Haƙiƙan Ilimi
حقائق المعرفة
Nau'ikan
وإن قال قائل مستفيد: ما تقولون لو كان صحيحا، ما يكون تأويله؟ قلنا: ليس هو بصحيح، فإن صح فمعناه: تعلمون ربكم علم ضرورة كما تعلمون القمر علم ضرورة بالمشاهدة؛ لأن المشاهد يعلم علم ضرورة، والله تعالى يعلم في الدنيا علم استدلال، ويعلم في الآخرة علم ضرورة بغير مشاهدة؛ ولأن الاستدلال يسقط في الآخرة لأنه تكليف وبحث وإزالة تشبيه، وقد سقط في الآخرة التكليف، فصح أنه يعلم في الآخرة علم ضرورة. ولأن العبد عندما يرى صدق الوعد والوعيد، يعلم ربه علم ضرورة، وقد سأل موسى ربه أن يريه آية من آيات الآخرة حتى يعلم ربه علم ضرورة، فقال: {رب أرني أنظر إليك قال لن تراني ولكن انظر إلى الجبل فإن استقر مكانه فسوف تراني}[الأعراف:143]، ويحتمل أن يكون سأل ربه أن يبين له نفي الرؤية إذ سأله قومه الرؤية، فقال: {لن تراني}. و(لن) عند أهل اللغة للقطع والتأبيد، قال الله تعالى: {لن ينال الله لحومها ...}الآية[الحج:37]، وقال: {لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون }[آل عمران:92]، ولأن الله عاقب الذين سألوا موسى أن يريهم الله ولم يعاقب موسى، ولو كان موسى سأله كسؤالهم لكان معاقبا مثلهم. وقد حكى الله عن موسى عليه السلام أنه نسب ذلك إلى بعض قومه، ونفاه عن نفسه بقوله: {أتهلكنا بما فعل السفهاء منا }[الأعراف:155]. وأما توبة موسى فإنها من سؤاله البيان قبل الاستئذان. والأنبياء لا يقيمون على صغيرة ولا يسألون ربهم حتى يستأذنوه؛ قال الله تعالى حاكيا عن نوح: {ونادى نوح ربه فقال رب إن ابني من أهلي وإن وعدك الحق وأنت أحكم الحاكمين ، قال يانوح إنه ليس من أهلك إنه عمل غير صالح فلا تسألني ما ليس لك به علم إني أعظك أن تكون من الجاهلين ، قال رب إني أعوذ بك أن أسألك ما ليس لي به علم وإلا تغفر لي وترحمني أكن من الخاسرين}[هود:45-47]، فاستغفر ربه من سؤاله قبل استئذانه. ولو كان موسى سأل ربه أن يريه نفسه، كما سأله قومه، لأصابه ما أصابهم من العقوبة، ولما قال: {أتهلكنا بما فعل السفهاء منا} وقد حكى الله قولهم فقال: {وإذ قلتم ياموسى لن نؤمن لك حتى نرى الله جهرة فأخذتكم الصاعقة...}[البقرة:55]، وقال عز من قائل لنبيئنا صلى الله عليه وآله وسلم: {يسألك أهل الكتاب أن تنزل عليهم كتابا من السماء فقد سألوا موسى أكبر من ذلك فقالوا أرنا الله جهرة...}الآية[النساء:153]، فلو كان يجوز أن يرى في وقت من الأوقات، لما عاقبهم الله على ما يجوز في وقت من الأوقات. ألا ترى أن العبد يسأل ربه وهو في الدنيا المغفرة والجنة والثواب فلا يعاقب في ذلك. وقد سأل قوم عيسى صلى الله عليه المائدة فلم يعاقبوا بسؤالهم ذلك قبل وقته؛ فبطل قول المشبهة.
Shafi 176