ورجع للصمت وقد فرغ من العشاء وراح يدخن جوزة من المعسل، ونباح الكلاب في اشتداد حتى انقلب في بعض خيوطه إلى عواء. وقال بغتة: إليك رأيي يا أمي؛ الشيطان ينتصر بالتسلل من نقاط الضعف فينا.
فاستعاذت بالله من الشيطان الرجيم، فواصل عاشور قائلا: إليك رأيي أيضا؛ حبان يشكلان أضعف ما فينا؛ حب المال، وحب السيطرة على العباد.
فتمتمت حليمة: لعلهما شيء واحد. - ربما، المال والسيطرة. - حتى عهد جدك انتكس ...
فردد بغموض: جدي!
فحدجته بنظرة متسائلة، فتساءل بدوره: ماذا كان ينقصه؟ - ينقصه؟! - أعني لماذا انتكس؟ - لم يكن الذنب ذنبه.
فتمتم بعجلة: طبعا.
ولكنه تساءل في سره عما كان ينقصه، عما أفشل سعيه النبيل عقب وفاته أو عقب وفاة شمس الدين. ما دام يوجد خطأ فلا بد أن يوجد صواب. وإذا وجد الصواب مرة فيمكن أن يوجد مرة أخرى . وإذا كان قد انتكس بعد وجوده فيمكن أن نضمن له حياة لا تعرف الانتكاسة.
وعادت حليمة تتساءل: أليس لديك من الهم ما يكفيك وزيادة؟!
39
كلا، لم يقنع بما لديه من هم. وكيف يقنع من أدمن الوجود كل يوم ساعة في الخلاء وساعة أو ساعتين في ساحة التكية؟! كيف يقنع من ينطوي صدره على جذوة دائمة الاشتعال؟ كيف يقنع من تؤرقه الأحلام الملونة؟ كيف يقنع من بات يعتقد بألا جد له إلا عاشور الناجي؟
Shafi da ba'a sani ba