فضحكت رئيفة وقالت: فيك الخير يا محمد.
وهو يحتسي القرفة وقعت عيناه على زهيرة وهي منهمكة في تمشيط سيدتها. ذهل. لم يصدق عينيه. ركز عينيه في القدح وكأنه يهرب. قال في سره: «الغياث بالله من صنع الله!»
وسألته رئيفة: كيف حال تجارتك؟
فاسترد نفسه من عالم الافتتان وقال: عال ولله الحمد.
ولاحظت زهيرة نظرة منه إليها متسولة تبرق بالانبهار فافتر باطنها عن بسمة.
22
كان محمد أنور يتردد على دار رئيفة في كل مناسبة تسنح. غدا بالقياس إلى زهيرة عادة، كما غدت نظراته الملتاعة عادة أخرى. وكان يحاذر من إثارة أدنى شبهة عند رئيفة، ويهب دارها ما تستحقه من الولاء والاحترام. ما من رجل رآها إلا وجن بها. أصبحت تؤمن تماما بأنها أجمل من جميع هوانم الحارة. وهي أيضا من آل الناجي مثل المعلم العظيم عزيز. ولكن كم أنها عجيبة الحظوظ في هذه الدنيا! توفر لامرأة دارا ولأخرى بدروما. تعطي واحدة تاجرا ثريا وتعطي أخرى فرانا. لقد تقرر مصيرها وهي عمياء. حتى ميلها الفطري لزوجها لا يقنعها بالرضا. ليست الحياة شهوة وأمومة. ليست فقرا وكدحا ونعيما كاذبا مستعارا من خدمة هانم غنية. ليست أن تملك قوة مذهلة، ثم تبددها في الخنوع. باطنها يتغير ببطء ولكن بثبات وإصرار. يتمخض كل يوم عن حركة، كل أسبوع عن وثبة، كل شهر عن طفرة. إنها تكتشف ذاتها طية وراء طية. تنبثق من جوفها أنواع شتى من المخلوقات المتحفزة الصارمة. وتحاكم في الخيال أمها وزوجها ومسكنها وحظها. تحقد على كل ما يطالبها بالرضا، على حكمة الأمثال وعطف الهانم وفحولة زوجها. وتتلقى من المجهول شرابا ملتهبا به يستفحل الخيال ويثمل القلب ويطلع الفجر الأحمر.
وقال محمد أنور لرئيفة هانم ذات يوم: أما سمعت بالخبر؟ لقد وثبت إلى الفتونة في برجوان امرأة!
فضحكت رئيفة هانم وقالت: أود أن أرى امرأة وهي تصرع الرجال.
ودارت زهيرة ابتسامة إعجاب واشتعلت في قلبها نيران غامضة. ورماها محمد أنور بنظرة متلهفة متوسلة، فتساءلت: ترى أيكون حلمها رجلا مثل محمد أنور؟ لم تجد من قلبها أي خفقة تنبئ عن جواب. وتأمله عقلها بلا حماس وبلا فتور. ودهمتها فكرة متحدية تقول إن قلب المرأة هو ضعفها، وإن علاقتها بالرجل يجب أن تتحدد بعيدا عن الغريزة والقلب. الحياة غالية مترامية الأبعاد لا حد لآفاقها، وما الحب إلا متسول ضرير يزحف في أركان الأزقة. وتنهدت وقالت لنفسها: ليس أتعس من الحظ السيئ إلا الرضا به.
Shafi da ba'a sani ba