Gaskiya
الحقيقة: وهي رسالة تتضمن ردودا لإثبات مذهب دارون في النشوء والارتقاء
Nau'ikan
كما في نيوب الليث أو في حشى الثرى
من طلاوة مثل هذا القول الخيالي:
وهززته بقصيدة لو أنها
تليت على الصخر الأصم لأغدقا؟
بل اسأل أي فتى متعلم، أو أية فتاة متعلمة أن تقرأ فصلا في مخترعات الكهرباء قبل أن تقرأ رواية من سقط الوضع، بل اسأل عالما اليوم أن يقرأ مقالا في تحولات المادة قبل أن يقرأ كتابا في مناجاة الأرواح؛ فأنك لا تفلح، ولماذا؟
لأن لتكيفات الطبع والعقل الشأن الأول في إعداد ما فيها من القابليات، وأثر الخيال في هذه القابليات أعرق في القدم من أثر الحقائق، فالإنسان لم يعرف الحقائق في أول الأمر، وما عرف إلا الأوهام، فانطبع فيها، وتكيف لها، وشاد بنيانه العقلي والأدبي عليها ، ونسج كلامه على منوالها، فصارت نفسه لا ترتاح إلى مباحث الحقائق، ولا تلتذ بها كما تلتذ بموضوعات الخيال؛ لأن اللذة والراحة إنما هما المطابقة بين فعل الفاعل وقابلية القابل، حتى إن لغته نفسها تضيق بهذه المباحث، فليس لها فيها تلك السلاسة، ولا تلك السعة التي أحرزتها في المباحث الأدبية، وحتى إن عقله يتعب منها.
فالقول أن تصورات الأحلام يلزم الاستمساك بها لأنها تبدو لنا أجمل من تصورات الحقائق، وأنها أصح كذلك؛ لأن الوجدان يرتاح إليها، وأن ترويض العقل بمباحثها الكلامية التافهة أنفع لنا من تدريبه على البحث في المحسوس المفيد؛ لأنها أعذب له، وأسهل عليه، يقتضي منه أن يكون الخيال أصدق من الحس، وأن يكون كذلك الكذب على النفس أنفع من الصدق لها، وأن تكون الأوهام نفسها أنفع لنا من الحقائق، وأن يكون الاشتغال بالكلام الفارغ والمناقشات العقيمة أفضل من العمل،
74
وأن تكون إضاعة الوقت بتنميق المقالات الخلافية في مسائل جدلية؛ لترسيخ الميل في العقل إلى المباحث النظرية المجردة أفضل من الاشتغال باختراع آلة لجر الأثقال، وأن يكون الطيران بمناطيد الخيال في قبب الأحلام أنفع من الطيران بمناطيد الصناعة في فسيح هذا الفضاء، فكيف لا تسوء حال الإنسان الذي لا ترتاح نفسه إلا إلى ذلك في العمران؟ فلا الحياة مما يزدرى به، ولا الأفلاك تتفزع، ولا الدهر يلتفت، ولا الصخر يغدق، حتى ولا المروج نفسها تورق بمثل هذا الكلام، وما هو إلا زيادة تضليل للعقل، وتبذير في قوى الاجتماع على غير طائل، ولكن ذلك نشأ في الإنسان اضطرارا على هذه الكيفية، وسيتحول عنه اضطرارا أيضا، وما التنبيه إليه إلا حث للإسراع في هذا السبيل.
فكما أن ذلك نشأ في العقل والطبع بغلبة الغريب، والبحث في الماهيات والحقائق المجردة أولا، فهو سينقلب ضرورة متى تمكن الضد فيهما بغلبة المحسوس، والبحث في الطبائع والكيفيات، وهو آخذ اليوم بالتحول كلما أخذ نظر الإنسان المادي يتقرر فيه أكثر، وسوف يبدو له ذلك الجمال سخيفا قبيحا، وتصير الحقائق البسيطة التي لا صبر لنا اليوم على التبحر فيها، أو أننا نريدها مبهرجة،
Shafi da ba'a sani ba