Hamayan Zad Zuwa Gidan Gobe
هميان الزاد إلى دار المعاد
Nau'ikan
قيل ثم مخالطة المشركين بالمؤمنين فى الحج، ثم نسخ العهد الذى بينهم، وقالت اليهود ما هو إلا شئ ابتدعته من تلقاء نفسك، فتارة تصل إلى بيت المقدس، وتارة إلى الكعبة ولو ثبت على قبلتنا لكنا نرجو أن تكون صاحبنا الذى ننتظره فنزل قوله تعالى { وإن الذين أوتوا الكتاب } وهم اليهود، لأن الكلام فى إنكارهم الصرف عن بيت المقدس إلى الكعبة، والكتاب التوراة، أو هم اليهود والنصارى، والكتاب الجنس الصادق بالتوراة والإنجيل، فيكون الكلام مشتملا على زيادة فائدة ليس مما الكلام السابق فيه، وهى الإخبار بأن النصارى يعلمون أن أمر الكعبة حق كاليهود. { ليعلمون أنه } أى التحويل إلى الكعبة، أو التوجه إليها، أو التحول إليها أو التوجيه إليها أو التولى إليها، وليس التولى مصدرا لولى، فإن مصدر ولى التولية، ولكن لازمة ومسببة، ويجوز عود الهاء إلى المسجد الحرام على حذف مضاف أى استقباله. { الحق } أى الثابت. { من ربهم } عرفت اليهود والنصارى أن كل شريعة بقبلة، فلزم أن تكون قبلة محمد رسول الله، صلى الله عليه وسلم، المستمرة الكعبة، وعرفوا من أن التوراة والإنجيل وآثارهم التى صحت أنه يصلى إلى بيت المقدس ثم إلى الكعبة. { وما الله بغافل عما يعملون } من المعاصى والشرك، ومن ذلك إنكار الكعبة، وقرأ الكسائى وابن عامر وحمزة بالتاء المثناة الفوقية خطايا للمؤمنين، قال ابن عباس إنكم يا معشر المؤمنين تطلبون مرضاتى وما أنا بغافل عن ثوابكم وجزائكم، فأنا أثيبكم على طاعتكم أجزل الثواب، وأجازيكم أحسن الجزاء، فذلك وعد للمؤمنين، أو خطاب لأهل الكتاب على طريق الالتفات من الغيبة إلى خطابهم تغليظا فى الزجر لهم، فذلك وعيد لهم، أى أن الله عالم بما تعملون فيعاقبكم عليه، أو خطاب لهم وللمؤمنين، ووعيد لهم، ووعد للمؤمنين، قال الحسن البصرى لم يبعث الله نبيا إلا وهو يصلى إلى الكعبة. والله أعلم. قالوا إن كتب { قد نرى تقلب } إلى قوله { يعلمون } فيما يقطع من فم القميص الذى يخرج منه العنق، وكان القميص جديدا على اسم السارق أو الآبق أو الناشزة، ثم يضرب بالمسمار فى وسط ذلك المقطوع، ويسمر فى الحائط الذى سرق منه أو خرج منه السارق أو الآبق أو الناشزة، فإنه يتحير حتى يرجع، ويرد السارق ما سرق إلى الموضع بحول الله تعالى. والله أعلم. وذكر أن اليهود قالوا لرسول الله، صلى الله عليه وسلم، ارجع إلى استقبال بيت المقدس فنؤمن بك وذلك مخادعة منهم، فنزل قوله تعالى { ولئن أتيت الذين... }
[2.145]
{ ولئن أتيت الذين أوتوا الكتاب } اليهود والنصارى. { بكل آية ما تبعوا قبلتك وما أنت بتابع قبلتهم وما بعضهم بتابع قبلة بعض } يعنى إذا كانوا لا يؤمنون بقبلتك، ولو أتيتهم بكل آية، فأولى ألا يؤمنوا بها بمجرد رجوعك إلى قبلتهم، فكأنهم أرادوا مخادعته بأن يرجع إلى قبلتهم، وإذا رجع إليها كانوا يصلون إلى الكعبة تارة وإلى بيت المقدس تارة، وكذا هو، إلا لم يكن سبب نزول الآية ذلك، وقيل إن اليهود قالوا إنا لنرجوأ أن يرجع محمد إلى ديننا، كما صلى إلى قبلتنا فأنزل الله { ولن أتيت الذين أوتوا الكتاب بكل آية } إلى قوله { الظالمين } يعنى أنهم مصرون على كفرهم، ويدعونك إليه بطلب ترك الكعبة، وأنت مقيم على الحق، والكعبة لا تدخل فى أهوائهم، وإلا فلا يصح كون سبب النزول ذلك، وكلا القولين تكلف، والواضح ما قيل أنهم قالوا ائتنا يا محمد بآية على ما تقول، فنزلت هذه الآية، والمراد بالآية فى قوله { ولئن أتيت الذين أوتوا