يتولى التدريس فيها بنفسه يعاونه طائفة من خيرة المصريين والأجانب، ولم يزل رفاعة بك ناظرا لهذه المدرسة مع نظارة قلم الترجمة إلى أن أغلقت المدرسة في عهد عباس باشا، ولم يكتف هذا الوالي بإغلاقها؛ بل أمر بإرسال مديرها إلى السودان بحجة توليته نظارة مدرسة الخرطوم الابتدائية، وقد يكون السر الخفي لهذا النفي أنه قد وشي برفاعة بك عند عباس باشا، ولم نتبين حقيقة هذه الوشاية من أقوال من ترجموا له، أما رفاعة بك نفسه فلم يذكر شيئا في هذا الأمر، ويلوح أن لكتابه «تخليص الإبريز في تلخيص باريز » أثرا في نفيه؛ إذ لا يخفى أنه طبع مرة ثانية سنة 1265 أي في أوائل عهد عباس باشا، والكتاب يحوي آراء ومبادئ لا يرضى عنها الحاكم المستبد، فربما كان الوشاة قد لفتوا نظر عباس باشا إلى ما في الكتاب مما لا يروقه، ولما تولى سعيد باشا الحكم عاد رفاعة بك من السودان، وأسندت إليه المناصب المختلفة، فجعل ناظرا للقلم الإفرنجي بمحافظة مصر تحت رياسة أدهم باشا، ثم أسند إليه سنة 1855 وكالة المدرسة الحربية بالحوض المرصود تحت نظارة سليمان باشا، وبعد قليل تولى نظارة المدرسة الحربية بالقلعة، وفي سنة 1860 ألغيت هذه المدرسة كما ألغي قلم الترجمة، فبقي رفاعة بك بغير منصب إلى عهد إسماعيل باشا فأعيد قلم الترجمة بوزارة المعارف العمومية، وعهد إليه في رياسته سنة 1863 وعين عضوا في قومسيون المدارس.
وترجم رفاعة بك في عهد محمد علي باشا مؤلفات كثيرة عدا ما صححه من أعمال سائر المترجمين، ومن مترجماته:
59
نبذة في تاريخ الإسكندر الأكبر.
تقويم سنة 1244 تأليف المسيو جومار.
كتاب دائرة العلوم في أخلاق الأمم وعوائدها.
تعريب كتاب المعلم فرارد في المعادن النافق لتدبير المعايش، استخرجه من الفرنسية إلى العربية، طبع سنة 1248.
مقدمة جغرافية طبيعية.
قطعة من كتاب العلامة ملطبرون في الجغرافية (وهو الجزء الأول من الكتاب، ترجمه وهو في باريس.)
قطعة من عمليات الضباط.
نبذة في علم الهيئة.
أصول الحقوق الطبيعية التي يعتبرها الإفرنج أصلا لأحكامهم.
نبذة في الميثولوجيا.
نبذة في علم سياسة الصحة.
الجغرافية العمومية تأليف المسيو فيكتور أدولف ملطبرون الجغرافي الفرنسي. ترجم منه أربعة مجلدات كبيرة (ويظهر من مطالعتها أنه ترجمها على عجل، والواقع يؤيد ذلك؛ لأننا علمنا أنه ترجم مجلدا منها في ستين يوما.)
كتاب قلائد المفاخر في غريب عوائد الأوائل والأواخر.
60
ترجمه في سنة 1245 وهو في باريس، طبع سنة 1249.
جغرافية صغيرة ترجمها من اللغة الفرنسية، طبع سنة 1250.
الجغرافية العمومية ترجمها من الفرنسية، وشاركه في حسن السبك والنظم الشيخ محمد هدهد الطنتدائي.
تاريخ قدماء الفلاسفة طبع سنة 1252.
التعريبات الشافية لمريد الجغرافية. انتخب فيها خلاصة الكتب الجغرافية الفرنساوية المطولة، وهو مجلد ضخم ترجمه من الفرنسية إلى العربية لتدريس الجغرافية في المدارس المصرية، وأضاف إليه أيضا إيضاحات واسعة. طبع سنة 1254.
جغرافية عمومي في كيفية الأرض، طبع سنة 1254.
المنطق تأليف
De Dumarsais «دي دومارسي» طبع سنة 1254.
تاريخ المصريين القدماء، طبع سنة 1254.
أنوار توفيق الجليل في أخبار مصر وتوثيق بني إسماعيل من تأليفه ... جمعه من التواريخ القديمة والجديدة، عربية كانت أو غير عربية، فيما يخص أزمان مصر، مما يتعلق بالمدنية والعسكرية من الوقائع، طبع سنة 1258.
كتاب إتحاف الملوك الألبا بتقدم الجمعيات في بلاد أوروبا. ترجمه عن كتب أوروبية، طبع سنة 1258.
مبادئ الهندسة «ترجمة كتاب ساسير» طبع سنة 1259، وأعيد طبعه سنة 1270 وسنة 1291.
مواقع الأفلاك في وقائع تليماك. تأليف الكاتب فينولون رئيس أساقفة كمبراي، نقلها من اللغة الفرنسية إلى اللغة العربية مع بعض التصرف وهو في الخرطوم، وأعيد طبعه في بيروت.
ترجمة مونتيسكيو، وقال عبد الرحمن الرافعي في هذا الصدد: «قرأت للأستاذ الشيخ عبد الكريم سليمان رسالة يقول فيها إنه سمع من ابن رفاعة بك أن أباه ترجم هذا الكتاب، ورأيت في قصيدة لرفاعة بك في «مناهج الألباب المصرية» ما يؤيد ذلك إذ يقول عن نفسه:
على عدد التواتر معرباتي
تفي بفنون سلم أو جهاد
وملطبرون يشهد وهو عدل
ومونتسكو يقر بلا تمادي»
وهذا كله غير ما ترجمه في عصر إسماعيل باشا، وسيأتي ذكره فيما بعد.
يوسف فرعون
لم نعرف من أخباره غير ما وقفنا عليه من آثاره. فإنه من أقدم المشتغلين بنقل الكتب الطبية من الفرنسية إلى العربية، وكان كثيرا ما يشترك مع الدكتور بيرون في النقل والضبط، وتوفي في أواسط القرن التاسع عشر، وله مترجمات كثيرة منها:
التوضيح لألفاظ التشريح البيطري. ترجمه من الفرنسية. طبع سنة 1249.
رسالة في علم البيطارية. طبع سنة 1249.
تشريح بيطري للمؤلف جيرار. طبع سنة 1249.
رسالة في علم الطب البيطري. طبع سنة 1250.
التحفة الفاخرة في هيئة الأعضاء الظاهرة (طب بيطري). ترجمها من الفرنسية، طبع سنة 1250، وأعيد طبعه سنة 1251.
عقد الجمان في أدوية الحيوان. ترجمه من اللغة الفرنسية، وصححه وهذبه وأطلق عليه هذا الاسم: مصطفى حسن كساب. طبع سنة 1250.
الكنز المختار في كشف الأراضي والبحار. ألفه أحد المستشرقين الإفرنج في زمن محمد علي باشا إلى اللغة العربية يوسف فرعون. صحح بمعرفة رفاعة بك، طبع سنة 1251.
المادة الطبية البيطارية، طبع سنة 1255.
نزهة الآنام في التشريح العام (طب بيطري)، وهو مختصر، طبع سنة 1255.
الأمراض التامة البيطرية. طبع سنة 1255.
تحفة الرياض في كليات الأمراض (طب بيطري). طبع سنة 1255.
في علم الفيسيولوجيا (طب بيطري). طبع سنة 1256.
منتهى البراح في علم الجراج. طبع سنة 1256.
الأمراض الظاهرة في الطب البيطري. طبع سنة 1256.
نزهة الرياض في علم الأمراض. طبع سنة 1258.
أجل الأسباب في أجل الاكتساب، وهو الثلث الثاني مما اختصره طايو الإفرنجستاني في الكتاب المطول في الفلاحة في سنة 1259. نقله من اللغة الفرنسية في عهد ساكن الجنان محمد علي باشا، وصحح تراكيبه العربية المرحوم الشيخ نصر الهوريني (نسخة مخطوطة سنة 1259).
يوحنا عنحوري
لم نقف على ترجمته، ولكنا عرفناه من آثاره، وما نقله من الكتب في هذه النهضة، وهو من أقدم المترجمين، ولم يكن محسنا للفرنسية إحسانه الإيطالية. فإذا كان الكتاب مؤلفا باللغة الفرنسية ترجموه له إلى الإيطالية أولا، ثم ينقله هو إلى العربية، وقد ينقلون له بالإملاء، وهو يدونه ثم يترجمه، ومن أهم أعماله:
القول الصريح في علم التشريح. طبع سنة 1248.
بتولوجيا، يعني رسالة في الطب البشري. طبع سنة 1250.
منتهى الأغراض في علم شفاء الأمراض. ترجمه من اللغة الإيطالية وصححه محمد الهراوي. طبع سنة 1250.
رسالة في علم الجراحة البشرية. طبع سنة 1250 (وترجم من اللغة الفرنسية).
رسالة في علم الطب البيطري. طبع سنة 1250.
بلغ البراح في علم الجراح تأليف الدكتور كلوت بك. صححه محمد الهواري. طبع سنة 1251.
الطبيعة على أشكال. طبع سنة 1254.
الأزهار البديعة في عالم الطبيعة. تأليف المسيو بيرون معلم الكيمياء بمدرسة الطب زمن المرحوم محمد علي باشا. ترجمها من الفرنسية يوحنا عنحوري المدعو بحنين مترجم مدرسة الطب مع مساعدة المؤلف «جزآن»:
الجزء الأول: العلوم الطبيعية.
الجزء الثاني: في الكائنات الجوية. طبع سنة 1254، وأعيد طبعه سنة 1269.
علم النباتات . طبع سنة 1257.
محمد عصمت
وهو من نقلة العلم الرياضي إلى العربية، ولكنه امتاز بمعرفة اللغة التركية، وكان يترجم منها إلى العربية، وقد فعل ذلك بترجمة الأصول الهندسية الذي طبع ببولاق سنة 1255 بأمر أدهم باشا مدير عموم المهمات، وذلك أن الكتاب نقل أولا من الفرنسية إلى التركية، وتوفي في أواسط القرن، ومن مترجماته:
المقالة الأولية في الهندسة. طبع سنة 1252.
الأصول الهندسية من تأليف لوجندر. طبع سنة 1255 وأعيد طبعه سنة 1282.
مبادئ الهندسة من تأليف رفاعة بك، طبع سنة 1259.
قانون نامه في بيان ترتيب وتنظيم مدرسة المبتديان. ترجم من التركية إلى العربية.
محمد بيومي
هو من تلامذة البعثة العلمية الأولى، ولما عاد من فرنسا عين مدرسا بمدرسة المهندسخانة ببولاق، وكان أستاذا ومرجعا لكثير من نوابغ المهندسين المصريين، وصار كبير الأساتذة بمدرسة المهندسخانة في عهد نظارة لامبير بك. ثم انتقل من التدريس إلى قلم الترجمة بديوان المدارس، واشترك مع رفاعة بك رافع في العمل، واشتغل بترجمة الكتب في الفن الذي أتقنه، وعين في عهد عباس باشا مدرسا للحساب بالمدرسة الابتدائية بالخرطوم، وتوفي بها في منفاه سنة 1268 (1851) وهاك بعض ما ترجمه:
ثمرة الاكتساب في علم الحساب. ترجمه من الفرنسية. طبع سنة 1256.
كتاب الجبر والمقابلة. طبع سنة 1256.
ثمرة الاكتساب في علم الحساب. جزآن من مجلد واحد. طبع سنة 1263.
الهندسة الوصفية (مجلدان). طبع سنة 1263.
جامع الثمرات في حساب المثلثات. ترجم بأمر مدير المدارس، وهو يشمل على حساب المثلثات المستقيمة والكروية. طبع سنة 1264.
مثلثات مستوية وكروية. ترجمه بالاشتراك مع أحمد طاويل.
ميكانقية أي علم جر الأثقال، ترجمه بالاشتراك مع أحمد طاويل.
محمد عبد الفتاح
هو من خريجي البعثة الثالثة. عرفنا هذا الرجل بما نقله من المؤلفات الهامة إلى اللغة العربية في أيام محمد علي باشا، ولم نطلع على ترجمة لحياته، وتوفي في أواسط القرن التاسع عشر، وله من المترجمات:
نزهة المحافل في معرفة المفاصل من تأليف المعلم ريجو. طبع سنة 1257.
البهجة السنية في أعمار الحيوانات الأهلية. طبع سنة 1260.
مشكلة اللائذين في علم الأقرباذين، طبع سنة 1260.
المنحة لطالب قانون الصحة، طبع سنة 1262.
محمد هيبة
من خريجي البعثة الأولى ومن كبار الأطباء، وقد اشتغل بنقل الكتب إلى العربية، والتدريس بأبي زعبل، وتوفي في أواسط القرن التاسع عشر، وله من المترجمات:
كتاب طالع السعادة في فن الولادة. صححه أحمد حسن الرشيدي.
فيزيولوجيا، طبع سنة 1251.
إسعاف المرضى في علم منافع الأعضاء. طبع سنة 1252.
أوغوست سكاكيني
يقول زيدان: إنه من مترجمي مدرسة الطب، ويذكر من مترجماته كتاب اسمه: «العجالة الطبية فيما لا بد منه لحكماء الجهادية» من تأليف الدكتور كلوت بك، وله كتيب صار اليوم نادرا، وقد أصدره سنة 1837 باللغة الفرنسية عن المسألة الشرقية، وذكر فيه لقبه، وهو «مترجم الديوان العالي».
إبراهيم النبراوي (بك)
أرسله أهله إلى القاهرة ليبيع بطيخا، فخسرت تجارته، فخاف الرجوع إلى أهله فدخل الأزهر، واتفق احتياج محمد علي باشا إلى شبان يعملهم الطب. فتقدم النبراوي، ودخل مدرسة أبي زعبل، ومن ثم أرسل إلى باريس مع البعثة الأولى. فتزوج فرنسية، وترجم وهو بفرنسا مؤلفات كلوت بك، وتولى بعد ذلك تعليم الجراحة الكبرى في زمن كلوت بك، واختاره محمد علي باشا طبيبا خاصا له، ورقاه إلى رتبة أميرالاي، وانتخبه أيضا عباس باشا طبيبا له، ومن مترجماته:
مختصر يشتمل على نبذة في الفلسفة الطبيعية، ونبذة في التشريح العام، ونبذة في التشريح المرضي. طبع سنة 1253.
نبذة في أصول الفلسفة الطبيعية تشتمل علي ستة مباحث تأليف الدكتور كلوت بك طبع سنة 1253
الأربطة الجراحية. طبع سنة 1254.
أحمد حسن الرشيدي
كان من نوابغ خريجي مدرسة الطب المصرية والبعثات، ومن أركان النهضة الطبية العلمية بمؤلفاته ومترجماته، وهو أكثر علماء الطب ترجمة وتأليفا.
نشأ في الأزهر، ونقل منه إلى مدرسة الطب، وأتم علومه في فرنسا بين أعضاء البعثة الرابعة، ولما عاد إلى مصر عين معلما للطبيعة، وتمتاز مؤلفاته بالدقة إذ قلما كانت تفتقر إلى تصحيح وتحرير، ولما انتقلت الإمارة إلى عباس وسعيد وفترت الحركة العلمية لم يظهر فيها للرشيدي كتاب واحد، ويبلغ عدد مؤلفاته تسعة، أما مترجماته فهي:
الدراسة الأولية في الجغرافية الطبيعية تأليف فليكس لاميروس. طبع سنة 1254.
ضياء النيرين في مداواة العينين. ترجمه من كتاب الطبيب الجراح لورنس الإنجليزي، وزاد عليه مستحضرات. طبع سنة 1256.
طالع السعادة والإقبال في علم الولادة وأمراض النساء والأطفال. (جزآن) طبع سنة 1258.
نبذة لطيفة في تطعيم الجدري. طبع سنة 1259.
حسين غانم الرشيدي
من أعضاء البعثة الرابعة. كان قبل سفره إلى فرنسا من مصححي الكتب الطبية بمدرسة الطب، وأقام بفرنسا ثلاث عشرة سنة فأتقن علم الصيدلة، ثم عين أستاذا بمدرسة الطب، وكان يعده كلوت بك من نوابغ المبعوثين، ترجم كتاب الدر اللامع في النباتات وما فيه من المنافع للدكتور فيجري بك، وساعده في ترجمته محمد عمر التونسي.
عيسوي النحراوي
وهو من البعثة الرابعة، وكان أستاذ علم التشريح بمدرسة الطب، وترجم كتاب التشريح العام لكلار الفرنسي، وهو تلميذ في فرنسا (طبع سنة 1261) ولم يترك أثرا سوى هذا الكتاب.
مصطفى السبكي بك
هو من البعثة العلمية الرابعة، ومدرس الرمد بمدرسة الطب، ومن مشهوري أطباء العيون. توفي سنة 1844 (1259) واشترك في ترجمة الكتاب الفرنسي في المصطلحات الطبية والعلمية الذي أشار كلوت بك بترجمته. كما ترجم رسالة تطعيم الجدري لكلوت بك، واشتغل كثيرا بالتأليف.
أحمد فايد (باشا)
تعلم في المدارس المصرية، ثم أقام في فرنسا عشر سنوات يتلقى العلوم بمدارسها، وعين بعد عودته مدرسا للرياضيات والطبيعة والكيمياء بالمهندسخانة حتى صار وكيلا لها، وألف وترجم الكتب الكثيرة، ومن مترجماته:
الأقوال المرضية في علم بنية الكرة الأرضية. طبع سنة 1257.
تحرك السوائل من تأليف المهندس بلانجه. طبع سنة 1264.
الدرة السنية في الحسابات الهندسية (مجلدان). طبع سنة 1269.
أحمد طائل (أو طاويل)
تلقى العلم بمدارس مصر، وألحق بالبعثة المصرية، وعين إثر عودته من فرنسا بمدرسة المهندسخانة مساعد مدرس ومعيدا لدروس الأستاذ محمد بيومي إلى أن صار مدرسا للعلوم الميكانيكية، وأرسل إلى الخرطوم في عهد عباس باشا مع رفاعة بك وبيومي أفندي، وعاد من منفاه في عهد سعيد باشا حيث توفي بعد وصوله إلى بولاق بليلتين، واشترك مع محمد بيومي في ترجمة مؤلفين، وترجم كتابا اسمه «تركيب آلات».
محمد الشباسي
من أعضاء البعثة الرابعة، عين أستاذا للتشريح بمدرسة الطب ، وألف وترجم، ومما ترجمه: التنقيح الوحيد في التشريح الخاص الجديد، ترجمه من اللغة الفرنسية في ثلاثة أجزاء. طبع سنة 1266.
محمد الشافعي بك
من أعضاء البعثة الرابعة، ولما عاد من فرنسا عين أستاذا بمدرسة الطب، ثم ناظرا لها، وله في التأليف والترجمة ما نذكر منه:
أحسن الأغراض في التشخيص ومعالجة الأمراض. طبع سنة 1259.
الدر الفوال في معالجة أمراض الأطفال (أصله لكلوت بك) طبع سنة 1260.
كنوز الصحة ويواقيت المنحة. تأليف كلوت بك. أملاه باللغة الفرنسية على الدكتور محمد الشافعي فترجمه إلى اللغة العربية. طبع سنة 1271 (ثانية) وأعيد طبعه سنة 1302.
إبراهيم رمضان
عاد من فرنسا قبل أن يتم دروسه، وعين معيدا مدرسا لمظهر باشا، ثم عين مدرسا بالمهندسخانة، ومما ترجمه:
القانون الرياضي في فن تخطيط الأراضي (أربعة أجزاء في مجلد واحد) طبع سنة 1260.
اللآلئ البهية في الهندسة الوصفية طبع سنة 1261.
أحمد دقله (بك)
نشأ في مدارس مصر، وأرسل مع طلبة البعثة الثانية، وتخصص في العلوم الرياضية، وكان معيدا للأستاذ بيومي، ثم عين مدرسا لعلوم الجبر وهندسة الري والقناطر والجسور، ثم وكيلا للمدرسة، وله من المترجمات:
رضاب الغانيات في حساب المثلثات. طبع سنة 1259.
إيدروليك، أي علم حركة وموازنة المياه.
عبد الله بن حسين
خريج مدرسة الألسن المصرية. ترجم «تاريخ الفلاسفة اليونانيين» وهو مختصر في ترجمة المشهورين من قدماء الفلاسفة. طبع سنة 1252.
الأب روفائيل دي موناكيس
أجملنا سيرته في عهد الحملة الفرنسية، ونضيف إليها الآن أنه عاد إلى مصر في عهد محمد علي باشا، والتحق التحاقا غير رسمي بقلم الترجمة بالمعية السنية. ثم كلفه الوالي إنشاء مطبعة بولاق، فتولى نظارتها، وواصل العمل فيها حتى سنة 1831 حيث توفي، ومن مترجماته في هذا العهد:
قاموس عربي طلياني طبع سنة 1238.
Dizionario Italiano e Arabo, che contiene in succinto tutti i vocaboli che sono più in sùo e piu necessari per imparar a parlare le due lingue corettamenti .
قانون الصباغة للمؤلف
Macquer «ماكير» طبع سنة 1238 (طبعة ثانية سنة 1251).
الأمير في علم التاريخ والسياسة والتدبير. تأليف ماكيافيلي. ترجمه من الإيطالية بأمر محمد علي باشا (مخطوط مودع دار الكتب المصرية).
محمد الشيمي
خريج مدرسة الألسن ومحاسب ومترجم بالسكك الحديدية. ترجم:
إفاضة الأذهان في رياضة الصبيان . ترجمها من الفرنسية، ورتبها على مقالتين؛ الأولى: في الحساب، والثانية: في الهندسة. طبع سنة 1259.
كشف النقاب عن علم الحساب. طبع سنة 1266، وأعيد طبعه سنة 1289 مذيلا بجدول اللوغاريتمات، ذي الخمسة أرقام.
مصطفى سيد أحمد الزرابي
المترجم بمدرسة الألسن، ترجم:
بداية القدما وهداية الحكما.
قوة النفوس والعيون بسير ما توسط من القرون، ترجمه من الفرنسية (تكملة لتاريخ القدماء الذي طبع في مصر). مجلدان. طبع سنة 1262.
حسن قاسم
مدرس ومترجم بمدرسة الألسن، ترجم «تاريخ ملوك فرنسا» تأليف المسيو مونيفورس هذبه رفاعة بك، وهو مرتب على سؤال وجواب. طبع سنة 1264.
حسن أفندي
كاتب بديوان محمد علي باشا (انظر السيد عبد الله عزيز).
السيد عبد الله عزيز
ترجم كتاب تاريخ دولة إيطاليا في بيان الاحتلال الواقع في الممالك الأوروبية بظهور نابليون بونابارته. ترجمه بمساعدة حسن أفندي. طبع سنة 1249.
علي جيزه
له: الخواجه بالمدارس المصرية، له من المترجمات:
إفاضة الأذهان في رياضة الصبيان. ترجم من التركية إلى العربية. طبع سنة 1259.
علم الحساب. ترجم من التركية إلى العربية. طبع سنة 1276.
سعد نعام
له من المترجمات: رسالة في بيان حدود وأحوال وكيفية أهالي أفريقيا. تأليف هنري مركام. ترجم من الفرنسية إلى العربية.
رسالة في بيان حدود وأحوال وكيفية أهالي أفريقيا. تأليف هنري مركام. ترجم من العربية إلى التركية بمعرفة عبد الله العنتابي.
مصطفى رسمي الجركسي
ترجم: تربية الأطفال. تأليف الدكتور كلوت بك. طبع سنة 1260.
كنوز الصحة. تأليف الدكتور كلوت بك. طبع سنة 1261.
رستم بسيم العرضحالجي
بالدائرة السنية. ترجم: «سفارة رفاعة بك، أو سياحة نامة المعروفة برحلة رفاعة بك» طبع سنة 1255.
محمد عطا الله الشهير بشافي زاده
ترجم: «قوانين العساكر الجهادية» من الفرنسية إلى اللغة التركية. طبع سنة 1238.
رمضان عبد القادر «قانون السفرية» ترجمه من الفرنسية. طبع سنة 1259.
المسيو هرقل
قانون القباض والصيارف في الحكومة المصرية. طبع سنة 1244.
محمود أحمد
حساب التمام والتفاضل. ترجم من الفرنسية.
خليل محمود
كنز البراعة في مبادئ فن الفلسفة. طبع سنة 1254.
نور بن مصطفى الرومي المعروف بوجدي
ترجم من التركية إلى العربية كتاب الملل والنحل تأليف محمد بن عبد الكريم المعروف بالشهرستاني. طبع سنة 1262.
أبو راشد إبراهيم عاطف
ترجم من التركية إلى العربية رسالة في بيان أوصاف نهر النيل المبارك ومنبعه وعجائبه وغرائبه. طبع سنة 1222.
بيومي أفندي
ترجم الهندسة الوصفية. طبع سنة 1252.
يعقوب أفندي
ترجم كتاب أقراباذين، أو رسالة تحضير الأدوية. طبع سنة 1252.
وفيما يلي هذا بعض الكتب المترجمة التي لم تذكر أسماء مترجميها، وقد ورد ذكرها في الكشف الذي نشرته المجلة الآسيوية الفرنسية، أو في فهرس دار الكتب، أو في الكشف الذي نشره الدكتور كلوت بك باللغة الفرنسية في ذيل كتابه المسمى: تقرير عن حالة التعليم الطبي ومصلحة الصحة المدنية والعسكرية في مصر في أوائل شهر مارس سنة 1849.
Compte-Rendu de l’état de l’enseignement médical et du Service de sante civil et militaire de l’Egypte au commencement de Mars 1849.
كتاب تاريخ نابليون بونابرته. نقل من ال
Mémorial de Ste. Helene «الميموريال» وترجم من اللغة الفرنسية إلى اللغة التركية. طبع سنة 1247 «طبعة أخرى سنة 1260».
القانون الثاني في درس العسكري طبع سنة 1239.
تاريخ بونابرته. ترجمة الجزء الأول من ذكريات «الدوق دي روفيجو» إلى اللغة العربية. طبع سنة 1249.
في أصول العلوم الطبية، تأليف الدكتور فرنسوا ڨاكا من مدينة بيزا (جزآن) طبع سنة 1232.
تنبيه فيما يخص الطاعون، تأليف الدكتور كلوت بك. كتيب باللغة العربية، طبع سنة 1250.
رسالة في علاج الجرب. تأليف الدكتور كلوت بك. كتيب باللغة العربية، طبع سنة 1251.
تطعيم الجدري، تأليف الدكتور كلوت بك. طبع سنة 1252.
الترجمان
L’Interpréte
قاموس عربي تركي، طبع سنة 1253.
ومن المترجمات الرسمية في هذا العصر:
اللوائح المتعلقة بخدمات المستخدمين ومتعلقاتها بالحكومة المصرية، ومعها ترجمتها باللغة العربية، طبع سنة 1260.
قانون نامه في بيان عملية الترع والجسور بالأقاليم المصرية، ومعها ترجمتها باللغة العربية.
القوانين في بيان ترتيب المواد السائر أعراضها من ديوان الإرادات، وبيان المواد التي كان سائر أعراضها من الخزينة عن المصالح المتحالة إلى الديوان المذكور، مع ترجمتها باللغة العربية، طبع سنة 1265.
