Hamayan Zad Zuwa Gidan Gobe
هميان الزاد إلى دار المعاد
Nau'ikan
إن الذين كفروا
وعلى الوجه الأول وهو جعل أل فى الناس للحقيقة لا يكون تقسيما، لكن الأقسام على كل حال ثلاثة مؤمن خالص، وكافر خالص، ومنافق مؤمن بلسانه فقط آمنا بالله واليوم الآخر والرسول والقرآن والملائكة وغير ذلك، وإنما خص الإيمان بالله واليوم الآخر لذكر تخصيصا لما هو المقصود الأعظم من الإيمان، وإظهارا لما ادعوه من أنهم اشتملوا على الإيمان من جانبيه، وحازوه كله وإعلاما بأنهم منافقون فيما ظنوا أنهم فيه مخلصون، فكيف فيما قصدوا فيه النفاق، لأن المراد بقوله
من يقول آمنا بالله وباليوم الآخر
قوم من اليهود، كابن أبى وأصحابه ومن شايعهم من غير اليهود، وهم يؤمنون بالله وباليوم الآخر إيمانا خالصا فى زعمهم، لكنه فى الحقيقة منتف، لأن الإيمان بشىء على غير صفته ليس إيمانا على الحقيقة، فإنهم آمنوا بالله وشبهوه بخلقه فى العباء والحلول، واتخاذ الصاحبة سبحانه عن ذلك وعن كل نقص، فكأنهم لم يؤمنوا به، بل بغيره، فإن من اتصف بذلك لا يكون إلها، وآمنوا باليوم الآخر، ولكنهم قالوا إن الجنة لا يدخلها غيرهم، وإن النار لا تمسهم إلا أياما معدودة ويظنون أن إيمان المؤمنين مثل إيمانهم، وأيضا خص الإيمان بالله واليوم الآخر بالذكر بيانا لتضاعف خبثهم وإفراطهم فى الكفر، لأن ما قررنا عنهم فى زيغ إيمانهم بالله واليوم الآخر لا يكون إيمانا ولو صدر عنهم على نيتهم المذكورة الزائغة فقط، فكيف يكون إيمانا وقد قالوا تمويها على المسلمين، وتهكما بهم، وإنما أعاد الباء فى قوله وباليوم الآخر إعلاما بأنهم ادعوا الإيمان بالله على الأصالة والاستحكام، وباليوم الآخر على الأصالة والاستحكام كذلك، والقول اللفظ المفيد، ويطلق على التلفظ بكل ما وضع وضعا بلغة عربية ولو غير مفيد، أو غير مركب أو بلغة غير عربية، أو بلفظ مهمل، هذا فى اللغة، لأنه حكاية لما نطق به اللسان كائنا ما كان، وأما تخصيصه لغير المهمل فإنما هو عندى فى اصطلاح النحويين، ويطلق على الكلام النفسى وعلى الرأى مجازا، واختيار بعض المنطقتين أنه حقيقة، ويطلق القول بمعنى المقول أيضا على المعانى المذكورة كلها إطلاقا للمصدر، على معنى اسم مفعول، واليوم الآخر وقت البعث إلى ما لا نهاية له، وقيل إلى أن يدخل أهل الجنة الجنة وأهل النار النار، لأنه آخر الأوقات المحدودة.
