Hamayan Zad Zuwa Gidan Gobe
هميان الزاد إلى دار المعاد
Nau'ikan
قال جار الله فإذا أبصروها والهيئة هيئة الأولى قالوا هذا الذى رزقنا من قبل. والتفسير الأول أحسن وهو تفسير القبلية فى الدنيا، لأنه إنما يعظم للتعجب والاستغراب، بعظم تفاوت ثمرة الجنة بثمرة الدنيا غاية التفاوت صفاء ولونا ولذة وطعما وكبرا، مع التشابه البليغ فى الصورة، وبذلك أيضا يعظم فرحهم واغتباطهم بما وجدوا، فيذكرون ذلك القول كلما رزقوا، أو لأن التفسير الثانى غير مشتمل على الأعراض الموجودة فى الأول، من كون النفس تميل إلى الثمرة إذا رأتها كثمرة الدنيا أول ما ترى، بخلاف ما لو كانت مخالفة لها فإنها لا تميل إليها حتى تذوق، وكون الطباع مائلة إلى المألوف وكونها غير نافرة من غيره، وكون المزية تتبين بالتفاوت فى نحو الطعم مع التشابه فى الصورة ولأن التفسر الأول استلزم الثانى بلا عكس.
وعن ابن عباس ليس فى الآخرة شىء مما فى الدنيا سوى الأسماء، وأما الذوات فمختلفة، وهذا يرجح التفسير الثانى. والذى عندى أن قولهم هذا الذى رزقنا من قبلن مجاز مركب، لأنه خرج عما وضع له، موضوع للإخبار ولم يستعمل فيه، بل فى التعجب، فظهر لك أن المجاز لمركب لا يختص بالاستعارة، وكذا قال ابن عباس إنه تعجب وقال جماعة أن ذلك إخبار من بعض لبعض، وأقول ليس قول الجماعة هذا على ظاهره، كما قيل، بل مرادهم أن ذلك إخبار من بعض لبعض، على جهة التعجب، كما قال الحسن ومجاهد يرزقون الثمرة ثم يرزقون بعدها مثل صورتها والطعم مختلف فهم يتعجبون بذلك، ويخبر بعضهم بعضا. { وأتوا به متشابها } أى أتاهم الله أو الملائكة بالرزق الذى فى الجنة والذى فى الدنيا متشابهين. أما الذى فى الجنة فأتاهم به الملائكة بإذن الله، وأما الذى فى الدنيا فأتاهم الله به فى الدنيا، بمعنى خلقه وجعله آتيا إليهم، فالهاء للرزق الشامل للرزقين، لأنه ولو لم يتقدم إلا ذكر رزق واحد. لكن قوله { هذا الذى رزقنا من قبل } يدل على اثنين لأن فيه إشارة إلى الحقيقة بحضور فرد تقدم فرد نظيره، ولو كان واحدا باعتبار الحقيقة والماهية، أو لأن فيه مشبها أو مشبها به، ويسمى مثل ذلك الضمير الكناية الإيمائية، لأن مرجعه لم يصرح به كل التصريح، لأن المشبه به صريح، على طريق أنه المشبه مبالغة ومن ذلك قوله تعالى
إن يكن غنيا أو فقيرا فالله أولى بهما
أى بمطلق الغنى ومطلق الفقير المدلول عليهما، يذكر الغنى والفقر فى الإنسان الواحد على طريق البدلية لا الشمول. وهذا أدق نظرا من أن نقول القبلية فى الجنة. وتقول الهاء عائدة إلى رزق الجنة فقط، المذكورة فى قوله جل وعلا { كلما رزقوا منها من ثمرة رزقا } وقال أبو حيان الهاء عائدة إلى رزق الجنة فقط على أن القبلية فى الجنة لأن رزق الجنة هو المحدث عنه، والمشبه بالذى رزقوه من قبل، فهو العمدة فى الكلام، فليرجع إليه الضمير، ولأن الجملة جاءت محدثا بها على الجنة وأحوالها، ولأن الأصل فى الضمير أن يرجع إلى ما صرح به على أنه هو لا على أنه غيره، ولأن الأصل فى الضمير الذى على صيغة المفرد أن يرجع إلى المفرد لا إلى اثنين، ولكلام ابن عباس، ولكلام الحسن المذكورين فإن الأصل فى التشابه أن يكون فى الطعم والتلذذ واللون والرائحة ونحو ذلك.