لائحة نظام المصالح، ومعها ترجمة باللغة العربية. طبع سنة 1253.
قانون فيما يتعلق بالزراعة (وفي أوله ترجمة باللغة التركية) طبع سنة 1265.
لائحة في بيان وضع صيارفة المستخدمين في الحكومة المصرية على أصول مستحسنة، ومعها ترجمة باللغة العربية. طبع سنة 1260.
قانون نامة في بيان قصاص الكورنتينا والنظامة، ومعه ترجمة باللغة العربية، طبع سنة 1260.
لائحة في بيان خصوص الأوراق تتعلق برؤية المصالح الخيرية ودعاوى الرعية على اللايق، ومعها ترجمتها العربية. طبع سنة 1259.
لائحة، وهي ذيل سياسة نامة في ترتيب جزاءات المستخدمين ومعها ترجمتها.
هوامش
عباس باشا
لم يتعد اهتمام المؤرخين حتى الآن عصري محمد علي باشا والخديو إسماعيل. أما فيما يختص بعصري عباس باشا وسعيد: فقد اقتصروا على تسجيل الآراء التي اتفق عليها جل الكتاب، وهي أن عصر عباس باشا كان عصر الرجعية والاضمحلال على حين كان عصر سعيد باشا ممهد الطريق لإصلاحات إسماعيل، وبشيرا جديدا بالنهضة المصرية.
ولكنا إذا قصرنا اهتمامنا على موضوع التعليم والترجمة يظهر لنا أن من الصعب أن نحدد لعباس باشا سياسة مستقرة، فإن سياسته كانت تتطور على حسب الظروف، وعلى حسب هواه الشخصي، ولما تبوأ هذا الوالي عرش مصر كان جده المعظم مريضا فخشي إجراء أي تعديل جوهري في نظم الدولة وأسسها إلى أن توفي محمد علي باشا الكبير، وعندئذ قام بتعديلات واسعة النطاق في بناء الدولة شملت جميع نواحي النشاط، ومن بين الإجراءات التي اتخذها: إلغاء بعض المدارس كمدرسة الطب والهندسة والألسن وإعادة البعوث تدريجيا من باريس. «ففي ختام سنة 1264 أي منذ توليته مباشرة استحسن عودة سبعة وثلاثين منهم من بين الأمراء عبد الحليم وأحمد بك وإسماعيل بك، ثم تبع ذلك طلب عودة ثمانية من البعوث في غضون سنة 1265 ومن بينهم علي مبارك (باشا)،
1
وفي ختام سنة 1266 أبطل المكتب الذي خصصه العزيز ساكن الجنان محمد علي باشا للتلامذة في بلاد أوروبا، وأبطلت الرسالة المصرية، ومن بقي هناك في المدارس الفرنسية تحت نظاراتهم بمصروفات على الميري.»
2
وظلت مدرسة الألسن تؤدي رسالتها حتى سنة 1267، وفي هذا التاريخ ألغاها الوالي، وكان رفاعة بك قد تولى نظارتها نحو 25 سنة، وربما يرجع سبب إلغاء هذه المدرسة إلى حقد الوالي على ناظرها إذ نفاه إلى الخرطوم؛ ليتولى نظارة مدرسة ابتدائية لم تؤسس إلا بعد قدومه إلى عاصمة السودان.
أما قلم الترجمة الذي أنشأه محمد علي باشا، وألحقه بمدرسة الألسن: فقد أدخل عباس عليه بعض التعديلات، وقد صدرت إرادة إلى ديوان مصر الملكي بتاريخ 18 ذي القعدة سنة 1264
3
فحواها: «اطلعت على القرار الصادر في 14 من ذي القعدة سنة 1264 الخاص بقلم الترجمة المزمع تأسيسه من أجل الكتب المراد ترجتمها من اللغة الفرنسية إلى اللغة التركية تمهيدا لطبعها ونشرها، ووافقت رغبتي تنفيذه، فينبغي أن تصرفوا همتكم في إجراء الأمور التي جاءت في ذلك القرار طبق ما بسط فيه، وأن ترسلوا صورة منه إلى كل من أدهم بك مدير ديوان المدارس، وكاني بك؛ ليكونا على بصيرة، ويتخذا الإجراءات اللازمة في الأمور التي يجب تنفيذها.»
وهذا نص قرار المجلس: «بما أن ترجمة الكتب التي تشتمل على القوانين والمشروعات والتواريخ والآداب وسائر العلوم والفنون النافعة، ونقلها من اللغة الفرنسية إلى اللغة التركية، ثم طبعها ونشرها تؤدي إلى وفرة المعلومات اللازمة وزيادتها، كان من الواجب أن تنظم هذه المهمة (مهمة الترجمة) تنظيما حسنا، ورؤي أن يؤسس قلم ترجمة تحت إدارة وإشراف حضرة كاني بك لما له من الألفة والخبرة بأمر الترجمة منذ أمد بعيد، فتقرر إلحاق الأفندية المترجمين الموجودين بمدرسة الترجمة الواقعة بالقلعة بمعية سعادته، ونقل المعاون زكي أفندي القائم بتفتيشها إلى القلم المذكور وقيد المترجم ميناس أفندي الذي بات خالي عمل في ذلك القلم برتبته القديمة، ونقل آلتون أفندي إليه أيضا لمناسبة مهمة الوقائع الذي بعهدته بهذا القلم؛ إذ إنها ليست إلا الترجمة، وتعيين مبيض واحد لكي لا يشغل التبييض المترجمين، ويضيع عليهم أوقاتهم، واختيار نفر من بين مترجمي قلم الترجمة التابع لديوان المدارس من القادرين على الترجمة من اللغة الفرنسية إلى اللغة العربية ممن هم جديرون بالالتحاق إلى القلم الجديد على أن يكون تحت إشراف رفاعة بك، وينقلون معه جميعا إلى القلم الجديد؛ إذ إن الغرض من تأسيسه هو حصر مهمة الترجمة في مكان واحد يمكن إدارتها والإشراف عليها على الوجه اللائق، ولما كانت الكتب المراد ترجمتها لا تترجم كيف ما اتفق؛ بل يتعين بعد ذلك ما كان منها جديرا بالطبع بتصويب من الخبراء الذين يجتمعون لهذا الغرض فيقدم إليهم حضرة كاني بك قائمة الكتب المراد ترجمتها، فيفحصونها، ثم يشرع في ترجمة وطبع ما يختارون منها، ومن أجل ذلك، اتخذ المجلس قرارا بأن يكتب إلى البك المشار إليه (كاني بك) فيبلغ وظيفته الجديدة، ويوصي ببذل جهد طاقته في تنشئة الأفندية الذين سيلحقون بمعيته في أمر الترجمة، ويقوم بهذه المهمة أحسن القيام، وإلى ديوان المدارس ينقل قلم الترجمة العربية التي يديرها رفاعة بك، وكذلك مهمة الوقائع إلى قلم الترجمة الذي سيؤسس حديثا كما تقدم، وإلى ديوان الخديوي بقيد ميناس أفندي وتسوية لوازم القلم المذكور وتنظيمه؛ إذ إن مقره سيكون في القلعة كما كان في الأول، وأن على البك المشار إليه أن يخبر المجلس كلما عثر بعد ذلك على أشخاص مقتدرين على الترجمة في الأطراف والأكتاف عدا الأفندية الذين سلف ذكرهم.»
4
وفي 14 محرم سنة 1265.
5
صدرت الموافقة السنية على قرار جديد لمجلس المدارس خاص بقلم الترجمة ومنطوقه - «لما كان المقصود أصليا من جمع المترجمين الأتراك في محل واحد هو ترجمة الكتب من اللغة الفرنسية إلى اللغة التركية مثلما تترجم من اللغة الفرنسية إلى اللغة العربية، وكذلك نقل الكتب التي ترجمت إلى اللغة العربية في مدرسة رفاعة بك وترجمتها إلى اللغة التركية بمعرفة مترجمي اللغة التركية؛ ليزيد عدد الكتب المترجمة إلى اللغة التركية فيقرؤها كل واحد وينتفع بها، فقد سبق أن شرع في تأسيس غرفة ترجمة حديثة بهذه المناسبة، وإلحاق مترجمي اللغتين العربية والتركية بمعية حضرة كاني بك لتحقيق هذا الغرض على الوجه اللائق، ثم اقترح إلحاق غرفة الترجمة العربية التي تحت إشراف رفاعة بك بتلك الغرفة مع البك المشار إليه، ونقل ملازم الوقائع مع المطبعة، وإلحاقه بغرفة الترجمة؛ إذ إنها لا تخرج غالبا عن الترجمتين التركية والعربية، وذلك لتسهيل الطبع والتصحيح. إلا أن المجلس رأى لما تدعو إليه الضرورة إبقاء رفاعة بك في مدرسته يتولى شيئا من الترجمة، ولما كان قلم الترجمة فرعا من فروع المدارس فقد تقرر نقل قلم الترجمة الحديث إلى ديوان المدارس.»
ومما يلاحظ في هذين الأمرين: أن مجلس المدارس كان يغفل وجود مدرسة الألسن، ولا يلقي بالا للمتخرجين الجدد فيها، كما أنه لم يذكر اسم رفاعة بك بوصفه مدير مدرسة الألسن، وقد ألغى عباس باشا قلم الترجمة الجديد مع مدرسة الألسن.
وقال أمين سامي باشا: «إنه بالرغم من إلغاء مدرسة الألسن استمرت ترجمة الكتب وطبعها ملحوظة بالعناية التي كانت ملحوظة في السابق»، ولسنا ندري ما هو العامل الذي دفع المترجمين إلى الاستمرار في ترجمة الكتب - وهم محتاجون إلى التشجيع الأدبي والعون المادي - في الوقت الذي أغلقت فيه المدارس وقلم الترجمة توفيرا لمال الدولة.
حقا إن عباس باشا في السنة نفسها التي ألغى فيها مدرسة الألسن أوفد إلى حواضر أوروبا 19 طالبا ليتلقوا الفنون المختلفة، وربما كان يقصد من ذلك التخلص من منشئات محمد علي باشا بسبب تكاليفها الثقيلة، على أن يعاد بعضها بعد فترة مراعاة للاقتصاد. هذا فيما يختص بالتعليم. أما الترجمة: فبعد أن أغلق عباس المدارس وقلم الترجمة وزع المترجمين على مختلف الوزارات، وكلفهم الأعمال الإدارية.
لذلك يمكننا القول: إنه لم يكن لترجمة الكتب المدرسية في هذا العهد أثر حتى إن رئيس المترجمين الشيخ رفاعة بك لم يترجم في عصر عباس إلا كتابا واحدا على حين ترجم في العصر السابق عشرات الكتب وصحح عشرات أخرى.
ولما كانت علاقات عباس باشا بالأجانب محدودة جدا، وكانت سياسته العامة ترمي إلى الاقتصاد بجهد الإمكان، أخذ يستغني عن عدد كبير من موظفيه الأجانب، إلا أن اعتزازه بصداقة الإنجليز حملته على تكريم السياح بصفة عامة والإنجليز بصفة خاصة، والسهر على سلامتهم ورفاهيتهم، وقد عين لهم في بندر السويس محافظا له دراية باللغات الأجنبية، كما يتضح ذلك من الإرادة المرسلة إلى الأميرالاي حمدي بك ومنطوقها: «إنه بالنسبة لجسامة بندر السويس واتساعه يوما فيوما، وبالنسبة أيضا لمرور السياح الإفرنج عليه وخصوصا الإنجليز، فلهذا السبب صار من المحتم وجود أحد الذوات من الملمين باللغة بهذا البندر لمقابلة السياح الأجانب، والترحيب بهم، وتحيتهم بما يليق بهم أثناء مرورهم على تلك المدينة، وبالنسبة لمعرفتكم اللغة ولما هو مشهود فيكم من حسن الأداء في إنفاذ كل ما عهد إليكم فقد عيناكم محافظا للبندر المذكور.»
6
هوامش
سعيد باشا
كانت تصرفات سعيد باشا ترمي في ظاهرها إلى إحياء المدنية التي نشرها محمد علي باشا، والتي حاول عباس باشا القضاء عليها، ولكنها كانت تعمل على عكس ذلك؛ فمثلا فيما يختص بالتعليم والمدارس لم يوجه سعيد باشا عنايته إلى إحياء النهضة العلمية حتى «إنه قال ذات يوم لكونج بك مربيه السويسري الذي أصبح سريره الخاص بعد ما تولى العرش، وكان يحضه على فتح المدارس التي أقفلها عباس باشا، لم نعلم الشعب؟ لكي يصبح الحكم عليه والتصرف فيه أعسر مما هو عليه؟ دعهم في جهلهم، فالأمة الجاهلة أسلس قيادا في يدي حاكمها.»
1
حقا إن عباس باشا أمر بإقفال جميع المدارس لكنه أبقى مدرسة واحدة هي مدرسة المفروزة، وفكر فيما بعد في إعادة فتح بعض المدارس العليا على أسس جديدة إلا أنه احتفظ بديوان المدارس. أما سعيد باشا فإنه ألغى ديوان المدارس في السنة التي تولى الحكم فيها أي سنة 1854، كما ألغى المهندسخانة، وأرسل مديرها علي باشا مبارك مع الحملة التي أرسلها لمساعدة تركيا في حرب القرم، وفي السنة التالية ألغى مدرسة المفروزة ومدرسة الطب بقصر العيني. ثم في سنة 1856 قرر فتح مدرسة الطب والولادة فاستدعى الدكتور كلوت بك من فرنسا وأسند إليه إدارة هذه المدرسة، وفي سنة 1858 أعاد فتح مدرسة المهندسخانة، ونقلها إلى القلعة السعيدية تحت إدارة موجيل بك الذي عهد إليه أيضا في الأعمال الخاصة بالقناطر، وكذلك أنشأ مدرسة صغيرة للبحرية بالإسكندرية ومدرسة حربية بالقلعة.
وإذا استثنينا هاتين المدرستين الأخيرتين التي اهتم بهما سعيد باشا بعض الاهتمام نلاحظ أولا: أنه لم يفكر مطلقا في إعادة تنظيم ديوان المدارس مما يدل على إصراره على عدم تنشيط التعليم في البلاد، كما أنه لم ير ضرورة لإعادة إنشاء مدرسة الألسن، وهي التي كانت تمد المدارس بالمترجمين والكتب المترجمة اللازمة للتدريس، ونلاحظ ثانيا: أن الوالي اكتفى بتفح مدرستي الهندسة والطب مما يدعونا إلى الاعتقاد بأن ميله الكثير إلى الغربيين هو الذي دفعه إلى إنصاف موظفين خدما البلاد بإخلاص في عصر محمد علي باشا، وأصيبا ببعض الأذى من جراء تطهير المصالح الحكومية من العنصر الأجنبي في العهد السابق، وهما كلوت بك وموجيل بك.
وبرغم جمود حركة التعليم إلى هذا الحد، فإنه لم يبخل على البعثات الأجنبية الدينية بمساعداته في فتح مدارسها، ومن متناقضاته: عنايته بنشر التعليم الأجنبي أكثر من عنايته بنشر التعليم الأهلي.
وماذا كان نصيب الترجمة في هذا العصر؟ أما فيما يختص بالتأليف: فقد رأينا سعيد باشا يمد بالمعونة المالية الأستاذ «بروكش» الذي شرع في الكتابة عن تاريخ مصر القديم والحديث. كما أنه أمر بطبع كتاب لعلي بك مبارك، ويتبين ذلك من الإرادة الصادرة لناظر المالية راغب باشا بتاريخ جمادى الأخرى سنة 1277 وفحواها: «قد أطلعنا على المسمى تقريب الهندسة الذي ألفه وحرره علي بك مبارك المهندس العسكري بمعيتنا؛ لتسهيل وتقريب فن الهندسة لأذهان المبتدئين، وحيث إنه في الواقع مؤلف مختصر مفيد في فن الهندسة فبناء عليه قد اقتضت إرادتنا طبع خمسمائة نسخة منه في مطبعة الحجر التي بمطبعة بولاق، وحيث إن الكتاب المذكور سيرسل إليكم من طرف الأميرالاي المومى إليه، فبناء عليه يجب إجراء تصليح وتصحيح عباراته بمعرفة صالح مجدي أفندي مترجم الكتب العسكرية، ويجب أيضا المبادرة بطبع النسخ المار ذكرها، وإرسالها إلى هذا الجانب؛ لتوزيعها على ضباط العساكر، وقد حررنا لكم هذا لاتباعه.
2
ولكنا لم نعثر على أي أمر لسعيد باشا يتضمن تشجيع ترجمة الكتب المدرسية أو المؤلفات القيمة، ولعله رأى أنه ليس من الضروري تزويد المدارس التي أعاد إنشاءها بالكتب الجديدة، والاكتفاء بما ترجم في عهد جده العظيم. ثم إنه استدعى من الخرطوم الشيخ رفاعة، فلم يشغله بأعمال الترجمة؛ بل عينه ناظرا للمدرسة الحربية. (1) إصلاح النظم القضائية وتنشيط حركة الترجمة
من الخطأ أن نظن أن حركة الترجمة توقفت توقفا تاما في هذا العصر، فقد كان اعتزام سعيد إصلاح النظم القضائية من الدواعي التي جعلت للترجمة شأنا عظيما ، وهذه الإصلاحات كانت نوعين؛ الأول: يرمي إلى استعمال اللغة العربية في القضايا، والثاني: يرمي إلى إنشاء أقلام إفرنجية في الدواوين بالقاهرة والإسكندرية؛ لترجمة المكاتبات الواردة من قناصل الدول، والخاصة بشئون القضايا. (1-1) استعمال اللغة العربية في القضايا
الغرض من ذلك يفسره الأمر العالي الصادر إلى مجلس الأحكام بتاريخ 4 ذي القعدة سنة 1274 ومنطوقه: «إن الجاري - والحالة هذه بالدواوين وسائر الجهات - في خصوص المخاطبات المتعلقة بالقضايا وإدارة المصالح البعض تركي والبعض عربي، ومن أجل ذلك حصل تداخل الأشغال في بعضها، ويمكن إذا كانت مادة فيما ذكر لا يتمكن صاحبها من نهوها بالعربي كما يرغب يتحايل على إجعالها تركي بالكيفية التي يتصور له بها نهوها، وربما يبقى على ذلك حكم مخالف للصادر أولا، وإن كانت قضية تركي لا تمت حسب مرغوب صاحبها يبذل جهده في استمالتها إلى العربي، ويمكن أن يحصل فيها بعكس ما حصل أولا بالتركي، ويترتب من هذا وهذا وقوع مخالفات ومغايرات، وإن سئل الكاتب العربي أو التركي عن السوابق يحيلون على بعض استنادا على عدم المعلومية بما هو جار بالقلم الآخر، وبما أنه يجب تمشية المصالح على طريقة واحدة لمنع حصول ما يماثل ذلك؛ إذ إنه من المعلوم أن معظم أشغال هذه الديار ومصالحها إنما تنتهي بالعربي، فاقتضت إرادتنا أن كافة المخاطبات التي تجري فيما يتعلق بالحسابات أو القضايا أو إدارة المصالح تكون عربية سواء ما كان متبادلا بين المديريات والدواوين أو ما يلزم عرضه (مما هو خارج عن اختصاص) للجهات. هذا والجهات المرتب لها كتبة تركي يبقى فيها كاتب واحد لتحرير بعض الأمور الضرورية التي لا بد من كتابتها بالتركي، وحيث لا بد من وجود أوراق قضايا تركي في اليد أو مواد موقوفة لورود ردها من جهات أو إفادات سبق تحريرها عن أشياء ومنتظر ورود أجوبتها، ومن مقتضى النظر في ذلك فقد تعلقت إرادتنا أنه من الآن تحصل المباشرة في الكتابة بالعربي كما ذكر، والمتأخر المنوه عنه آنفا وأمثاله يجري اللازم لنهوه بوجود كتاب التركي المخصصين من الأول مع الاهتمام في نهوه سواء بالبت في القضايا اللازم رؤيتها، أو الإسراع في نهو الموقوف، وتسديد الدفاتر، وترجمة ما يلزم ترجمته إلى اللغة العربية، وقد تحدد ميعاد لذلك لغاية توتي سنة 1274 أي أن الكتاب التركي لا يصير رفتهم الآن؛ بل يبقون في الخدمة لغاية التاريخ المذكور على أن لا يبقى مواد متأخرة من هذا الميعاد، ومن ابتدى توتى سنة 1275 يصير إبقاء كاتب تركي واحد في كل جهة من الجهات، وقد صدرت الأوامر إلى المديريات والدواوين بالأجرى على هذا الوجه فيلزم الأجرى بموجبه وبطرفكم أيضا، ولما أن المجلس جاري به رؤية القضايا، وبعد تحرير خلاصتها من العربي يصير ترجمتها تركي، وعند وصولها إلى الجهة يلتزم ترجمتها بالعربي ثانيا، وفي هذا تكرار وزيادة عمل بلا اقتضى، فمن الآن كافة الخلاصات والمخاطبات التابعة لها تحرر بالعربي كما توضح، وإذا كان بالمجلس من لا يعرف اللغة العربية يعرض عنه لطرفنا لأجل استبداله، وبناء عليه أصدرنا أمرنا هذا إليكم للأجرى كما فيه حسب ما تعلقت به إرداتنا.» (1-2) إنشاء الأقلام الإفرنجية
بقيت محاكم التجارة التي أنشئت في عهد محمد علي قائمة إلى عهد سعيد، وهي المسماة: «مجالس التجار» في الإسكندرية والقاهرة، وكانت المحافظات والضبطيات تنظر في المشكلات الخاصة بالأجانب مما أدى إلى إنشاء «أقلام خاصة بالأمور الإفرنكية» في القاهرة والإسكندرية، وتبين لنا الإرادة الصادرة لمحافظة الإسكندرية في 11 ذي الحجة سنة 1273 الفائدة المرجوة من هذه الأقلام فيما يأتي: «حيث إنه غير موجود في ديوان محافظة الإسكندرية قلم خاص بالأمور الإفرنجية مثل الأقلام الموجودة في دواوين ضبطية مصر ومحافظتها، وحيث من مقتضى دواعي المخاطبات من جانب القناصل بشئون القضايا الجسيمة المتعلقة بالأوروبيين أن تمر في الأقلام العربية والتركية، وتختلط بالمصالح السائرة، وهذا يترتب عليه عدم رؤيتها وتسويتها على الأسلوب اللائق، فبناء عليه ولتنظيم رابطة المصالح ومتانتها وإحكامها كما ورد في كتابكم المؤرخ 29 شعبان سنة 1273 رقم 113 يجب أن تبادروا بإنشاء قلم إفرنكي، وتعيين ناظرا له من أرباب الاستقامة، ويكون واقفا على اللغة الفرنسية والعربية، واثنين من الكتبة لهما إلمام باللغة العربية ، وإفهامهما ضرورة السعي والإقدام إلى إتمام وإنهاء المصالح الواقفة في قلمهما بغاية الدقة والعناية. فلذلك حررنا لكم هذا لاتباعه.»
3
هوامش
الخديو إسماعيل
لن نقتصر في دراستنا لعصر إسماعيل على إظهار أوجه الشبه بين حركة الترجمة في هذا العصر وعصر محمد علي باشا، بل سنبين أيضا الجديد في خطة الحكومة وأغراضها. (1) بين الوالي والخديو
ذكرنا من قبل أن محمد علي باشا كان يستعمل اللغة التركية دون سواها، وأشرنا إلى حاجته إلى المترجمين والكتب المترجمة، وبالرغم من التدابير التي اتخذها في هذا السبيل فقد شعر بنقص من جراء عدم معرفته اللغات الأوروبية في وقت يسيطر فيه النفوذ الغربي على العالم المتمدن، وحاول إزالة هذا العجز في تربية أحفدته. فعلمهم لغة أوروبية علاوة على اللغتين التركية والعربية، وأرسل بعضهم إلى أوروبا مع أعضاء البعثات؛ ليختلطوا بالغرب، ويألفوا عقلية الغربيين وعاداتهم.
ولما أصيب الخديو إسماعيل في الرابعة عشرة من عمره برمد صديدي أرسل إلى فيينا ليعالج فيها، ويربى في الوقت نفسه تربية أوروبية، وقضى هناك عامين تحسنت صحته فيها فأمر جده بانتقاله إلى المدرسة المصرية بباريس؛ فأتقن إسماعيل هناك اللغة الفرنسية إتقانا تاما.
ولما تبوأ عرش مصر ساعده تعليمه ورحلته إلى بلاد الغرب واطلاعه على مدنيتها على أن يحكم البلاد حكما مطلقا يتولى فيه تصريف شئون الدولة، ويشرف بنفسه على جميع الأمور التي ترفع إليه، ويتصل مباشرة بجميع طبقات الأمة دون اللجوء إلى المترجمين. ثم إن بصره باللغة العربية مكنه من تعميم استعمالها، وجعلها لغة البلاد الرسمية بدلا من اللغة التركية. فبتاريخ 6 شوال 1286 (1870) أصدر أمره إلى نظارة الداخلية «بأن المكاتبات التي تتداول من الآن فصاعدا بكافة الدواوين والمصالح الأميرية التي بداخل جهات الحكومة تكون باللغة العربية»
1
وقد كان لهذا القرار مغزى سياسي، كما أنه أحدث تأثيرا عميقا من الوجهتين الأدبية والاجتماعية، وأكسب المصالح والدواوين الوقت الذي كان يصرف في ترجمة الرسائل والتقارير التركية، كما أتاح لطلبة المدارس الفرصة لإتقان اللغات الأوروبية؛ لأن معرفة تلك اللغات أصبحت تفتح في وجههم منافذ مختلفة كمكاتب البريد وفروع مصلحة السكة الحديدية والمحاكم المختلطة والمحال التجارية ووظائف المترجمين في القنصليات الأجنبية والمصارف، وجميع ما أنشأه الأجانب، أو تولوا إدارته في هذا العهد. (2) الترجمة وتعليم اللغات الأجنبية في المدارس (2-1) حالة التعليم في أوائل عصر إسماعيل
لم يكن في سنة 1279 (1863) في القطر المصري من مدارس سوى مدرسة ابتدائية ومدرسة تجهيزية ومدرسة الطب والصيدلية والولادة والمدرسة الحربية، وكانت جميعا في حالة سيئة من حيث كيانها ونظامها والتعليم والتربية فيها، وبالإيجاز لم يكن في الفترة ما بين سنة 1848 وسنة 1863 كثير من المصريين ذوي الكفاية للقيام بأعباء التعليم. مما اضطر إسماعيل طوعا أو كرها إلى الاستعانة برجال العصر القديم. فقد ولاهم المناصب العليا؛ فوكل إلى أدهم باشا وزارة المعارف، وإلى علي باشا مبارك إدارة مدرسة المهندسخانة، أما رفاعة بك فلم يعد إلى رياسة مدرسة الألسن التي انضمت إلى مدرسة الإدارة، ولكنه عين مديرا لقلم الترجمة بوزارة المعارف، وعضوا بديوان المدارس.
وليس المجال ذا سعة للتعليق على ما أدخله إسماعيل من تعديل وتوسيع في نظم التعليم، وإننا لنقتصر على بسط الإجراءات التي اتخذت في سبيل نشر العلم، والتي لها صلة مباشرة بحركة الترجمة في هذا العصر (وسنبسط الحديث فيما بعد عن المدارس التي اهتمت بوجه خاص بتعليم اللغات لخدمة الترجمة.)
