Hamayan Zad Zuwa Gidan Gobe
هميان الزاد إلى دار المعاد
Nau'ikan
وما أنزلت التوراة والإنجيل إلا من بعده
فاليهودية والنصرانية الخارجتان عن التوراة والإنجيل لا يكون عليهما إبرهيم قطعا، لأنهما بدع ومعاص، والموافقتان لهما لم يكن عليهما أيضا، بل على ما فى القرآن وما اتفقا عليه مع القرآن، فظهر أنهما حدثتا بعد إبراهيم، فكيف ينسب إليهما، ومن ذكر بعد إبراهيم كانوا تابعين لإبراهيم فى دينه، فالكلام عليه كلام عليهم. { ومن أظلم ممن كتم شهادة عنده من الله } الاستفهام للإنكار والنفى، ومن واقعة على اليهود، أى لا أحد أظلم من اليهود الذين كتموا شهادة جاءته من الله فى شأن إبراهيم أنه حنيف مسلم، لا يهودى ولا نصرانى، وكذا بنو إبراهيم وسائر الأنبياء، أو شهادة من الله فى شأن رسوله محمد، صلى الله عليه وسلم، أنه رسوله حقا بنعته الموجود فى كتبهم، المقرة به أنبياؤهم، وبالوجه الأول قال مجاهد وغيره. قال مجاهد الذى كتموه هو ما فى كتبهم، من أن الأنبياء على الحنفية لا على ما ادعوه، وبالوجه الثانى قال قتادة وغيره.
قال قتادة الذى كتموه هو ما عندهم من الأمر بتصديق النبى، صلى الله عليه وسلم، والأول أشبه بسياق الآية، ولا مانع من إرادتهما معا، لأنهم كتموا ذلك كله، ويجوز أن تكون من واقعة على الصحابة على سبيل الفرض لا التحقيق، أى لا أحد أظلم منا معشر المؤمنين لو كتمنا ماعندنا من الشهادة لإبراهيم وبنيه، والأنبياء بأنهم ليسوا يهوديين ولا نصرانيين، بل مسلمون، أو من الشهادة لرسول الله محمد، صلى الله عليه وسلم، أنه رسول حق، أو من الشهادة بذلك كله، فيكون الكلام على وجه وقوع من على الصحابة تعريضا باليهود والنصارى، إذ كتموا ذلك، و عنده نعت لشهادة و من الله نعت ثان أو حال من شهادة، أو من ضميرها المستتر فى عند، إن قدر المتعلق عاما، أو من ضميرها فى المتعلق الخاص، أى شهادة ثابتة أو محفوظة عنده آتية أو ثابتة من الله، أو متعلق بما يعلق به قوله عنده ومن للابتداء. { وما الله بغافل عما تعملون } يا معشر اليهود والنصارى، وقرئ بالتحتية وهم المعنيون أيضا، فهذا تهديد لهم على كذبهم ووعيد، أى هو رقيب عليكم فيجازيكم على عملكم، ولا يوصف الله بالغفلة، بل الغافل مأخوذ من الأرض الغفل، وهى التى لا علامة فيها. قال الحسن قوله { وما الله بغافل عما تعملون } ، يعنى بذلك علماءهم أنهم كتموا محمدا ودينه، وأن فى دينهم أن إبراهيم والانبياء كانوا مسلمين، وأن الله لا يغفل عن كتم ذلك، وأنه يعاقبهم على الكتم لا محالة.
[2.141]
{ تلك أمة قد خلت } يعنى إبراهيم وبنيه. { لها ما كسبت ولكم ما كسبتم ولا تسألون عما كانوا يعملون } وقد تقدم ذلك ولكن كرر مع قربه للمبالغة فى التحذير، والزجر عما استحكم فى طباع البشر من الافتخار بالآباء وخصالهم الاختيارية وغير الاختيارية، والاتكال عليهم، وحسن تكرير ذلك لما يقال إن الشئ يذكر لما ذكر ما يشعر باتكال اليهود والنصارى على الآباء وخصالهم جر ذكره ذكر هذا المكرر، ولاختلاف مقام المجادلة، وقيل المراد بالأمة فى أول الانبياء، وفى هذا أسلاف اليهود والنصارى، وقيل ذلك فى اليهود والنصارى وهذا فينا معشر المؤمنين تحذيرا عن الاقتداء بهم.
