وتأوه شمس الدين الناجي، ثم تهاوى فتلقفته أيدي الرجال.
الحب والقضبان
الحكاية الثالثة من ملحمة الحرافيش
1
خفقت الأفئدة لموت شمس الدين الناجي. أسهمت الحارة في تشييد قبر له يليق بمقامه، وشيعته إليه في جنازة مهيبة لم يتخلف عنها رجل أو امرأة. وعدت صلابته البطولية أسطورة وكرامة من كرامات الأولياء، حتى سمي بقاهر الشيخوخة والمرض. وبقيت ذكرى فتونته النقية العادلة خالدة مثل فتونة أبيه العظيم، وتنوسيت هناته الانفعالية، ولم ينس أحد أنه عاش ومات كادحا، كما عاش ومات فقيرا.
وبفضله وفضل أبيه عاش وجدان الحارة مثلا أعلى ترنو إليه الأعين والقلوب على تعاقب الأزمان.
2
تولى الفتونة سليمان شمس الدين الناجي. عملاق مثل جده عاشور، دون أبيه في الجمال والرشاقة، ولكنه مكتس بروعة الصورة الشعبية الأصيلة. لم يتقدم لمنافسته أحد، وانضم إليه عتريس بحماس وحب. ولم يتغير مذاق الحياة في شيء. لعب الأمل بقلوب السادة والوجهاء أياما، ثم خمد. لم يكن عمره يتجاوز العشرين ولكنه اتبع خطى أبيه بلا تردد. ظل حامي الحرافيش وشاكم الأغنياء، وعدو البلطجة، ومارس مهنة أبيه برضى واقتناع.
وكالمتوقع واجه تحديات من فتوات الحارة المجاورة فلم ينكص عن خوض المعركة بعد المعركة، وأحرز في كل معركة انتصارا، أجل لم تكن انتصاراته بقوة انتصارات أبيه أو جده، ولكنها كانت كافية لتأمين الحارة وبسط قدر لا يستهان به من هيبتها. وترك العراك آثارا مستديمة في الجبين والعنق، ولكنها عدت شهادة طيبة لبطولته الرائعة.
ومن الحق أن يقال إن قلبه كان ينازعه أحيانا إلى الحياة الطيبة الرغيدة، وأنه كان يقرأ مثل ذلك في وجوه أعوانه وإخوته، ولكنه تجهم الضعف ولم يشجعه، وفتح قلبه الغض لسحر العظمة الحقيقية.
Shafi da ba'a sani ba