ألقيت نظرة سريعة مفعمة بالروعة على ذلك العالم المبعوث، ولكن الباشا لم يدعني لتأملاتي، فقال لي ولم أكن أعلم أنها آخر أقواله في هذه الدنيا: الأوفق يا أستاذ دريان أن نبلغ الأمر إلى الحكومة في الحال.
فأحسست بخيبة أمل وقلت: انتظر قليلا يا باشا ريثما ألقي نظرة عجلى.
ودنوت من الصناديق والأثاث والباشا إلى يميني، ومضيت أفحصها بعين خبيرة مشوقة، ونفسي تحدثني بفتحها ومشاهدة ما بداخلها، وكنت أومن بأنها تحوي طعاما وثيابا وحليا، ولكن أنى لمثلي أن يملك إرادته حيال تلك المخلفات الجليلة التي تستحوذ على منبض التأثر من قلبي ووجداني .. ثم لا تنس التابوت والتماثيل والمومياء .. يا لها من مفاتن!
وقطع علي تأملاتي أن سمعت صوت الشيخ جاد القبيح وهو يهتف: «هش.» فالتفت إليه منزعجا مغضبا؛ لأن أية همسة آنئذ تثير أعصابي، ولكن الشيخ قال ببلاهة: «عصفور.»
فانتهرته قائلا: أي عصفور هذا يا شيخ؟ .. أهذا وقت هزل؟
فقال الرجل: رأيت عصفورا يرف بجناحيه فوق التابوت.
فالتفتنا إلى التابوت ولكنا لم نر شيئا، وكان من العبث أن نسأل الخادمين، فقلت للشيخ: دعنا من أوهامك يا شيخ جاد الله.
ثم ضحكت وقلت للباشا بالفرنسية: عسى أن يكون العصفور روح الميت «كا» جاء لزيارته معنا.
ثم عدت إلى مطالعة الصناديق والجدران التي تحادث قلبي بلغة صامتة لا يعيها سواي، ولكني لم أستطع التأمل بتاتا؛ لأنا سمعنا الخادمين يصيحان بذعر: يا سعادة الباشا!
فالتفتنا إليهما بسرعة وقد امتلأت غيظا وحنقا، ولكني شاهدتهما في حالة غريبة من الرعب؛ التصق كل منهما بصاحبه، واتسعت عيناهما وجحظتا وأرسلتا نظرة صلبة جامدة ميتة إلى ناحية التابوت، وتصلب الشيخ جاد الله في وقفته ويده قابضة على المصباح وعيناه لا تتحولان عن نفس الهدف، فنظرت إلى التابوت وقد نسيت غضبي، فرأيت غطاءه مرفوعا، والمومياء ممددة أمامنا في لفائفها!
Shafi da ba'a sani ba