أما هذه الإجراءات فهي: (1)
أصبح من أهم أغراض التعليم في عصر إسماعيل تدريس اللغات الأوروبية.
2 (2)
عدل الخديو عن إعادة مدرسة الألسن مدرسة مستقلة فأدمجها في مدرسة الإدارة التي صارت فيما بعد مدرسة الحقوق، ومما هو جدير بالذكر أن إسماعيل لم يصدر أمرا كتابيا بإعادة مدرسة الألسن؛ بل اكتفى بإصدار أمر شفوي كما يتضح من الرسالة المبعوثة إلى كتاب الحسابات بتاريخ 13 صفر سنة 1284
3
ومنطوقها: «إنه بناء على الإرادة الشفهية الصادرة إلينا عن تشكيل مدرسة ألسن وإدارة ملكية مركبة من ثلاثين تلميذا بمصر.» هذا ولم يتخرج منها ما خرجته مدرسة الألسن في عهد محمد علي من حيث العدد والكفايات. (3)
إن معظم المترجمين الذين استخدمتهم الحكومة في أوائل عهد إسماعيل تخرجوا في مدرسة الألسن التي أنشأها محمد علي باشا. (4)
قبل إنشاء مدرسة الألسن والإدارة كان يجري تمرين التلامذة في بعض المدارس العليا على أعمال الترجمة، كما يتضح ذلك من الرسالة المؤرخة 3 جمادى الثانية سنة 1283 إلى الرصدخانة والمهندسخانة
4 «كتب الخوجة الفرنساوي بأن تلامذة الفرقة الثالثة صاروا متقدمين، ومرغوب تمرينهم في التراجم من اللغة المذكورة إلى اللغة العربية، وأن الترجمة تحتاج لاستعمال قواميس. فطلب عشرة قواميس بقطر (إلياس بقطر) وقاموس كازيمرسكي عربي فرنسي.» (5)
لم يقتصر تعليم اللغات في المدارس - إذا استثنينا اللغتين العربية والتركية - على لغة واحدة. فكان الطلبة يتعلمون أحيانا النمساوية أو الإنجليزية. حتى إن الخديو فكر في تعميم اللغة النمساوية كما شرع في تدريس اللغة الحبشية، وأخذت بعض المدارس الأوروبية تدرس خمس لغات أو ستا في برامجها مع الإقلال من الفنون الأخرى. (6)
كانت جميع المدارس الابتدائية والتجهيزية والخصوصية تعلم طلبتها اللغة الفرنسية، وكان تدريس هذه اللغة مقصورا في بادئ الأمر على مدارس العاصمة. فلم تمض فترة وجيزة حتى عممها الخديو، وجعلها تشمل مدارس الأقاليم، وكان غرضه من ذلك وضع أساس متين يساعد الطالب على فهم ما يدرسه عند الضرورة. (7)
اهتم إسماعيل بتعليم اللغة الفرنسية، وذلك بالنظر إلى أهمية مركز فرنسا الدولي وقتئذ وضعف النفوذ الإنجليزي في مصر، يضاف إلى ذلك إلى أن اللغة الفرنسية كانت منذ عهد محمد علي باشا لغة التخاطب بين الجاليات الأجنبية حتى إن المدارس الأمريكية والإيطالية واليونانية كانت تعلمها لتلاميذها. (8)
كان عدد الأساتذة الإفرنج قليلا بالنسبة لعدد المدرسين والمدارس، ومن العجب أن الحكومة لم تستغل كفايتهم في معظم الأحوال لتدريس اللغات الأجنبية؛ بل قام بهذه المهمة الدقيقة المدرسون المصريون المتخرجون في مدرسة الألسن في عهد محمد علي باشا. أما الأساتذة الأجانب: فقد استعانت بهم الحكومة في هذا العصر على تدريس الفنون التي أدخلها النظام الجديد، ولم يكن للمصريين خبرة بها. (9)
اقتضت الأحوال أحيانا تعيين معيد أو أكثر لمساعدة المدرسين الإفرنج، ولكن ظل عددهم قليلا؛ لأن الحكومة لم ترغب في الإكثار منهم. فقد حدث أن شكا المدرس الفرنسي بالمدرسة التجهيزية من عدم معرفة التلاميذ اللغة الفرنسية وعدم معرفته هو اللغة العربية، وطلب تعيين معيد له لتعريف التلاميذ ما يلقيه من الدروس، فلم تعين الحكومة معيدا خاصا؛ بل كتبت للمدارس الحربية تطلب تعيين أحد المصريين الملمين باللغة الفرنسية؛ ليذهب وقت الدرس.
5 (10)
وسواء أكان تدريس الفنون باللغة العربية أم بلغة أجنبية فإن الحاجة أصبحت شديدة إلى الكتب المعربة لبطء حركة التأليف. فاقتضت الضرورة إنشاء أقلام للترجمة في بعض المدارس، وهذه رسالة مؤرخة 2 ذي الحجة سنة 1281 من ناظر المدارس الحربية «يستعجل فيها موافقة الديوان على تشكيل قلم للترجمة تحت رياسة سليمان فوزي باش مترجم ورئيس التحريرات.»
6
وقد اقتبسنا من كتاب دور بك
7
بعض البيانات والإحصاءات، ووضعنا الجدول التالي، وهو يلخص بوضوح ما ذكرناه عن حالة التعليم فيما يتعلق بالترجمة وتدريس اللغات الأوروبية:
المدارس
اللغات الأجنبية المقررة
عدد المدرسين
عدد الأجانب منهم
المواد التي يعلموها أو صنعتهم
المهندسخانة
الفرنسية والإنجليزية والتركية والألمانية
15
3
الفنون
الألسن والإدارة
التركية والفرنسية
6
1
المدير
المساحة والمحاسبة
الفرنسية
3
التجهيزية
الفرنسية والإنجليزية
24
2
الرسم
اللسان المصري القديم
القبطية والحبشية والألمانية
3
3
الفنون والصنائع
الفرنسية والإنجليزية
12
5
الفنون
الطب والصيدلة
14
الولادة
6
1
الناظرة
المدارس الابتدائية
الفرنسية والإنجليزية والألمانية
رأس التين
الفرنسية والإنجليزية
16
2
الفنون (2-2) أعمال الترجمة وتدريس اللغات في بعض المدارس الخصوصية
مدرسة الألسن والإدارة
أسست سنة 1285 (1868) بأمر شفوي كما ذكرنا من قبل، ولم نقف بالضبط على تاريخ إلغائها، ولكن إحصاء المدارس الذي نشره أمين سامي باشا في كتاب التعليم يدل على أن المدرسة ألغيت قبل سنة 1292، إذ ورد في هذه السنة اسم «مدرسة الحقوق والإدارة»، وذكر بعض المؤلفين أنه أعيد فتحها في سنة 1295 (1878)، وسنتكلم عليها بالتفصيل في العهد القادم.
مدرسة الفنون والصنائع
وكانت تعرف بمدرسة «العمليات» ولما بلغته الصناعة المصرية في عهد إسماعيل من التوسع المطرد، قرر الخديو إنشاء مدرسة لإخراج المختصين في الميكانيكا والصناعة، وفتحت المدرسة أبوابها في سنة 1867 تحت إدارة فرنسي خبير هو
Eloi Guigon Bey «جيجون بك»، وصادفت المسيو جيجون مصاعب جمة تتعلق باللغة خاصة، ولكنه استطاع التغلب عليها بعد بذل مجهود عظيم، فكان يجهل اللغة العربية هو وسائر الأساتذة الإفرنج الذين جاءوا معه؛ ومما زاد المشكلة عسرا وجود أساتذة إنجليز كانوا يفضلون بطبيعة الحال إلقاء محاضراتهم باللغة الإنجليزية بدل الفرنسية؛ لذلك تقرر تدريس اللغتين الفرنسية والإنجليزية في السنتين الأولى والثانية، ولا غرابة إذا قال دور بك في تقريره أن مستوى تعليم اللغات الإفرنجية في هذه المدرسة أحط من مستواه في سائر المدارس الخصوصية. مما حمل المسيو جيجون على تكليف معاونيه ترجمة محاضراته في الرياضيات إلى اللغة العربية، وكانت هناك صعوبة أخرى، وهي ترجمة الاصطلاحات الفنية؛ إذ كانت الألفاظ الاصطلاحية الخاصة بالفنون والصناعات غير متداولة على الألسن إلا قليلا، ولا يعرف إلا القليلون جدا ما يقابلها في العربية فاستغل هذا المدير أوقات فراغه لتأليف معجم فرنسي إنجليزي عربي لهذه المصطلحات يفيد كل ذي فن وصناعة.
المدارس الحربية
هبط الجيش المصري في أواخر عهد سعيد إلى منزلة محزنة من الضعف والارتباك؛ فعزم إسماعيل على إنهاضه؛ ففي الشطر الأول من عصره أرسل إلى فرنسا بعثة حربية تتألف من خمسة عشر ضابطا من خيرة ضباط الجيش ليقضوا زمنا في مشاهدة نظام الجيش الفرنسي، واقتباس الخبرة من قواده وضباطه، فجمعوا طائفة من المؤلفات الحربية الفرنسية المشتملة على أساليب الجيش الفرنسي ونظمه، وعادوا ليطبقوها في مصر، ثم أحضر إسماعيل من فرنسا بعثة حربية من الضباط الفرنسيين من بينهم
Larmée Pache, Mircher Bey, Rebatel,
«ميرشير بك ولارمي باشا وبولار وريباتيل» فتولى بعضهم نظارة المدارس الحربية، كما عهد إلى طائفة من الضباط الأمريكيين تأسيس هيئة أركان حرب للجيش المصري، وأمر بإنشاء صحيفتين حربيتين لتثقيف التلاميذ والضباط نشرت فيها أبحاث قيمة لكبار الضباط المصريين والأجانب.
وقد ازدهرت أعمال الترجمة في هذا العهد بسبب تلك النهضة الحربية؛ فمن جهة صدرت الإرادة السنية بترجمة الكتب العسكرية الواردة من فرنسا حتى يسهل على التلاميذ فهمها،
8
وكان قلم الترجمة بديوان الجهادية يتولى ترجمة الكتب الحربية، فاتخذت الإجراءات لنقل بعض المترجمين إلى هذا القلم للقيام بالعمل على الوجه الأكمل. كذلك تتضمن الرسالة المبعوثة إلى السكة الحديدية بتاريخ 2 ذي الحجة سنة 1279
9 «إشعار المصلحة المذكورة على أن حضرة الباشا ناظر الجهادية طلب إفادته المؤرخة 26 ذي القعدة سنة 1279 رقم 47 نقل وإرسال رمضان شكري أفندي المستخدم بجهة السويس تبع الإمرارية إلى ديوان الجهادية بدلا من عبد السلام سلمى أفندي لأجل ترجمة بعض المؤلفات الواردة من فرنسا المتعلقة بالتعليمات العسكرية، وحيث إن هذا الطرف استنسب ذلك أيضا نظرا لأهمية المؤلفات المذكورة، وأن تحرر إلى الباشا المشار إليه بما يلزم، فيقتضي المبادرة بنقل الموما إليه من الإمرارية وإرساله للباشا المشار إليه، وقيد عبد السلام أفندي بدلا منه» كما يتضمن الأمر الكريم إلى الجهادية بتاريخ 19 جمادى الأولى سنة 1282
10 «الموافقة على قيد وإلحاق البكباشي سليمان رءوف أفندي الذي كلف بترجمة الكتب المتعلقة بالعسكرية إلى اللغة العربية بديوان الجهادية محل البكباشي إسماعيل صفوت أفندي المنقول إلى ضبطية طنطا.»
ومن جهة أخرى كان المدرسون الإفرنج في حاجة إلى المعربين؛ لتعريب ما ينطقون به، وما يكتبونه من محاضرات، أو مقالات؛ لنشرها في الصحف الحربية.
ويلوح أن قلم الترجمة بالجهادية لم يستطع القيام بجميع الأعمال التي أسندت إليه (ونقول هنا: إن أكثر الكتب المطبوعة في الفنون العسكرية ظهرت في أيام إسماعيل) فطلب ناظر المدارس الحربية في خلال سنة 1281 إنشاء قلم ترجمة خاص بمدارسه، ولم نهتد إلى الأمر المتعلق بإنشاء هذا القلم.
مدرسة اللسان المصري القديم
أسسها الخديو في أغسطس سنة 1869 (1285) وألغاها سنة 1876 (1292) وعهد إلى المسيو
H. Brugsch «هنري بروكش» النمساوي بإدارتها، وكان التعليم فيها باللغة النمسوية حتى إن الخديو فكر في إدخال هذه اللغة في المدارس في سنة 1289.
ويلاحظ أن الفكرة عانت له بعد انهزام فرنسا بقليل وازدياد النفوذ الألماني، وقد أشارت الرسالة التي نصت على ذلك
11
إلى الحاجة إلى المدرسين، فذكرت أنه: «لو استحضر خوجات من الخارج كلفوا كثيرا، وإن تلامذة اللسان المصري القديم خمسة تلامذة لهم إلمام بها، ويقترح إرسالهم إلى النمسا أو بروسيا برفقة المسيو بروكش للإقامة بها مدة سنة أو سنة ونصف سنة في مدرسة من المدارس، تختار بمعرفته؛ ليتموا فيها تعليم هذه اللغة، وعند عودتهم يعينون خوجات لها بالمدارس الملكية»،
12
ولكن لم يبرح هؤلاء الطلبة القطر المصري، إذ لم ترسل الحكومة أية بعثة علمية إلى بروسيا والنمسا.
وإذا وجدنا مسوغا لدراسة اللغة النمسوية في مدرسة اللسان القديم، وتعليمها في المدارس بعد انتصار بروسيا على فرنسا، فكيف نعلل دراسة اللغة الحبشية وفائدتها من الوجهة الفنية بالنسبة لتعليم الآثار؟ وقد فهمنا بعد الاطلاع على وثيقة في المحفوظات التاريخية أن لهذا الإجراء مغزى سياسيا يتعلق بمشروعات إسماعيل الاستعمارية، وهذه الوثيقة هي أمر كريم إلى ديوان المدارس بتاريخ 13 رجب سنة 1285
13
هذا نصه: «يعلم لسان الأحباش وخط الهيروغليف، أي الخط المصري القديم، بمدرسة التجهيزية بشرط أن يكون التلامذة سمرا أو زنوجا، ويكون الخوجات من بطريرخانة الأقباط» فنلاحظ أولا أن الأمر أوصى بتعليم اللغة الحبشية قبل تعليم الخط الهيروغليفي، ثم اشترط أن يكون التلاميذ سمرا أو زنوجا. ألم يكن ذلك دليلا قاطعا على إصرار الخديو على تكوين طبقة من المترجمين يستخدمهم في بلاد الحبشة بعد فتحها؟ ومما يؤيد وجهة نظرنا هذه: إلغاء هذه المدرسة بعد فشل الحملة الحبشية بسنة واحدة.
مدرسة الطب
كان مدير مدرسة الطب ومعظم أساتذتها في عهد محمد علي باشا من الأوروبيين، ولكن بفضل عناية كلوت بك، والمجهود الذي بذله؛ لرفع مستواها، وتخريج عدد كبير من الأطباء المصريين المتمكنين، ووضع المعاجم الطبية وترجمة الكتب، تمصرت المدرسة تدريجا حتى رأى إسماعيل عندما أعاد تنظيمها في بداية عهده أن مدرستي أبي زعبل وقصر العيني قد أخرجتا في عهد جده عددا غير قليل من الكفايات مما يغنيه عن تعيين مدرسين جدد من الأجانب، ولو أن
Burguiéres Bey (بورجيير بك) تولى نظارة المدرسة فترة قصيرة في أوائل العهد، وظل محمد علي بك (محمد علي باشا البقلي) مدير المدرسة مدة طويلة يعاونه أربعة عشرة أستاذا كلهم مصريون، وكذلك صار التعليم في هذه المدرسة باللغة العربية.
14
غير أن المجلس الخصوصي قرر بتاريخ 18 ذي القعدة سنة 1279 (1863)
15
بناء على الرسالة الواردة من رئيس مدرسة الطب، إعادة تدريس اللغة الفرنسية بالمدرسة، فخصصت حصص في غير أوقات الدراسة، وكان حضورها إجباريا لطلبة المدرسة جميعا، وقد أكدت الرسالة المؤرخة 11 شوال سنة 1289 من مدرسة الطب
16
الغرض من تعليم هذه اللغة، إذ جاء فيها: «إن تعليم الفرنسية من المنافع الضرورية لتعليم الترجمة في الكتب الطبية، وهذا لا يمكن حصوله بغاية الإتقان إلا إذا كان بأيدي التلامذة كتب دراسية طبية.»
ولقد عظم شأن الترجمة حين أصبح تعليم الفنون الطبية باللغة العربية، ولما كان الطلبة غير متقنين اللغة الفرنسية، وكان المدرسون ضعاف الكفاية والقدرة على تأليف الكتب كانت المدرسة في حاجة مستمرة شديدة إلى ترجمة الكتب الفرنسية
17
وسنذكر أسماء بعض الكتب المترجمة مع سيرة المترجمين في هذا العصر.
مدرسة البحرية
جدد إسماعيل المدرسة البحرية بالإسكندرية، وأنشأ مدرسة أخرى بجوار الترسانة أحضر لها المدرسين الأكفاء من مصر وأوروبا، وصدر أمر كريم بتاريخ 6 صفر سنة 1284 إلى ديوان المدارس
18
فحواه: «أنه أطلع على ترتيب مدرسة البحرية التي أمر بإنشائها، وأنه قد أوصى في إنجلترا على إيفاد ربان؛ ليكون ناظرا لهذه المدرسة، والتي يجب أن يكون وكيله ملما باللغة الإنجليزية، ولذا يجب انتخاب الوكيل ممن يعرفون اللغة الإنجليزية، وأن يصرف النظر عن تعيين أستاذين للغة الفرنسية؛ إذ يكفي تعليم التلاميذ الإنجليزية، وأن يستخدم أساتذة مدرسة الإسكندرية للتعليم بالمدرستين»، وكانت مدرسة رأس التين الابتدائية من المدارس النادرة التي ضمت إلى برامجها تعليم اللغة الإنجليزية؛ لتغذية المدرسة البحرية بالتلاميذ الملمين بمبادئ هذه اللغة، فيسهل عليها إتقانها فيما بعد.
المدارس الأوروبية
كتب الأستاذ عبد الرحمن الرافعي بك في شأن المدارس الأوروبية قائلا:
19 «كثر عدد المدارس الأوروبية التي فتحتها البعثات الدينية للبنين والبنات، ولم تنتشر في أي عهد بمثل ما كثرت في عهده، وقد أخرجت عددا كبيرا من رجال الأعمال والمهن الحرة وموظفي الحكومة، وخاصة موظفي البريد والسكة الحديدية والمحال التجارية والبنوك وتراجمة القنصليات والمحاكم المختلطة»، وعلق إلياس الأيوبي
20
على أعمال المدارس الأوروبية قائلا: «إن الإنصاف يقضي علينا بأن نعترف مع المستر ماك كون بأنها عملت عملا محمودا على تقدم العلوم في البلاد بين طبقات الأمة، وأنها وضعت نصب عينها التعليم الجيد أولا، ثم السعي إلى نشر الدين. فكان هذا سر نجاحها وتوافد الطلبة عليها من كل ملة ونحلة وجنس.» ونضيف إلى ذلك أنها هيأت أبناء كبار المصريين للاختلاط بالغربيين، وساعدت على انتشار اللغة الأجنبية، وتكوين فئة من المترجمين في زمن كانت فيه البلاد في حاجة ماسة إليهم بسبب تعدد الجاليات الأوروبية وسعة نفوذها. (3) الترجمة في المصالح والدواوين (3-1) وجوب استعمال اللغة العربية
ظلت اللغة التركية حتى أوائل عصر إسماعيل لغة البلاد الرسمية، وقد وطد الخديو عزمه لأغراض اجتماعية وسياسية على إبطال استعمالها في المصالح والدواوين، وإحلال اللغة العربية محلها.
وتلك الأغراض ملموسة، ولو أنها غير مثبتة في الوثائق الرسمية. فقد أراد الخديو إلغاء قيد من القيود التي كانت تربط مصر بالباب العالي، وذلك بالتخلص تدريجا من خدمة الموظفين الأتراك، كما أنه أراد إفساح مجال العمل لأبناء البلاد المتعلمين، وتكوين طبقة من الموظفين الأهليين ينافسون الأتراك في الوصول إلى المناصب العالية، وكان وجوب استعمال اللغة العربية في مصالح الدولة أمضى سلاح وضعه الخديو في أيدي المصريين.
وقد عثرنا على أول وثيقة لتمصير الدواوين، وهي الأمر الكريم الصادر إلى الداخلية بتاريخ 27 ربيع الثاني سنة 1283.
21 «بلزوم جمع صور الأوامر واللوائح، وكل ما سبق صدوره من الإجراءات من زمان تولية ساكن الجنان المرحوم محمد علي باشا جد الجناب العالي لغاية مدة المرحوم سعيد باشا بكتابة، ويطبع منه خمسماية نسخة. فما كان عربيا يطبع كما هو، وما كان تركيا يطبع معه ترجمته بالعربية.» (3-2) الأمر سابق لأوانه
وقد نوهنا سابقا بالأمر الكريم الصادر سنة 1286 باستعمال اللغة العربية في دواوين الحكومة ومصالحها، ودلت التجربة على أن صدور هذا الأمر كان سابقا لأوانه بالنظر إلى قلة عدد المتعلمين في البلاد ولا سيما بعد إغلاق المدارس في عصري عباس وسعيد. فحدث بعض الارتباك لعجز بعض الدواوين عن تطبيقه كما يتبين ذلك من الأمر الصادر إلى ناظر الجهادية في 28 شوال سنة 1286 الذي جاء فيه: «لقد اطلعنا على كتابكم المؤرخ 26 شوال سنة 1286 رقم 27 بخصوص إرادتنا الصادرة إليكم بأن تكون كافة المخاطبات بين جميع الدواوين والمصالح الأميرية وسائر الجهات في داخل الحكومة باللغة العربية فيما بعد، وأنكم وإن كنتم قائمين بموجبها فإنه لوقوف جميع قومندانات الألوية وميرالاياتها وأكثر ضباطها على قراءة وكتابة التركية، ولأن المخاطبات والخلاصات الجاري صدورها من الجهادية بخصوص الإجراءات تصدر باللغة التركية، وأن بعض القوانين الموضوعة باللغة العربية بمقتضى إرادتنا السنية قد صار ترجمتها إلى اللغة التركية، وباقي هذه القوانين جار ترجمته، فلذلك تستحسنون أن تكون المخاطبات والخلاصات باللغة التركية كما كان جاريا من قبل، فبناء على هذه الأسباب قد وافقت إرادتي على إجراء مخاطبات الجهادية باللغة التركية كما كانت جارية في العهد القديم فلإجراء موجبه على هذا الوجه قد أصدرنا أمرنا هذا وأرسلناه إليكم.»
22
واضطر الخديو في معالجة هذه الحالة إلى إصدار أمره بتاريخ 5 ذي الحجة سنة 1292
23
إلى ديوان المدارس «بخصوص تخصيص فرقة أو فرقتين من تلامذة المدارس؛ لتعليمهم فن الكتابة التركية والعربية والترجمة من اللغتين المذكورتين لبعضهما مع ما يلزم أيضا تعليمه إليهم من الحسابات، وكل من تقدم منهم واستعاد للقيام بأداء هذه الوظيفة يرسل إلى الدواوين الأميرية؛ لزيادة التمرين وإتقان هذا الفن حتى إنه عند الاحتياج واللزوم لاستخدام كتاب بالدواوين والمصالح الأميرية يؤخذ منهم، وأصدرنا أمرنا هذا لدولتكم لتعلموه، وتجروا إيجابه كما هو مطلوبنا - حاشية - ولو أنه ذكر تخصيص فرقة أو فرقتين لكن استنسب لدينا الاكتفى بتخصيص فرقة واحدة الآن.» (3-3) نفوذ الجاليات الأجنبية وإنشاء أقلام الترجمة
وإذا كان نفوذ الجاليات الأوروبية قد تضاءل في عهد عباس باشا فإنه استشرى في عهدي سعيد وإسماعيل، وبلغ عدد الأجانب سنة 1879 مائة ألف نسمة، وساعد فتح قناة السويس ومد السكك الحديدية والأسلاك البرقية وغير ذلك على ازديادهم نشاطا. فتعاطوا التجارة والصناعة، وأسسوا المصارف والشركات، ودخلوا في خدمة الحكومة مديرين أو فنيين ولا سيما بعد أن اضطربت الحالة المالية، وكثرت الديون، وعجزت خزانة الدولة عن الدفع. فبديه أن يزداد استعمال اللغات الأجنبية في البلاد، والدواوين الحكومية خاصة.
وكان سعيد باشا قد أنشأ بعض الأقلام الإفرنجية؛ لتصريف أمور الأجانب، وتيسير العلاقات بينهم وبين المصريين. فأملت الحاجة في عصر إسماعيل عليه الزيادة في عدد هذه الأقلام، ويرجع إنشاء أول قلم إفرنجي في هذا العصر - على ما نعلمه - إلى سنة 1290، ففي 3 ربيع الأول من هذه السنة أصدر الخديو أمره إلى المجلس الخصوصي «بلزوم ترتيب قلم إفرنكي به مركب من رئيس ومساعد يكونان أوروبيين، ومترجمين اثنين من أبناء الوطن يكون أحدهما له اقتدار على الترجمة الفرنسية، والثاني مقتدرا على الترجمة بالإنجليزية»
24
وهذا أيضا أمر آخر بتاريخ 9 محرم سنة 1292: «بلزوم ترتيب قلم إفرنكي بالداخلية حيث نظارة الحقانية والتجارة يلزم تحرير مكاتبات منها باللغة الإفرنكية، وبالضروري يقتضي أن تتخابر مع الداخلية فيما يستوجب ذلك كما أنه لا يخلو الحال من حصول مخاطبات من الداخلية أو إليها بتلك اللغة»
25
وكان أهم اختصاصات القلم الإفرنجي التحرير لا الترجمة بخلاف قلم الترجمة بنظارة الجهادية الذي كان يتولى ترجمة الكتب المدرسية والتقارير والمراسلات.
مصلحة البريد وفائدة الأقلام الإفرنجية
ويجب ألا نغض من فائدة الأقلام الإفرنجية فإن أعمال بعض المصالح الحكومية كالبريد والجمرك كانت كلها باللغة الأجنبية، ولكي يتضح ذلك اتضاحا مقنعا نذكر كيف أنشئت مصلحة البريد.
كان محمد علي باشا قد رتب بريدا رسميا
26
يحمل على أيدي السعاة برا وفي السفن بحرا ... واقتدى خلفاؤه به فلم يزيدوا على ما فعل شيئا، ولولا إقدام الدول الأجنبية وبعض أفراد الجاليات الغربية على إنشاء مكاتب بريدية في الإسكندرية والقاهرة وغيرهما لاستمرت البلاد المصرية محرومة المواصلات البريدية كما كانت في عهد إسماعيل.
