فقال الرجل: لا يجوز أن تتم خطوبة فتاة في غياب أمها .. ولكنها ستتم قريبا بإذن الله.
ونظر الأستاذ إلى الفتاة وقال مبتسما: «مبروك.» أما الأم فسألت: من هو؟
وأجابها الرجل: طلعت، ابن شريكي.
وسأل المحامي: هل هو موظف؟
فقال الرجل بزهو: نعم وكيل نيابة.
وأطبقت روحية هانم شفتيها فلم تفه بكلمة أخرى، واستسلمت لأفكار غامضة فغابت عن الحاضرين، وانتهت السيارة إلى الفيلا ودخلوا جميعا ومعهم الأستاذ عاصم.
ولكنه استأذن بعد قليل وانصرف إلى بيته القريب. •••
كان السيد محمد بك طلبة من كبار تجار الشاي المعروفين بمصر، وقد ربح من تجارته ثروة عظيمة تقدر بمئات الألوف من الجنيهات، وكان في أخلاقه صورة من رجال طائفته الناجحين في حسن التدبير وعلو الهمة والحرص. وبالرغم مما تحفل به حياته من التجارب والمخاطرات، وبالرغم مما صادفه فيها من ويلات المحن وفرص النجاح، فإنه ما يزال يعد زواجه أخطر حادث في حياته، وهذا هو اعتقاده الدفين وإن لم يصرح به. وقد وقع هذا الحادث الخطير منذ عشرين عاما - وهو في الخامسة والأربعين - إذ كان بإحدى رحلاته التجارية بسوريا، وقد التقى هناك بأسرة زوجه وتعرف إلى والديها، وكان الأب سوريا والأم أمريكية، ورأى ابنتهما الشابة الفاتنة ساعة فوقع في حبها وجن جنونا، وتحركت في أعماق غريزته التجارية، غريزة الامتلاك، فخطبها إلى والديها، ولم يستدر ذلك الشهر حتى تم زواجه منها، وعاد إلى مصر «بأعظم ربح وأجمل امرأة في الوجود» كما قال لنفسه حينذاك.
وبدأت الحياة الزوجية بنجاح لا بأس به، وأثمرت على مر الأيام طفلين جميلين مدحت وحياة، فبشر مقدمهما الأسرة بدوام السعادة والعشرة .. ودارت السنون دورة سريعة، فوجد البك أنه أخذ يجتاز الحلقة السابعة، ويقنع من الدنيا بمشاهدة مدحت وحياة، ويكتفي من الحب بتذكر أحلامه المنطوية .. وأما المرأة فألفت نفسها في مكتمل الأنوثة ونضوج الشباب، فلم تجمل نفسها القناعة من الدنيا بالأبناء والأحلام؛ إذ كان شبابها عنيدا جبارا دائب الثورة على الزمن .. فتصدع ائتلاف الزوجين، وعجزت شيخوخة الرجل عن كبح هذه الحيوية الثائرة فانكمشت أمام سيلها العارم، وخلت لها المنحدر وانزوت مطعونة باليأس مذعنة بالتسليم.
واتفق أن كان الأستاذ عاصم المحامي - صديق الزوج وجاره - السبب المباشر في انفجار هذه الثورة الحيوية العنيفة، وقد تحيرت «صالونات» الزمالك في تحديد علاقته بروحية هانم؛ فمن قائلة إن هذا المحامي الجميل ليس إلا صديقا للأسرة، ومن هامسة بأنه عشيق الزوجة ومتغفل الزوج، ومن مؤكدة أنه عشيق الزوجة على علم وتسليم أو - على الأقل - تغاض من الزوج؛ وظل كل فريق على رأيه حتى ذاع خبر تلك الرحلة الشتوية إلى أسوان التي قيل في تعليلها إن الأطباء نصحوا للهانم بانتجاع الصحة في مصر العليا، وإن الزوج - الذي تمنعه أعماله في مثل هذا الوقت من السفر - عهد بالزوجة إلى صديقه المخلص المحامي الذي يسافر عادة في يناير كل عام إلى أسوان .. هنالك قطع الشك باليقين وارتفعت الآراء.
Shafi da ba'a sani ba