Hanin Ila Kharafa
الحنين إلى الخرافة: فصول في العلم الزائف
Nau'ikan
ثمة دليل آخر على التطرف النسبي لانطباع العنعنة قدمته تجربة مختلفة جدا: كان يطلب فيها من أزواج من الأصدقاء تقييم صديق ثالث (هدف)، بحيث إن أحد الصديقين يعرفه جيدا والآخر لم يقابله قط، بل سمع عنه فقط من الصديق الأول، ثم طلب من الصديقين - كل على حدة - تقييم الشخص الهدف على مجموعة من مقاييس سمات الشخصية، وكما هو متوقع: جاء تقييم الشخص الذي سمع (فقط) عن الشخص الهدف، جاء أكثر تطرفا من تقييم الشخص الذي كان يعرفه جيدا.
30
هذه الظاهرة كثيرا ما تحدث في الحياة الواقعية عندما يقابل زملاء الجامعة آباء رفقاء الغرفة أو إخوتهم أو أصدقاء طفولتهم، هنالك يصدم من هيأ نفسه على أنه سيقابل غولا رهيبا أو سيلقى الفتنة المتجسدة أو الظرف أو الذكاء الخارق، ويفاجأ أنه بإزاء شخص أبسط كثيرا مما يحتسب وأقرب إلى سائر البشر. (3-3) تحريفات في خدمة «الإبلاغية» والتسلية
من أجل جودة القصة ينبغي ألا تبهظ المستمع بتفصيلات صغيرة كثيرة؛ لذا فإن كثيرا من التفصيلات الخاصة عن الأشياء التي تعمم إليها خوف ألبرت الصغير قد «طمست» في كثير من التقارير اللاحقة عن النتائج التجريبية، غير أن هناك معايير أخرى يجب استيفاؤها حتى يكون التواصل ذا قيمة، أهم هذه المعايير: جعل التواصل مبلغا (مفيدا) ومسليا، فإذا خرج المستمع من التواصل مستفيدا «معلومات» أو مستمتعا فقد كان التواصل مستحقا لوقته وانتباهه، وقد حقق المتحدث واحدا من أهم المطلوب منه.
ومن الطرائق التي يمكن أن تجعل الرسالة أكثر إمتاعا وإبلاغا أن تزيد مباشريتها، فما حدث لغيري يمكن أن يحكى على أنه حدث لي شخصيا، وما حدث لشخص ما في مكتب عمي يمكن أن يحكى على أنه حدث لعمي نفسه. من شأن هذه التبديلات أن تعلي من حضرة المتحدث وتضعه في مركز الضوء، وقد تكون الغاية منها أكثر براءة: أن تجعل الحكاية أكثر إمتاعا وأقوى بلاغا إذ تجعلها أكثر نصوعا وعيانية.
الحق أن أغلب ما يحكى على أنه من المنبع
first hand
هو منقول «عن» الغير (يد ثانية)، وما يروى على أنه يد ثانية هو يد ثالثة أو رابعة أو خامسة، وبالعودة إلى قصة «ألبرت الصغير» نجد أن عددا من مؤلفي الكتب الدراسية لم يقرءوا تقارير البحث الأصلي، بل قرءوا تقارير عن التقارير، وهذه مشكلة شائعة في العالم الأكاديمي يصعب تفاديها: إننا في الغالب لا نقرأ النصوص الأصلية بل نقرأ نصوصا عن النصوص.
فلتشك - إذن - في الرواية بقدر طول سلسلة العنعنة؛ لزيادة احتمال وقوع تحريف في موضع ما من هذه السلسلة الطويلة، وليس يكفي أن تسمع الرواية من مصدر ثقة عندك؛ فربما يكون قد سمعها من مصدر آخر أقل مصداقية.
وكثيرا ما تتردد حكاية مقبولة عقلا، ينسبها كل راو ل «صديق له» أو «صديق أخيه» أو «زميل في العمل»، وتتعدد المصادر بدرجة تفوق احتمال وقوعها لكل هذا العدد وبنفس الحبكة الواحدة، من أشهر هذا الصنف من الحكايا: حكاية المرأة التي ينصب شاب شباكه ليوقعها، وبعد أن يقضي منها وطره تختفي من عنده تاركة له في الصباح رسالة (على الفراش أو على مرآة الحمام) تقول: «مرحبا بك في عالم الإيدز.»
Shafi da ba'a sani ba