وأشهر هؤلاء الأجانب السينيور موتسي الإيطالي، وكان إلى سنة 1865 قائما لحسابه الخاص بأعمال بريدية عامة في العاصمتين يساعده طائفة من مستخدمين بأجور يدفعها إليهم لقاء تسلم الرسائل حتى الرسمية منها. فرأى إسماعيل أن استمرار وسيلة مهمة كهذه من وسائل المواصلات في يد إدارة فردية غير حكومية مع حاجة الحكومة نفسها إليها أمر يشين الحكومة المصرية كثيرا؛ لأنه ينم عن تأخرها في هذا المضمار الذي سبقت فيه الدول المتمدنة. فاشترى مصلحة البريد من ذلك الإيطالي النشيط، وأنعم عليه بلقب «بك» وأبقاه مديرا لها إلى سنة 1876 فأبقى موتسى بك مستخدميه القدماء فيها، وكان بعضهم من الإيطاليين وبعضهم خليطا من السوريين والفرنسيين والإغريقيين والنمسويين والروس والمصريين، وكان العلم يجري باللغة الإيطالية، وضمت المصلحة إلى نظارة التجارة بأمر مؤرخ 11 ربيع الثاني سنة 1292.
27
قلم الترجمة بالمعية السنية
وقد تساءلنا: هل كان لدى المعية السنية قلم ترجمة تحت تصرف الخديو كما كان الأمر في عهد محمد علي باشا؟ والجواب عن ذلك: أننا لم نتمكن من العثور على أي دليل يثبت وجود هذا القلم. حقا إن الخديو كان لديه قلم أوروبي وسكرتير أوروبي للتحرير باللغات الأوروبية والاتصال بنزلاء مصر، ولكن الخديو لم يكن شخصيا في حاجة إلى المترجمين؛ إذ كان يجيد اللغة الفرنسية، وكانت هي وقتئذ اللغة الدبلوماسية، وإذا أراد الاطلاع على ما كان يكتب بسائر اللغات الأوروبية أرسله إلى الخارجية لترجمته. هذا ما استنتجاه من رسالة شريف باشا مأمور الخارجية إلى المعية بتاريخ 21 ربيع الثاني سنة 1279 يخبرها بأنه أرسل ترجمة المقال المنشور في صحيفة «التيمس» الإنجليزية الذي طلب منه ترجمته.
28 (4) الترجمة في المحاكم (4-1) المحاكم التجارية المختلطة
سبق أن ألمعنا إلى المحاكم التجارية المختلطة في عهد سعيد باشا، وقلنا: إنها كانت في عصر إسماعيل مقصورة على الإسكندرية والقاهرة، وكانت محكمتا التجارة في القاهرة والإسكندرية مختصين بالنظر في القضايا التجارية بين بعض الأجانب والأهالي، وكان كل من هاتين المحكمتين مؤلفة من رئيس وطني ومن محلفين وطنيين ومحلفين أجنبيين، وكان لدى كل محكمة مترجم. (4-2) تنظيم القضاء وإنشاء المحاكم المختلطة
فكر إسماعيل أول عهده، في إلغاء المحاكم التجارية وإبدالها بمحاكم مختلطة منظمة تنظر قضايا الأجانب جميعا، ولكن تركيا وفرنسا وقفتا في سبيل هذا المشروع فلم تنته المفاوضات إلا في سنة 1875، ولما كانت اللغة الغالبة على قضاة تلك المحاكم هي اللغة الفرنسية أو الإيطالية، جرت المرافعات بهاتين اللغتين، ولا سيما الأولى منهما، وإن كانت اللغة العربية مقررة رسميا بمقتضى لائحة الترتيب النظامية. فكان لوجود تلك المحاكم أثر محسوس في نشاط حركة الترجمة في مصر. (4-3) نقل القوانين الحديثة
كانت البلاد مفتقرة أيضا إلى القوانين. فصار من أهم أعمال المترجمين نقل القوانين الحديثة عن الفرنسية وهي المعروفة ب «كود» نابليون طبعت بمصر سنة 1283 (1866) في ثلاثة مجلدات منها: القانون المدني نقله رفاعة بك، وعبد الله بك أبو السعود، وأحمد حلمي، وعبد الله أفندي، وقانون المحاكمات وقانون الحدود والجنايات، وترجم رفاعة بك أيضا قانون التجارة الفرنسي، وهذا هو أساس المنقولات القضائية الجديدة، وكذلك ترجمت في ذلك العهد قوانين المحاكم المختلطة إلى العربية، وطبعت بمصر سنة 1293 (1876). (4-4) القضاة
بقيت لنا كلمة وجيزة في القضاة المصريين بالمحاكم المختلطة، وكان ينص الاتفاق الخاص بإنشاء المحاكم المختلطة على وجود عدد معين من القضاة المصريين يحكمون في القضايا بالاشتراك مع زملائهم الأجانب، ولا يخفى أن رجال القانون المصريين بالرغم من وجود مدرسة الإدارة «لم يكن لهم وقتئذ العلم الكافي لحسن سير القضايا.»
29
فكانت الحكومة تؤثر من يعرفون اللغات الأجنبية على غيرهم من ذوي الكفايات القانونية؛ لذلك وقع اختيارها بوجه خاص على المتخرجين في مدرسة الألسن ومن في طبقتهم، كما سنبينه في سيرة بعض المترجمين في عصر إسماعيل. (5) الترجمة في الصحافة
Le Moniteur Egyptien «المونيتور إيجبسيان»
كان عدد الصحف المنتشرة في عصر إسماعيل سبعا وعشرين، تسع منها باللغة العربية وواحدة باللغتين التركية والعربية، وواحدة باللغة العربية والفرنسية والإيطالية، وبقية الصحف باللغة الفرنسية أو الإيطالية أو اليونانية.
وأهم إجراء اتخذه إسماعيل في عالم الصحافة هو إصدار جريدة رسمية باللغة الفرنسية عنوانها
Le Moniteur Egyptien «المونيتور إيجبسيان».
وكانت الوقائع المصرية تطبع باللغة التركية والعربية، وكانت النسخة التركية «روزنامة وقائع مصرية» مطابقة تمام المطابقة للنسخة العربية من حيث الشكل والموضوع معا.
وبالنظر لاتساع الجاليات الأجنبية في مصر قرر إسماعيل إصدار الوقائع باللغة الفرنسية ففي 20 ذي القعدة سنة 1291 صدر أمر كريم للمالية
30
فحواه: «قد علمنا من إنهاكم الرقيم 26 شوال سنة 1291 نمرة 29 أن الباشا ناظر الخارجية حرر للمالية عما صدر به أمرنا إليه شفاها بلغو وإبطال اسم «جورنال إيجيبت» الذي سبق توقيف طبعه ونشره من 17 يوليو سنة 1274 (1290) نظرا لضرورات اقتضتها الأحوال، وأن يصير تسميته بجورنال «مونيتور إيجبسيان» وأعمال ترتيب جديدة عن مستخدميه.»
وكانت الحكومة هي التي تتحمل جميع ما يتطلب إصدار هذه الجريدة من النفقات، وعينت المسيو بوسنو مديرا لها، وكان مقرها الإسكندرية في ذلك الحين، ولم نعرف على وجه الدقة عدد المحررين والمترجمين الذين كانوا يقومون بأعمالهم فيها، وكذلك لم نقف على أسمائهم، ومن بين الوثائق القليلة التي عثرنا عليها الأمر الكريم الذي صدر للمالية بتاريخ 21 صفر سنة 1292
31
في هذا الشأن ونصه: «عرضنا لطرفنا أنهاكم رقم 8 صفر سنة 1292 نمرة 131، وعلمنا أن الباشا ناظر الخارجية كتب للمالية بأن مكتب جورنال مونيتور إيجبسيان بالإسكندرية كان معطى له محال مجانا بالسراي الكائنة بالمنشية المعروفة بمنزل طوسيجه، وأنه لمناسبة استعداد هذه السراي للمجالس المستجدة صار نقل ذلك المكتب إلى محل حصل تأجيره بمبلغ ألف وستين فرنك.» (6) أعيان مترجمي هذا العصر وأشهر ما ترجموه
برز في عصر إسماعيل عدد غير قليل من المترجمين، لمعت أسماء بعضهم في مناصب عالية، وظل الآخرون يؤدون عملهم في المدارس والدواوين، وكان أشهرهم قد تخرجوا في مدرسة الألسن بين سنة 1251 وسنة 1258 أي في عهد محمد علي باشا. فأتقنوا لغاتهم، وأدوا عملا لا يستهان به.
رفاعة بك:
كان رفاعة بك في هذا العصر رجلا أدركته الشيخوخة، وأنهكته الأعمال الكثيرة، واعتراه القنوط. هذا إلى أن ما أصابه من عداوة عباس باشا وإهمال سعيد باشا كان سببا في خمود نشاطه، وحاول إسماعيل اعترافا بكفايته وخدماته الجليلة أن يعوضه عما أصابه في هذين العهدين؛ فمنحه هبات مالية، وعينه رئيسا لقلم الترجمة بديوان المدارس وعضوا في مجلس هذا الديوان، وكان يعهد إليه ببعض الترجمات المستعجلة أو المهمة.
ومن بين ما اطلعنا عليه من الوثائق الأمر الكريم الصادر إلى مدير ديوان المدارس بتاريخ 19 ربيع الأول سنة 1282
32
وهو يتضمن أنه «بناء على التماس حكمدار السودان يكلف رفاعة بك بترجمة الباقي من كتاب ملطبرون (الجغرافي) ويعهد إليه أيضا أمر ترجمة كتاب الربان (إسبيك) الإنجليزي المرسل نسخة إفرنسية منه، والباحث في شئون سكان وادي النيل من منبعه إلى مصبه؛ ليرسل إليه بعد طبعه 50 نسخة عربية منه لتدريس تلاميذ المدارس السودانية، وتوزيعها على الضباط والموظفين الملكيين.»
ولكن رفاعة بك لم يعد قادرا على أن ينتج في هذا العصر ما كان ينتجه في عصر محمد علي باشا، ومن ترجماته في هذا العهد:
القانون المدني (الجزء الأول من الكود الفرنسي) بالاشتراك مع عبد الله بك أبو السعود رئيس قلم الترجمة، وأحمد حلمي بك، وعبد السلام أفندي. طبع سنة 1283.
قانون التجارة الفرنسي. طبع سنة 1285.
السيد صالح مجدي بك (باشا):
ولد سنة 1827 وتوفي سنة 1888. تلقى مبادئ العلم بمدرسة حلوان، ثم انتقل إلى مدرسة الألسن فأتقن العربية، ودرس الفرنسية، ومهر في الترجمة على يد أستاذه رفاعة بك، ثم التحق بقلم الترجمة، وكانت كتب التدريس في العلوم الرياضية يومئذ لا يزال معظمها باللغة الفرنسية، فتخصص في ترجمتها، ثم أحيل في سنة 1271 إلى ألاي المهندسين والكبورجية، وتولى ترجمة ما طلبت ترجمته من الفنون الحربية وتصحيحه، وانتقل في عهد إسماعيل إلى قلم الترجمة وتولى رياسته، ولما أنشئت المحاكم المختلطة عين قاضيا بمحكمة مصر، وشغل هذا المنصب حتى توفي، وكان صالح بك يحسن الإنشاء وفنون الكتابة، ومن أهم مترجماته:
كشف رموز السر المصون في تطبيق الهندسة على الفنون (الجزء الثاني فقط) طبع سنة 1262.
الدر المنثور في الظل المنظور. نقله من اللغة الفرنسية (جزآن في مجلد واحد). طبع سنة 1269.
النخبة الحسابية للمدارس العسكرية، طبع سنة 1269.
بغية الطلاب في قطع الأحجار والأخشاب. نقله من اللغة الفرنسية. (مجلدان) الأول: يحتوي على المتن، والثاني: به خمس وعشرون لوحة بها أشكال الكاتب. طبع سنة 1270.
الروضة السندسية في الحسابات المثلثية. طبع سنة 1270.
طوالع الزهر المنيرات في استكشاف الترع والنهيرات. طبع سنة 1274.
ميادين الحصون والقلاع ورمي القنابل باليد. طبع سنة 1275.
تذكير المرسل بتحرير المفصل والمجمل. طبع سنة 1276.
المطالب المنيفة في الاستحكامات الخفيفة. طبع سنة 1228.
استكشافات عمومية.
الاستحكامات القوية.
كتاب الطوبوغرافية والجيولوجيا.
كتاب في الميكانيكا النظرية.
كتاب في الميكانيكا العملية.
كتاب في حساب الآلات.
كتاب في حفر الآبار.
رسالة في الأرصاد الفلكية من تأليف آراجو.
عبد الله أبو السعود بك:
أول صحفي سياسي ظهر في تاريخ مصر الحديث، تلقى العلم في مدرسة البدرشين، ثم انتقل إلى مدرسة الألسن، وتخرج فيها على يد رفاعة بك ، وأتقن اللغات العربية والفرنسية والإيطالية ، وارتقى في المناصب حتى صار في عهد إسماعيل باشا رئيسا لقلم الترجمة، وعلاوة على ما ألف ترجم عددا من الكتب نذكر منها:
نظم اللآلئ في السلوك في من حكم فرنسا من الملوك. نقله من اللغة الفرنسية، وجعل في آخره جدولا زمنيا يتضمن مقابلة تاريخ الهجرة بتاريخ الميلاد. طبع سنة 1275.
قناصة أهل العصر في خلاصة تاريخ مصر، ويعرف بتاريخ قدماء المصريين. تأليف أوغست مارييت بك. ترجمه من الفرنسية بأمر من نظارة المعارف المصرية، وضم إليه على سبيل الختم ضميمتين، إحداهما: فهرست المسائل التاريخية الواردة به، والثانية: فهرست الأعمال الغريبة الواردة فيه. طبع سنة 1281.
ترجمة القانون المدني من الكود الفرنسي بالاشتراك مع رفاعة بك. طبع سنة 1283.
قانون المحاكمات والمخاصمات في المعاملات الأهلية المعتادة. عربه من الكود الفرنسي بالاشتراك مع حسن أفندي فهمي. طبع سنة 1283.
الدرس المختصر المفيد في علم الجغرافية الجديد. تأليف قورتانبير الفرنسي. طبع سنة 1286.
فرجة المتفرج على الأنتيقة خانة الخديوية الكائنة ببولاق مصر المحمية، وهي عبارة عن وصف نخبة الآثار القديمة المصرية الموجودة والفرنسية والإيطالية، وارتقى في المناصب حتى صار في عهد إسماعيل باشا رئيسا في خزينة المتحف العلمية المصرية. طبع سنة 1286.
باشر ترجمة تاريخ عام مطول واسمه: «الدرس التام في التاريخ العام». طبع منه قسم سنة 1289.
ترقية الجمعية بالكيمياء الزراعية، أو تدفق الجماعة لتطبيق الكيميا على الزراعة. تأليف فيليكس ملجوتي الفرنسي. طبع سنة 1290.
تاريخ الديار المصرية في عهد الدولة المحمدية العلية، وهو القسم الثالث من الكتاب المسمى: «فوائد جغرافية وتاريخية عن الديار المصرية». تأليف برنار الفرنسي. طبع سنة 1292.
أحمد بك ندى:
اشتهر بالصيدلة، وتلقى هذا الفن في قصر العيني، ثم سافر إلى باريس مع البعثة الخامسة للتفقه فيه، ودرس صناعة الصابون وشمع العسل، وعين بعد عودته أستاذا للتاريخ الطبيعي، ثم مترجما للدكتور جاستينيل بك الكيماوي، وما زال عاملا على التعليم والتأليف والترجمة حتى توفي سنة 1294 (1877)، ومن مترجماته:
حسن البراعة في فن الزراعة من تأليف الدكتور فيجري بك، مجلدان يليهما نبذة في المفردات الطبية والاستحضارية الأقرباذينية. طبع سنة 1283.
الحجج البينات في علم الحيوانات، نقله عن الفرنسية. طبع سنة 1283.
نخبة الأذكياء في علم الكيمياء. من تأليف جاستينيل بك. نقله إلى العربية في جزأين صدرا سنة 1286 في الكيميا المعدنية وغير المعدنية، وترجم الجزء الثالث في الكيمياء النباتية، والرابع في الكيميا الحيوانية.
الأزهار البديعة في علم الطبيعة من تأليف جاستينيل بك. ترجمه إلى العربية في جزأين طبعا في سنة 1291 الأول في الطبيعة، والآخر في الظواهر الجوية.
أحمد عبيد بك الطهطاوي:
من نوابع خريجي مدرسة الألسن ورئيس قلم الترجمة بوزارة الحربية، وكان وكيلا للمحكمة التجارية بالقاهرة، ثم عين قاضيا بمحكمة الإسكندرية المختلطة سنة 1875، ومن مترجماته:
الروض الأزهر في تاريخ بطرس الأكبر. تأليف الفيلسوف الشهير بوليتير، ترجمه عن الفرنسية. طبع سنة 1266.
تعليمات البيادة ومناوراتها. ترجمه من الفرنسية. بدون تاريخ.
تعاليم الخيالة ومناوراتها. ساعده في ترجمته رمضان شكري. طبع سنة 1284.
تعليم السواري. ترجمه بالاشتراك مع مصطفى صفوت وعبد السلام سلمي. طبع سنة 1284.
القانون الخامس، وهو تعليم الأورطة البيادة. طبع سنة 1284.
في تعليم الشرخجية. طبع سنة 1285.
محمد عثمان جلال بك:
واضع أساس القصة الحديثة في الأدب العصري، ولد سنة 1245 (1829) وتعلم اللغات في مدرسة الألسن، فهو من تلاميذ رفاعة بك، ثم دخل في سنة 1844 في قلم الترجمة، ثم انتدبته الحكومة لأعمال الكتابة في وزاراتها إلى أن استوزره توفيق باشا.
وكان ميالا إلى الفن الروائي يجيد ترجمة مؤلفاته مع تمصير ما يترجمه أحيانا، وكانت تمثل رواياته على المسارح المصرية، وكان بالعامية المصرية مشغوفا.
وآخر ما تولاه من المناصب منصب القضاء في المحاكم المختلطة في سنة 1888، وأحيل إلى المعاش سنة 1895، وكانت وفاته سنة 1898، وله مؤلفات نقل بعضها من اللغة الفرنسية، وهي:
أمثال لافونتين. نظمها بالشعر ودعاها «العيون اليواقظ في الأمثال والمواعظ».
التحفة السنية في لغتي العرب والفرنسوية.
رواية پول وفرجيني.
رواية «تارتوف» للكاتب الفرنسي موليير عربها بتصرف، وسماها: «الشيخ متلوف» بعد أن أسبغ عليها مسحة مصرية.
الروايات المفيدة في علم التراجيدة. نظم الروائي الفرنسي راسين، ونقلها إلى اللغة العربية العامية نظما.
الأماني والمنية في حديث قبول وورد جنة.
محمد قدري باشا:
ولد سنة 1821 من أب أناضولي وأم مصرية، وتلقى التعليم الأولي بمكتب ملوي، ثم التحق بمدرسة الألسن على عهد رفاعة بك. فظهر نبوغه وميله إلى العلم والترجمة، وبعد أن تخرج فيها جعل مترجما مساعدا بها، واتجه ميله إلى دراسة علوم الفقه ومقابلة الشريعة الإسلامية بالقوانين الأوروبية، وظل يشغل منصب الترجمة في الحكومة إلى أن قربه الخديو إسماعيل، واختاره مربيا للأمير محمد توفيق. ثم عين بالمعية في المحكمة التجارية بالإسكندرية. ثم كان رئيسا لقلم الترجمة بوزارة الخارجية، واشترك في ترجمة الكود؛ فترجم قانون الحدود والجنايات، واختص كذلك بترجمة قوانين المحاكم المختلطة تمهيدا لوضع قوانين المحاكم الأهلية الجديدة، وجعل مستشارا بمحكمة الاستئناف المختلطة، وتولى وزارة الحقانية في وزارة شريف باشا سنة 1881، وتوفي سنة 1886.
محمود حمدي باشا الفلكي: (1805-1885) تعلم في مدرسة الإسكندرية، وانتقل منها إلى غيرها من المدارس الأميرية، وكان يميل إلى الرياضيات. فأرسلته الحكومة إلى أوروبا سنة 1851 للاستزادة منها، ونال عليا الشهادات الدراسية، وتولى بعد ذلك التدريس في المهندسخانة، ولم يتخذ الترجمة حرفة، ولكن مؤلفاته كان بعضها يظهر باللغة الفرنسية وبعضها باللغة العربية. فكان عند علماء الإفرنج أثيرا، ومما ترجمه: «حسن التفاضل والتكامل» من تأليف شفيق منصور يكن بك. طبع سنة 1300.
إسماعيل مصطفى باشا الفلكي:
كان مولعا بالرياضيات، وقد أرسلته الحكومة إلى باريس لإتقان تعلمها، وهو يعد من مشهوري علماء هذا العصر، وترجم كتاب «التحفة المرضية في المقاييس والموازين المترية» وشاركه في ترجمتها صادق بك شنن، وله تقاويم فلكية كان ينشرها كل عام باللغتين العربية والفرنسية.
حسن بك عبد الرحمن:
تخرج في مدرسة الطب بقصر العيني، ثم تولى تدريس التشريح فيها، ونبغ في هذا الفن وترجم كتاب: «القول الصحيح في علم التشريح» طبع سنة 1283 بإرشاد محمد علي باشا البقلي الذي كان ناظرا لمدرسة الطب، وتوفي سنة 1292 (1875).
عبد الرحمن علي بك:
توفي سنة 1306 ومما ترجمه:
تذكار الشجعان في إصابة النيشان. طبع سنة 1289.
غنيمة العسكرية في بعض قواعد حربية. طبع سنة 1289.
الأزهار الرياضية في الأعمال الطوبوغرافية. طبع سنة 1291.
خليفة محمود أفندي:
من خريجي مدرسة الألسن، ومن أنبغ تلاميذ رفاعة بك. التحق بقلم الترجمة، وصار رئيسا للقسم الخاص بترجمة التاريخ والأدب، وله مترجمات كثيرة في علم التاريخ منها: «إتحاف الملوك الألبا بتقدم الجمعيات في بلاد أوروبا، وهو مقدمة لتاريخ الإمبراطور شارلكان إمبراطور ألمانيا وملك إسبانيا لروبيرتسون وليم المؤرخ الإنجليزي.» طبع سنة 1258 وأعيد طبعه سنة 1266 بعنوان «إتحاف ملوك الزمان بتاريخ الإمبراطور شارلكان» وألف كتاب: «قلائد الجمان في فوائد الترجمان» وهو كتاب لتعليم كل من اللغات العربية والتركية والفرنسية. طبع سنة 1266.
حسين حسني باشا:
من خريجي مدرسة المهندسخانة بالقاهرة. تولى تدريس العلوم الرياضية بها، ثم انتقل إلى مطبعة بولاق سنة 1268 كاتبا ومصححا بالوقائع المصرية، وارتقى في وظائف مطبعة بولاق حتى أصبح ناظرا لها، ولم يعد من المترجمين إلا أنه ترجم من اللغة التركية إلى اللغة العربية كتاب «الدر النثير في النصيحة والتحذير» طبع سنة 1291، وهو يشمل حكايات حكمية على لسان الحيوانات.
حسن محمود باشا: (1848-1906) تلقى علومه بالمدرسة الحربية. ثم أوفدته الحكومة سنة 1862 في بعثة مدرسية إلى ألمانيا لدراسة الطب، وعاد سنة 1870 فعين أستاذا للتشريح في مدرسة قصر العيني إلى أن صار ناظرا لها، وله مؤلفات أبحاث قيمة، وهو الذي ترجم «كتاب في الرمد الصديدي» تأليف الدكتور روثيريو الكحال. طبع سنة 1295 وأعيد طبعه سنة 1308.
أحمد بك:
من تلاميذ البعثة الأولى. تخصص في فرنسة لدراسة الفنون الحربية، وترجم كتاب: «النخبة السنية في الأصول الهندسية» لصادق بك شنن. طبع سنة 1299 وأعيد طبعه سنة 1303.
جليلة تمرهان:
وهي حبشية الجنس. دخلت والدتها مدرسة القوابل لتلقي فن القبالة فيها، ولما ماتت خلفتها ابنتها جليلة هذه، وألفت في هذا الفن كتابا اسمه: «محكم الدلالة في أعمال القبالة» طبع سنة 1821، وهو منقول عن كتاب إفرنجي، ونشرته في مجلة اليعسوب.
محمد أحمد بن عبد الرازق:
أحد مدرسي اللغة الفرنسية في المدارس الملكية المصرية توفي سنة 1290. ترجم كتاب: «غاية الأرب في خلاصة تاريخ العرب» من تأليف المؤرخ الفرنسي سيديللو. طبع سنة 1289.
محمود فهمي أفندي:
لا أدري أهو محمود فهمي باشا الذي صار فيما بعد قائدا عسكريا وأحد أقطاب الثورة العرابية؟ فقد ذكر على ظهر المجلد الذي ترجمه من الفرنسية سنة 1275، وهو «جامع المبادئ والغايات في فن أخذ المساحات» أنه أحد خوجات مدرسة المهندسخانة السعيدية، وإذا كان قد ولد سنة 1255 فلعله نال شهاداته العليا في سن العشرين، وعين على الفور مدرسا للهندسة، ومعلوم أن علم الهندسة ولا سيما في ذلك العصر كان وثيق العلاقة بالفنون العسكرية.
هؤلاء هم الذين برزوا في هذا العصر في فن الترجمة، وقد عرفنا أسماء مترجمين آخرين إلا أننا لم نقف على سيرتهم، وهم:
علي أفندي عزت:
مدرس رياضة بالمهندسخانة له ترجمة كتاب «حسن الصيغة في علم الطبيعة» (مجلدان) طبعا سنة 1270.
زيور أفندي: «بالمعية السنية رسالة في المقاييس والمكاييل العملية بالديار المصرية» وضعها محمود حمدي باشا الفلكي باللغة الفرنسية. طبع سنة 1290.
أحمد زكي:
أحد معلمي الرياضة واللغة الفرنسية بالمدارس الحربية له ترجمة كتاب: «اللآلئ السنية في تعليم قراءة الخرط الطوبوغرافية». طبع سنة 1290.
بشارة شديد:
ترجم «رواية الكونت دي مونتي كريستو» تاليف اسكندر دوماس (أتى بعبارات بسيطة؛ ليكون ذلك سهلا على عامة الناس.) طبع سنة 1288.
إبراهيم مصطفى «البياع الصغير»:
ترجم كتاب سياحة الهند تأليف أوبيرثولد، وهو مختصر جمع غرائب الآثار الهندية القديمة وعادات أهلها. طبع سنة 1265.
حنين نعمة الله الخوري:
ترجم كتاب: «التحفة الأدبية في تاريخ تمدن الممالك الأوروبية». تأليف «جيزه» طبع سنة 1294.
حسن عاصم:
ترجم خطبة رينان التي جعل موضوعها «الدين الإسلامي والأمة العربية» (ولم نقف على هذه الخطبة.)
أحمد نجيب:
له كتاب «العقد النظيم في مآخذ جميع الحروف من اللسان القديم» هو ترجمة كتاب المسيو بروكش ناظر مدرسة اللسان القديم. طبع سنة 1289.
سليمان رؤوف أفندي:
له المجلد الأول من كتاب ترجمة تعليمنا مه. عساكر بيا دكان. من اللغة العربية إلى اللغة التركية.
نخلة صالح:
له كتاب «الدرة الحقيقية البهية أو خروج الإسرائيليين من مصر والآثار المصرية وما أورده عنها هنري بروكش بك وكيل المدارس المجانية بمدينة مصر» (مطبوعة ومعها النص الفرنسي.) طبع سنة 1874.