وقد مر عن ابن عباس أنه ليس فى الجنة من أطعمة الدنيا إلا الأسماء، فيضعف التشابه بين طعامهما، وإنما يقوى بين طعامى الجنة لأنهما باللون والتلذذ والطعم وغيرهن حتى لا يميز بينهما، والتشابه بين طعام الجنة طعام الدنيا فى الصورة فقط، على ما فسر به القاضى كلام ابن عباس، وهو ولو كان كافيا فى إطلاق التشابه لكنه ضعيف، وفى التسمية فقط على ما فسره به غيره، وتفسير القاضى أحسن فكبرى رمانات الدنيا لا تفضل عن حد البطيخة الصغيرة، ورمانة الجنة تشبع العيال العظيم كما فى الحديث، وكبرى نبق الدنيا لا تجاوز فلكة المغزل، ونبق الجنة كقلل هجر كما فى الحديث، وظل شجرة الدنيا ما ترى وظل شجرة الجنة أكثر من مسيرة الراكب المجد مائة عام كما فى الحديث. وعن مسروق نخل الجنة نضيد من أصلها إلى فروعها، وثمرها أمثال القلال، كلما نزعت ثمرة عادت مكانها أخرى، وأنهارها تجرى فى غير أخدود، والعنقود اثنا عشر ذراعا، قيل متشابه فى اللون والطعم والرائحة، وقيل فى كونه خيارا كله لا ردىء فيه. وقال الكلبى. متشابه فى المنظر مختلف فى الطعم، وكذا قال ابن عباس، فالكلبى رواه عنه. ويجوز عن القاضى أن يكون المراد بقوله { هذا الذى رزقنا من قبل } أن هذا رزقناه فى الجنة هو الذى رزقنا الله فى الدنيا من المعارف والطاعات، أى جزاؤها، فهو يتفاوت بتفاوتها فى اللذة، ووجه الشبه والشرف والمزية وعلو الطبقة، فذلك كقوله جل وعلا
ذوقوا ما كنتم تعملون
لكن هذا فى الوعيد. وآية البقرة فى الوعد وتفسيرها بهذا قريب من تفاسير الصوفية وبمقدار قربها منها يضعف لأن تفاسيرهم لم يأذن الشرع بها، وبها خرجوا عنه إذ اعتقدوا أنها معان نزل القرآن على إرادتها، أعاذنا الله - جل وعلا - والله أعلم. والواو واو الحال، والجملة حال من رزقا، ولو كان نكرة. لأن المراد رزقا عظيما، وتنكيره للتعظيم. فهو مخصوص، وقد خص أيضا بالحال الأولى المتقدمة عليه، التى أصلها أنه نعت له، أو الواو للاستئناف. والجملة مستأنفة معترضة عند الزمخشرى، بناء على جواز الاعتراض آخر الكلام. والأكثرون يسمونه تذييلا، وهو أن يعقب الكلام بما يشتمل على معناه توكيدا لا محل له من الإعراب كما ذكره زكريا، والتذييل تعقيب الجملة بجملة تشتمل على معنى الجملة الأولى، لتوكيد المنطوق به، جار مجرى المثل فى أن يقصد بالجملة الثانية فيه حكم كلى منفصل عما قبله، جار مجرى المثل فى الاستقلال بنفسه وكثرة الاستعمال، نحو
إن الباطل كان زهوقا
ونحو
وهل نجازى إلا الكفور
Shafi da ba'a sani ba