Harakat Islahiyya
محاضرات عن الحركات الإصلاحية ومراكز الثقافة في الشرق الإسلامي الحديث
Nau'ikan
فقد كان المذهب الحنفي هو المذهب المعتمد عند مسلمي الهند، وكانت كتب هذا المذهب تؤخذ على علاتها، لا يجرؤ أحد على معارضتها أو مناقشتها، ولكن شاه ولي الله درس المذاهب المختلفة، ولم يرضه هذا الجمود وهذا التقليد الأعمى، فبدأ يدعو مواطنيه إلى الرجوع إلى الكتاب والسنة، وإلى ترك التقليد الجامد، وأن ينظروا إلى أقوال الفقهاء بعين البحث والتحقيق، وشرح لهم مسألة الاجتهاد والتقليد، وأسباب اختلاف المجتهدين، وكان في دعواه وفي دروسه وفي مؤلفاته يسعى دائما للتوفيق بين مذاهب الأئمة، فإن تعذر عليه ذلك أخذ ما يوافق الأحاديث الصحيحة، ورجحه على غيره، وقد طبق طريقته هذه تطبيقا ناجحا في كتابه الرائع: «حجة الله البالغة»، وفي كتيبه الصغير: «الإنصاف في بيان أسباب الاختلاف».
كان لتلمذة الزبيدي إذن في شبابه الأول على هذا المصلح الكبير أثر جد خطير في تكوينه الفكري؛ فقد تأثر به وبطريقته وبمنهجه، وعني كما عني أستاذه بالحديث، وتعمق في دراسته ودراسة كل العلوم المتصلة به؛ من أنساب ولغة، وفقه وأصول. (1-2) أساتذته في زبيد وبلاد العرب
وغادر السيد محمد الهند إلى اليمن في سن مبكرة، وأغلب الظن أنه قام برحلته هذه وهو في الخامسة عشرة من عمره أو نحوها؛ فإن من ترجموا له ذكروا أنه اجتمع بالشيخ عبد الله الميرغني أول مرة في مكة سنة 1163ه، أي وهو في الثامنة عشرة، وفي اليمن استقر السيد محمد في مدينة زبيد، وكانت زبيد منذ فجر الإسلام مركزا من أهم المراكز العلمية، نبغ فيها عدد من كبار العلماء، وإليها ينتسبون.
2
كانت زبيد المدرسة الثانية التي أكمل فيها السيد محمد دراساته؛ فقد أخذ عن الكثيرين من علمائها، وخاصة أستاذه العالم اللغوي رضي الدين عبد الخالق بن أبي بكر المزجاجي الزبيدي، ومنذ هذه المرحلة بدأ ينضم إلى سلسلة العلماء المنتسبين إلى زبيد، فلم ينسب إلى موطن أسرته العراق، ولم ينسب إلى موطنه الثاني الذي ولد فيه؛ الهند، وإنما نسب إلى موطنه العلمي الذي أتم فيه دراسته، وأصبح يعرف بعد ذلك بالسيد محمد مرتضى الزبيدي.
وكان السيد محمد أثناء مقامه في زبيد دائم التردد على الحجاز؛ بغية القيام بفريضة الحج، وللأخذ عن علماء مكة والمدينة، وقد كان الحجاز يعج في ذلك الوقت بالعلماء الوافدين إليه من مختلف أنحاء العالم الإسلامي، وكان الكثيرون منهم يؤثرون المجاورة والاستقرار هناك، وعدم العودة إلى أوطانهم.
وقد تتلمذ الزبيدي على مشاهير هؤلاء العلماء، حتى إن الكتاني يذكر أن شيوخه في هذين القطرين - اليمن والحجاز - يزيدون على ثلاثمائة، وقال هو عن نفسه في ألفيته:
وقل أن ترى كتابا يعتمد
إلا ولي فيه اتصال بالسند
أو عالما إلا ولي إليه
Shafi da ba'a sani ba