وان كانت من أواخر القرآن، ونحن بعد في أوائله، [فإنه] (1) مما يجوز الجمع بينه وبين الآية التي نحن في الكلام عليها، وهي قوله تعالى: [ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا]، لان الكلام فيهما ممتزج، والاحتجاج عليهما مشتبه، فلنذكر طرفا من الكلام في التأويل الذي يخصها، لترد الفائدة بكمالها، وتقوم الحجة على أساسها إن شاء الله تعالى!:
قال بعضهم في تأويل هذه الآية: إن قال لنا المخالفون: إنكم تزعمون أن الله لا يضل أحدا ولا يزيغه والله سبحانه يقول: [فلما زاغوا أزاغ الله قلوبهم]!. قلنا لهم. أما دعوا كم علينا أنا نقول: إن الله لا يضل أحدا ولا يزيغه، فبهت منكم لنا، بل من ديننا أن من أنكر ذلك رافع لما جاء به القرآن، ولكنا نقول إن إضلال الله سبحانه وإزاغته ليسا كاضلال إبليس وازاغته، لان الله تعالى قد ذم ذلك وبرئ منه، فعلمنا أنه تعالى لا يضل - من حيث يضل - عن الحق وهو يدعو إليه، ولا يمنع منه وهو يأمر به، تعالى عن ذلك علوا كبيرا. وبعد فإنه سبحانه لم يذكر في هذه الآية أنه ابتدأ قوما بأن أزاغ قلوبهم، بل قال: [فلما زاغوا أزاغ الله قلوبهم]، فأخبر تعالى: أنه إنما فعل ذلك بهم عقوبة على زيغهم وجزاء على فعلهم، فمنعهم الألطاف والفوائد التي يؤتيها سبحانه من آمن به، ووقف عند حده، وخلاهم واختيارهم، وأخلاهم من زيادة الهدى التي ذكر سبحانه في كتابه، فقال: (والذين اهتدوا
Shafi 25