232

واعلم أن من شكر المنعم الهجرة من أعدائه إلى أوليائه. فإن كان في الزمان إمام حق فالهجرة إليه، وإن لم يكن في الزمان -الذي يكون فيه المؤمن- إمام حق وجب عليه أن يهاجر من الظلمة والفسقة إلى حيث غلب في ظنه أنه ينجو فيه مما فر منه -إن أمكنه ذلك- وإن لم يمكنه فلا إثم عليه، قال الله تعالى: {إن الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم قالوا فيم كنتم قالوا كنا مستضعفين في الأرض قالوا ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها فأولئك مأواهم جهنم وساءت مصيرا ، إلا المستضعفين من الرجال والنساء والولدان لا يستطيعون حيلة ولا يهتدون سبيلا ، فأولئك عسى الله أن يعفو عنهم وكان الله عفوا غفورا ، ومن يهاجر في سبيل الله يجد في الأرض مراغما كثيرا وسعة ومن يخرج من بيته مهاجرا إلى الله ورسوله ثم يدركه الموت فقد وقع أجره على الله وكان الله غفورا رحيما}[النساء:97-100]، وقال الله تعالى: {فاستجاب لهم ربهم أني لا أضيع عمل عامل منكم من ذكر أو أنثى بعضكم من بعض فالذين هاجروا وأخرجوا من ديارهم وأوذوا في سبيلي وقاتلوا وقتلوا لاكفرن عنهم سيئاتهم ولادخلنهم جنات تجري من تحتها الأنهار ثوابا من عند الله والله عنده حسن الثواب}[آل عمران:195]، وقال الله تعالى: {ثم إن ربك للذين هاجروا من بعد ما فتنوا ثم جاهدوا وصبروا إن ربك من بعدها لغفور رحيم}[النحل:110].

واعلم أن الهجرة هي سنة الأنبياء صلوات الله عليهم، وقد حكى الله ذلك عنهم فقال -حاكيا عن إبراهيم عليه السلام: {وقال إني ذاهب إلى ربي سيهدين }[الصافات:99]، وقال تعالى: {فآمن له لوط وقال إني مهاجر إلى ربي إنه هو العزيز الحكيم}[العنكبوت:26]، وقال تعالى -حاكيا عن موسى عليه السلام: {قال رب بما أنعمت علي فلن أكون ظهيرا للمجرمين }[القصص:17]، وقال لنبيئه صلى الله عليه وآله وسلم: {فتول عنهم فما أنت بملوم }[الذاريات:54]، وقد روي عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: ((خمس لا يعذر بجهلهن أحد : معرفة الله سبحانه لا يشبهه بشيء -ومن شبه الله بشيء أو زعم أن الله يشبه شيئا فهو من المشركين- والحب في الله، والبغض في الله، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، واجتناب الظلمة)). وكذلك فعل الأئمة الهادون": هاجر أمير المؤمنين عليه السلام من المدينة إلى الكوفة. وهاجر القاسم عليه السلام إلى جبال الرس. وهاجر الهادي إلى الحق عليه السلام إلى الغيل من صعدة، وغيرهم من الأئمة".

Shafi 304