317

Hamayan Zad Zuwa Gidan Gobe

هميان الزاد إلى دار المعاد

Nau'ikan

[2.175]

{ أولئك الذين اشتروا الضلالة بالهدى } أخذو الكفر والمعصية بدلا من الإيمان والطاعة فى الدنيا. { والعذاب بالمغفرة } أخذوا العذاب بدلا من المغفرة التى لهم لو تابوا، ويجوز أن يكون المراد بالضلالة كتمان صفات محمد، صلى الله عليه وسلم والحق، وبالهدى إظهار ذلك، وفى الكتم العذاب، وفى الإظهار المغفرة لو أظهروا. { فما أصبرهم على النار } تعجيب من الله للمؤمنين باقترافهم ما يوجب النار من غير مبالاة، كأنهم يطيقونها مع أنه لا طاقة لهم ولا صبر عليها ولو عشر لحظة أو أقل، لما كانت أعمالهم أعمال ما يصبر على النار لو كان شئ بعمل المعصية ويصبر على النار، شبه عملهم تلك الأعمال الموحية للنار بالصبر على النار، كأنها توجبها عن قريب قطعا وحزما، فدعا المؤمنين أن يتعجبوا من ذلك الصبر الذى هو ارتكاب الأعمال التى هى كالنار، ويجوز أن يشبه العمل السئ بالنار، لأنه فى الحقيقة مؤلم فظيع ضار كالسم، كما أن النار تضر ولو زينه الشيطان، وذلك لأن فيه غضب السلطان المنعم المحبوب فى القلوب وقطيعته وهو الله، جل وعلا، ويجوز أن يكون ذلك كناية عن طول مكثهم فى النار، وهو مكث دائم من غير إرادة للمعنى الحقيقى الذى هو شدة الصبر على النار، إذ لا يمكن الصبر عليها، ولو صبروا قليلا، ويجوز أن يشبه طول مكثهم الدائم فيها بطول حبس النفس على الشئ. والوجه الأول أوجه، وهو قول الربيع وقتادة والحسن وابن جبير، وقد علمت أن ما تعجبية وهى مبتدأ، فجملة أصبرهم خبر، وقال معمر بن المثنى إنها استفهامية، أى أى شئ صبرهم على النار، والاستفهام أيضا تعجبنى أو توبيخى، والجملة أيضا خبر أو نكرة تامة مخصوصة بالمعنى، والجملة أيضا خبر، أى شئ عظيم أصبرهم على النار، أو نكرة موصوفة بالجملة بعدها والخبر محذوف، أى شئ صبرهم على النار شئ عظيم أو معرفة موصولة. والخبر محذوف، أى الذى أصبرهم على النار بشئ عظيم، أو نافية، أى ما جعلهم يصبرون على النار، والمشهور أنها تعجبية، والمعنى على التعجيب كما تقول متعجبا لمن تعرض لما يوجب غضب السلطان ما أصبرك على القيد والسجن، تريد أنه لا يتعرض لذلك إلا من هو شديد الصبر على العذاب، روى الكسائى أنه قال قال لى قاضى اليمن بمكة اختصم إلى رجلان من العرب، فحلف أحدهما على حق صاحبه، فقال له ما أصبرك على الله، أى على عذاب الله.

[2.176]

{ ذلك } العذاب أو ذلك المذكور من أكلهم النار فى بطونهم وما بعده { بأن الله } الباء سببية. { أنزل الكتاب } القرآن فكفروا به وفعلوا تلك الأفاعيل، أو التوراة أى أنزل التوراة فحرفوها وبدلوها وكتموها وزادوا ونقصوا، فقد كفروا بما حرفوا أو بدلوا أو كتموا أو نقصوا منها، وآمنوا بما لم يفعلوا به ذلك فقد آمنوا ببعض وكفروا ببعض. { بالحق } متعلق بأنزل، أو بمحذوف حال من الكتاب. { وإن الذين اختلفوا فى الكتاب } هم اليهود، والكتاب هو التوراة، ومعنى اختلافهم فيها ترددهم فيها بالتحريف والتبديل والكتم والنقص يقال اختلف فلان إلى كذا، أى جاء وذهب، واختلف فى كذا، أى تردد فيه، ومنه خير القناطر عن بعض السلف، لأن تختلف الأسنة فى بطنى أحب إلى من أن يقع لى فى الصلاة ما يقع لكم من اشتغال القلب فى الصلاة، ويجوز أن يكون اختلافهم فى التوراة تخلفهم عن العمل بما فيها، وعن الحق فى تأويلها، وفى على هذا الوجه بمعنى عن، أو على أصلها، أى أوقعوا التخلف فيها، ويجوز أن يكون اختلافهم فيها كونهم فيها ذوى تخليف إذ صيروا ما ليس من التوراة بعضا منها وخلفا مما أزالوه منها، أو اختلافهم فيها بإيمانهم ببعضها وكفرهم ببعضها وهو صعب عليهم، وما فيها من بيانه صلى الله عليه وسلم أنكروا أن يكون من التوراة، ويجوز أن يكون المراد بالكتاب الجنس، والمختلفون اليهود والنصارى، إذ آمنوا ببعض كتب الله وكفروا ببعض، كفروا بالقرآن، وكفر اليهود بالإنجيل، والنصارى بالتوراة وهو قول السدى، ويجوز أن يراد بالكتاب القرآن، والمختلفون إما اليهود وإما مشركوا العرب، واختلافهم قول بعضهم إنه سحر، وبعض إنه شعر، وبعض أساطير الأولين، وبعض علمه بسر، واليهود قالوا ذلك كما قالته العرب، وإذا أريد بالكتاب الأول والثانى القرآن أو التوراة، فألى للعهد، ولا يتعين ذلك، بل يجوز كون الأول التوراة والثانى القرآن أو العكس. { لفى شقاق } خلاف للحق ومفارقة له. { بعيد } طويل لا يزول، بل يرثه حسيس عن حسيس، أو طويل بالنظر إلى عقابه، أو بعيد عن الحق والله أعلم. قال الربيع وقتادة كانت اليهود تصلى إلى صخرة بيت المقدس وهى غرب بالنسبة إلى قراهم الحجاز، وكانت النصارى تصلى إلى مشرق الشمس، فادعت اليهود أن البر فى الصلاة إلى الصخرة، وادعت النصارى أنه فى الصلاة إلى المشرق فأنزل الله عز وجل تكذيبهم جميعا فقال { ليس البر أن تولوا وجوهكم... }