{ وما هم بمؤمنين } الضمير عائد إلى من باعتبار معناه، لأنه واقع على جماعة فأتى به ضمير جماعة، واعتبر لفظه فى يقول فكان فاعل يقول ضمير المفرد وهو مستتر، والمعنى إن ما ادعوه من الإيمان غير ثابت، لأن الإيمان بالشىء على غير إيمان به، وأصل الكلام أن يقال وما آمنوا، ليطابق قولهم آمنا فى التعريض للتصريح بشأن الفعل الذى هو الإيمان، وشأنه فى قوله { ومن الناس من يقول آمنا } إثباته فى قولك وما آمنوا، نفيه دون التعريض للتصريح بشأن الفاعل، ولو صرح به لقيد، ومن الناس من يقول إنا من أهل الإيمان بالله وباليوم الآخر، أو إنا مؤمنون بالله وباليوم الآخر، أو نحن من أهل الإيمن بالله وباليوم الآخر، أو نحن مؤمنون بالله واليوم الآخر، ونحو ذلك كما صرح بشأن الفاعل فى قوله { وما هم بمؤمنين } ، وإنما لم يأت بالمطابقة المذكورة، بل صرح بشأن الفاعل فى قوله { وما هم بمؤمنين } دون قوله { ومن الناس من يقول }... إلخ تأكيدا ومبالغة فى التكذيب، لأن إخراج ذواتهم من جملة المؤمنين، إذ قال { وما هم بمؤمنين } أبلغ من نفى الإيمان عنهم فى صورة ماضى الزمان بقولك وما آمنوا فلقصد التأكيد والمبالغة أكد النفى بالباء إيضاح المبالغة، والتأكيد فى تكذيبهم فى ادعاء الإيمان أنه لو قيل وما آمنوا لكان نفيا للملزوم ابتداء، ولما قال { وما هم بمؤمنين } كان نفيا للملزوم، وبانتفاء لازمه لا ابتداء وانتفاء اللازم أعدل شاهد على انتفاء ملزومه، فكونهم مؤمنين لازم، وكونهم آمنوا إيمانا صادقا ملزوم، وقد نفى اللازم، فانتفى الملزوم، وإن قلت قولك هم مؤمنون جملة إسمية، والجملة الاسمية تدل على الثبات، فاذا أدخلت النفى عليها كان نفيا لمدلولها الذى هو الثبات للنفى، وتأكيده قلت إنما يكون نفيا لمدلولها الذى هو الثبات، إذا اعتبر الثبات بطريق التأكيد والدوام ونحوهما، ثم نفى، والآية ليست كذلك، بل اعتبر النفى فيها أولا ثم أكد بالباء وجعل بحيث يفيد إثبات الدوام كما أن قولك ما أنا سعيت فى حاجتك لاختصاص النفى، كأنك قلت ما سعيت فيها، بلى سعى فيها غيرى، لا نفى الاختصاص، إذ لم ترد ما سعيت فيها وحدى، بل مع غيرى، فالآية من تقييد النفى لا من نفى التقييد.
وإن قلت فهل المراد بقوله تعالى { وما هم بمؤمنين } نفى ما أثبتوه من الإيمان بالله وباليوم الآخر، أو نفى الإيمان مطلقا؟ قلت أيحتمل أن يكون المراد نفى الإيمان عنهم مطلقا، أشاروا إلى ثبوت الإيمان لهم كله بإثباتهم إياه لأنفسهم بقطريه اللذين هما الإيمان بالله واليوم الآخر، فنفاه الله عز وجل عنهم كله. ويحتمل أن يكون المراد الاقتصاد فى الظاهر على نفى ما أثبتوه فى الظاهر وحده، فكأنه قيل وما هم بمؤمنين بالله ولا باليوم الآخر، فحذف لكونه يعلم من كون الكلام ردا لقولهم آمنا بالله وباليوم الآخر، ومن نطق بالشهادتين وفرغ قلبه عما يوافقهما وعما ينافيهما، أو فرغ عما يوافقهما فقط لم يكن مؤمنا بذلك النطق خلافا للكرامية. والآية تدل على أن من ادعى الإيمان، وخالف قلبه ادعاءه لم يكن مؤمنا وتقدم الرد على الكرامية، ولا تكون الآية نصا فى الرد عليهم، لأنها فى الادعاء، وخلافهم فى النطق بالشهادتين دون موافقة القلب، وظاهر الشيخ هود رحمه الله إن إيمان هؤلاء كان من قلوبهم، وإنما نفى الله عنهم الإيمان لعدم وفائهم بالأعمال، إذا قال أقروا الله بألسنتهم وخالفت أعمالهم وما هم بمؤمنين حتى يستكملوا دين الله، ويوفوا بفرائضه كإبراهيم الذى وفى، يعنى أكمل الإيمان وأتم الفرائض... انتهى. وسياق الآية يدل على كفرهم بقلوبهم، إذ وصفهم الله بالتكذيب، فتقول مراده رحمه الله أنهم أقروا لله بألسنتهم فقط دون قلوبهم، فاحترز عن ثبوت الإيمان فى قلوبهم، بقوله بألسنتهم، وصرح بنفى الأعمال بقوله وخالفت أعمالهم، أو أراد بقوله خالفت أعمالهم أنه خالفت أعمال قلوبهم، وأعمال جوارحهم إذ لم يعتقدوا فى قلوبهم ما فى ألسنتهم والعمل الصالح فى القلب اعتقاده الحق.
