Haƙƙoƙin Musulunci
حقائق الإسلام وأباطيل خصومه
Nau'ikan
والناس مصطلحون على تقسيم الطبقات إلى ثلاث: غنية وفقيرة وميسورة، أو عليا ودنيا ووسطى، ولعله تقسيم مستعار من مرتفعات المكان التي يمكن أن تنقسم إلى فوقية وتحتية ومستوية، أو من الرسوم الجغرافية التي يمكن أن تنقسم إلى شرقية وغربية ومتوسطة، أو تنظيمات الجيوش التي يمكن أن تنقسم إلى طليعة وساقة وقلب. أما تقسيم المجتمع إلى ثلاث طبقات من حيث درجات العمل وأنماط المعيشة ومأثورات الخلق والعادة، فهو تقسيم على وجه التشبيه والتقريب، كأنه تقسيم الناس إلى ثلاثة ألوان بين البياض والسواد، أو تقسيمهم إلى ثلاثة أشكال من ملامح الوجوه؛ وكلها تقسيمات تقبل على وجه التشبيه والتقريب لا على وجه الدقة والتحقيق.
فلا نهاية للفوارق بين الناس في الطائفة الواحدة ولا في العمل الواحد، ولا يوجد فاصل واحد تنحصر فيه أسباب التفرقة بين طائفة وطائفة أو بين واحد وواحد من أبناء الطائفة؛ لأن المرجع في أسباب هذه التفرقة لا يقف بنا في النهاية دون الظاهرة الكونية التي لا يشذ عنها كائن واحد بين السماوات والأرضين، فليس في أجرام السماوات الواسعة جرمان يتساويان في الحجم أو في الحركة أو في الضوء أو في المسافة، وليس على فرع واحد من شجرة ورقتان تتساويان في السعة أو في اللون أو في الموضع أو في مادة العصا النباتية، وليست هنالك ورقة واحدة تتساوى في وقتين من أوقات النهار والليل.
وإذا بلغ من عمق هذه الظاهرة الكونية واتساعها أن تتمثل في المادة الجامدة في تركيبها المحدود، فأحرى بالجماعة الإنسانية التي لا تنحصر تراكيبها الحسية والمعنوية ألا تضيق فيها عوامل هذه الظاهرة حتى تنحصر برمتها في سبب من أسباب الأخلاق أو سبب من أسباب الفكر أو أسباب الاقتصاد أو أسباب العوارض الطبيعية؛ فإن هذه العوامل المتشابكة في كل جماعة إنسانية تتساند وتتناظر وتعمل عمل الأضداد كما تعمل عمل الأشباه في كل معرض من معارض الحياة، ونحسب أنه لو جاز أن يكون بينها عامل أضعف من سائر العوامل، لكان أضعفها جميعا عامل الاقتصاد الذي زعم جماعة الماديين التاريخيين أنه هو عاملها الوحيد، أو عاملها الذي لا يقوى على مناهضته عامل سواه.
في بلاد الطبقات - بلاد الهند - لم تكن السيادة العليا لطبقة التجار وذوي الأموال والمرافق الصناعية والزراعية، بل كان هؤلاء معدودين من الطبقة الثالثة أو الثانية على أكبر تقدير، ومن فوقهم جميعا طبقة المقاتلين وفرسان الحروب وذوي الشجاعة والدربة على استخدام السلاح.
والإقطاعيون في أوروبا لم يكونوا يوما من أيامهم طبقة متفقة في المصلحة أو متجاورة على وئام وسلام، بل كان اسمها نفسه مشتقا من المنازعة والخصومة، وكانت العداوة بين كل فارس منها وجيرانه أشد من العداوة بين الفارس والفلاح.
ورأس المال زال من البلاد الروسية وزال معه أغنياؤها وسراتها ونبلاؤها، وظهرت فيها - مع هذا - طبقة حاكمة من الخبراء والمهندسين لا تدانيها في سطوتها واستبدادها طبقة حاكمة في أشهر البلاد باستبداد نظم الصناعة ورءوس الأموال.
والصناعة الكبرى لم تكن هي الطور الاقتصادي الأخير الذي جرد العمال طبقة مستقلة تتقدم الصفوف لما يسمونه حرب الطبقات، ولكنهم تجردوا لهذه الحرب؛ لأنهم تجمعوا في أمكنة متقاربة يتفقون فيها على المطالب والحركات، ويستطيعون باتفاقهم أن يعطلوا الأعمال في المصانع ويكرهوا أصحابها على الإصغاء إليهم، وكذلك فعل العمال في عهد الرومان قبل عهد الصناعة الكبرى بنحو عشرين قرنا حين ثاروا بقيادة «سبارتكوس»، وفعل عمال إسبرطة قبلهم ما فعلوه، ومنهم طوائف «الهيلوب» الذين كانوا يقتسمون حصة من غلال الأرض الزراعية كما كانوا يتقاضون الأجور.
والطبقة الغنية يخرج منها من يخرج ويدخل إليها من يدخل كلما تغيرت فيهم صفاتهم النفسية أو الفكرية؛ فغني اليوم فقير الغد، وفقير الأمس غني اليوم، على حسب صفاتهم أو حسب الفرص التي تتهيأ لهم ويسوسونها بعقولهم وأخلاقهم، لا لأن العوامل الاقتصادية وحدها هي التي تخلق طبقات المجتمع وتبقيها إلى أن تتبدل هذه فتتبدل تلك معها، كأنهما - معا - كتلة صماء تتغير من فترة إلى فترة، ولا عمل فيها لإرادة الداخلين فيها ولا الخارجين منها. •••
وستبقى الطبقات ما بقي الناس مختلفين، وسيبقى الاختلاف بينهم بلا عد وبلا حد، يقسمه من يريد التقريب والإيجاز ثلاثا ثلاثا أو أربعا أربعا أو اثنتين اثنتين، إلا أنه سيرجع في مئات الفوارق وألوفها إلى تلك الظاهرة الكونية التي لا تدع ورقتين على فرع واحد من الشجرة الواحدة متشابهتين كل التشابه في تركيب الأجزاء، وأحرى ألا يتشابه التركيب في الجماعات الإنسانية ولو تشابهت ظروفها الاقتصادية كل التشابه فيما بدا واستتر، وفيما يملكه الأفراد أو تملكه الجماعات من إرادة وتدبير. •••
ويحق لنا أن ننظر إلى المسألة من وجهة أخرى غير وجهة الواقع الذي لا حيلة لنا فيه، فنسأل: أترانا نسلم لهذه الظاهرة الكونية لأنها قضاء حتم ينفذ فينا كما ينفذ في الكون كله من أعلاه إلى أدناه؟ أترانا نبدل من هذه الظاهرة الكونية لو ملكنا التبديل في حياتنا الإنسانية؛ فلا ندع بين الإنسان والإنسان موضعا لاختلاف التركيب في الأجسام أو في العقول أو في الأحوال والأطوار؟
Shafi da ba'a sani ba