Haƙƙoƙin Musulunci
حقائق الإسلام وأباطيل خصومه
Nau'ikan
وأما الكمال المطلق الذي يخلق كمالا مطلقا مثله، فهو نقيضة أخرى من نقائض اللفظ لا تستقيم كذلك في التعبير، بله استقامتها في التفكير؛ فإن الكمال المطلق صفة منفردة لا تقبل الحدود ولا أول لها ولا آخر، وليس فيها محل لما هو كامل وما هو أكمل منه. ومن البديهي أن يكون الخالق أكمل من المخلوق، وألا يكون كلاهما متساويين في جميع الصفات، وألا يخلو المخلوق من نقص يتنزه عنه الخالق؛ فاتفاقهما في الكمال المطلق مستحيل يمتنع على التصور، ولا يحل تصوره مشكلة من المشكلات. وأي نقص في العالم المخلوق، فهو حقيق أن يتسع لهذا الشر الذي نشكوه، وأن يقترن بالألم الذي يفرضه الحرمان على المحرومين، وبخاصة إذا نظرنا إلى الأجزاء المتفرقة التي لا بد أن يكون كل جزء منها قاصرا عن جميع الأجزاء، وأن يكون كل شيء منها مخالفا لما عداه من الأشياء.
فوجود الشر في العالم لا يناقض صفة الكمال الإلهي ولا صفة القدرة الإلهية، بل هو - ولا ريب - أقرب إلى التصور من تلك الفروض التي يتخيلها المنكرون والمترددون ولا يذهبون معها خطوة في طريق الفهم وراء الخيال المبهم العقيم.
وقد يختلف مدلول القدرة الإلهية ومدلول النعمة الإلهية بعض الاختلاف في هذا الاعتبار؛ فمدلول القدرة الإلهية يستلزم - كما تقدم - خلق هذا العالم الموجود، ولكن مدلول النعمة الإلهية يسمح لبعض المتشائمين أن يحسبوا أن ترك المخلوقات في ساحة العدم أرحم بها من إخراجها إلى الوجود، ما دام الألم فيه قضاء محتوم على جميع المخلوقات. ومهما يكن من شيوع التشاؤم بين طائفة من المفكرين، فليس تفسير النعمة الإلهية بترك المخلوقات في ساحة العدم تفسيرا أقرب إلى المعقول من تفسير هذه النعم الإلهية بإنعام الله على مخلوقاته بنصيب من الوجود يبلغون به مبلغهم من الكمال المستطاع لكل مخلوق.
وليس الشر إذن مشكلة كونية ولا مشكلة عقلية إذا أردنا بالمشكلة أنها شيء متناقض عصي على الفهم والإدراك، ولكنه في حقيقته مشكلة الهوى الإنساني الذي يرفض الألم ويتمنى أن يكون شعوره بالسرور غالبا على طبائع الأمور.
وإذا كانت في هذا الوجود حكمته التي تطابق كل حالة من حالاته، فلا بد من حكمة فيه تطابق طبيعة ذلك الشعور، ولا نعلم من حكمة تطابق طبيعة ذلك الشعور غير الدين.
إن الشعور الإنساني في هذه المشكلة الجلى يتطلب الدين؛ فهل ثمة مانع يمنعه من قبل العقل أو من قبل المعرفة التي يكسبها من تقدمه في العلم والحضارة؟ هنا يستطرد بنا الكلام على مشكلة الشر إلى الكلام على مشكلة الدين أو مشكلة التدين في جملته، وخلاصتها - كما قدمنا - عند المترددين والمعطلين أن الأديان قد اختلطت قديما بكثير من الخرافات، وأن العقل يتعسر عليه أحيانا أن يوفق بين عقائد الدين وحقائق المعرفة العلمية.
شبهة الخرافة
وهنا نعود مرة أخرى إلى سؤالنا الذي افتتحنا به هذه الكلمة، فنسأل المترددين والمعطلين: إذا كان التدين على هذه الحالة التي وجد بها غير حسن في تقديركم، فيكف يكون الحسن؟ وكيف تتصورونه ممكنا على نحو أقرب إلى العقل وأيسر في الإمكان؟
وكأننا بهم يقترحون دينا لا يركن إليه إلا النخبة المختارة من كبار العقول الذين لا تتسرب الخرافة إلى مداركهم في عصر من العصور، كائنا ما كان موقع ذلك العقل من درجات التقدم والحضارة.
هذا ، أو يقترحون دينا يتساوى فيه كبار العقول وصغارهم تساويا آليا لا عمل فيه لاجتهاد الروح وتربية الضمير واستفادة المستفيد من كفاح الحوادث وتجارب الحياة.
Shafi da ba'a sani ba