Haƙƙoƙin Musulunci
حقائق الإسلام وأباطيل خصومه
Nau'ikan
إن امرأة بابنتها روح نجس سمعت به؛ فأتت وخرت عند قدميه، وكانت المرأة أممية - أي من أبناء الأمم غير الإسرائيلية - وفي جنسها فينقية سورية، فسألته أن يخرج الشيطان من ابنتها، وأما يسوع فقال لها: دعي البنين أولا يشبعون؛ لأنه ليس حسنا أن يؤخذ خبز البنين ويطرح للكلاب! فأجابت وقالت: نعم، يا سيد، والكلاب - أيضا - تحت المائدة تأكل فتات البنين، فقال لها لأجل هذه الكلمة: اذهبي قد خرج الشيطان من ابنتك ...
إن السيد المسيح «خرج من هناك وانصرف إلى نواحي صور وصيدا، وإذا امرأة كنعانية خارجة من تلك التخوم صرخت إليه قائلة: ارحمني ، يا سيد يا ابن داود، ابنتي مجنونة جدا. فلم يجبها بكلمة، فتقدم تلاميذه وطلبوا إليه قائلين: اصرفها؛ لأنها تصيح وراءنا. فأجاب وقال: لم أرسل إلا إلى خراف بيت إسرائيل الضالة. فأتت وسجدت له قائلة: يا سيد، أعني. فأجاب وقال: ليس حسنا أن يؤخذ خبز البنين ويطرح للكلاب! فقالت: نعم، يا سيد، والكلاب أيضا تأكل من الفتات الذي يسقط من مائدة أربابها. حينئذ أجاب يسوع وقال لها: يا امرأة، عظيم إيمانك، ليكن لك كما تريدين. فشفيت ابنتها من تلك الساعة.»
ونحن نعلم من هذه القصة، ومن جملة أخبار التلاميذ في الأناجيل أن السيد المسيح قد ثابر على اختصاص بني إسرائيل بدعوته، ولم يتحول عنهم إلى غيرهم إلا بعد إصرارهم على رفضه ولجاجتهم في إنكار رسالته، فوجد بعد اليأس منهم أنه في حل من صرف الدعوة عنهم إلى الأمم المقيمة بينهم، وضرب المثل لذلك بصاحب الدار الذي أقام وليمة العرس في داره، وأرسل الدعوة إلى ذويه وجيرانه، فتعللوا بالمعاذير والشواغل ولم يستجيبوا لدعوته، فأطلق غلمانه إلى أعطاف الطريق يدعون من يصادفهم من الغرباء وعابري السبيل، على غير معرفة بهم ولا صلة بينه وبينهم، حتى امتلأت بهم الدار، ولم يبق على الموائد مكان لمن اختصهم بالدعوة؛ فأعرضوا عنها.
ويلاحظ في قصة المرأة الكنعانية أنها كانت تدعو المسيح بالسيد ابن داود، وأن عقيدة العبريين لم تزل تعلق آمالهم بالخلاص على يد رسول من ذرية داود، ومن سلالة يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم.
ومضى عصر المسيح، وجاء بعده عصر بولس الرسول، وعقيدة الخلاص الموقوف على سلالة إبراهيم باقية مسلمة بين العبريين الجامدين على تقاليدهم وبين المسيحيين المتحررين من تلك التقاليد، وإنما أضيف إليها تفسير جديد لهذه البنوة، وهو أنها بنوة روحية لا تتوقف على بنوة الجسد، ولا فارق فيها بين من يحيون سنة إبراهيم الخليل من العبريين أو من الأميين الذين يسميهم العبريون «بالجوييم»، أي: الأقوام الغرباء.
فالعقيدة الإلهية - كما دان بها العبريون، وجمدوا عليها إلى عصر الميلاد - إنما هي عقيدة شعب مختار بين الشعوب في إله مختار بين الآلهة، وليس في هذه العقيدة إيمان بالتوحيد، ولا هي مما يتسع لديانة إنسانية، أو مما يصح أن يحسبه الباحث المنصف مقدمة للإيمان بالإله الذي يدعو إليه الإسلام.
