Haƙiƙan Ilimi
حقائق المعرفة
Nau'ikan
باب حقيقة معرفة الجزاء
اعلم أن الله لما ثبت أنه عدل حكيم عالم، وأنه لم يهمل الخلق، ولا ضيع التدبير، ورأينا الناس ظالما ومظلوما، ولا يكاد يوجد في الناس غيرهما، ولا يوجد أحد من المكلفين إلا مطيعا أو عاصيا، ورأينا العصاة يظلمون المطيعين ويقتلونهم، ورأينا المطيعين مقيدين لألسنتهم وأفواههم وأيديهم وفروجهم مما حرم الله عليهم، ورأينا العاصين مطلقين لما قيد المطيعون، ورأيناهم في دنياهم أهل نعم وتنعم، وأهل ثروة في المال، وهيبة في الدنيا وجمال، فلما رأينا الظالمين العاصين ماتوا ولم ينتصر منهم للمظلومين المطيعين، ولا عوقبوا لهم في الدنيا، ورأينا المطيعين المظلومين ماتوا ولم ينتصروا من الظالمين ولا عوقبوا لهم في الدنيا، علمنا علما عقلا ضروريا أن العدل الحكيم العالم جل وعلا لا يترك خلقه مهملا، ولا يضيع لعامل عملا، وأنه سيحدث دارا للجزاء يثيب فيها المطيعين المظلومين، ويعاقب فيها الظالمين العاصين، وأنه لا يعجزه ذلك كما لم يعجزه خلق الدنيا وما فيها، والجزاء تمام العدل ونظامه، ولولا ذلك لكان خلق الدنيا وما فيها عبثا -تعالى الله عن ذلك.
ألا ترى أن إنسانا لو بنى دارا وأكملها، فلما تمت وكملت هدمها لغير معنى، ألا ترى أنه يكون عابثا؟ فإن هدمها لفساد فيها، أو لأن يعمر خيرا منها أن ذلك يكون منه حسنا، فلو لم تكن دار غير هذه الدار، يثاب فيها الأبرار، ويعاقب فيها الفجار، لكان ذلك ضد العدل والحكمة، وكان عبثا -تعالى الله عن ذلك- فصح أن الآخرة آتية لا شك فيها ولا ريب، ولا خلف ولا كذب.
Shafi 363