[2.177]

{ ليس البر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب } إلى أن قال { والكتاب والنبيين } إلى آخره فصوب المؤمنين فى الصلاة إلى الكعبة، فإن الكتاب هو القرآن أو الجنس، فمن آمن بالقرآن أو بالكتب كلها صلى إلى الكعبة، لأن غيرها منسوخ بها فى القرآن، ومن آمن بالنبيين كلهم صلى إليها، لأن سيدنا محمدا، صلى الله عليه وسلم، أمر بالصلاة إليها. وقال ابن عباس رضى الله عنهما كان الرجل فى ابتداء الإسلام إذا أتى بالشهادتين وصلى إلى أى جهة ثم مات على ذلك وجبت له الجنة، فلما هاجر رسول الله، صلى الله عليه وسلم، ونزلت الفرائض، وصرفت القبلة إلى الكعبة، نزلت الآية. وفى قوله أيضا الرد على اليهود والنصارى، بأن استقبالهم للصخرة والمشرق منسوخ ليس برا، وإنما البر فى استقبال الكعبة، وهو الذى بينه الله واتبعه المؤمنون، وذلك أنه لما نزل أمر الكعبة أكثر فيه اليهود والنصارى الخوض، وقيل الخطاب لليهود والنصارى والمؤمنين، أى ليس البر فى أمر الاستقبال فقط، ويحتمل أن يراد البر العظيم الأعظم الذى يحسن أن تذهلوا بشأنه من غيره، هو أمر القبلة، فإن الإيمان بالله واليوم الآخر والملائكة والكتاب والنبيين أهم منه، وقيل عن ابن عباس إن الخطاب للمؤمنين، وإن المراد بتولية الوجوه قبل المشرق والمغرب نفس الصلاة لا نفس الاستقبال، وقيل المعنى ليس البر أن تكونوا نصارى فتصلوا إلى المشرق، ولا يهودا فتصلوا إلى المغرب. وقال مجاهد إن أبا ذر سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن البر فنزلت الآية، فدعاه فتلاها عليه، ثم سأله فأعادها، ثم سأله فأعادها، فقال إذا عملت حسنة أحبها قلبك، وإذا عملت سيئة أبغضها قلبك، وقرأ ابن مسعود بأن تولوا بزيادة الباء فى خبر ليس للتأكيد، وقرأ حمزة وحفص بنصب البر على أنه خبر ليس مقدم على اسمها، وفى قراءتهما رد على ابن درستويه، إذ منع توسيط خبر ليس، قال ابن هشام وتوسيط أخبار كان وأخواتها جائز خلافا لابن درستويه فى ليس، قرأ حمزة وحفص { ليس البر أن تولوا وجوهكم } بنصب البر انتهى بتصرف. وإن قلت أى القراءتين قوى؟ قلت يدل كلام ابن هشام أن قراءتهما أقوى، لأن فى رفع البر الإخبار بما هو بمنزلة الضمير عما دونه فى التعريف. قال واعلم أنهم حكموا لأن وأن المقدرتين بمصدر معرف بحكم الضمير، ولذا قرأ السبعة { وما كان حجتهم إلا أن قالوا } بالنصب والرفع ضعيف انتهى. { ولكن البر من آمن بالله } بتخفيف نون لكن، وكسرها لالتقاء الساكنين، أى لكن البر من آمن بالله لاستقبال ما نسخ استقباله، أو لكن البر الأعظم من آمن بالله، والبر معنى لا ذات، فإن البر هو الفعل المرضى سواء كان طاعة الله لا إحسان فى ظاهرها إلى الخلق، ولو كان فيها ضر عليهم كالجلد والرجم والقطع والحدود، أو طاعة له فيها إحسان للخلق كإنفاق المال لوجه الله، ويطلق فى اللغة أيضا على الإحسان للخلق ولو بلا نية تقرب إلى الله، وليس هذا مرادا هنا فيقدر مضاف ليكون الإخبار بذات عن ذات، أو بمعنى عن معنى، تقديره لكن ذو البر من آمن، ويدل لهذا التقدير قراءة بعضهم، ولكن الكبار من آمن بالله بالألف بعد الباء، والحذف على هذا كان أولا وفيه إخبار عن ذات بذات، أو تقديره ولكن البر من آمن بالله، وهذا فى إخبار بمعنى عن معنى، والحذف كان آخر، وهذا أولى لأنه وارد عن قوله { ليس البر أن تولوا وجوهكم } إلخ الذى هو نفى كون البر تولية الوجه، فليكن هذا الوارد المستدرك عليه الذى هو قوله { ولكن البر من آمن بالله } من جنس ذلك المنفى، ولو قال ليس البار من يولى وجهه قبل المشرق والمغرب لكان تقدير ولكن ذو البر من آمن بالله أولى.