ثم تطورت هذه العقيدة الإلهية بعد ظهور المسيحية، فانتقلت من الإيمان بالإله لأبناء إبراهيم في الجسد إلى الإله لأبناء إبراهيم في الروح، وانقضى عصر السيد المسيح وعصر بولس الرسول، واتصلت المسيحية بالأمم الأجنبية - وفي مقدمتها الأمة المصرية - فشاعت فيها على إثر ذلك عقيدة إلهية جديدة في مذهب العبريين، وهي عقيدة الثالوث المجتمع من الأب والابن والروح القدس، وفحواها أن المسيح المخلص هو ابن الله، وأن الله أرسله فداء لأبناء آدم وحواء، وكفارة عن الخطيئة التي وقعا فيها عندما أكلا من شجرة المعرفة في الجنة بعد أن نهاهما عن الاقتراب منها.
وظهر الإسلام وفحوى العقيدة الإلهية كما تطورت بها الديانة المسيحية أن الله الإله واحد من أقانيم ثلاثة، هي الأب والابن والروح القدس، وأن المسيح هو الابن من هذه الأقانيم، وهو ذو طبيعة إلهية واحدة في مذهب فريق من المسيحيين، وذو طبيعتين - إلهية وإنسانية - في مذهب فريق آخر.
ومن البديهي أن الباحث الذي يريد تطبيق علم المقارنة بين الأديان على المسيحية والإسلام مطالب بالرجوع إلى حالة الديانة المسيحية حيث ظهرت دعوة الإسلام في الجزيرة العربية؛ فلا يجوز لأحد من هؤلاء الباحثين أن يزعم أن الإسلام نسخة محرفة من المسيحية إلا إذا اعتقد أن نبي الإسلام قد أخذ من المسيحية كما عرفها في بيئته العربية، وفيما اتصل به من البيئات الأخرى حول جزيرة العرب. ومهما يكن من تطور العقائد المسيحية في سائر البيئات ومختلف العصور، فالعقيدة المسيحية التي يجوز لصاحب المقارنة بين الأديان أن يجعلها قدوة للإسلام إنما هي عقيدة المسيحيين في الجزيرة العربية وما حولها، وقد وصف «جورج سيل» مترجم القرآن إلى اللغة الإنجليزية حالة المسيحيين في الحجاز وفي سائر الأنحاء القريبة منها، فقال ما ننقله من مقدمة ترجمته للقرآن:
إنه من المحقق أن ما ألم بالكنيسة الشرقية من الاضطهاد واختلال الأحوال في صدر المائة الثالثة للميلاد قد اضطر كثيرين من نصاراها أن يلجئوا إلى بلاد العرب طلبا للحرية، وكان معظمهم يعاقبة؛ فلذا كان معظم نصارى العرب من هذه الفرقة. وأهم القبائل التي تنصرت: حمير وغسان وربيعة وتغلب وبهراء وتنوخ وبعض طيئ وقضاعة وأهل نجران والحيرة ... ولما كانت النصرانية بهذه المثابة من الامتداد في بلاد العرب لزم عن ذلك - ولا بد - أنه كان للنصارى أساقفة في مواضع جمة لتنظم بهم سياسة الكنائس، وقد تقدم ذكر أسقف ظفار، وقال بعضهم كانت نجران مقام أسقف، وكان لليعاقبة أسقفان: يدعى أحدهما أسقف العرب بإطلاق اللفظ، وكان مقامه باكولة، وهي الكوفة عند ابن العبري أو بلدة أخرى بالقرب من بغداد عند أبي الفداء، وثانيهما يدعى أسقف العرب التغلبيين ومقامه بالحيرة. أما النساطرة فلم يكن لهم على هذين الكرسيين سوى أسقف واحد تحت رياسة بطريكهم.
Shafi da ba'a sani ba