الكتاب بكل آية } الحجة أو البرهان أو المعجزة، وكل من ذلك علامة على ما يقول، وقبلة محمد الكعبة، وقبلة اليهود صخرة بيت المقدس، وقبلة النصارى المشرق أو مشرق الشمس، كما قال القاضى من حيث طلعت فى كل يوم، حيث كانوا، لأن مريم اتخذت مكانا شرقيا، فليس النصارى واليهود متبعين قبلة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا هو متبع قبلة اليهود أو قبلة النصارى ولا قبلتهما معا، ولا بعضهم وهو اليهود والنصارى متبع قبلة الآخر، فاليهود لا تثبت قبلة النصارى، والنصارى لا تتبع قبلة اليهود، والآية تتضمن أن ييئس رسول الله أن يؤمنوا وييئسوا أن يتبعهم فى ضلالهم، وأن ييئس بعضهم من بعض لتصلب كل فى دينه. وقوله { وما أنت بتابع قبلتهم } إخبار كما قبله وبعده، ويجوز أن يكون بمعنى الأمر أى لا تتبع قبلتهم، وتضمنت الآية أن كفرهم عناد ومكابرة، إذ لو كان لشبهة أو طلب الحق لزال بأدنى آية، وما تبعوا جواب القسم المقدر قبل أن بدليل اللام، وجواب أن محذوف دل عليه جواب القسم وقيل أغنى جواب القسم عنه، والإضافة فى قبلتهم للجنس الصادق بالقبلتين قبلة اليهود وقبلة النصارى، وإنما أفردت ولم تئن إشارة إلى اتحادهما فى البطلان وقرئ بتابع قبلتهم بإضافة تابع لقبلتهم. { ولئن اتبعت أهواءهم } أى ما يهوونه من استقبال بيت المقدس بعد ما حرم الله استقباله فى الصلاة وغير ذلك من الأباطيل، والخطاب للنبى صلى الله عليه وسلم على سبيل الفرض والتمثيل، لأنه صلى الله عليه وسلم لا يتبع أهواءهم ألبتة، وذلك تنبيه له وتأكيد، والمعنى بهذا الخطاب فى الحقيقة أمته وتقدم الكلام فى ذلك.
{ من بعد ما جاءك من العلم } بوجود أمر القبلة، وكون اليهود والنصارى مقيمين على باطل عنادا وغير ذلك من الوحى، والعلم باق على المصدرية، ويجوز كونه بمعنى المعلوم، ودلت الآية على أن توجه الوعيد على العلماء أشد من توجهه على غيرهم، حيث خصه فى ظاهر اللفظ بالخطاب وحيث قال من بعد ما جاءك من العلم. { إنك إذا } حرف جواب وجزاء، بمعنى أنها دلت على أن الكلام فى قوة جواب سؤال، وأن الكون من الظالمين جزاء على اتباع الأهواء الباطلة لو كان، أو هى إذا الاستقبالية الظرفية، نونت وحذف ألفها للتنوين، وعوض تنوينها عن جملة شرطها، ولا مانع من أن تقول لمن لا يتوهم خروجه إذا خرجت إذا أوجعتك ضربا، فرضت الكلام أنه ممكن الخروج أو بصدده للمبالغة والتهديد بالجواب، ولا سيما أن الخطاب فى المعنى لأمته، صلى الله عليه وسلم، أو إذا الماضوية الظرفية، المعوض عن الجملة بعدها التنوين، كأنه فرض أنه اتبعهم ليغلظ بالجواب عليه، والمراد غيره، والقرينة على أنه لم يتحقق الاتباع إن الشرطية. { لمن الظالمين } لأنفسهم بالمضرة، والكلام مؤكد القسم المحذوف، وباللام المؤذنة به الداخلة على أن، أى والله لئن اتبعت، أو بأن الشرطية الدالة على تعليق كونه من الظالمين لمجرد اتباع جزء من أهوائهم، فإن التعليق تأكيد بحيث لا يجوز أن يتخلف المعلق إذا وجد المعلق إليه، وبالإجمال فى قوله { ما جاءك } والتفضيل فى قوله { من العلم } وبأن المشددة وباللام فى خبرها، وبالجملة الاسمية ويجعله من الظالمين بدرجة فيهم، فإن فى درجة فيهم تعظيما لمخالفة الحق، واتباع أهوائهم وإغراء باتباع الحق ومخالفة غيره واستفظاعا لاندراج بنى فى جملة الظالمين، وبتعريف الظالمين، لأن المعنى من المعروفين فى الظلم، ومن الموسومين، وبإذا الدالة على الربط والجزاء، وجملة { إنك إذا لمن الظالمين } جواب القسم، وجواب إن محذوف أو مستغنى عنه كما مر.
