335

9

ودخل جلال الكتاب عامين، ثم عمل سواقا عند «الجدع» صاحب العربات الكارو. وكانت زينات قد أنفقت مدخرها فلم تستطع أن توفر لجلال عملا أفضل، وكانت فخورا بابنها، كما كانت فخورا بصبرها واستمساكها بالحياة الشريفة. ورغم تجاوزها للأربعين كانت ما تزال على قدر من الجمال جعل المعلم الجدع يطمع في ضمها إلى حريمه. لم ترحب زينات برغبة المعلم، وخافت في الوقت نفسه أن يسيء معاملة ابنها، ولكن الرجل نبذ رغبته عندما قال له مجاهد إبراهيم شيخ الحارة الذي خلف خليل الفص بعد وفاته، قال: كيف تركن لامرأة قتلت ذات يوم رجلها؟!

وعرف جلال - مع الأيام - أنه ابن جلال صاحب المئذنة وحفيد زهيرة، وأن عبد ربه جده، والوجيه راضي عمه. عرف تاريخه الحزين كما عرف تاريخ الناجي، ولبسه لقب ابن الحرام كقدر لا مفر منه ولا تكذيب له. وقال له المعلم الجدع ذات يوم: إياك أن تعمد إلى العنف. اصبر وما صبرك إلا بالله، وإلا فابحث عن رزقك في مكان آخر.

وقال له الشيخ سيد عثمان شيخ الزاوية (خليفة المرحوم الشيخ خليل الدهشان): مؤنس العال يرقبك باهتمام باعتبارك من حفدة الناجي، حذار أن تستغل قوتك فتهلك.

فصبر جلال مؤثرا السلامة، واستحق باجتهاده وأمانته تقدير الجدع.

10

وتمر الأيام وتنبت من جديد آمال. تشجعت زينات بعطف الجدع على جلال وراحت تخطب له عفيفة ابنة المعلم. وكان الرجل فظا صريحا عندما أجاب قائلا: جلال ولد طيب، ولكني لا أزوج ابنتي من ابن حرام.

وبكت زينات منفعلة، أما جلال فقد تحمل الطعنة صابرا.

11

ومات الجدع عقب تناوله صينية فول بالخلطة وصينية كنافة بالقشدة، وقد تجاوز السبعين من عمره. وانتظرت زينات عام الحداد، ثم طلبت عفيفة من أمها، فوافقت المرأة بناء على ما آنست من ميل ابنتها للفتى.

Shafi da ba'a sani ba