[2.9]
{ يخادعون الله والذين ءامنوا } الخدع بإسكان الدال مع كسر الخاء قبلها أو فتح الخاء أن توهم غيرك خلاف ما نخفيه من المكروه الذى تريد إيقاعه فيه إخفاء تنزله به عما هو بصدده من الاستعداد والمدافعة لو علم، وقد يطلق على فعل المكروه من حيث لا يشعر المفعول فيه ولو بلا إيهام، لأن أصله الإخفاء، ومن المخدع للخزانة بضم الميم وكسرها، وهو بيت فى بيت، ويحتمل أن يكون سمى بذلك باعتبار أن بانيه كأنه جعله خادعا لمن رام تناول ما فيه، وقد بينته فى كتاب الصلاة فى شرح النيل، ومنه الأخدعان لعرقين خفيفين فى العنق، فاستعمل المخدع والأخدع فى مطلق الإخفاء، ومن استعماله بمعنى إيهام خلاف ما يخفى من المكروه للتنزيل على الاستعداد قوله خدع الضب، وخدع كفرح، ويقال أيضا خدع الضب إذا استتر فى بيته، ثم أوهم السائل إقباله إلى الباب الذى رصده فيه، ثم خرج من باب آخر، والوصف خادع كضارب، وخدع كفرح، ويقال أيضا بمعنى مطلق الاستتار، وأما المخادعة والخداع اللذان اشتق من أحدهما يخادع الذى فى الآية، فبمعنى أن توهم غيرك خلاف ما تخفيه من المكروه على الحد السابق، ويوهمك غيرك خلاف ما يخفيه من المكروه كذلك، لأن المفاعلة والفعال بين متعدد، وذلك لا يجوز فى حق الله تعالى لا يخفى عليه شئ فلا يصح لهؤلاء أن يدعو إخفاء شئ عليه، ولأنهم لم يقصدوا إضراره خفية ولا جهرا إذ لا يلحقه ضر ولا نفع، وهو الغنى على الإطلاق، ولأنه تعالى لا يوهم غيره تنزيلا له، لأنه إنما يفعل لذلك من عجز عن المقابلة بما يكره، فتحمل الآية على أنه لعلهم اعتقدوا تجويز أن يكون الله مخدوعا مصابا بمكروه من وجه خفى عنه، وأن يدلس عباده ويخدعهم، لأن إيمانهم به تعالى نفاق، فليسوا عارفين بصفاته، ولا بأنه لا يخفى عنه شئ، ولا بأنه غنى عن فعل القبيح. وإما على الاستعارة التمثيلية التبعية إذ شبه متعددا بمتعدد لجامع منتزع من متعدد شبه إظهارهم الإيمان، وإخفاء الكفر وإجراء الله عز وجل حكم المؤمنين عليهم عالما بكفرهم، مستدرجا لهم، وامتثاله مع المؤمنين صلى الله عليه وسلم. أمر الله سبحانه وتعالى فى إخفاء حالهم، وإجراء حكم الإسلام. عليهم جزاء على صنعهم بالمخادعة التى تقع بين اثنين من كل واحد للآخر، فسمى ذلك باسم المخادعة والخداع، فاشتق منه يخادع، ووجه الشبه الجامع وجود أمور مخفاة وأمور مظهرة تخالفهما، كذا ظهر لى، وإما على تقدير مضاف أى يخادعون رسول الله والذين آمنوا، فعلى الوجهين الأولين يكون رسول الله داخلا فى لفظ المؤمنين على هذا الوجه الثالث لا يدخل فيه لأنه مقدر كما ترى، وإما على أن معاملة رسول الله - صلى الله عليه وسلم، معاملة الله سبحانه وتعالى، لأنه خليفة الله سبحانه وتعالى، والمجازى فى الهيئة التركيبية، وهو مجاز بالحذف، وكان بعد الحذف فى النسبة الإيقاعية إيقاع نسبة المخادعة على رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ولما حذف المضاف كان ظاهر الكلام إيقاعها عليه تعالى عن ذلك وعن كل نقص، وهذا الوجه قول الحسن بن أبى الحسن، يخادعون رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأضاف الأمر إلى الله تجوزا لتعلق رسوله به، ويدل لهذا الوجه قوله جل وعلا
من يطع الرسول فقد أطاع الله
Shafi da ba'a sani ba