مراد مختار أفندي:
ناظر الكتبخانة الخديوية سابقا له: «قصة أبي علي بن سينا وشقيقه أبي الحارث، وما حصل منهما من نوادر العجائب وشوارد الغرائب». ترجم من التركية. طبع سنة 1297، وأعيد طبعه سنة 1305.
عيسى ندور وسعيد البستاني:
المترجمان بقلم الإحصاء لهما ترجمة «مبادئ فيما يتعلق بالديار المصرية من الإحصاء من سنة 1872 إلى سنة 1877. محررة بمعرفة قلم الإحصاء بنظارة الداخلية» طبع سنة 1296 (جزآن في مجلد).
جرجس بن هليا:
له كتاب: «الفلاحة الروسية اليونانية». تأليف قسطوس لوقا الرومي نقله من اللغة اليونانية. طبع سنة 1293.
محمد سليمان:
مدرس اللغة الإنجليزية له ترجمة: «قوانين وترقيات تتعلق بالسكة الحديدية». طبع سنة 1286.
سلميان سليمان:
له ترجمة: «كتاب تعليم السواري الإنجليزي» طبع سنة 1275.
حسن مظهر:
له ترجمة: «كتاب تعليم مدفع عيار 4 ششخانة» طبع سنة 1284.
أحمد حمدي:
أحد مدرسي المدرسة الحربية له ترجمة: «كتاب النبذة السنية في تعبئة الجيوش العصرية» تأليف أدمون هورفلير. طبع سنة 1288.
محمد عثمان:
له ترجمة كتاب: «حكم ونصائح في فن العسكرية». «قانون الحرب». حرره رئيس عموم أركان حرب الجيش المصري ستون باشا سنة 1872.
محمد أفندي بن أحمد بن صدقي:
له كتاب: «ملجأ الطباخين» ترجم من اللغة التركية. طبع سنة 1304.
كجاردو بك:
ترجم قانون المسيو منولي الأفوكاتو الفرنسي. طبع سنة مترجم بنظارة الحقانية 1290.
نجيب بحري أفندي:
ترجم كتاب: «الأسلوب الوجيز في لغة الإنجليز» جمع المستر بورك مدرس اللغة الإنجليزية بالمدارس الحربية المصرية. طبع سنة 1295.
محمد خلوصي:
معيد إنجليزي.
محمد ثابت:
مدرس ومترجم.
إسكندر أفندي:
رئيس قلم الترجمة بنظارة الخارجية.
محمد ترابي:
مدرس اللغة الإنجليزية.
حمد الله أمين:
مترجم بقلم الترجمة ثم معيد إنجليزي.
خليل زكي:
مدرس اللغة الإنجليزية.
إبراهيم عارف:
معيد نمسوي.
محمد مختار:
مدرس فرنساوي.
إبراهيم زين الدين:
مدرس ثم كاتب بالدواوين، ثم مترجم لمفتش المدارس الملكية.
محمد وصفي:
مترجم ومتخرج في مدرسة اللسان المصري القديم.
أحمد فخري:
شرحه.
أحمد حسن:
شرحه.
حسين زكي:
شرحه.
إبراهيم متى:
شرحه. •••
أما المستشرقون الذين عاشو في مصر في هذه الفترة فلم نقف منهم إلا على اثنين: البارون دي كريمر، والمسيو كازيمرسكي.
كريمر
Baron De Kremmer :
ولد في ڨينا في مايو سنة 1828، وتوفي في ديسمبر سنة 1889، ودرس أولا الفلسفة، ودرس بعد ذلك العلوم الشرقية، ولما بلغ العشرين من عمره جال في الشام ومصر، وعين قنصلا في الشرق مدة طويلة جمع خلالها مجموعة كبيرة من المخطوطات الشرقية (وهي الآن مودعة في لندن) ترجم الجزء الأكبر منها، وتولى طبعه ونشره.
وكان مقتدرا على التأليف في علوم الشعوب الإسلامية؛ لاتصاله المطرد بعلماء القبط والعرب، وعلم اللغة العربية فترة من الزمن في مدرسة المهندسخانة بڨينا، وعين سنة 1858 وكيل قنصل، وفي السنة التالية عين قنصلا في مصر، وبرح الديار المصرية سنة 1861، ولكنه عاد إليها في سنة 1875 قوميسيرا نمساويا لصندوق الدين، وفي فبراير سنة 1881 ترك خدمة الحكومة، وأتقن دراسة العلوم الشرقية، ونشر بين حين وحين مقالات في الجرائد معظمها عن أحوال مصر، وترأس سنة 1886 مؤتمر المستشرقين في ڨينا، ومن أهم ما ترجم:
مقالات في شعر عبد الغني النابلسي.
ترجمة ديوان أبي نواس.
كتاب المغازي للواقدي.
القصيدة الحميرية لنشوان بن سعيد.
مقالات في شعر أبي العلاء المعري.
الأحكام السلطانية للماوردي.
33
كازيمرسكي
Kazimirski :
ولد في بولندا، وأقام في فرنسة ونشر فيها مطبوعات شرقية مفيدة، وقد نقل القرآن الكريم إلى اللغة الفرنسية، وترجمته معروفة بدقتها وسلالتها، ومن مترجماته:
كتاب اللغتين العربية والفرنسية، وهو معجم عربي وفرنساوي. طبع بباريس سنة 1845، وأعيد طبعه بمصر سنة 1875 في أربع مجلدات بعد أن راجعه وصححه عبيد جلاب.
حكاية أنيس الجليس منتخبة من كتاب ألف ليلة وليلة، ومعها ترجمة فرنسية طبع بباريس سنة 1846.
ومن المترجمات الرسمية في هذا العصر:
ترجمة مقالة جليلة حضرت خديو أفخمي في بيان لائحة الانتخاب لأعضاء نواب مجلس شورى النواب وحدود نظاماتها، الصادرة في 17 رجب سنة 1283 (الوقائع المصرية).
ترجمة معالي جليلة حضرت خديوي أفخمي في بيان لائحة انتخاب أعضاء نواب شورى ونظاماتهم 1283.
لائحة حدود ونظام نامه مجلس شورى النواب. طبع سنة 1283.
خلاصة تقرير المستر قاوان المتعلقة بسكة الحديد السوداني. طبع سنة 1290. (7) بين سنة 1880 و1899
ترددنا كثيرا قبل أن نشرع في تأريخ حركة الترجمة في العشرين سنة الأخيرة في القرن التاسع عشر.
فإن الفترة بين سنة 1880 وسنة 1899 ليست إلا شطرا من عهد الاحتلال الذي يمتد إلى سنة 1922، وهو التاريخ الذي اعترفت فيه الدولة المحتلة باستقلال مصر، فغادر معظم الموظفين الأجانب مناصب الحكومة، وابتدأت اللغة العربية تستعيد مكانتها حتى صارت من جديد لغة التعليم والعمل. فنحن أمام أمرين: إما إغفال هذه الفترة بأكملها، وإما دراستها بأكلمها.
على أننا أخيرا آثرنا بعد أن تعمقنا في دراسة حركة الترجمة في السنوات الثمانين من هذا القرن أن نلم بالفترة الباقية مع التنويه بأشهر المترجمين، وما تركوه من آثار. •••
ازدهرت الترجمة في العشرين سنة الأخيرة من هذا القرن ازدهارا لم يكن له مثيل في العصور السابقة، وقد تناولت جميع نواحي الحياة العلمية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية والأدبية، وإذا كنا نرى الحكومة في هذه الفترة تستمر في تشجيع المترجمين للانتفاع بقدرتهم على ترجمة الكتب المدرسية، والمراسلات الرسمية، فإننا نجدها مع ذلك لم تتبع سياسة مستقرة في تعليم اللغات، أو إنشاء مدارس الترجمة لإعداد الطلبة، أو إنشاء أقلام الترجمة في المصالح والدواوين، ويلوح أن أهم ما أثر في الحياة العلمية هذا الأثر هو تلك الحالة السياسية المضطربة التي نشأت من تدخل الدول الأجنبية في شئون مصر المالية. ثم تدخل الإنجليز في شئونها السياسية فاحتلالهم لها عسكريا إثر ثورة عرابي باشا. (7-1) الترجمة وتعليم اللغات في المدارس
قال جرجي زيدان في الجزء الرابع من كتاب تاريخ أدب اللغة العربية: «لما احتل الإنجليز مصر سنة 1882 كانت قاعدة التعليم في هذه المدارس اللغة العربية، ومن أراد إتقان اللغات الأجنبية دخل مدرسة الألسن، ومن هذه المدرسة يخرج المترجمون. ثم أخذت الحكومة بعد الاحتلال في تنظيم المدارس على نسق جديد، وأهم ما حدث فيها إقفال مدرسة الألسن، وإغفال البعثات إلى أوروبا، وإبطال التعليم المجاني، وجعل قاعدة التعليم بإحدى اللغتين الإنجليزية والفرنسية، وقلت العناية باللغة العربية رويدا رويدا. فبعد أن كانت معظم ساحات التدريس عائدة إلى إتقانها أخذت تتحول إلى اللغات الأخرى تدريجا حتى صارت ساعات التدريس للعربية أقل من ساعات التدريس لسواها. فضعف شأن اللغة العربية.» (7-2) تقرير علي باشا إبراهيم والترجمة
في شهر مايو سنة 1880 قدم المرحوم علي باشا إبراهيم ناظر المعارف تقريرا إلى رياسة مجلس النظار يشمل عدة اقتراحات؛ لنشر التعليم، وتوسيع دائرته، والنهوض بمدارس نظارة المعارف. فرفعه رياض باشا رئيس مجلس النظار إلى الحضرة الفخيمة الخديوية مقترحا تشكيل قومسيون (لجنة) لبحثه ورسم الخطة المثلى.
وإذا تعمقنا في بحث هذا التقرير وجدناه منصرفا بوجه خاص إلى إتقان تعليم اللغات الأجنبية في المدارس الثانوية والخصوصية لإعداد تلاميذ المدارس الأميرية لمزاحمة إخوانهم المتخرجين في المدارس الأوروبية من مصريين ومتمصرين وأوروبيين في الوظائف الحكومية، واقترح علي باشا إبراهيم لرفع مستوى المدرسين إنشاء مدرسة تسمى «دار العلوم التوفيقية» إلى جانب مدرسة دار العلوم القائمة منذ عهد إسماعيل لتقوية المدرسين في اللغة العربية، وغرضها تقوية الأساتذة في اللغات الأوروبية وسائر العلوم الغربية، كما اقترح لتحسين الكتب المدرسية إنشاء مجلس للتعليم يقيم في الديوان نفسه، ويكون من بين اختصاصاته تنظيم البرامج المدرسية وبحثها، واختيار الكتب اللازمة وإقرارها، والأمر بتأليف أو ترجمة كتب أخرى، ولتحقيق هذا الغرض أوصى بوضع قلم الترجمة تحت إشراف الديوان.
وعلق المستر «هيورث دن» على هذا الاقتراح الأخير فقال: «إن المؤلفين - أو بالأحرى المترجمين - يكتفون بالترجمة والنقل والجمع من مؤلفات الأوروبيين، فيعرضونها على المجلس كأنها من وضعهم.» (7-3) تقرير اللورد
Dufferin «دوفيرين»
وفي فبراير سنة 1883 أرسل اللورد دوفيرين إلى اللورد غرانفيل تقريرا شاملا للحالة في مصر جاء فيه ما يأتي خاصا بمدرسة الألسن: «يجب أن يعاد تنظيم مدرسة الألسن كي يتخرج فيها عدد أكبر من المترجمين والكتبة للمصالح الحكومية. أما في الوقت الحاضر: فقد صار معظم المترجمين في الدواوين من السوريين الذين يمتازون بثقافة عالية تلقوها في المدارس التي أنشأتها البعثات الأمريكية والفرنسية والألمانية في سوريا. ثم إن الكتب المستعملة في المدارس الفنية أصبحت لا تفي بالغرض المنشود، ويعود ذلك إلى أسباب منها إنفاق بعض الوقت في ترجمة الكتب إلى العربية ونشرها، وكان عدد التلاميذ في مدرسة الألسن في هذه السنة 23 طالبا.»
34
وإذا فرغنا من بسط محتويات هذين التقريرين فيما يتعلق بالترجمة ننظر الآن في شئون الترجمة في بعض المدارس. (7-4) مدرسة الألسن وقلم الترجمة
ذكرنا من قبل أنه تعذر علينا العثور على تاريخ لتحويل مدرسة الإدارة والألسن إلى مدرسة الحقوق والإدارة، وقد ذكر المستر «هيورث دن» والمسيو شونسكي
35
وغيرهما أن مدرسة الألسن فتحت من جديد في سنة 1878، وقال الأول: «كانت هذه المدرسة تخرج طلبة غير متمرنين في شئون الترجمة، وكانت المصالح والدواوين مفتقرة إلى المترجمين، وكان عدد المتخرجين لا يكفي لسد الحاجة، وفي الواقع لم تؤد مدرسة الألسن مهمتها على الوجه الذي كانت تؤديه في الفترة التي كانت فيها تحت إدارة رفاعة بك. فاضطرت الحكومة إلى الاستعانة بالسوريين والأوروبيين.»
أما اللجنة التي ألفت لبحث تقرير علي باشا إبراهيم: فقد اقترحت بخصوص مدرسة الألسن جعل تعليم اللغة التركية اختياريا؛ إذ أصبح تعليمها يفيد بعض الطلبة الأتراك وحدهم، واقترحت أيضا قصر مجهود الطلاب على درس اللغات العربية والفرنسية والإنجليزية وإلغاء اللغة الألمانية والتاريخ الطبيعي، وقد ترددت اللجنة في اتخاذ قرار بخصوص تدريس الشريعة الإسلامية، وأوصت بأن يكون تدريس اللغة العربية بقصد تدريب الطلبة على استعمال الاصطلاحات الفنية، وتحرير المكاتبات الرسمية، وأدركت اللجنة أن هناك بعض المصاعب في استعمال الاصطلاحات الفنية؛ فحملت الحكومة على أن تستخدم جميع موظفيها الفنيين لتذليل هذه المصاعب، كما أوصت بتقسيم المدرسة ثلاثة أقسام: القسم الأول: لتخريج المترجمين، والثاني: للمحاسبين، والثالث: للكتبة والسكرتيريين، وشدد في أن تمنع الحكومة موظفيها من أخذ أبنائهم إلى المصالح لتدريبهم على العمل، ونصحت بإرسال هؤلاء الأبناء إلى المدارس.
36
وقال المسيو شونسكي: إن فيدال بك كان يوصي بإنشاء مدرسة للإدارة تستمد منها الحكومة المحاسبين والمترجمين والمحررين للدواوين.
ولما لم تنشر حتى الآن جل الوثائق التاريخية الخاصة بعهد توفيق باشا. فقد اعتمدنا على ما ورد في الكتب، وخاصة كتاب أمين سامي باشا عن «التعليم في مصر» لبحث التطورات المختلفة التي أدخلت على مدرسة الألسن، ولذلك تعتبر معلوماتنا في هذه الفترة غير مستوفاة، أو أنها على شيء من الإبهام والغموض.
ظلت مدرسة الألسن التي أنشئت في سنة 1878 مفتوحة إلى سنة 1885، وفي هذه الأثناء (1881) تقرر إنشاء مكتب للترجمة والتحرير تولى إدارته أديب إسحق أفندي، ثم مصطفى رضوان أفندي، وظل هذا المكتب حتى سنة 1899.
وتلت مدرسة الألسن مدرسة للترجمة (مكتبا) أنشئت في نوفمبر سنة 1885، وتولى نظارتها علي بك شعبان وأحمد ناظم بك، ونشرت المجلة الآسيوية الإنجليزية
Journal of the Royal Asiatic Society
في عددها الصادر سنة 1886 بحثا وافيا للمستر كاننجهيم
H. Cunnynghame
عن حالة التعليم في مصر، علق فيه على التعليم في مدرسة الترجمة قائلا: «وجدت طلبة مدرسة الألسن في حالة متأخرة بالرغم مما يبذل من عناء لتعليمهم اللغات وما يبذلون من تعب لتعلمها، وأظن أن العيب ناتج عن الحاجة إلى الكتب الجيدة؛ إذ وجدت المدرس الفرنسي يترجم أجرومية فرنسية إلى اللغة العربية كي ينقلها طلبته، وذلك بطبيعة الحال يسبب تبديد الوقت.»
37
ومن أول نوفمبر سنة 1889 تحول هذا المكتب إلى مدرسة للمعلمين سميت بالمعلمين الخديوية (وسيأتي ذكرها فيما بعد) لتقوم على المنهج الذي قامت عليه مدرسة المعلمين التوفيقية، وعين لإدارتها المرحوم أحمد بك ناظم، وكان الغرض من إنشائها تخريج مدرسين مصريين لتعليم اللغة الإنجليزية بالمدارس الابتدائية، وكان بها 29 طالبا. (7-5) مدرسة العلوم التوفيقية
وفي أثناء قيام لجنة تنظيم المعارف بعملها وقبل تقديم تقريرها كانت الحكومة تتبع سير أعمالها، وتطلع على المهم من قراراتها، وتنفذ ما ترى تنفيذه؛ لأنها كانت راغبة في الاستجابة للضروري منها، وكان من القرارات التي نفذتها إنشاء مدرسة المعلمين التوفيقية، وغرضها: «تخريج مدرسين مصريي الجنس للتعليم في المدارس الابتدائية التي تحت نظارة المعارف العمومية، وهي تعتبر من المدارس العليا المصرية»، وتكونت هذه المدرسة من تلاميذ مبتدئين وتلاميذ كانوا يشتغلون فيما قبل بالتعليم الثانوي، كون منهم القسم الخاص المسمى بقسم المعلمين، وجعلت هذه المدرسة ومدرسة دار العلوم في مكان واحد بدرب الجنينة، وكان لكل منهما ناظر، ووفقا للمسطر بمنهج التعليم المطبوع في سنة 1887، سبق هذا المنهج منهج خاص بالقسم الابتدائي التابع لهذه المدرسة، ويمتاز هذا المنهج عن منهج المدرسة الابتدائية على وجه عام، حيث يقضي بتدريس اللغة الفرنسية للسنتين الأولى والثانية وتعليم الخط الإفرنجي بها، والمنهج الثانوي يقرب من مناهج المدارس الثانوية، وكانت جميع المواد تدرس باللغة الفرنسية. (7-6) مدرسة دار العلوم الخديوية
الغرض من إنشاء هذه المدرسة، يتبين من قرار نظارة المعارف العمومية المرقوم 431 «إنما هو تخريج مدرسين مصريي الجنس للتعليم في المدارس الابتدائية التي تحت نظارة المعارف العمومية»، وتعتبر هذه المدرسة من المدارس العليا المصرية، وكانت جميع المواد تدرس فيها باللغة الإنجليزية. (7-7) مدرسة الإدارة والحقوق
لما أنشئت المحاكم الأهلية كانت البلاد في حاجة إلى القضاة والمحضرين والمترجمين وغيرهم لأقلام الكتاب. فاتجهت أنظار الحكومة إلى مدرسة الإدارة والحقوق بقصد رفع مستوى الدراسة فيها. فصدر قرار من نظارة المعارف في 20 يوليو سنة 1886 بناء على قرار لمجلس النظار في 12 يوليو سنة 1886 موقع عليه من المرحوم عبد الرحمن رشدي باشا ناظر المعارف، جاء فيه: أن مدرسة الحقوق تنقسم إلى قسمين: ابتدائي وعال. فالقسم الابتدائي: معد لتحضير المحضرين والمترجمين، وما يلزم من المستخدمين لأقلام الكتاب والنيابة بجميع المحاكم، وكذلك أقلام قضايا الحكومة والنظارات، وسائر المصالح التي تحتاج لأشخاص لهم معلومات قانونية، وخريجو القسم العالي: يرشحون لوظائف الكتاب من الدرجة الأولى والثانية والنواب حتى يكونوا أهلا لتولي الوظائف التي تستدعي معرفة تامة بجميع فروع القوانين بالمحاكم والنظارات وغيرها من سائر المصالح الأميرية. (7-8) مدرسة الطب
كان التعليم في المدرسة الطبية باللغة العربية. يتخرج فيها الأطباء والعلماء فيعلمون بالعربية ويؤلفون بالعربية أو يترجمون إلى العربية، وهم نخبة رجال هذه النهضة، وعليهم كان المعول في نقل العلوم الحديثة بالترجمة أو التأليف أو التلخيص، ظلوا على ذلك نحو سبعين سنة. ثم رأت الحكومة سنة 1898 أن تغير برامج هذه المدرسة. فأدخلت فيها إصلاحات كثيرة من حيث إتقان المعدات والأدوات وإدخال المواد الحديثة، ولكنها جعلت صبغتها إنجليزية. ثم استقدمت الحكومة مديرا من كبار مديري المدارس الطبية في لندن، وطلبت إليه أن يرفع تقريرا في إصلاح هذه المدرسة. فأشار بضم المستشفى إلى المدرسة وإنشاء إدارة واحدة لهما، وذكر إصلاحات تتعلق بالدروس والأساتذة ولغة التدريس وغير ذلك، وفي سنة 1898 جعلوا التعليم فيها باللغة الإنجليزية، وضمت المدرسة إلى المستشفى، وجعل نظامها يشبه نظام مدرسة الطب بجامعة لندن . فلم تحتج مدرسة الطب من هذا الوقت إلى أعمال الترجمة، بل اشترط في كل من يريد الالتحاق بها إجادة اللغة الإنجليزية؛ إذ صارت جميع الكتب فيها إنجليزية، كما أصبح جل المدرسين وكثير من المديرين من الإنجليز، وصارت المحاضرات تلقى باللغة الإنجليزية دون سواها. (7-9) المدارس الابتدائية والثانوية
كانت اللجنة (القومسيون) قد اهتمت بوجه خاص بضعف الطلبة في اللغة العربية؛ إذ لاحظت أنه بعد أن يقضي التلميذ سنوات متوالية في المدرسة لا يتمكن من تحرير كتاب أو وضع تقرير عربي الصيغة عند التحاقه بإحدى الوظائف الحكومية، وأوصت بتأليف لجنة خاصة لحل هذه المشكلة.
وكذلك أوصت بجعل اللغة التركية لغة اختيارية في المدارس الابتدائية والتجهيزية وفي المدارس الإقليمية، ووجدت أن تعليم اللغة الفرنسية غير مرض، وكانت اللغة الإنجليزية لم تدرس وقتئذ إلا في عدد قليل من المدارس، ولم يكن لتدريس اللغتين الإيطالية والألمانية خطر يذكر.
ومرت السنون وعظم شأن اللغتين الإنجليزية والفرنسية. فكان من يجهل إحدى هاتين اللغتين يشعر بنقص كبير في حياته العملية، واتخذت الوزارة قرارات في هذا الصدد كان من أثرها الغض من اللغة العربية، وإليك ملخص التقرير الرابع المقدم من نظارة المعارف إلى الحضرة الفخيمة الخديوية، عن التعليم في سنة 1888، وهو يصور لنا فكرة القرارات الخاصة بتعليم اللغات الأجنبية بالمدارس الثانوية: «إن تعليم اللغات الأجنبية التي لها في هذا العصر من الأهمية ما لا يخفى بمصر خاصة، لم يأت إلى الآن في مدارسنا بالنتائج المطلوبة، وليس ذلك لتقصير من المعلمين، أو فتور في همتهم، فإنهم في الواقع أهل لما عهد إليهم من الوظائف، غير أن الوقت المخصص لتعليم هذه اللغات غير كاف، حتى تكتسب التلامذة ملكة استعمال اللغة، ويسهل عليهم التكلم بها، وهو أمر لا يمكن الحصول عليه إلا بعد تمرين طويل مستمر. فلتلافي هذا الأمر بقدر الإمكان، تقرر أن موارد العلوم الجاري تدريسها للآن باللغة العربية تعلم من الآن فصاعد بمعرفة مدرسي اللغة الأجنبية، إما باللغة الفرنسية، وإما باللغة الإنجليزية . فإذا درس التاريخ والجغرافية والعلوم الطبيعية بلغات أجنبية، وضم هذا إلى تعليم اللغة المقصودة بالذات، سهل نيل المقصود للأسباب الآتية: (1)
لاشتمال هذه العلوم على التمرينات التي تقوى بها التلاميذ في اللغة. (2)
لزيادة الزمن المعين لتعليم اللغات الأجنبية بجعله ساعتين في اليوم، بعد أن كان ساعدة واحدة.»
38
وأدخلت أيضا بعد ذلك حصص للترجمة. (7-10) المنافسة بين اللغتين الفرنسية والإنجليزية في المدارس
ظلت اللغة الفرنسية بعد أن حلت محل اللغة الإيطالية لغة الاتصال بين الجاليات الأجنبية والمصالح الحكومية، وكانت مصر تستمد من فرنسة المدرسين والكتب المدرسية لترجمتها إلى اللغة العربية، ولم تنافسها في هذه السيادة لغة أجنبية أخرى، ولكن الحالة تغيرت بعد احتلال الإنجليز البلاد وازدياد النفوذ البريطاني في الشرق الأدنى. قال أحد الكتاب الإنجليز في هذا الشأن: «كانت اللغة الفرنسية تدرس في المدارس الابتدائية، ولكن حلت محلها اللغة الإنجليزية» ثم أضاف: «إن استبدال اللغة الإنجليزية باللغة الفرنسية في المدارس الابتدائية يرجع إلى أسباب سياسية. فبعد أزمة فاشودة أدرك الأهالي أن النفوذ البريطاني سيأخذ في الازدياد على حين يضمحل النفوذ الفرنسي، وكانت نتيجة ذلك أن الأقسام الخاصة بالتعليم الفرنسي فقدت تلاميذها تدريجا، وفي سنة 1902 ألغي القسم الفرنسي في المدارس الأميرية، ولم تعلم في المدارس الابتدائية إلا لغة أوروبية واحدة وهي اللغة الإنجليزية، ومع ذلك لم تفقد اللغة الفرنسية في مصر مركزها؛ إذ إن معظم المدارس الأوروبية الدينية تدرس هذه اللغة وتخرج كل سنة عددا غير قليل من التلاميذ المصريين والأوروبيين يتقنون الكتابة والكلام باللغة الفرنسية، فساعدوا على أن يبقى العمل في بعض الدواوين باللغة الفرنسية دون الإنجليزية.» (8) الترجمة في المحاكم الأهلية
تكلمنا عن المحاكم المختلطة في عصر إسماعيل باعتبارها إحدى منشآته، ونذكر أن النظام القضائي الأهلي كان مختلا إلى أن أنشئت المحاكم الأهلية الجديدة في سنة 1883، أي في عهد توفيق، وقد ترتب على إنشاء تلك المحاكم إدخال تغييرات جوهرية في أنظمتها فاضطرت الحكومة إلى تعديل نظام تعيين القضاة، وشرعت في تعديل القوانين المستعملة أو تنقيحها، كما قررت إعداد هيئة خاصة من الموظفين لأعمال المحاكم.