قال ابن هشام. إذا احتاج الكلام إلى حذف مضاف يمكن تقديره مع أول الجزاءين ومع ثانيهما فتقديره مع الثانى أولى، نحو { ولكن البر من آمن } فتقدير نحو البر من آمن أولى من تقدير البربرة، لأنك قدرت عند الحاجة إلى التقدير، ولأن الحذف من آخر الجملة أولى، ويعنى عند الحاجة أنك إنما احتجت آخرا لا أولا إذ الأول أخذ مكانه فيؤتى له بما يطابقه، فإن لم يوجد لفظا قدر له، ومثل تقدير المضاف أولا تأويل البر بالبار كسائر ما يؤول فيه المصدر بالوصف، كما تدل له قراءة ولكن البار، ويجوز ألا يقدر ولا يؤول، ولكن مبالغة كقوله من قال فإنما هى إقبال وإدبار. وقرأ ابن مسعود وغير نافع وابن عامر بتشديد نون لكن وفتحها، ونصب البر، وفى هذه القراءة ما تقدم من الأوجه فى قراءة التخفيف والكسر للنون ورفع البر، وهو قراءة نافع وابن عامر، ويجوز تقدير ذى جمعا فى قراءة النصب وقراءة الرفع، واختار المبرد قراءة النصب، وقال لو كنت ممن يقرأ لقرأت { ولكن البر } بالتشديد والنصب وفتح الباء، وفى إختياره فتح الباء اختيار لتقدير ذو البر، أو اختيار لتأويل البر بالبار لأن البار وذا البر بكسر الباء بفتحها بمعنى فإن البر بفتح الباء مخفف من البار. { واليوم الآخر } ذكره لأن عبدة الأوثان ينكرونه وهو يوم البعث من القبر. { والملائكة } كلهم بأنهم خلق مطيعون لله سبحانه، خلقهم من نور وذكرهم لأن اليهود كفروا فى حقهم، إذ قالوا جبريل عدونا، ومشركو العرب قالوا إنهم بنات الله. { والكتاب } القرآن، وقيل جنس كتب الله، ويدل بقوله { والنبيين } لأن الإيمان بالأنبياء كلهم مستلزم للإيمان بالكتب كلها، ويجمع دين الله ووحيه سبحانه، ويدل فى الإيمان بكل من الخمسة أشياء كثيرة يلزم التصديق عليها.

{ وآتى المال على حبه } أى على حب المال، أو على حب البر، أو على حب الله، أو على حب الإيتاء، أى يعطيه وهو طيب النفس بإعطائه، فالهاء مفعول معنى، ويجوز أن تكون فاعلا معنى عائدة إلى الموتى، أو على حب المال، أو على حبه البر، أو على حبه الله، أو على حبه الإيتاء. والصحيح من ذلك عود الهاء للمال، لأنه أقرب مذكور بلا تكلف معه ولا تأويل، ولا يعود لغير الأقرب إلا لدليل، ولقوله صلى الله عليه وسلم

" لما سئل أى الصدقة أفضل؟ قال " أن تؤتيه أى المال وأنت صحيح شحيح تأمل العيش وتخشى الفقر "

رواه البخارى ومسلم، ومعنى الشح هنا حرص النفس على المال ورغبتها فيه، وصعوبة إنفاقه عليها، ولقول ابن مسعود أن تؤتيه أى المال وأنت صحيح شحيح، تأمل العيش وتخشى الفقر، ولا تمهل حتى إذا بلغت الحلقوم قلت لفلان كذا ولفلان كذا. وفى رواية

Shafi da ba'a sani ba