Gaskiya
الحقيقة: وهي رسالة تتضمن ردودا لإثبات مذهب دارون في النشوء والارتقاء
Nau'ikan
ولنأخذ أي جماد كان، ولنحمه بالتدريج، فللحال عند انتشار الحرارة فيه يتغير شكل تبلوره ومرونته وصلابته، وصفاته الكهربائية، حتى لونه، فإن زيدت حرارته انحل رباط دقائقه فتباعدت في جهة، وتقاربت في أخرى، إلى أن يبلغ حرارة تختلف درجتها باختلاف نوعه، فيذوب ويصير سائلا، فإن زيدت أكثر من ذلك تفرقت دقائقه، وانتقل إلى حالة هوائية ما بعدها من الحالات سوى انفصال الجوهر الفرد، وخروجه من مدار الكيمياء، ودخوله في مدار آخر تحت سنن أخرى لا نعلمها، وعلى الفلسفة الطبيعية والميكانيكيات اكتشافها وتعيينها.
وانحلال الجماد هو موته؛ لأن كل حد ينحل عنده المركب هو موت ذلك المركب، وكل موت يتبعه بعث، فالموت كالتولد نقطة على محيط دائرة لا أول لها يعرف، ولا آخر لها يوصف، والطفل أول ما يهل يبتدئ يموت، وكذلك الجماد أول ما يتكون يبتدئ يموت، فإن الفلدسباث المكون معظم الأرض ينحل إلى عناصره
2
بفعل الهواء والماء، ويبس النهار، وندى الليل، وحر الصيف، وبرد الشتاء، وسائر العوامل الميكانيكية والطبيعية والكيماوية مارا باستحالات قد لا يحس بها، ثم كل عنصر من عناصره يدخل في تركيب جديد، فإما يعود حجرا، أو يصير نباتا أو حيوانا، وفي هذا الدور لا يرى أين هو التولد الحقيقي، ولا أين هو الموت، ولا يرى سوى أطوار فقط.
ولقد أقام الأقدمون حدا فاصلا بين النبات والحيوان، وهذا الحد لا وجود له حقيقة، وأقاموا كذلك حدا بين الجماد والحي، ونحن كلما تعمقنا في درس الجمادات نرى أوجه الفرق بينها وبين الأحياء تقل، وأوجه الشبه تزيد، فالإنسان يولد من أبوين، والحيوان السافل من نظيره بالانقسام أو التبرعم؛ إذ تنفصل كرية مولودة في كرية والدة، والنبات من نبات نظيره، قالوا: وهذا يفصل عالم الحي عن عالم الجماد، إلى أن قام «جرنز» وبين أن الجماد كالحي يتولد بعضه من بعض؛ فإنه صنع محلولا وأشبعه بالبورق المثمن، وبالبورق المعين، ولا فرق بينهما إلا في اختلاف نسبة الماء الذي فيهما، وهذا المحلول إذا اعتني به يبقى صافيا، ويمكن أن تضاف إليه أجسام من مواد مختلفة بدون أن يحدث فيه حادث خصوصي، لكنه إذا وضع فيه بلورة صغيرة جدا من البورق المثمن، فللحال ترتفع حرارته، وفي لحظات قليلة يتبلور كل البورق المثمن الذائب فيه، دون البورق المعين الذي يبقى ذائبا ولا يتبلور حتى يلامس بلورة معينة من جنسه، ولا يختص ذلك بما ذكر فقط، بل يتناول كل أنواع الجماد، ويتبين منه أن كل جماد يتولد من جماد آخر نظيره.
وإذا بلغت البلورة كمالها، بحيث لا يستطيع الكيماوي ولا الطبيعي - بما لهما من الآلات والوسائط - أن يريا في تكوينها نقصانا، قيل: إن الفرد من الجماد قد بلغ أشده، ثم يتكاثر كالحي، وهو كالحي معرض للأمراض، فإذا عرض له من الأسباب الخارجية ما أضعف نموه فقد نظامه، وظهرت على زواياه خدوش القروح، وإذا زالت عنه عادية المرض عاد إلى نموه، وبرئ من قروحه، وإن لم تزل أو اشتدت فربما ترهلت قروحه، فأعضلت علته، وحصل فيه تأكسد وتركب وتحلل حتى تتغير طبيعة آخر جزء منه، ويظن أنه تلاشى وهو لم يتلاش، بل مات، وإنما مات كما يموت كل إنسان، أي كما أن جسد الإنسان البالي لا يتلاشى، وإنما ينحل إلى عناصره، كذلك الجماد لا يتلاشى؛ لأن الجوهر الفرد الذي يؤلف كلا منهما لا يتلاشى، بل ينتقل من تركيب إلى تركيب راجعا عوده على بدئه، كما يرجع الليل على النهار. ا.ه. ملخصا.
أصل الحياة1
قال «بلانشار» من مقالة في أصل الحياة في جريدة العلم الفرنسوية، بتاريخ 7 شباط سنة 1885، ما يأتي:
على أن بعض الفلاسفة يذهبون إلى أن الأرض التي كانت في البدء قاحلة وغير مسكونة إنما عرضت فيها الحياة، مما أتاها من الجراثيم من بعض الكواكب المصطدمة بها، وهو قول محتمل إلا أنه غير مقنع، ويظهر لنا أنه لا يحل المسألة، وإنما يزيدها ارتباكا، فإن لم تكن الحياة قد ظهرت على الأرض ذاتيا بفعل أحوال طبيعية وكيماوية، فيلزم أن تكون قد ظهرت ابتداء على أحد كواكب نظامنا الشمسي، وخصوم التولد الذاتي الذين يتعلقون بحبال هذا التعليل كالملجأ الأخير لهم إنما يبعدون حل هذه المسألة ولا يأتون فيها بتعليل شاف.
ولا يخفى أن الحل الطيفي الذي استطعنا بواسطته أن نعلم تركيب الكواكب الكيماوي أرانا أن هذه الكواكب متكونة من نفس المواد المتكون منها سيارنا؛ فالصوديوم والمغنيسيوم والهيدروجين والأكسجين والكربون والكلسيوم والحديد والتلوريوم والبزموث والأنتيمون والزئبق إلخ، موجودة هناك كما هي موجودة هنا. وقد علم كذلك من فحص الحجار الجوية أن هذه الأجسام تتحد هناك كما تتحد في أرضنا، فلا بد إذن من أن تكون الأحياء الأول قد تكونت فيها من مواد جامدة شبيهة بموادنا، فوالحالة هذه ما الفائدة من الزعم بأن أرضنا إنما أتتها الحياة من كوكب اصطدم بها في مروره في الفضاء ؛ إذ لا بد من الإقرار في كل الأحوال بأن التعضي قد وقع في المادة في أحد نجوم نظامنا الشمسي، فمن العبث إذن الإصرار على إنكار نشوء الحياة في الأرض. ا.ه.
Shafi da ba'a sani ba