ففيما يختص بالقوانين اتخذت الحكومة عدة إجراءات منها : (1)
ترجمة القوانين من اللغات الأجنبية إلى اللغة العربية، ولا نعني بذلك ترجمة الكود والقوانين المختلطة التي تكلمنا عنها في عهد إسماعيل، ولكننا نقصد القوانين التي صدرت في مصر باللغة التركية. إذ كانت القوانين توضع وتنشر بأصلها التركي، ثم تترجم إلى العربية ليفهمها المصريون. إلا أن نقلها من أصلها التركي إلى اللغة العربية كان مشوها إلى درجة توجد اللبس، وكانت اللغة التركية هي اللغة السائدة في المحاكم، بيد أنهم كانوا يطلبون من رئيس كتاب المجلس معرفة اللغة العربية إلى جانب اللغة التركية. (2)
توحيد القوانين وجمع الأحكام الأهلية، وكان بعضها بالتركية وبعضها بالعربية. (3)
جهود الحكومة في حمل تلاميذ الحقوق على دراسة القوانين الفرنسية والشريعة الإسلامية في آن واحد.
وقد قام المترجمون بنصيب كبير في تأدية هذه الأعمال.
أما فيما يختص بالقضاة، فقد اتضح للحكومة حينما أنشئت المحاكم الأهلية أنه ليس لديها من القضاة المصريين علماء بالقانون. «فعندما انعقد مجلس النظار في 2 نوفمبر سنة 1882 للنظر في المذكرة المتقدمة من ناظر الحقانية التي طلب فيها تأليف لجنة لترتيب المحاكم الأهلية ولإعداد القوانين التي تتبع أمامها. حدثت مناقشة بين رياض باشا وفخري باشا وشريف باشا وزكي باشا وعلي مبارك باشا وحيدر باشا وعمر لطفي باشا، دار البحث فيها على النقطة الآتية: هل الأوفق اختيار قضاة أجانب يعاونون القضاة المصريين؟ فقال علي مبارك باشا: لو كان من الممكن إدخال قضاة أجانب لكان أتم. فأجاب زكي باشا: ربما كان من تؤلف منهم المحاكم لا يفهمون القوانين الموجودة الآن. فرد عليه رياض باشا: الذي لا يفهم القوانين الموجودة الآن لا يفهمها بعد تعديلها. فأيده شريف باشا قائلا: لا أرى في الأهلين الاستقلال الكافي ولا العمل الكافي لحسن سير المحاكم الأهلية بدون مساعدة قضاة أجانب.»
39
فأصبح وجود المترجمين ضروريا لوجود القضاة الأجانب في المحاكم الأهلية، وكانت مهمتهم مزدوجة؛ إذ كان عليهم ترجمة المرافعات والأقوال في الجلسات. ثم ترجمة المذكرات وسائر الأوراق، كي يتسنى للقاضي الأجنبي الاطلاع على محتوياتها قبل الحكم في القضايا. (9) الترجمة في الدواوين
كان لاشتغال الأجانب في المصالح والدواوين، واحتلالهم بعض المناصب العالية الفنية، واشتغال المحاكم المختلطة باللغات الإفرنجية أثر محسوس في استعمال اللغات الأجنبية في المكاتبات الرسمية وتحرير التقريرات، وكانت بطبيعة الحال تترجم إلى الجهات المختلطة، واستوجبت هذه الحالة إعادة إنشاء مدرسة الألسن وتوظيف التلاميذ المتخرجين فيها كل سنة في أقلام الترجمة.
وقد صدر أمر إداري موقع عليه من سعادة رئيس مجلس النظار وموجه إلى جميع النظارات بتاريخ 23 أكتوبر سنة 1888 / 8 صفر سنة 1306 ورد فيه فيما يختص بمترجمي مكتب الترجمة: «أن هؤلاء الطلبة يرسلون إلى النظارات المختلفة لأخذ اللازم منهم في وظائف الكتابة والترجمة، ووضع الباقين في أقلام هذه النظارات تحت التمرين.»
40
وليس في وسعنا حصر جميع الوظائف المخصصة للمترجمين في الوزارات والمصالح، ولكننا نستطيع أن نقول: إنها كانت غير قليلة. (10) الترجمة غير الرسمية
وإذا كانت الحكومة المصرية استمرت في عهد احتلال تشجع المترجمين الرسميين لأغراض تتعلق بشئون المدارس والمصالح فإن شدة العناية بتعليم اللغات الأوروبية في المدارس المصرية أدت إلى ازدياد عدد من أتقنوا فهم الكتب الإفرنجية، فقام فريق من رجال الأدب البارزين بترجمة المؤلفات النفسية والإنفاق على طبعها دون أن يعولوا على إعانة حكومية، ووجدوا من القراء إقبالا شجعهم على مواصلة عملهم وتوسيع دائرته حتى أصبحت الترجمة تشمل خلال هذه الفترة جميع العلوم والفنون من اجتماعية وسياسية إلى قضائية واقتصادية، ولا شك في أن ازدياد الكتب العربية، وجعلها في متناول القراء، وتزويد المكتبات المصرية بخلاصات الفكر الحديث - ساعد على تثقيف طبقات الشعب المتعلمة.
وقد قلنا: إن الترجمة شملت جميع الفنون والعلوم غير أننا نقول: إن المؤلفات التي ترجمت في كل علم وفن كانت قليلة إلا فيما يختص بالروايات التي أخذ عددها يزداد لإقبال الجمهور عليها وشغفه بها.
ومن دواعي انتعاش حركة الترجمة في هذه الفترة نشاط حركة السياحة؛ فقد طبعت بعض شركات السياحة أو بعض الأشخاص كتيبات تحوي إلى جانب البيانات الخاصة بآثار مصر وسكانها وغير ذلك كلمات وعبارات يستعملها السياح في علاقاتهم بأهالي مصر، فترجمت تلك العبارات إلى اللغة العربية مع كتابتها بالحروف اللاتينية ، ومن أشهر هذه الكتيبات التي نشرت في هذه الفترة: «دليل السياح لمصر والشام وفلسطين» للمؤلف
Wolff «فيليب وولف». (10-1) أشهر المترجمين ومترجماتهم
أحمد زكي باشا:
ولد بالإسكندرية في شهر المحرم سنة 1284ه، ودرس فيها، ثم انتقل إلى القاهرة حيث تلقى علومه في مدرسة القربية، ثم في مدرسة درب الجماميز، فمدرسة الإدارة والحقوق، وفي أثناء دراسته - وكان يبلغ العشرين من عمره - تقدم إلى مسابقة لوظيفة مترجم بمحافظة الإسماعيلية، وفي أكتوبر سنة 1888م عين مترجما من الدرجة الأولى في مكتب الصحافة بوزارة الداخلية. فتولى أعمال التحرير والترجمة في الوقائع المصرية، وكان هذا عاملا أول في توسيع معارفه؛ فأتقن اللغتين العربية والفرنسية، وفي أول ديسمبر سنة 1889 فاز بالمسابقة في منصب مترجم بمجلس الوزراء، وبعد قليل أنعم عليه برتبة البيكوية وعهد إليه في تدريس الترجمة بالمدرسة الخديوية بدرب الجماميز حيث قضى سنتين هناك، ثم عاد إلى مجلس الوزراء سكرتيرا ثانيا له، وفي سنة 1911 رقي إلى درجة السكرتير الأول، وأنعم عليه بالباشوية في سنة 1916، ثم أحيل إلى المعاش في سنة 1921، ولكنه واصل أبحاثه التاريخية والأدبية، واتصل به رجال الأدب والصحافة في مصر والبلاد العربية، وكانت داره بالجيزة كعبة القصاد حتى لقد سموها دار العروبة كما سموا صاحبها - رحمه الله - شيخ العروبة، ومن مؤلفاته:
رسالة في المعارف العمومية بالديار المصرية وبيان ما يلزم إدخاله فيها من الإصلاحات الضرورية، ألفها محمد سعيد باللغة الفرنسية، طبع سنة 1305.
الرق في الإسلام لأحمد شفيق بك، وأضاف إليها ملحوظات وشروحا.
مصر والجغرافيا تأليف فريديريك بونولا بك.
التعليم في مصر تأليف
Vercamer (فيركامير).
تاريخ الشعوب الشرقية من تأليف ماسبيرو. ترجمه بأمر من وزارة المعارف. طبع سنة 1304.
أربعة عشر يوما سعداء في خلافة الأمير عبد الرحمن الأندلسي - ترجمها من اللغة الفرنسية. طبع سنة 1889.
آثار بلاد المشرق. جمع المستشرق ماسبيرو.
وله أيضا معجم خصصه لتحرير الأعلام الجغرافية وردها إلى أصولها المعتبرة المعروفة عند أهلها.
محمد كمال باشا (1850-1923):
تلقى دروسا في فن الآثار في مدرسة اللسان القديم، ودرس اللغات العربية والفرنسية والألمانية والقبطية والحبشية، وعين مساعدا ومترجما في نظارة المعارف العمومية، ثم أستاذا للغة الألمانية في المدارس الأميرية، فمترجما في مصلحة وابورات البوستة وديوان البحرية، ولكنه كان يشتغل دائما بفن الآثار، ويسعى للالتحاق بالمتحف المصري فقاومه مدير المتحف مقاومة عنيفة، ولكنه استطاع بفضل نفوذ رياض باشا أن يشغل منصب سكرتير ومترجم في المتحف وأستاذ للغة القديمة. ثم عين أمينا مساعدا للمتحف، ونشر في العالم الغربي نتيجة أبحاثه العلمية الدقيقة، وله مؤلفات بالفرنسية والعربية ومعجم خاص بالآثار، وترجم دليل متحف القاهرة والإسكندرية.
شفيق منصور بك (1856-1890):
ابن الأمير الجليل منصور باشا يكن. تعلم في المدارس المصرية اللغات العربية والتركية والفرنسية، وأتقنها على أيدي أساتذة اختصوا بتعليمه إياها. ثم سافر إلى باريس سنة 1869 ولما عاد منها اتصل بالقضاء، وترجم كتاب «رياض المختار» وكتاب «إصلاح التقويم» من التركية إلى العربية، وكلاهما لصاحب الدولة الغازي مختار باشا، واشترك أيضا في ترجمة تاريخ الجبرتي من العربية إلى الفرنسية.
ونذكر في هذه المناسبة أن كتاب الجبرتي ترجم إلى الفرنسية مرتين: الأولى: بقلم المسيو
«بارديو» مترجم القنصلية الفرنسية الذي توفي سنة 1838 وهذه الترجمة مقصورة على الجزء الخاص بالحملة الفرنسية، وهي تحوي أغلاطا كثيرة، وطبعت سنة 1838. أما الترجمة الصحيحة الوافية: فهي التي قام بها نخبة من أدباء مصر برياسة المرحوم شفيق بك منصور يكن، وقد ظهرت في تسعة أجزاء من 1888 إلى سنة 1896.
فتحي زغلول باشا (توفي سنة 1914):
ولد بمصر وتفقه في مدارسها، وتخصص في دراسة الحقوق، وانتظم في سلك القضاء، وارتقى في مدارجه، ثم عين مساعدا بقلم قضايا الداخلية، ثم وكيلا لنظارة الحقانية، وصفه المنفلوطي
41
بأنه «نابغة الأمة العربية علما وفضلا ونادرتها ذكاء وفهما، وأقدر كتابها على الترجمة الصحيحة التي لا يضيع فيها معنى ولا يضطرب فيها لفظ، وما انتفعت هذه الأمة (الأمة المصرية) في عصرها الحاضر بعلم أحد من علمائها انتفاعها بمؤلفاته ومترجماته، ويمتاز في كتابته بالبيان والإيضاح والدقة في وضع الألفاظ بإزاء معانيها فلا يتجوز إلا قليلا ولا يتخيل إلا نادرا ولا يغرب ولا يتندر بحال من الأحوال، وكان عاملا نشيطا في التأليف فخلف آثارا هامة في القضاء والاجتماع نذكر منها:
الإسلام، خواطر وسوانح. ترجمه عن تأليف الكونت «هنري دي كاستري» وقدم له مقدمة ضمنها الآراء السديدة والنصائح المفيدة. طبع سنة 1305.
روح الاجتماع تأليف جوستاف ليبون.
تطور الأمم تأليف جوستان ليبون.
روح الشرائع تأليف بنتام الفيلسوف (عربه وكان عمره 25 سنة). طبع سنة 1888.
سر تقدم الإنجليز الساكسونيين تأليف أدمون دومولان.
من أمير إلى سلطان. كتاب أرسله الأمير مصطفى فاضل إلى السلطان عبد العزيز سنة 1866 بشأن إصلاح الدولة.
أصول النواميس والشرائع. من تأليف بنتام.
عبد الله باشا فكري المصري (توفي سنة 1899):
هو من نوابع المصريين في الأدب والشعر؛ تعلم اللغة التركية، وسافر بمعية الخديو إسماعيل إلى الآستانة، ثم كلفه مراقبة تعليم أنجاله، وعين أخيرا وكيلا لنظارة المعارف سنة 1878، وندبته الحكومة في سنة 1888 لرياسة الوفد المصري في المؤتمر الشرقي الذي عقد في استكهلم، ونقل من التركية كتاب «المملكة الباطنية» (طبع سنة 1290) إلى طائفة جليلة من الشعر والمقالات.
الشيخ نجيب الحداد اللبناني (توفي سنة 1889):
ولد سنة 1867 وقد عالج القريض قبل أن يبلغ الحلم، وكان مع ذلك منشئا بليغا مال إلى الصحافة؛ فحرر في جريدة الأهرام إلى سنة 1894 ثم اعتزلها وأنشأ جريدة «لسان العرب» بالإسكندرية، وامتاز عن أكثر معاصريه من الأدباء بترجمة الروايات التمثيلية أو تأليفها، وهاك أشهر آثاره:
رواية صلاح الدين. تأليف ولتر سكوت.
رواية
Cid (السيد) من مؤلفات
Corneille (كورنيل) نقلها إلى اللسان العربي وسماها «غرام وانتقام».
رواية حمدان نقلها من رواية هوجو
Hernani
هيرناني.
شهداء الغرام ترجمها عن رواية روميو وجولييت لشكسبير.
رواية البخيل نقلها عن
Moliére «موليير».
رواية الفرسان الثلاثة لإسكندر دوماس أربعة أجزاء، طبعت سنة 1888، ولها طبعة ثانية في ثلاثة مجلدات، ولها طبعة ثالثة في أربعة مجلدات سنة 1913.
جورجي زيدان (توفي سنة 1914):
ولد في سنة 1861 وألجأته ملابسات حياته على أن يترك المدرسة صغيرا. لقن الإنجليزية في مدرسة ليلية، وفي سنة 1881 اعتزم دراسة الطب إلا أن طول المدة اللازمة لنيل إجازته صرفه عن متابعة الدراسة، فتابع البحث والاطلاع الحر، وتولى تحرير جريدة «الزمان» وقد رافق الحملة النيلية إلى السودان سنة 1884 مترجما بقلم المخابرات، وله - علاوة على ما ألفه من الكتب القيمة - عدة مترجمات نشرها في الصحف والمجلات.
نجيب إبراهيم طراد (توفي سنة 1911):
هو من أسرة بيروتية. أتقن لغات كثيرة ولا سيما الألمانية، وحرر عدة جرائد في بيروت والإسكندرية والقاهرة، وترجم جملة من الروايات، وعلم في مدارس مختلفة، ثم التحق بالحكومة موظفا.
محمد النجاري المصري (توفي سنة 1914):
ولد في مصر وارتقى في مناصب حكومتها إلى القضاء في المحاكم المختلطة، وألف في ساعات الفراغ معجما مطولا بالفرنسية والعربية في خمسة مجلدات حوى كثيرا من مصطلحات القانون وسائر العلوم والفنون.
أديب إسحق الدمشقي (1856-1885):
بدأ في تأليف الروايات التمثيلية أو ترجمتها مع صديقه سليم نقاش، ورحل إلى مصر في زمن الخديوي إسماعيل، وأصدر جريدة «مصر» ولما عطلت الحكومة جريدته سافر إلى باريس. ثم عاد إلى مصر سنة 1881 حيث تولى إدارة مكتب الترجمة والتحرير.
فيليب جلاد بك (1857-1914):
لم يكن من المترجمين المحترفين برغم أنه اشتغل في بادئ الأمر مترجما أول لمحافظة القناة، ودرس القانون والتحق بقلم قضايا الحكومة، ثم بوزارة الحقانية حيث تولى تحرير «المجلة الرسمية للمحاكم الأهلية» ثم ترك خدمة الحكومة واشتغل بالمحاماة والتأليف، وألف «قاموس الإدارة والقضاء» الذي صدر في ستة مجلدات باللغتين العربية والفرنسية، وهو يشمل قوانين الحكومة المصرية وغيرها، وقد ترجم الكثير منها إلى اللغة العربية، (طبع بين سنة 1899 وسنة 1902).
أما سائر المترجمين فهم:
نجيب غرغور:
له:
حديقة الأدب وهو يشمل ستة تآليف: التعساء لهوغو وتاريخ مصر ومنيرة وانتقام المزارع والقاتلة والطائف في ربى الطوائف. طبع سنة 1888 في خمسة أجزاء.
عفريت النسوان (جزآن). طبع سنة 1887.
غرائب التدوين. طبع سنة 1882.
محمود زهري:
له: «غاية الآمال في فن الحرب والقتال» تأليف موري بك قائمقام أركان حرب. ترجمه بإشراف مؤلفه. طبع سنة 1293.
صمويل يني:
له: «استراتونكي» طبع سنة 1894.
نسيب بدر:
له: «بوليس لندن» تأليف كوتن دويل. طبع سنة 1900.
خالد حمصي:
له: «بيبيتا الحسناء، أو ذات اليد الحمراء» تأليف ليون سازي طبع مرتين، ثانيتهما سنة 1291.
السيدة فريدة عطية:
لها: «الروضة النضيرة في أيام بمباي الأخيرة» تأليف اللورد ليتن. طبع سنة 1899.
ميشيل جورجي عورا:
له: «عجائب البخت في قصة الأحد عشر وزيرا وابن الملك إزاربخت». ترجمها عن السريانية. طبعت سنة 1886.
تادرس وهبى:
مدرس فن الإنشاء والعلوم العربية واللغة الفرنسية بمدرسة حارة السقايين القبطية، له: «العقد الأنفس في ملخص التاريخ المقدس» نقله من كتاب تاريخ الأمة الإسرائيلية لفكتور دروي. طبع سنة 1298 وأعيد طبعه سنة 1314.
حسين زكي أفندي:
له: «مختصر تاريخ الأمم الشرقية القديم» استخرجه من اللغة الفرنسية (المقتطف سنة 1893م.)
مصطفى نصر:
له: «المنحة في تدبير الصحة». طبع سنة 1306ه (كتاب ترجمه من اللغة الفرنسية).
سعيد عمون:
له: «الأحكام المرعية في شأن الأراضي المصرية» تأليف يعقوب أرتين باشا. ترجم بمساعدة المؤلف. طبع سنة 1307ه.
محمد لطفي:
تلغرافجي المعية السنية له: «تحفة المريد في زواج أودت بفريد» (ترجمه من اللغة الإنجليزية.)
رفلة جرجس:
له: «أصول الاقتصاد السياسي». طبع بمصر سنة 1889 (اقتطفه من كتب غربية، وبسط عباراته، وسهل مأخذه.)
حافظ إبراهيم وخليل مطران:
لهما «الموجز في علم الاقتصاد» في خمسة أجزاء تأليف
«بولين ليروي بوليو» تقدم إليهما بترجمته بأمر حشمت باشا ناظر المعارف.
عزيز خانكي بك:
له: «الطعن في الأحكام بطريق النقض والإبرام». طبع سنة 1900.
يحيى إبراهيم:
له: «الروض الزاهر، في علم مسك الدفاتر». طبع سنة 1885 (ترجمه من اللغة الفرنسية.)
جرجس مالطي:
أحد مدرسي اللغة الإنجليزية بالمدارس الأميرية له: «ري القطر المصري» تأليف ولكوكس.
محمد أنسي:
له: «القواعد العومية التي يجب على التعليمجي إجراؤها وقت التعليم». تأليف بولار بك.
محمد دياب:
المدرس بالمدرسة التوفيقية له: «مسائل تطبيقية على الهندسة العادية». طبع سنة 1303.
يحيى قدري بك ونخلة قلفاط:
لهما: «كتاب حقوق الدول» تأليف حسن فهمي باشا العثماني، ترجم من اللغة التركية. طبع سنة 1894.
نجيب بن يوحنا إبكاريوس:
له: «تاريخ الحوادث في السودان من سنة 1881 إلى سنة 1889» تأليف القائمقام السير ونجت المقيم الإنجليزي بالديار المصرية سابقا. طبع سنة 1891.
محمد لبيب البتانوني:
له: «تاريخ كلوت بك» وهو الدكتور أنطون برتيليمي الإيطالي الأصل (كذا ) المعروف بكلوت بك. نقله من الفرنسية بأمر الدكتور محمد بك الدري، وهو يتضمن تاريخ حياته وأعماله بمصر في عصر ساكن الجنان محمد علي باشا. طبع سنة 1308.
مراد مختار:
مدير دار الكتب سابقا له: «قصة أبي علي الحيسن بن عبد الله بن سينا المعروف بالشيخ الرئيس، مع شقيقه أبي الحارث» ترجمها من اللغة التركية. طبعت سنة 1297 (أعيد طبعها سنة 1305.)
عزيز يوسف:
له: «مر الفراق وحلو التلاق» انتقاها من روايات هونمان (طبعت سنة 1891.)
يوسف تادرس:
له: «النجاة من الغرق». طبع سنة 1893 (كتاب نقله من اللغة الإنجليزية) وإلى جانب آثار هؤلاء المترجمين نذكر ما قامت به مجلتا الهلال والمقتطف في الترجمة، إذ كان رجالها يقومون، فضلا عن ترجمة الأبحاث والمقالات الأجنبية بترجمة روايات لتهدى إلى المشتركين. (11) الترجمة الرسمية
واصلت المصالح الأميرية في هذه الفترة ترجمة الوقائع الرسمية من العربية إلى الفرنسية، وكذلك أهم التقريرات السياسية والإدارية وغيرها التي كانت تصدر من بين وقت ووقت، وسنورد فيما بعد كشفا يشتمل على عنوانات بعض التقريرات.
تقارير مرفوعة للأعتاب الخديوية عن الإصلاحات في حالة التعليم الجارية بالمدارس المصرية في سني 1885 و1886 و1888 و1889. طبع بين 1303 و1308.
ترجمة تقرير مرفوع إلى الحضرة الفخيمة الخديوية من نظارة المعارف العمومية عن حالة الكتبخانة الخديوية في سنة 1886 ومعه أصله باللغة الفرنسية. طبع سنة 1887.
قانون تأسيس الكتبخانة العمومية بالعربية والتركية. طبع سنة 1298.
تقرير عن حالة الكتبخانة سنة 1887. طبع سنة 1888.
تقرير مترجم للحضرة الخديوية من قومسيون الأراضي الميرية مع حسابات إيرادات ومصروفات سنة 1881. طبع سنة 1882.
تقرير من نظارة الأشغال عن ري القطر المصري. طبع سنة 1300.
تقرير جناب السير أفلين بارنغ قنصل جنرال لدولة الإنكليز بمصر فيما يتعلق بمنع الكرباج. طبع سنة 1302.
محاضر وتقارير لجنة حفظ الآثار العربية القديمة سنة 1884.
مرشد لأودة المتفرجين على الكتبخانة الخديوية باللغة العربية واللغة الفرنسية طبع سنة 1304. (12) أسلوب الترجمة في مراحل القرن التاسع عشر
أوضحنا في سوالف الفصول مبلغ اهتمام ولاة الأمور بكل ما يتعلق بأعمال الترجمة، وما بذلوه من عظيم المجهود لتوسيع نطاقها والأغراض التي كانوا يقصدون إليها من وراء ما بذلوا. فهل نغلوا الآن إذا شبهنا عصر الأسرة العلوية الكريمة بالعصر العباسي الأول من حيث القدرة على الإنتاج والإتقان في العمل.
حقا كانت الأغراض من الترجمة متغايرة بين العصرين، فالخلفاء العباسيون إنما سعوا إلى نقل تراث اليونانيين العلمي والأدبي؛ لتزويد الأذهان بمعلومات جديدة تنشط الحركة الفكرية والعلمية بين العرب. أما رجال القرن التاسع عشر في مصر فلم يقصدوا في بادئ الأمر من ترجمة كتب الإفرنج العلمية والمدرسية إلا تثقيف شعب غير مثقف؛ ليستطيع فيما بعد القيام بالمهام الخطيرة التي تسند إليه. هذا إلى الأثر العميق الذي تركته أعمال الترجمة في تطور اللغة العربية بعد التنافس الشديد بين اللغتين التركية والعربية في هذا العصر، وسنتكلم بالتفصيل على هذه التطورات بأنواعها، وسنذكر أيضا بالإجمال مميزات الترجمة في كل طور معززين كلا منهما بالأمثلة والنماذج المستقاة من الوثائق والمطبوعات.
لم يهتم المترجمون والمستشرقون خلال الحملة الفرنسية في تثقيف الشعب بترجمة ما قد يفيده من الوجهة الأدبية؛ بل كان همهم مقصورا على ترجمة الوثائق الإدارية ليطلع عليها رجال الحكومة وأفراد الشعب. فإذا عكف بعض المستشرقين على الترجمة في أوقات فراغهم كان عكوفهم عليها بقصد المرانة والتسلية لا غير. فالمستشرق مارسيل مثلا نشر في مجلة «لاديكاد»
42
التي كان يتولى طبعها بعض قطع عربية ومعها ترجمتها إلى اللغة الفرنسية، إلا أنه لم يتقيد دائما بالنص العربي. فقد قام يوما بترجمة الفاتحة. ففسر معانيها بالشعر الفرنسي، وهي بلا ريب قصيدة طريفة جديرة بالنشر:
Au nom de l’Etre unique en pouvoir, en essence;
Au nom du Dieu element, du Dieu de bienfaisance,
Don’t sur nous chaque jour s’épanchent les présents,
Vers qui nous élevons nos voeux et notre encens ...
Louange au Dieu du Ciel, de la terre et des ondes,
Arbitre des destines au jour du jugement;
Vengeur de l’opprimé; soutien de l’innocent;
C’est vers toi que nos coeurs elancent leur priere
C’est toi que nous osons implorer comme un pére ...
Exauce tes enfants; que toujours l’equité,
Affermissant leurs pas, soit leur guide assuré;
Qu’ils fuient les sentiers de l’erreur mensongére;
Que nul crime sur eux n’appelle ta colére;
Que dirigeant vers Toi leurs esprits et leurs ecours,
Ils se montrent toujours tes vrais adorateurs.
وهناك أيضا ترجمة لقصيدة صاغها أحد الشعراء تحية للجنرال بونابرت:
لله عصر قد زها
فلك السعادة فيه دار
وجمال كوكب دولة ال
جيش الفرنساوي أنار
يا حسنها من دولة
بالافتخار لها اشتهار
Enfin nous voyons luire sur nous l’aurore du Bonheur; les temps fixes par Dieu sont arrivés; une atmosphere de félicité nous environne; l’astre brilliant de la victoire que dirige les guerriers francais a répandu sur nous son éclatante lumierél; la renommée et la célébrité les précedent, la fortune et l’honneur les accompagnent.
