419

وجدد عاشور الزاوية والسبيل والحوض والكتاب، وأنشأ كتابا جديدا ليتسع لأبناء الحرافيش، ثم أقدم على ما لم يقدم عليه أحد من قبل، فاتفق مع مقاول على هدم مئذنة جلال. وقد كان يصد السابقين عن ذلك خوفهم من إغضاب العفاريت التي تسكنها، ولكن الفتوة الجديد لم يخف العفاريت، وقام وهو في الحارة عملاقا كالمئذنة، ولكنه في الوقت نفسه مستقر للعدل والنقاء والطمأنينة. ولم يبدأ بتحدي أحد من فتوات الحارات، ولكنه كان يؤدب من يتحداه ويجعل منه عظة للآخرين، فتهيأت له السيادة بلا معارك.

50

واعتقدت حليمة البركة أنه آن له أن يفكر في ذاته. وجاءه ضياء أخوه سعيدا، وفي نيته أن يستعيد وكالة الفحم، وأن يصير كبير الأعيان في كنف أخيه الفتوة، ولكنه لم يلق منه تشجيعا، فاضطر إلى الاستقرار في فندقه.

واقترحت حليمة عليه أن يتزوج قائلة: ما زال في حارتنا نفر من الأعيان الطيبين الذين لم يفرطوا فيها.

فتذكر عاشور موقف أسرتي الخشاب والعطار بامتعاض شديد، وقال لأمه: أشعر يا أمي أنك تطمحين إلى حياة أفضل مما نحن فيه.

فقالت المرأة بصدق: ليس العدل أن تظلم نفسك!

فقال بقوة محتجا ورافضا: لا.

قالها بقوة. ليست قوة الرفض الحقيقي، بل قوة يداري بها ضعفا يحس به أحيانا في أعماق خواطره؛ فكم يحن أحيانا إلى رغد العيش والجمال، كما يحلم بحياة الدور والمرأة الناعمة! لذلك قال لا بعنف وقوة. وقال لها: لن أهدم بيدي أعظم ما شيدت من بناء شامخ!

وأصر أن يجيء الرفض من ذاته لا حذرا من الحرافيش. إنه يريد أن يتفوق على جده نفسه. لقد اعتمد جده على نفسه على حين خلق هو من الحرافيش قوة لا تقهر، ولقد مال مرة جده مع هواه، وسوف يصمد هو مثل السور العتيق.

ومرة أخرى قال بقوة: لا!

Shafi da ba'a sani ba