43
انطلق في خلاء بين أبواب ونوافذ موصدة، إلى بدروم زينب. دفع الباب فانفتح، وجد نفسه في حجرة خالية عبقة برائحة محزنة. الفراش كما هو مغطى بطبقة من التراب، والكنبة الوحيدة عليها أشياء كالخرق البالية، والمقعد الخشبي مقلوب على مسنده، وتحت الفراش تكومت الحلة والأطباق والكانون ومقطف مملوء بالفحم إلى منتصفه. والسحارة ليست خالية، توجد بها الملاءة وجلباب ومشط ومرآة ومنشفة. - هاجروا؟ ولكن لم يتركون الملابس؟!
عبثا حاول أن يدفع البلوى أو أن يؤجل تجرعها. ضرب جبينه براحته. تأوه. أجهش في البكاء. قال إنه سيعلم من الآخرين الخبر، وإنه لم يفقد بعد الأمل.
غادر المكان مترنحا.
44
اندفع في الحارة حتى مطلعها عند الميدان. يا له من صمت! ويا له من خلاء! لا باب مفتوح ولا نافذة. تقدم ببطء وذهول. الخمارة مغلقة، البيوت، الوكالة، القهوة، لا نأمة، لا قطة، ولا كلب، لا رائحة لحياة، الدور التربة غارقة في نفس الفناء.
الشمس ترسل أشعتها بلا جدوى، هواء الخريف يتموج في فتور وبلا هدف.
وصاح بصوته الأجش الباكي: يا هوه! يا أهل الله!
فلم يجبه أحد. لم تفتح نافذة. لم يشرئب رأس من جحر. ليس سوى صمت اليأس العنيد، والرعب المتحدي، والقهر الصليد.
اخترق القبو إلى الساحة فطالعته التكية كما هي دائما. رنت إليه أوراق التوت فرأى رحيقها يسيل دما. سكتت الأناشيد وتلفعت بطيلسان اللامبالاة. رنا إليها طويلا والحزن يعصف بجذور قلبه ودموعه تسيل.
Shafi da ba'a sani ba