Décade, vol. I, an VII
وهو إلى جانب ذلك شرع في ترجمة وصايا لقمان، وطبعها في كتيب علق عليه بنفسه في مجلة «لاديكاد» قائلا: «ألحقت ترجمة فرنسية بالطبعة العربية؛ لأني أردت قبل كل شيء أن أترجم النص العربي ترجمة حرفية بقدر المستطاع مغفلا أناقة الأسلوب حتى لا أخالف النص العربي، وقد سلكت هذا المسلك في الترجمة؛ لاعتقادي بأن عملي هذا قد يعود بالفائدة على بعض الأشخاص الذين يرغبون في دراسة اللغة العربية، ولم يأنسوا حتى الآن ما يعينهم على تحقيق تلك الرغبة؛ إذ لم يجدوا نصوصا عربية ترافقها ترجمة حرفية.»
ونقول بصفة عامة: إن هؤلاء المترجمين حاولوا مراعاة الدقة في ترجمتهم، ولو أنهم كانوا يميلون إلى بعض التصرف مع حفظ المعاني، ودونك مقتطفات من ترجمة جوبير لكتاب جغرافية الإدريسي من اللغة العربية إلى اللغة الفرنسية:
الحمد لله ذي العظمة والسلطان، والطول والامتنان، والفضل والإنعام، والآلاء الجسام الذي قدر فحكم، ورأف (رزق) فأنعم، وقضى فأبرم، ودبر فأتقن، وذرأ وبرأ فأحسن ما صور فاتصلت بالعقول معرفته، وقامت في النفوس حجته، ووضع للعيون برهانه، وقهر الألباب قدرته وسلطانه.
وأول ما أبتدئ به من ذلك الكلام على صورة الأرض المسماة بالجغرافية كما سماها بطليموس ووصفها به، ومن الله نستمد المعرفة والتوفيق والتسديد في كل منهج وطريق، فهو جلت قدرته بذلك جدير وعليه قدير.
Gràces soient rendues à Dieu, Etre essentiellement grand et puissant, incorporel. Dieu de bonte, de bienfaisance et de longaminité, juge souverain qui peut tout, qui est clément et miséricordieux, qui gouverne tout, qui posséde une science infinite, qui a donné à tout ce qu’il a créé des formes parfaits don’t la connaissance est gravee dans tous les cceurs et repose dans les esprits sur des preuves visibles et incontestables .
Nous commencons par traiter de la figure de la terre, don’t la description est désignée par ptolemeo sous le nom de Geographie, en invoquant les secours, la faveur et la protection de dieu dans toutes les voies et dans toutes les circonstances; car Dieu a manifeste sa gloire par sa grandeur, et il est puissant en toutes choses .
اقتبسنا هذه النماذج من أعمال غير الرسمية، ولنا أن نتساءل الآن: هل أتقن هؤلاء المستشرقون ترجمة الوثائق الإدارية كما أتقنوا فيما بعد الترجمة الأدبية؟ ولا بد قبل الإجابة عن هذا السؤال من أن نعترف بأن بونابارت عهد إليهم بعمل موفق، فإذا أرادوا الإتقان في ترجمة كل وثيقة تعرض عليهم (والوثائق ترجمة بلا شك) ضاق بهم الزمن، ولم يستطيعوا إنجاز العمل بالرغم من المجهود الجبار الذي كانوا يبذلونه، ولا سيما وقد اتضح لنا أن هؤلاء المستشرقين كانوا غير متمكنين من اللغة العربية. قال عنهم جرجي زيدان: «وظاهر أن هؤلاء التراجمة كان بعضهم من غير أبناء هذه اللغة، فإذا ترجموا عبارة صاغوها في قالب أعجمي، وما لم يجدوا له لفظا عربيا تركوه على لفظه الإفرنجي أو وضعوا له لفظا عاميا.»
وكنا نود أن نطلع على بضع وثائق ترجمت من اللغة الفرنسية إلى اللغة العربية حتى يكون الحكم قاطعا، ولكننا مع الأسف لم يسعدنا الحظ. فلم نقف إلا على نص النداء الذي وجهه الجنرال بونابارت إلى أهالي مصر عندما هبطت قواته ميناء الإسكندرية، وقد ذكره الجبرتي في كتابه، ولا شك أن اللغة سليمة، غير أن الطابع الغربي في الأسلوب كان يغلب فيه على الطابع العربي، وإليكم فقرة من هذا النداء:
Depuis assez longtemps les beys qui gouvernent l’Egypte insultent à la nation francaise et couvrent ses négociants d’avaines: l’heure de leur chatiment est arrivee. Depuis trop longtemps ce ramassis d’esclaves achetes dans la georgie et le caucase tyrannise la plus belle partie du monde, mais Dieu de qui dépend tout, a ordonne que leur ompire finit. Peuples de l’Egtpte on vous dira que je viens detruire votre religion; ne le croyez pas. Repondez que je viens restituer vos droits, punir les usurpateurs et que je respecte plus que les Mameluks, Dieu, Son Prophete et l’Alcoran .
يعرف أهالي مصر جميعهم أنه من زمن مديد الصناجق الذين يتسلطون في البلاد المصرية يتعاملون بالذل والاحتقار في حق الملة الفرنساوية، ويظلمون تجارها بأنواع الإيذاء والتعدي، فحضر الآن ساعة عقوبتهم، وأخرنا من مدة طويلة هذه الزمرة المماليك المجلوبين من بلاد الأبازة والجراكسة يفسدون في الإقليم الحسن الأحسن الذي يوجد في كرة الأرض كلها، فأما رب العالمين القادر على كل شيء فإنه قد حكم على انقضاء دولتهم. يا أيها المصريون، قد قيل لكم: إنني ما نزلت بهذا القطر إلا بقصد إزالة دينكم فذلك كذب صريح فلا تصدقوه، وقولوا للمفترين: إنني ما قدمت إليكم إلا لأخلص حقكم من يد الظالمين، وإنني أكثر من المماليك أعبد الله سبحانه وتعالى وأحترم فيه القرآن العظيم.
ولما انسحبت الجيوش الفرنسية، وقمعت الثورات التي نشبت في أنحاء البلاد، وصارت الولاية إلى محمد علي باشا، أخذ الوالي ينشئ الدواوين ويستخدم التراجمة، واللغة في حالة ضعف وركاكة. فقد ذكر الأستاذ محمود مصطفى معلقا على هذه الحالة:
43
إن لغة الدواوين كانت التركية، وبعد قليل من حكم محمد علي صارت العربية هي اللغة للحكومة،
44
ولكن العربية التي استعان بها القوم في كتابة الدواوين كانت عربية سقيمة واهنة ركيكة؛ بل أنت حقيق أن تقول: إنها لا تمت إلى العربية بنسب إلا في ألفاظها وصور حروفها. فأما الأسلوب ودلالة التراكيب فذلك ما لا صلة له بالعربية، ولسنا ندري كيف اعتاد أهل هذا الجيل فهم هذا القول، ولا على أي قاعدة كانوا يخرجون تلك التراكيب، ولكن النقص شمل الجميع، فحفظوا صورا وتواضعوا على مدلولاتها، ثم جعلوا يرددونها في كل ما يكتبون فتؤدي إليهم ما اصطلحوا عليه مما لا يرجع إلى أصل في دلالات اللغة الصحيحة.»
ونؤيد تعليقه هذا بوثيقة استخرجناها من بين ألوف الوثائق المحفوظة في قصر عابدين العامر، وهذه الوثيقة أمر عال
45
مؤرخ 13 شوال سنة 1236 إلى الشيخ فيصل الدويس شيخ عربان مطير: «أما بعد السلام فالمنهي إليكم سابقا حضر لنا جوابكم صحبت تابعكم، وصار معلومنا ما انتهيتموه لنا إلينا عن كيفية حالكم، وأرسلنا لكم رد جوابه صحبته تابعكم، والآن مرسلين إلى هذه الجهة أقدم أتباعنا ومعتمدهم ولدنا العزيز المكرم حسن بك محافظ المدينة المنورة حالا على سكانها السلام، والواصل لكم بصحبة ألف ريال فرانسة تستأخذوهم وتصرفوهم في مصالح أحوالكم، وبمقتضى ما تعهد في غيرتكم وصلابة حميتكم وزيادة اجتهادكم في صداقة خدمتنا كما كان منكم سابقا في مدن ولدنا الجناب المفخم إبراهيم باشا المعظم والي جدة حالا زيد قدره، وكذلك مدة ولدنا المكرم حسين بك محافظ المدينة سابقا كذلك تكون في غاية الهمة والاجتهاد والصداقة الوافية في الخدمة والاتحاد مع ولدنا العزيز حسن بك المومى إليه مع كثرة السعي لأمورنا الموجبة عليكم نطلب منكم في الكل الأمور لا تخرجوا عن أمر ورأي ولدنا المذكور، وتكونوا موافقين في الرأي والاتحاد مع حسن بك برعاية خدمتكم وصداقتكم كما كانت في الأول؛ بل أزيد مراد قيمته تعالى عند اطلاعكم على مرسومنا هذا لا يكون منكم إلا إبراز الهمم الزايدة، وإظهار خدمتكم الوافية والسلام.»
هذا هو الأمر، ويخيل إلينا أنه نص تركي بحروف عربية، وهو مسجل بدفتر تركي مع سائر الأوامر التركية؛ لأن لغة البلاد الرسمية كانت وقتئذ اللغة التركية، وكانت البلاد مفتقرة إلى محررين متضلعين في اللغة العربية؛ لذلك يستحسن ألا نعتمد على ترجمة الدواوين لنقيس بها قيمة الترجمة الأدبية في هذه الفترة. فلنرجع حينئذ إلى الترجمة العلمية، أو على الأصح إلى ترجمة الكتب المدرسية، وهي التي ستبين لنا بوضوح قيمة المجهود الذي بذله رجال العلم لرفع مستوى اللغة مع إتقان فن الترجمة.
ولا نستطيع بطبيعة الحال أن نبدي رأيا إجماليا في هذا الموضوع، فإن قيمة الترجمة تختلف باختلاف نبوغ المترجم والعناية التي يبذلها لتحقيق الغرض المنشود منها.
استعان محمد علي باشا في بداية عهده بالسوريين، ولعل الأب روفائيل (الذي ورد ذكره من قبل ) يعتبر من أوائل من تولوا مهمة الترجمة في الديوان العالي، وهو الذي وضع معجما عربيا إيطاليا، وترجم بناء على أمر من الوالي كتاب «الأمير» لنيقولاوس ماكيافيللي الإيطالي، وتدل ترجمته على أنه حرص على حفظ المعاني، ولو أنه استعمل العبارات الركيكة التي كان استعمالها شائعا في هذه الفترة، وننشر هنا نموذجا من ترجمته:
46
Ceux qui desirent acquerir la gràce de quelque prince ont accoutume de se présenter a lui avec ceux de leurs biens qu’ils present le plus ou auxquels ils voient qu’il prend le plus de plaisir. D’ou vient que bien souvent on leur voit étre fait present de chevaux, armes, draps d’or, pierres precieuses, et de semblables ornements dignes de leur grandeur .
Desirant done m’offrir à Votre Magnificence avec quelque temoignage de ma servithde, je n’ai rien trouvé parmi toutes les hardes que j’estime tant que la connaissance des actions des grands personnages, laquelle j’ai apprise par longue experience des choses modernes et lecture continuelle des antiques .
إنه لقد يعتاد في غالب الأوقات أولئك الذين يرغبون نعمت عند الأمير أن يتقدموا له بتلك الأشياء التي فيما بين ما يمتلكونه أعز ما عندهم أو التي يرون أنها تسره أكثر من غيرها، ومن ثم فقد يشاهد مرارا كثيرة أنها تتقدم بخيل وأسلحة وأقمشة من المقصبات ومن الأحجار الثمينة، وما دنا هي ذلك مما للزينة تنتاحلها عظمة أولئك، أعني الأمراء، وإذ ذاك إذ كنت أرغب أنا أن أقدم ذاتي لعظمتكم مع بعض ما من الشواهد لخدمتي نحوها فما وجدت ما بين أمتعتي شيئا مما عندي من الأعز، أو مما أعتبره بهذا المقدار بقدر ما هي خبرة أفعال الرجال المعظمين تلك التي قد تعلمتها بتجربة مستطيلة في الأشياء المستجدة، وبمطالعة متصلة في الأمور القديمة.
ولم تظهر الصعوبة في ترجمة النصوص الأدبية بمقدار ما ظهرت بوضوح عندما قام المترجمون بترجمة الكتب المدرسية في مختلف العلوم والفنون. فإن مصر في صدر هذا العصر كانت خلوا من العلوم الحديثة «فعانى المترجمون كثيرا في الاضطلاع بمهمتهم العسيرة، ومهما يكن من شيء فإن هذه الحركة كانت أول ما دعا في صدر هذه النهضة الحديثة إلى مراجعة معجمات اللغة والكتب الفنية القديمة كمفردات ابن البيطار لاستخراج المصطلحات العلمية، وإذا كانت قد غلبتهم الألفاظ الأجنبية في كثير من الأحيان فإن لهم الفضل على كل حال في البدء بعقد الصلة بين لغة العرب القديمة وبين علم الغرب الحديث، ولقد كان سعي المترجمين في هذا شاقا مضنيا على أنهم قد استطاعوا بسعة العلم وقوة الصبر والإخلاص لوجه النهضة ما يكاد يضاف إلى جملة المستحيل، وآثارهم في هذا الباب ما برحت قائمة إلى الآن، وما زالت تبعث إلى الفخر بهم على كل لسان، وإذا كنا اليوم نحمد للغتنا تقدمها ووفاءها بكثير من مطالب الحياة في أسبابها الحديثة ، فإنما نحن مدينون لأولئك الأسلاف بالقسط الأعظم من هذا الفضل العظيم.»
47
ونختص بالذكر الشيخ رفاعة بك رافع الذي بذل مجهودا جبارا في ترجمة الكتب المدرسية، وتصحيح معظم أعمال المترجمين في قلم الترجمة علاوة على إشرافه على تعليم التلاميذ في مدرسة الألسن.
ولم تكن جميع ترجمات رفاعة بك سواء في الدقة والقيمة الأدبية، وهذا أمر طبيعي بالنظر إلى مشاغله الكثيرة. فقد علمنا مثلا أنه ترجم جزءا من جغرافية (مالطبرون) في أسابيع معدودة، وكانت الحال تقتضي هذا الإسراع، فاضطر رفاعة بك إلى ترجمتها على عجل، ولا بد من الإشارة إلى أن ترجمته للكتب المدرسية لم تكن مقياسا لبراعته في فن الترجمة، وإلمامه التام بأسرار اللغتين العربية والفرنسية. فإذا كان لا بد من ذكر نموذج من ترجمته فسنقتبس هذا النموذج من الكتاب الذي قام بترجمته وهو منفي في الخرطوم، وهذا الكتاب هو رواية فلسفية
Le Télémaque
ألفها
Fénelon
أحد مشهوري الكتاب الفرنسيين في القرن السابع عشر، أي في العصر الكلاسيكي، ويعلم الجميع أن اللغة الكلاسيكية الفرنسية عسيرة الفهم لمن لا يتقن لغته؛ إذ كان يتفنن فحول الكتاب الفرنسيين في صوغ أرق الأساليب؛ ليعبروا عن أفكارهم. حقا إنه تصرف كثيرا في ترجمته الرواية، أو بمعنى آخر تجنب الترجمة الحرفية، وهذا التصرف لا يدل على عجزه في إدراك المعاني؛ إذ يغلب على الظن أنه تجنب الترجمة الحرفية ليسهل إدراك المعنى تمام الإدراك، وإليك أنموذجا من «التيليماك»:
Télémaque lui répondit: O vous, qui que vous soyez, mortelle ou déesse (quoi qu’a vous voir on ne puisse vous prendre que pour une divinité), seriez-vous insensible aux malheurs d’un fils qui, cherchant son pere a la merci des vents et des flots, a vu briser son navire contre vos rochers .
فأجابها تليماك بقوله: أيتها الملكة، ارفقي بحالة ولد يبحث عن أبيه عرضة للأخطار والأمواج والعواصف التي كسرت سفينته على شواطئ جزيرتك بعد أن قاسى ما قاسى من الأهوال، وقذفته المقادير إلى أمام حضرتك.
ويبدو أن هذا النموذج لا يظهر كفاية رفاعة بك في الترجمة، وأن ترجمة الكتب المدرسية لا تحتاج إلى فن وقدرة ممتازة، ولكن الواقع أن نبوغ رفاعة بك ظهر بوضوح في ترجمة الكود ومصطلحاته الفنية. «فإن الحكومة حينما فكرت في إصلاح النظام القضائي في عهد إسماعيل مهدت إلى ذلك بتعريب القوانين الفرنسية المعروفة بالكود، وهي مهمة شاقة تحتاج إلى اطلاع واسع في القوانين الفرنسية وأحكام الشريعة الإسلامية؛ لاختيار المصطلحات الفقهية المطابقة لمثيلاتها في القانون الفرنسي، وتحتاج أيضا إلى علم غزير وصبر في العمل وإلمام تام بأسرار اللغتين الفرنسية والعربية. فلم تجد الحكومة من يضطلع بهذه المهمة سوى رفاعة بك وتلاميذه»،
48
وإليك ترجمة لمادتين من الكود نقلناها دون تخير:
Art. 150
Si le pére et la mére sont morts ou s’ils sont dans l’impossibilité de manifester leur volonté, les aieuls et aieules les remplacent; s’il y a dissentiment entre l’aieule de la meme ligne, il suffit du consentement de l’aieul. S’il y a dissentiment entre les deux lignes, ce partage emportera consentement .
بند 150
إذا كان كل من الأبوين ميتا أو تعذر علم رضاه، ناب عنهما الجد والجدة فإذا حصل اختلاف بين الجد والجدة المتحدي الجبهة كفى رضا الجد، فإذا تعذرت الجبهة غلب جانب الرضا.
Art. 454
Lors de l’entrée en exercice de toute tutelle, autre que celle des pére et mére, le conseil de famille réglera par apercu, et selon l’importance des biens, la somme à laquelle pourra s’élever les depenses annuelles du mineur, anisi que celles d’administration de ses biens. Le meme acte specifiera si le tuteur est autorise a s’aider, dans sa gestion, d’un ou plusieurs administrateurs particuliers, salaries, et gerant sous sa responsabilité .
بند 454
عند افتتاح أي وصايا كانت بالتصرف ما عدا ولاية الأبوين يجب أن يحرر مجلس العائلة مقايسة إجمالية بالمبلغ الذي ينصرف في نفقة القاصر كل سنة، وبتقدير المبلغ الذي ينصرف لإدارة أملاكه ومصلحته.
وفي صلب المقايسة ينبه على ما يلزم لإدارة مصلحة القاصر للوصي من المعاونين إن كان يجوز الحال ذلك، وبيان ماهيتهم بشرط أن تكون مسئولية إدارة من ذكر واجبة على الوصي.
ونريد قبل البدء في الحديث عن عصر إسماعيل أن نعلق على ما ورد في بعض كتب آداب وخصوصا كتاب الأستاذ محمود مصطفى، إذ قال: «ويلاحظ أن الترجمة إلى عهد إسماعيل كانت خاصة بكتب العلم فلم تر بينها كتابا أدبيا من نحو قصة أو شعر أو وصف للشعوب أو نحو ذلك؛ لأن نقل مثل هذه الآداب يحتاج إلى مقدرة على التعبير واستطاعة للتصوير، فأما نقل العلم فإن أبسط العبارات يكفي في نقل المعنى لا يحتاج إلى زخرف أو تطلية، وإنما صعوبته في التوفق إلى ترجمة المصطلح. فإذا تغلب عليها المترجم فليس بعد ذلك من عسر.»
كانت كثرة الأعمال الإدارية والعلمية صارفة للمترجمين عن الإقبال على الكتب الأدبية يترجمونها، فلم يكن إهمالها لعجز أو افتقار، فإن مقدرة رفاعة بك وبعض أعوانه لا يتطرق إليها الشك، بدليل أنه لما فرغ من ترجمة الكتب المدرسية (بعد وفاة محمد علي باشا) باشر ترجمة الكتب المصبوغة بصبغة أدبية كالتيليماك وكتاب عدل مونتيسكيو حين سمح له وقته بالتفرغ لها. •••
فترت حركة الترجمة بعد وفاة محمد علي باشا، ولم تنبعث إلا في عصر إسماعيل غير أن الخديو لم يشملها بمثل العناية التي شملها محمد علي باشا، فإذا أبرز في هذا العصر بعض المترجمين أمثال عبد الله أبو السعود والسيد صالح مجدي بك، فقد يرجع الفضل في ذلك إلى الدراسة المتينة التي تلقوها في مدرسة الألسن في عهد أستاذهم الأمير رفاعة بك. أما عملهم: فهو مثال للدقة والإتقان مع الميل إلى تسهيل العبارة، وهذا نموذج من ترجمة أبي السعود أفندي اقتبسناه من «كتاب تاريخ قدماء المصريين المسمى قناصة أهل العصر في خلاصة تاريخ مصر» تأليف أوغسطس مارييت بك:
L’histoire nous apprend que l’Egypt est bornée au nord par la Méditerranée, au sud par la cataracte d’Assouan. Mais l’historie, en posant ces limites, ne tient aucun compte des indications fournies par la géographie, soit par l’étude comparée des races. Au nord-est du continent africain, de la mer à l’Equateur, s’étend une zone immense de terrain formée par le même fleuve, par lui seul fertilisée. D’un autre côté, des races diverses qui peuplent les rives de ce fleuve, les unes sont incultes, sauvages, incapables de se gouverner elles-mêmes: au contraire, en deçà du tropique, on rencontre une nation qui mérite l’admiration des hommes par sa gloire, par son industrie, par tous les éléments de civilisation qu’elle possède en son sein. L’histoire devrait donc dire que l’Egypte s’étend la où coule le Nil, et qu’ainsi l’Egypte a le droit de revendiquer comme son domaine toutes les terres qu’arrose ce fleuve célèbre, aussi loin qu’elles s’étendent vers le Sud .
ذكر المؤرخون أن مصر محدودة من جهة الشمال بالبحر الأبيض المتوسط، ومن جهة الجنوب بشلال أسوان، ولم يلتفتوا في التحديد على هذا الوجه؛ لما يظهر من الدلالات المتخذة من علم الجغرافية، ولا من النظر في مقابلة أحوال أنواع العالم بعضهم مع بعض، فإنه من علم الجغرافية يعلم أنه يوجد على الشمال الشرقي من قارة أفريقيا فيما بين البحر المالح إلى دائرة خط الاستواء منطقة متسعة من الأرض متكونة كمصر من نهر النيل تكتسب خصوبتها منه، لا من سبب آخر مثلها، وبالنظر في مقابلة أحوال أنواع العالم بعضهم مع بعض يرى أن على شواطئ النهر من تلك الجهات أقواما متنوعين متوحشين. لا قدرة لهم على سياسة أنفسهم بأنفسهم، مع أن بهذه الجبهة من دائرة الانقلاب أمة متمدنة، تعجب النظر وتسر الخاطر بما حوته من الفخر، واكتسبته من أنواع الصنائع، وسائر أسباب التمدن والتنافس الذي اشتملت عليه. وحينئذ فكان يقتضي المؤرخين في تحديد مصر أن يقولوا: إنها عبارة عما يرويه النيل من الأرض، فهي تستحق الاستيلاء على سائر الأراضي التي يسقيها هذا النهر من جهة الجنوب، ولا بلغت ما بلغت من تلك الجهة.
هذا كما نرى نموذج لمترجم قدير في عصر إسماعيل، ولكن معظم المترجمين في هذا العصر لم يراعوا الدقة، ويرجع ذلك إلى هبوط مستوى التعليم في مدرسة الألسن بعد أن ترك نظارتها رفاعة بك، وأوضح مثال نقدمه إلى القراء نص الترجمة لكتاب: «نهاية الأرب في تاريخ العرب» تأليف
Sédillot
الفرنسي. ففي سنة 1285 أمر علي باشا مبارك ناظر المعارف أحد المترجمين بقلم ترجمة الديوان ومعلمي اللغة الفرنسية بالمدارس الملكية المصرية، وهو محمد أفندي بن أحمد عبد الرازق بترجمة هذا الكتاب النفيس، ولما تخلى علي باشا مبارك عن نظارة المعارف وقف الطبع وحفظت الترجمة في الكتبخانة الخديوية. ثم عاد علي باشا مبارك إلى نظارة المعارف سنة 1305 فاهتم بهذا الكتاب غير أنه لاحظ أن بعض الأبواب «لم تستوف حقها من الترجمة»
49
فترجم وصحح بنفسه وقابل النص الفرنسي بالنص المترجم، وقد عثرنا في دار الكتب المصرية على الوثيقة المخطوطة المؤرخة سنة 1289، وعارضناها بالنسخة المطبوعة في سنة 1309 فلاحظنا نقصا في ترجمة عبد الرازق أفندي وإليك الأمثلة:
النص الفرنسي
Les turcs ottomans ont pu étendre leur domination sur l’Egypte et dans les Regences de Tripoli, de Tunis et d’Alger. Mais s’ils ont reussi a comprimer les population, ils n’ont en rien altere le carcatere des tribus arabes qui sont restees, des bords du Nil a l’Atlantique, ce qu’elles etaient au temps de la conquete, avec les memes qualities et les memes dafauts, toujours pretes a payer l’impot si on leur laisse la vie independante. On a remarque souvent chez les Egyptiens moderenes cet esprit resigne, mais actif et observateur, qui distingue a un si haut degree les Arabes, et on comprend que Mohamed Ali, après ses victories sur les Wahabites ait eu l’idee d’opposer a la puissance turque un Etat nouveau, vivifie au contact de la civilization europeenne. Les traductions qu’il a fait faire en arabe de nos livres de science, les nombreuses editions de Boulac destinees a repandre de tous cotes les connaissances de l’ecole moderne, attestaient des vues elevees et un ardent desir de régénérer les peoples soumis a ses lois .
Sédillot, Chap. II, du Livre VII, les Arabes d’Afrique
ترجمة أحمد أفندي عبد الرازق
قد أمكن الدولة العلية أن توسع حكمها حتى شمل مصر وإيالات طرابلس وتونس والجزائر غير أنها كانت نجحت في قمع عصيان سكانها إلا أنها لم تغير شيئا من طباع القبائل العربية التي قد بقيت من ابتداء شواطئ النيل إلى المحيط الأتلنطيقي على ما كانت عليه أيام الفتوحات الأولية أعني ملازمة فضائلها ومثاليها البدوية، ومتأهبة دائما إلى أن تدفع الخرجات السلطانية بشرط أن تبقى على ما جلبت عليه من العيشة الاستقلالية، ولقد شاهدنا في أغلب الأحيان عند المصريين المتأخرين ما كانت تمتاز به قدماء العرب كل الامتياز من العقل المذعن للقضاء والقدير والكثير الاشتغال والتأمل في الكائنات، وفهمنا أن محمدا عليا «كذا» باشا كان يريد بعد انتصاره على الوهابية أن يظاهر الدولة العلية بدولته المستجدة المتنشطة الهمة باكتساب التمدن الأوروبي، ويدل على مقاصده العلية، وشدة رغبته الكلية في إحياء الفضائل والتمدن والتقدم عند الأمم المنقادة لأحكامه استكثاره من ترجمة كتبنا الفرنساوية العلمية إلى اللغة العربية، ومن طبع كتب عديدة في مطبعة بولاق معدة؛ لأن تنشر في جميع الجهات معلومات علماء هذا العصر.