[2.146]
{ الذين آتيناهم الكتاب } الجنس الصادق بالتوراة والإنجيل، وهم اليهود والنصارى. الذين مبتدأ خبره هو قوله { يعرفونه كما يعرفون أبناءهم } ، يعرفون محمدا بعد بعثته وقبلها، صلى الله عليه وسلم، بنعته فى التوراة والإنجيل، كما يعرفون أبناءهم، ويميزونهم من أبناء غيرهم، فكما لا يلتبس ولد الرجل عنه بولد غيره ولا يشتبه، كذلك لا يلتبس محمد بغيره، ولا يخفى على من عرف نعته فى التوراة والإنجيل، ولا على من وصل نعته من أسلافه أو أحباره قبل أن يكتموه. وأحباره الذين لم يكتموه روى أن عبد الله بن سلام سأله عمر ابن الخطاب، رضى الله عنه، أن الله أنزل على نبيه محمد، صلى الله عليه وسلم { الذين آتيناهم الكتاب يعرفونه كما يعرفون أبناءهم } فكيف هذه المعرفة؟ فقال عبدالله يا عمر لقد عرفته حين رأيته كما أعرف ابنى، ومعرفتى بمحمد، صلى الله عليه وسلم، أشد من معرفتى بابنى. فقال عمر فكيف ذلك؟ فقال لست أشك فى محمد أنه رسول الله حقا، وقد نعته الله فى كتابنا، ولا أدرى ما تصنع النساء، فلعل ولدى قد خانت والدته. فقبل عمر رأسه وقال وفقك الله يا بن سلام، فقد صدقت. وهذه السورة نزلت بالمدينة. وقال الكلبى لما قدم رسول الله، صلى الله عليه وسلم، المدينة قال عمر بن الخطاب لعبد الله بن سلام إن الله عز وجل أنزل على نبيه وهو بمكة أن أهل الكتاب ليعرفونه كما يعرفون أبناءهم، فيكف هذه المعرفة يابن سلام؟ قال نعرف نبى الله بالنعت الذى نعته إذ رأيناه فيكم، كما يعرف أحدنا ابنه إذا رآه مع الغلمان، والذى يحلف به عبدالله بن سلام لأنا بمحمد أشد معرفة منى لابنى. فقال له عمر كيف ذلك؟ قال عرفته بما نعته الله لنا فى كتابنا أنه هو، وأما ابنى فلا أدرى ما أحدثت أمه؟ فقال له عمر وفقك الله قد أصبت وصدقت، يعنى آية الأنعام { الذين آتيناهم الكتاب يعرفونه كما يعرفون أبناءهم } فإن سورة الأنعام نزلت فى مكة، والهاء فى يعرفونه عائدة على محمد رسول الله، صلى الله عليه وسلم، لتقدم ذكره بلفظ الخطاب مرارا، فهذا على طريق الالتفات من الخطاب للغيبة، وذكر بلفظ الرسول مرتين فى قوله
ويكون الرسول عليكم شهيدا...
إلخ وذلك قول مجاهد وغيره، وهو قول الجمهور وهو الصحيح، ويدل له قوله { كما يعرفون أبناءهم } ، والمعنى يعرفون صدقه ورسالته وصفاته. وقال ابن عباس وغيره الهاء عائدة إلى التحول إلى الكعبة يعرفون أن التحول إليها حق من الله تعالى، وأنها قبلة إبراهيم وقبلة الأنبياء قبلك كما يعرفون أبناءهم لا يشكون، وفى الهاء للأوجه السابقة فى قوله { إنه الحق من ربهم } ، وهذه الأوجه مع وجه عودها إلى التحول، وقد مر أيضا فى هاء إنه هى المتبادرة لمناسبة الغيبة، كما قيل بعودها إلى القرآن، بخلاف عودها إلى رسول الله، لأنه ذكر قبله بلفظ الخطاب، غير أنه قد يقال إنه رجعت إليه الهاء بلفظ الغيبة، مع أنه لم يذكر فى الكلام المتصل بهذا إلا بلفظ الخطاب، إشهارا بفخامته وشهرته أنه لا يلتبس على السامع فى عود الضمير إليه، حيث يلتبس غيره، ويجوز عودها إلى العلم فى قوله { من بعد ما جاءك من العلم، وإن فريقا منهم } أى جماعة من أهل الكتاب، وهى أكثر علمائهم، فالهاء لأهل الكتاب، ويجوز عودها لعلمائهم، وفى التعبير بفريق منهم إشارة إلى أن بعضهم لم يكتم الحق، بل قبله كعبد الله بن سلام من اليهود، والنجاشى ومن آمن من رهطه وصهيب من النصارى.
{ ليكتمون الحق } وهو كون محمد رسولا من الله تعالى إلى الناس كلهم، صلى الله عليه وسلم، أو هو التحول إلى الكعبة، أو هو القرآن، أو هو المسجد الحرام ونحو ذلك مما مر فى قوله { إنه الحق } أو الوحى إليه، صلى الله عليه وسلم، مطلقا القرآن وغيره، أو الحق مطلقا، أو صفته صلى الله عليه وسلم. { وهم يعلمون } من التوراة والإنجيل والسماع وآثارهم، والمفعولان محذوفان، أى وهم يعلمونه حقا أو بقدر ما يسد مسدهما، أى يعلمون أنه الحق أى أن ما كتموه حق، أو يعلمون أن كتمان الحق معصية.
[2.147]
Shafi da ba'a sani ba