[2.142]
{ سيقول السفهاء } أى الذين عقولهم خفيفة ممتهنة بالتقليد، وترك التدبر فى الوحى، وسائر خلق الله، فلو كانوا يتدبرون فى الوحى والمصنوعات لرجحت بالعلم ورزنت، وإن شئت فقل السفهاء من خفت نفوسهم وجوارحهم وألسنتهم لنقصان عقولهم فى الدين، ألا ترى كيف يعاجلون المعصية حذرا أن تفوتهم، سواء كانت معصية فعل أو قول، وهكذا يكون السفه فى أمر الدنيا، ويقارنه السفه فى الدين، كعدم المبالاة بتضييع المال وإذا صح انصاف الإنسان بالسفه من جانب أمر الدنيا فمن باب الدين أولى. { من الناس } حال من السفهاء، ومن للتبعيض، والمراد بالسفهاء اليهود لإنكارهم النسخ، وقد نسخ التوجه إلى بيت المقدس بالتوجه إلى الكعبة، وهذا قول مجاهد، وعن ابن عباس هم أحبار اليهود جاءوا إلى رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فقالوا يا محمد ما ولاك عن قبلتنا، ارجع إليها ونؤمن بك، يريدون فتنته، وقال الحسن المراد بالسفهاء مشركو العرب، وهم كفار قريش. قالوا رغب عن قبلة آبائه ثم رجع إليها، فوالله ليرجعن إلى دينهم، وقالوا قد تردد على محمد أمره واشتاق إلى مولده، وقد تحول إلى قبلة بلدكم فلعله يرجع إلى دينكم. وقيل المراد بالسفهاء المنافقون فى المدينة لحرصهم على الطعن والاستهزاء فى الإسلام، ولا يجدون مقالا فى ذلك إلا قالوه، وقيل المراد المنافقون واليهود، وقيل المراد المنافقون واليهود والمشركون من قريش، وهو أولى لعمومه، إذ لا فائدة فى التخصيص، والمراد بالناس جملة الناس، ويجوز أن يراد بالناس قريش بمعنى أنه سيقول السفهاء من قريش، لأن فى قريش من ليس سفيها، وهو من آمن بالله ورسوله، صلى الله عليه وسلم، ويجوز أن يراد بالناس اليهود، أى سيقول السفهاء من اليهود، لأن من اليهود من آمن بالله ورسوله، صلى الله عليه وسلم، كعبد الله بن سلام. وقد يقال المراد بالناس المنافقون واليهود ومشركو العرب، أى سيقول السفهاء من المنافقين واليهود ومشركى العرب، لأنهم ولو كانوا كلهم كفارا مشركين لكن منهم إخفاء، ومنهم من فيه ثقل، وبعض رزانة. والله أعلم. والآية نزلت قبل أن يقولوا، وفائدة ذلك أن يكون معجزة لأن فيه إخبارا بالغيب على طبق ما سيقع، ففيه دعاء إلى تصديق النبى صلى الله عليه وسلم، وأن يوطن نفسه ليثبت، إذا قالوا لأن مفاجاة المكروه أشد من مجيئه على علم به، وفيها يكون الاضطراب، وإذا تقدم العلم به زال الاضطراب لوقوعه أو خف، وأن يعد الجواب لهم إذ قالوا كما علمه الله أن يقول بقوله قل لله المشرق والمغرب.. إلخ، فإن الجواب الحاضر قبل الحاجة إليه أقطع للخصم، وفى المثل، قبل الرمى يراش السهم. وقال ابن عباس الآية متأخرة فى النزول عن قوله تعالى
قد نرى تقلب وجهك
الآية متقدمة فى التلاوة، ومعنى سيقول أنهم يقول فيما يأتى كما يقولون فيما مضى، وذلك وصف لهم بالاستمرار على القول، والجمهور على ما ذكرت قبل هذا. { ما ولاهم عن قبلتهم } ما الذى صرفهم عن القبلة. { التى كانوا عليها } أى على استقبالها فى الصلاة وهى بيت المقدس والقبلة فى الأصل الهيئة من الاستقبال، كالجلسة بكسر الجيم، جعلت فى العرف اسما للمكان الذى يستقبله المصلى فى صلاته ويتوجه إليه، وتطلق أيضا على الجهة التى يقابلها الإنسان أو غيره فى الصلاة، ووجه التسيمة أن ذلك المكان أو الجهة يقابله، ويقابل ذلك المكان أو الجهة. { قل } يا محمد ردا على هؤلاء السفهاء. { لله المشرق والمغرب } الكلام عليهما مثل ما مر، فإذا كانت الجهات كلها مقسومات فى قطر المشرق والمغرب وهما له، فله أن يأمر بالاستقبال إلى أى جهة شاء لا اعتراض عليه، وليست جهة أولى من الأخرى فى الاستقبال فى ذاتها، وإنما تكون الجهة قبلة بأمر الله. { يهدى من يشاء } هدايته. { إلى صراط مستقيم } أى طريق لا عوج فيه ولا مضرة لمن يسير فيه، وذلك دين الإسلام شبهة فى نفعه وسهولته بالطريق السهل الموصل للمقصود، ويجوز أن يراد بالصراط المستقيم ما تقتضيه الحكمة من شرع بيت المقدس قبلة تارة، والكعبة تارة، لا مجموع الإسلام، وأن يراد شرع الكعبة قبلة وهى قبلة إبراهيم، وفى المقام حذف معنوى تقديره، وأنتم ممن هداه إلى صراط مستقيم دل على هذا قوله { وكذلك جعلناكم أمة... }
[2.143]
Shafi da ba'a sani ba