ترجمة علي باشا مبارك
شمل حكم الدولة العلية إيالات مصر وطرابلس وتونس والجزائر، ولم تغير شيئا من طبع القبائل العربية من شواطئ النيل إلى المحيط الأتلنطيقي فإنها إذ ذاك باقية على ما كانت عليه أيام الفتوحات الدولية من ملازمة الفضائل والمثالب اليدوية، والتأهب لتأدية الخراج السلطاني بشرط بقائهم على ما جبلوا على حين من المعيشة الاستقلالية، وقد شاهدنا ما امتازت به قدماء العرب كل الامتياز من العقل المذعن للقضاء والقدر، والكثير التأمل في المصنوعات لدى المصريين المتأخرين المنجدين لنا أن محمد علي باشا لما أراد بعد نصرته على الوهابية أن يظاهر الدولة العلية بدولته المتنشطة باكتساب تمدن أوروبا، رغب في إحياء الفضائل والتمدن لدى المنقادين لحكمه، فأكثر من ترجمة الكتب الفرنسية العلمية إلى اللغة العربية وطبع عدة كتب في مطبعة بولاق. •••
أما لغة الدواوين في هذا العصر: فحسبنا أن نثبت صورة أمر كريم صدر سنة 1880 يتبين منها أن اللغة استمرت مزيجا من اللغة التركية والعربية الركيكة: «ولم تعالج هذه الحالة إلا بعد انتشار الصحف العربية التي تولى تحريرها نخبة من الأدباء، فبرزت ركاكة الاصطلاحات الرسمية المستعملة، ولكن لم تزل لغة الدواوين بين تشف عن ضعف، ولم يزل رجال الأدب يطالبون بإصلاحها.»
50
وإليك نص الأمر، وهو خاص بتبليغ الأقطار السودانية تولية الخديو توفيق باشا عرش مصر:
أما بعد؛ فإن الله جلت قدرته أراد ولا مانع لما أعطى ولا راد أن تكون حكومة مصر بملحقاتها المعلومة في وفي نسلي وهذا من فضل ربي لا من فضلي، فأعتقد أن العدل بين الناس وهو لمباني الحكم خير أساس. فلذا التزمت الرفق والعدل والإحسان وحسن المعاملة مع الجميع باللطف والمجاملة، فنسأل الله أن يرزقنا الفلاح، ويوفقنا لما فيه الخير والإصلاح.
ومن حيث المعلوم لجنابكم السامي ومقامكم الرفيع النامي أن حكومتنا الخديوية وحكومتكم البهية تجمعنا جميعا كلمة التوحيد فلهذا يكون الأمر السديد ازدياد حسن العلاقة والوداد وأحكام الألفة والاتحاد. سيما وحضرتكم الجار الأكرم، فالأولى أن يكون لنا من ودكم النصيب الأعظم؛ إذ جل مقصودنا استمرار هذه العلاقة على أحسن أسلوب فوق المأمور والمطلوب، بحيث لا يعتريها نقص ولا إخلال بحال من الأحوال.
وإذا لم نراع ما قام به رفاعة بك في منفاه من ترجمة كتاب «تليماك» في عصر عباس
51
أمكن القول بأن الترجمة كانت مقصورة حتى أوائل عصر إسماعيل على الكتب المدرسية. أما في هذا العصر: فقد نشط المترجمون في ترجمة ما ليس له علاقة مباشرة بالتعليم والمدارس، ومنهم من لم يترجم قط الكتب المدرسية مثل: عثمان بك جلال، وكان الجمهور شيقا إلى قراءة القصص المسلية، ومشاهدة الروايات التمثيلية في أوقات الفراغ، فأدى هذان العاملان إلى تنشيط ترجمة القصص التمثيلية وغيرها، وللدلالة على مبلغ شغف القراء بمطالعات الروايات نذكر بعض تعليقات دونها بعضهم على غلاف النسخة المحفوظة بدار الكتب الفرسان الثلاثة. كتب أحدهم: «ما أبدعها رواية تدل على ما لصاحبها ومؤلفها من النبوغ وما عليه معربها من العبقرية.» وكتب آخر: «ما أجملها، رواية عظيمة وذلك لنبوغ معربها.»
وقد استعمل المترجمون العبارات السهلة، وفي بعض الأحيان كانوا يستعملون اللغة العامية حتى لا يجشموا القارئ مشقة البحث عن المعاني، ولما كانت الروايات المترجمة من أصل فرنسي أو إنجليزي، فقد حاول مترجموها أن يضعوها أحيانا في قالب كما فعل عثمان جلال برواية «ترتوف» الذي سماها بعد تعديلها «رواية الشيخ متلوف». أما أمثال لافونتين الشعرية فقد نظمها بالشعر العربي ودعاها: «العيون اليواقظ في الأمثال والمواعظ»، ودونك مثالا منها وهو «البخيل والدجاجة.»
La Poule aux oeufs D’or
L’avarice perd tout en voulant tout gagner.
Je ne veux, pour le temoigner,
Que celui, don’t la poule, a ce que dit la fable,
.
Il crut que dans son corps elle avait un trésor.
Il la tua, l’ouvrit, et la trouva semblable,
A celle dont les ceufs ne lui rapportaient rien,
S’etant lui-meme ote le plus beau de son bien.
Belle lecon pour les gens chiches;
vu,
Qui du soir au matin, sont pauvres devenus,
كان البخيل عنده دجاجة
تكفيه طول الدهر شر الحاجة
في كل يوم مر تعطيه العجب
وهي تبيض بيضة من الذهب
فظن يوما أن فيها كنزا
وأنه يزداد منه عزا
فقبض الدجاجة المسكين
وكان في يمينه سكين
وشقها نصفين في غفلته
إذ هي كالدجاج في حضرته
ولم يجد كنزا ولا لقية
بل رمة في حجرة مرمية
فقال: لا شك بأن الطمعا
ضيع للإنسان ما قد جمعا
ومن عيوب الروايات المترجمة أن ترجمتها لم تكن حرفية، ولا سيما إذ كانت الرواية طويلة «كالفرسان الثلاثة» لاسكندر دوماس التي ترجمها الشيخ نجيب الحداد. فالمترجم قد أهمل بعض الفقرات التي أمكنه أن يهملها دون أن يشوه المعنى، ولهذا اضطر أحيانا إلى زيادة بعض العبارات من عنده؛ لتوضيح بعض ما حذفه في الترجمة.
وإليك مثالا اقتبسناه من هذه الرواية:
C’était une nuit orageuse et somber; de gros nauges couraient au ciel, voilant la clarté des étoiles; la lune ne devait se lever qu’à minuit .
l’horizon, on apercevait la route qui se déroulait, blanche et solitaire; puis, l’éclair éteint, tout rentrait dans l’obscurité .
A chaque instant, Athos rappelait d’Artagnan, toujours à la tête de la petite troupe, et le forçait de reprendre son sang, qu’au bout d’un instant il abandonnait de nouveau; il n’avait qu’une pensée, c’était d’aller en avant, et il allait .
وكان الليل عاصفا، والسحاب متكاثفا، والظلام شديدا. إذا مد الإنسان يده لم يكد يراها، وكان القمر لا يشرق إلا عند منتصف الليل، فجعل القوم يسيرون في ذلك الظلام، ولا ينظرون الطريق إلا إذا لمع البرق.
وبعد؛ فقد قلنا: إن القارئ المثقف قد أبدى وقتئذ اغتباطه بمطالعة الروايات، ولكنه لم يبد مثل هذا الاغتباط بمطالعة الكتب العلمية بعد خروجه من المدرسة، ولئن ترجم بعض الكتب العلمية في هذه الفترة، فإنما ترجم بتكليف من الحكومة ومعاضدة منها. فإذا تولى عبد الله أبو السعود (وكان رئيسا لقلم الترجمة) ترجمة تاريخ مصر لمرييت بك، فإنه لم يباشر هذا العمل إلا لأن حضرة شريف باشا مدير المدارس المصرية وناظر الأمور الخارجية أمره بترجمته: «تحصيلا لتمام الثمرة وتسهيلا لما كان يصعب على أهل مصر في هذه المادة من النتيجة المتعذرة، وإلا فبدون ذلك كانت لا تتم فائدته لأهل الوطن، ولا يتحقق قصد خديو مصر الحسن، فإنه أبقاه الله إنما أراد بذلك أن تستيقظ من سنة الغفلة.»
52
ومن ناحية أخرى لم يباشر محمد بن أحمد عبد الرازق أفندي ترجمة كتاب: «نهاية الأرب في تاريخ العرب» إلا بأمر علي باشا مبارك الذي أراد نشره لنفاسته، ولولا عنايته واهتمامه بتاريخ العرب لما ترجم هذا الكتاب القيم؛ إذ إنه عندما تخلى عن نظارة ديوان المعارف، وقف الطبع. فلما عاد إليه سنة 1305 استخرج النسخة المخطوطة من دار الكتب حيث كانت محفوظة هناك وأعاد النظر فيها، وكلف أحد علماء الأزهر الشريف أن يصوغها عربية الديباجة فصيحة اللفظ، وصدر الكتاب في سنة 1309. •••
ثم جاء عهد توفيق وعهد الاحتلال. فلما استقرت الحالة السياسية نشطت حركة الترجمة أيضا؛ إذ أخذ عدد المتخرجين من المدارس العليا يزداد سنة بعد أخرى، ولجأ إلى مصر عدد من السوريين المثقفين، فتوافرت بذلك الأيدي العاملة، وهذا في الوقت الذي سما فيه المتعلمون إلى مطالعة الكتب الأدبية، ومع ذلك بقي إقبال الجمهور متجها إلى الروايات الأدبية. فاقتصر مجهود الأدباء الخارجين عن خدمة الحكومة على ترجمة أحسن الروايات الفرنسية والإنجليزية.
وقد تذمر من هذه الحالة أحمد فتحي زغلول باشا، وحمل عليها في سنة 1899 في مقدمة «سر تقدم الإنجليز السكسونيين»، إذ قال: «من المقرر أن ميلنا إلى مطالعة المؤلفات التي من هذا القبيل (أي المؤلفات العلمية) ضعيف حتى في هذه الأيام، وأن المشتغلين بنشرها أشقى العاملين. لكن الذي لا يأخذ الأمور بظواهرها يعلم أن انزواء رغبة الناس عن مطالعة المؤلفات المفيدة، ومللهم من العلم بما يجري في الوجود من تقدم الأمم بترقي المعارف، واتساع نطاق التربية والتعليم لم يكن ناشئا عن بغضهم للعلم أو نفورهم من القائمين بنشره، وإنما هو مسبب عن طول زمن الترك الناشئ عن الضعف العام الذي ألم بروح الشرقي منذ أجيال طويلة حتى أمات ملكة حب الاستطلاع. هذا هو السبب في الإقبال على مطالعة القصص والخرافات والتهافت على اقتناء التافه من المؤلفات والتسابق إلى حفظ كتب المجون والروايات.»
والواقع أننا إذا استثنينا الكتب القضائية، وبعض الكتب المتعلقة بالاقتصاد السياسي والنزر اليسير من العلوم الأخرى، لم نجد حتى أواخر القرن التاسع عشر من الكتب المفيدة غير ما ترجمه أحمد فتحي زغلول باشا، وإذا عرضنا له فلا يسعنا إلا أن نشيد بسعة اطلاعه وبراعته في الترجمة من الفرنسية إلى العربية ودقته وعنايته بمطابقة النص العربي للنص الفرنسي، وقد نعده بحق إمام الترجمة في القرن التاسع عشر والقرن العشرين معا.
وإليك نموذجا لترجمته:
LE FRANÇAIS ET L’ANGLO-SAXON DANS L’ECOLE
C’est dès l’école que s’accuse d’abord le contraste entre l’Angleterre et les autres nations de l’Occident. Ce contraste est violent et il permet de saisir, à sa naissance, les causes profondes de la supériorité anglo-saxonne .
Chaque people organise l’éducation a son image, en vue de ses mœurs et de ses habitudes; l’éducation, à son tour, réagit sur l’état social .
On va s’en render compte par les trois premières études sur l’éducation en france, en Allemagne et en Angleterre .
La quatrieme étude, précise la nature de l’évolution sociale actuelle et indique comment nous devons élever nos enfants pour les mettre à la hauteur des conditions nouvelles du monde si différentes des conditions anciennes . (12-1) الفرنساويون والإنجليز السكسونيين في المدرسة
يظهر الفرق بين إنجلترا والأمم الغربية الأخرى منذ عهد المدرسة، وهو فرق كبير إذا عرفناه سهلت علينا معرفة السبب في أفضلية الإنكليز الساكسونيين.
كل أمة تنظم التربية على حسب طبيعتها، وعلى مقتضى أخلاقها وعوائدها، ثم التربية نفسها تؤثر في الهيئة الاجتماعية، وسيقف القارئ على بيان ذلك بما نقدمه من الشرح على التربية في فرنسا وألمانيا وإنجلترا، وبعد ذلك نخصص مطلبا رابعا نبين فيه تغيير الأحوال في هذه الأيام، ونأتي على ذكر الطريقة التي يجب أن نتبعها في تربية أبنائنا حتى يكونوا على درجة من الاستعداد تناسب الأزمان الحاضرة، التي أصبحت تخالف الأزمان القديمة من جميع الوجوه. (12-2) تأثير الترجمة في الأسلوب العربي
اتفق الأدباء على أن الترجمة في مصر في القرن التاسع عشر كان لها أقوى تأثير في الأسلوب العربي، ونورد هنا بعض آرائهم.
إدخال الأساليب الأعجيمة في أسلوب اللغة العربية
قال جرجي زيدان: «إن أسلوب الإنشاء العصري تطرق إليه تراكيب أعجمية اقتبسها الكتاب من اللغات التي ينقلون عنها أو يطالعونها وهم لا يشعرون، ولكن أساتذة اللغة يرفضون ذكرها، وبلغاء الكتاب يتجنبون الوقوع فيها.»
ولما كان من أهم أغراض المجمع اللغوي تطهير اللغة العربية من العجمة جهد المستطاع، ووضع مصطلحات عربية لكل جديد مبتكر. فمن الطبيعي أن يهتم أعضاؤه بهذه المشكلة، وقد بحثها فعلا الأستاذ عبد القادر المغربي في مجلة «مجمع اللغة العربية الملكي»،
53
ونذكر من هذا البحث ما يتصل بصميم الموضوع. «ليس بين أدبائنا كبير نزاع في أمر قبول الأساليب الأعجمية وعدم قبولها، وجل ما اشترطوه في قبول هذه الأساليب ألا تكون مخالفة في تراكيبها لقواعد اللغة العربية، وألا تكون نابية عن الذوق السليم، ولم يشترطوا قط في إدخالها إلى أساليبنا (الغرورة) كما اشترط المجمع الملكي في تعريب الكلمات مذ قال: «ومجمع اللغة العربية الملكي يجيز تعريب الكلمات عند الضرورة.»
فالباب مفتوح للأساليب الأعجمية تدخله بسلام؛ إذ ليس في هذه الأساليب كلمة أعجمية ولا تركيب أعجمي، وإنما هي كلمات عربية محضة ركبت تركيبا عربيا خالصا. لكنها تفيد معنى لم يسبق لأهل اللسان أن أفادوه بتلك الكلمات.
على أن كلا من «تعريب الأساليب» و«تعريب الكلمات» أمر طبيعي في لغات البشر يتعذر تجنبه والاحتذار منه.
ودخول الأساليب الأعجمية في اللغة العربية قديم يتصل بالعهد الجاهلي، ثم نشط في العهد الإسلامي منذ حمل راية الكتابة من عبد الحميد الكاتب. ثم تكاثر ونما في العصر العباسي، وحامل راية التعريب فيه ابن المقفع حتى كانت نهضتنا الحديثة، فرجح ميزانه وطغى طوفانه.
أساليب تسربت إلى لغتنا في العهد الأخير، وكان الظاهر من حالها أنها أعجمية لا يعرفها العرب.»
ثم سرد الأستاذ أمثلة من الأساليب التي في عجمتها شك؛ والأساليب المشتبه في عجمتها، والأساليب الأعجمية المحضة، والأساليب التي يشككون في عروبتها، والأساليب الأعجمية التي غلبت على الكتاب المصريين وفي عجمها شك، ثم استطرد فقال:
وهناك عدا ما ذكرنا أساليب عدة يكثر النزاع حول اعتبارها عربية أو أعجمية، ويمكن أن يقال بوجه الإجمال: إنها عربية، ولكن الفصحاء لم يستعملوها استغناء عنها بغيرها أو استعملوها بقلة حتى نهض أبطال الترجمة في القرن الماضي فاضطروا إلى استعمالها توفية لحق الترجمة الحرفية، ولا سيما أن تلك الأساليب بكثرة مملة في الكتابات الإفرنجية، ومن يومئذ شاعت تلك الأساليب على ألسنة كتابنا وفي لغة صحافتنا ولغة التخاطب بيننا.
قلنا في صدر المقال: إن بعض الفضلاء اشترط في استعمال الأساليب الإفرنجية أن تكون مما يلائم الذوق العربي السليم، وقلنا: إن في هذا الشرط عسرا بينا لاختلاف الأذواق وتباين المشارب والثقافات. فما رآه هذا في ذوقه بشعا قبيحا عده الآخر مقبولا حسنا، ومن أجل ذلك لا يمكننا البت في تعيين الأساليب المستهجنة؛ بل لا يمكن وضع قاعدة يرجع إليها في ذلك.
فلا جرم أن يكون تحكيم الذوق الخاص في اختيار الأساليب الدخيلة غير ممكن التطبيق؛ إذ لكل كاتب ذوق، وكل كاتب وذوقه والنقد من وراء الأذواق بالمرصاد؛ إذ لا ينبغي التشاؤم بهذه الأساليب الجديدة، فلا يحسن إيصاد الباب في وجهها ما دام النقد كالحاجب على الباب يأذن ويصد ويقبل ويرد.
من هذا كله يبدو جليا أن اللغة العربية قد تأثرت بالاصطلاحات الإفرنجية حتى لقد نسي الكتاب أن في لغتهم اصطلاحات فنية كثيرة وردت في مؤلفاتهم القديمة؛ فمثلا لعلم الاقتصاد السياسي تسمية في كتب العرب هي «علم المعاش».
54
ولكن النقلة جاروا الإفرنج في التسمية؛ فقالوا: «الاقتصاد السياسي» مع أن التسمية العربية أقرب إلى الحقيقة، وقد استرعت تلك الحال أنظار أدباء العربية وأهل الحفاظ عليها، فتوالت الدعوات لإنشاء مجمع للغة العربية، وبدت محاولات أهلية في هذا الصدد قبل أن ينشئ الملك فؤاد الأول المجمع الملكي، وقد عرض بهذه النقطة الأستاذ محمود مصطفى فقال: «إن فكرة إنشاء مجمع لغوي كانت في كل العصور تابعة للترجمة، وما يصادفه المترجمون من عقبات في التوفيق بين العربية وغيرها من اللغات التي ينقل عنها؛ لأن المترجم حين يعرض له مصطلح من المصطلحات لا يستطيع الاستقلال باختيار اللفظ العربي له؛ لعدم توفقه إلى ذلك غالبا، ولأن ذلك يحتاج إلى مواصفة وهي لا تكون إلا من جمع من أهل اللغة يوثق برأيهم حتى يكون وضعهم مأمون الدخل فيقبل عليه الناس مطمئنين.
بدت هذه الفكرة عندما اشتدت حركة الترجمة أيام المأمون العباسي، فإنه جعل يوما في الأسبوع يلتقي فيه علماء اللغة بالمترجمين فيعرض هؤلاء على أولئك عملهم، وتجري المناقشة فيه، ثم يقر الرأي على ما يقتنع به المجمع. فعمل المأمون لا يحتمل الشك في أنه أول من فكر في أهل العربية فيما نسميه الآن مجمعا لغويا.
وكان أول مجمع لغوي بمصر هو الذي اجتمع سنة 1897، وكان مقره آل البكري، وتولى رياسته السيد محمد توفيق البكري، وأسندت وكالته إلى الشيخ محمد عبده، وقد كان عمل هذا المجمع وضع ألفاظ لمخترعات حديثة. ثم فتر العمل في هذا المجمع، وانتهى أمره إلى السكوت والموت.»
55
تأثير الترجمة في الشعر
قال جرجي زيدان: «تأثر الأدب العربي بالمؤلفات الأوروبية، ويغلب النزوح إلى الأساليب العصرية في المطلعين على الشعر الإفرنجي والآداب الإفرنجية، وربما اقتبسوا شيئا من أساليبها ومعانيها، ولا يقلل ذلك شيئا من شاعرية القوم، وفي مصر اليوم طبقة من الشعراء لا يشق لهم غبار، ولم يكن في مصر أشعر منهم في دور من أدوراها. لكن الطريقة العصرية التي نحن في صددها لم يتم نضجها بعد.» (12-3) أثر الترجمة في الفكر العربي
كل من يقرأ كتابا طبع منذ أكثر من مائة عام، ثم يوازن بينه وبين كتاب ألف في أواخر القرن التاسع عشر لا يستطيع إلا أن يدرك مدى تأثر الفكر العربي بما ترجم من كتب الآداب والعلوم، وقد عقدت في شأن هذا التطور أبحاث دقيقة، ودبجت مقالات فياضة، وإننا نجتزئ بلمعة من ذلك وردت في كتاب «المفصل في تاريخ أدب اللغة».
56
قال مؤلفوه:
ولا تنس مع هذا عاملا خطيرا كان له أثره البعيد في تطور الأدب العربي عامة وفي النشر خاصة، وذلك أن ظهور المتعلمين على الأدب الغربي في لغاته أو مترجما إلى اللغة العربية، وإمعانهم في قراءته، وتقليب الذهن فيه كان له في أقلام الكاتبين أثر بعيد ظهر واضحا في صرف أجل العناية إلى المعاني لا إلى تحسين اللفظ وتبهيجه، وفي القصد في الألفاظ فلا يطلق منها إلا بقدر المعاني القائمة في النفس والتجرد من المبالغات الممجوجة، والتحليق في أخيلته السخيفة والانصراف عن التمهيد بالمقدمات الطويلة التي كثيرا ما تستهلك جهد الكاتب والقارئ جميعا دون بلوغ الغرض الذي سيق له الكلام.
وكان من أثر هذا أيضا تغير طريقة الكتابة طوعا لتغير طريقة التفكير، وتقصير الجمل، وفصل العبارات وحبس كل واحدة منها على أداء معنى واحد، واعتماد لون طريف في ترتيب الكلام وتبويبه، وسوق المقال في الغالب لأداء فكرة واحدة، واستحداث صيغ جديدة لأداء معان جديدة، والتجوز بكثير من المفردات لإصابة ما لا تطوله بأصل الوضع اللغوي
وحصر جرجي زيدان هذا التطور في 10 نقاط نذكرها فيما بعد: (1)
سلاسة العبارة وسهولتها بحيث لا يتكلف القارئ أعمال الفكرة في تفهمها. (2)
تجنب الألفاظ المهجورة والعبارات المسجعة إلا ما يجيء عفوا، ولا يثقل على السمع. (3)
تقصير العبارة وتجريدها من التنميق والحشو حتى يكون اللفظ على قدر المعنى. (4)
ترتيب الموضوع ترتيبا منطقيا. (5)
تقسيم المواضيع إلى أبواب وفصول. (6)
تذييل الكتب بفهارس أبجدية. (7)
تسمية الكتب باسم يدل على موضوعها. (8)
تنويع أشكال الحروف على مقتضى أهمية الكلام، فيجعلون للمتن حرفا وللشرح حرفا وللرءوس حرفا. (9)
إذا أرادوا إسناد الكلام إلى كاتب أشاروا إلى ذلك في ذيل الصحيفة. (10)
فصل الجمل بنقط وعلامات.
هوامش
المراجع
المحفوظات التاريخية بقصر عابدين.
الوقائع المصرية.
أمين سامي باشا: تقويم النيل، وعصر محمد علي باشا.
أمين سامي باشا: تقويم النيل، وعصر عباس وسعيد.
أمين سامي باشا: تقويم النيل، وعصر إسماعيل.
أمين سامي باشا: التعليم في مصر.
أحمد عزت عبد الكريم: تاريخ التعليم في عصر محمد علي. مصر 1938.
جرجي زيدان: تاريخ أدب اللغة العربية.
أحمد الإسكندري، وأحمد أمين، وعلي الجارم، وعبد العزيز البشري، وأحمد ضيف: المفصل في تاريخ الأدب العربي.
محمود مصطفى: مذكرات الأدب العربي 1353 / 1934.
عبد الرحمن الرافعي بك: تاريخ الحركة القومية (الحملة الفرنسية وعصر محمد علي، وعصري عباس وسعيد، وعصر إسماعيل).
علي باشا مبارك: الخطط التوفيقية.
إلياس الأيوبي: عصر إسماعيل.
إبراهيم عبده: تاريخ الوقائع المصرية (1828-1942) مصر 1942 الكتاب الذهبي للمحاكم الأهلية.
برنارد لويس: تاريخ اهتمام الإنجليز بالعلوم العربية.
الدكتور سارجانت: إنكليزي شهير (المستمع العربي).
إليان سركيس: معجم المؤلفات العربية والمعربة.
فهارس دار الكتب المصرية.
المراجع الإفرنجية
V. Dor bey, L’enseignement en Egypte. Paris. 1872 .
J. Heyworth-Dunne, An Introduction to the History of the Eduacation in Modern Egypt. London, 1939 .
G. Hanotaux, Historie de la Nation Egyptienne (Tome V) .
G. Guémard, Les Orientalistes de l’Armee d’Orient (Extr. De la Revue des Colonies Francaises).
G. Guémard, Les Reformes en Egypte. Le Caire, 1935 .
J. Bowring, Report on Egypt and Candia (Blue Book), 1840 .
.
Y. Artin Pacha, Letters du Dr. Perron a M. J. Mohl. Le Caire, 1911 .
Bramsen, Journal d’un Voyageur prussien. Paris, 1919 .
Ch. Bachatly, Dom Raphael (Bulletin de l’institute d’Egypte، t. XVII) .
E. Barrault, Occident et Orient, Paris, 1836 .
Chonski, Croquis Egyptiens, Paris, 1887 .
H. Cunnynghame, The present state of Education in Egypt (Journal of the Royal Asiatic Society, 1886) .
Cadalvene & Breuvery, Correspondance d’Orient. Paris, 1834, 7 vol .
Enfantin Ceuvres. Paris, 1868-74 .
Cte. D’estourmel, Journal d’un Voyage au Levant. Paris, 1844 .
Forbbin, Voyage au Levant. Paris, 1819 .
Gisquet, L’Egypre. Les Turcs et les Arabes. Paris, 1844 .
J. Hornemann, Journal of Travels from Cario to Morzouk in 1797-98. London .
J. J. Marcel, Vocabulaire Francais-arabe des dialects vulgaires africains, Paris, 1837 .
J. J. Marcel. Contes du Cheikh El Mohdi. Paris, 1835. 3 vol .
Cte. Marcellus, Voyage au Levant. Paris, 2 vol .
Ctesse, Minutoli, mes souvenirs, Paris, 1826. 2 vol .
1827-29 .
1850 .
vol) .
V. Schoelcher, L’Egypte en 1845. Paris, 1846 .
Volney, Voyage en Syrie et en Egypte. Paris, 1846 .
Encyclopedie Larousse .
La Decade Egyptienne .
Bulletin de l’Institute Egyptien .
Journal Asiatique .
Shafi da ba'a sani ba